تلمس وأنت تتحدث مع الفنانة ألين لحود نضوجاً ملحوظاً، في أسلوب تفكيرها وفي نظرتها للأمور الفنية. فهي وبعد إصابتها بـ«كوفيد - 19» كما تقول، استطاعت أن تجمع أوراقها من جديد وتفكر بتأنٍ، لترى الأشياء من زوايا مختلفة. «استخلصت عبراً ومواقف زادتني نضجاً وحكمة». تقول ألين في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «خلال حجري المنزلي بسبب إصابتي بالعدوى، انتبهت إلى الحياة فعدت وقرأتها من منظار آخر. تعلمت ورأيت وحزنت، خاب أملي بكثيرين كانوا يتمتعون بالمبادئ وباعوها. اكتشفت أني إنسانة صبورة، وهو أمر كنت أجهله في شخصيتي. لقد كان لدي المقدرة على التحمل، ووجودي المفروض علي في المنزل علمني الكثير. فاستخلصت كل ما تلمسينه اليوم في شخصيتي من جديد، خاصة الهدوء والسلام النفسي».
هكذا حولت ألين لحود موقفاً سلبياً واجهها إلى إيجابي استفادت منه على أصعدة كثيرة. فأغنتها بالخبرة والرؤية المستقبلية وكذلك بالتوازن الفكري الذي كانت تنشده. فهي كما تقول: «تربيت وتأسست على الأصالة، وبقيت متمسكة بهذا المبدأ رغم كل الإغراءات التي صادفتني. ومؤخراً عندما شاركت في مهرجان (هالميلاد طرابلس أقوى) في هذه المدينة الأحب إلى قلبي، اكتشفت تقدير الناس لرؤيتي، حين جاؤوا بالآلاف لحضور حفلتي الغنائية».
مؤخراً أحيت ألين لحود حفلة غنائية في مدينة طرابلس شمال لبنان. وهي تتحدث عنها بشغف الأطفال وتصفها بمدينة المحبة وأنّها قطعة من قلبها، لأنها مسقط رأس والدتها الراحلة سلوى القطريب. «مدينة تعني لي الكثير، لم أكتشفها إلا عندما كبرت. كانوا يقولون لي إنّ «نصفك طرابلسي الهوى» ولم أكن أدرك ذلك إلا عندما تعرفت إليها وإلى أهلها عن قرب». تزور اليوم ألين طرابلس باستمرار. وهي على تماس دائم مع أقرباء والدتها هناك، ومع غالبية الطرابلسيين الذين تعرفت إليهم. وتشعر بأنّ هناك علاقة عاطفية بينها وبين طرابلس الفيحاء، تنبض في دمها وتتنفسها. «أهل طرابلس رائعون ينبضون بالمحبة وطيبون جداً، عندما تلتقين بهم يبتسمون لك بحرارة. كل ذلك كان حاضراً في حفلتي التي جرت تحت عنوان (هالميلاد طرابلس أقوى). وقدمت فيها عدداً من الأغاني لي ولوالدتي الراحلة سلوى القطريب. لقد تفاعلوا معي بشكل لافت. وهذه الحفلة بالذات حفرت في ذاكرتي ولن أنساها طيلة عمري. غنيت في بلدان وعلى مسارح مختلفة، ولكن في طرابلس كان الأمر مختلفاً، فيه الكثير من الحب. لقد توزع أهاليها على الطرقات لاستقبالي والترحيب بي. استوقفوني لالتقاط صور تذكارية معهم، وكذلك غنوا معي باندفاع، فشعرت بسعادة كبيرة».
ألين لحود من الفنانات الشابات اللاتي تركن أثرهن على المستمع اللبناني إن بحضورها وإن بتعدد مواهبها. فهي تغني وتمثل وتلحن وتخرج الكليبات ومن المغنيات اللاتي وصلت شهرتهن الغرب. وتعلق: «طالما حاولت خدمة الفن بالشكل السليم والصحيح. كان من الجيد أن أتمسك بالأصالة التي حدثتك عنها، وأنا كلي إيمان، وعلى ثقة تامة بأنه لا يصح إلا الصحيح. وفي النهاية سأكون في المكان المناسب لي، فطموحاتي أبعد وأكبر، وموهبتي رسالة أريد أن أنشرها على طريقتي».
لا تستمع لحود إلى أغنيات بالصدفة وتقول: «أختارها عن سابق تصور وتصميم، أبحث عنها لا سيما القديم منها. أستمع إلى أعمال بكل اللغات من كلاسيك وبلوز وجاز. ومرات أكتشف أن هناك أغنية ضاربة لأنّ الأصدقاء يخبرونني بذلك، فأنا بعيدة عن الإصدارات الجديدة».
وعن مشاريعها المستقبلية تخبر «الشرق الأوسط» بأنّها كثيرة ومتنوعة. «سأحيي عدداً من الحفلات في لبنان وخارجه. ستُكرم والدتي سلوى القطريب في (ناو بيروت). نحن موعودون بحضور روميو فيها، وأتمنى ذلك لأنّه الشاهد الأكبر على مشوار سلوى ونجاحاتها». وهل تفكرين في كتابة فيلم أو مسلسل عنها؟: «كنا بصدد القيام بذلك، ووالدي ناهي كتب قسماً من القصة بالفرنسية، ربما لم يأت الوقت بعد لتنفيذها، ولكن الفكرة ككل واردة».
برأيك سلوى القطريب كُرمت بعد رحيلها أكثر من حياتها؟ ترد: «نعم هذا صحيح ولقد تفاجأت بمحبة الناس الكبيرة لها. فبعد مرور 12 عاماً على رحيلها، لا يزال كثيرون يتذكرونها ويرددون أغانيها. أحزن طبعاً لأنّهم لم يظهروا حبهم لها وهي على قيد الحياة، لأن ذلك كان سيفرحها. فهي عملت واجتهدت وأعطت الفن من قلبها، ولكنّ بلدها لم يتنبه لها، أو حاول تكريمها وتقديرها. الجميع ينشغل في تكريمها اليوم من وسائل إعلام وإنتاجات فنية. حتى إنّ فنانات ونجمات أعدن غناء أعمالها، وهو أمر رائع، يثبت أنّ الفن الأصيل لا يموت. فأغاني سلوى حفرت في الذاكرة، ومن الجميل أن يكون جيل اليوم من الفنانين متأثراً بها، ليؤكد مرة أخرى بأن الفن الحقيقي لا ينسى».
وعن أغانيها الجديدة التي تنوي إصدارها سيما أنّها تحدثت عن نيتها الغناء بالعراقية تقول ألين: «أحب أن أغني جميع اللهجات فهو أمر شبيه بإجادتي التحدث بلغات عدة. أي شيء يمكن أن يلائم أسلوبي الغنائي هو إضافة لمشواري. فأنا أغني المغربي والجزائري، وأتمنى قريباً أن تكون اللهجة العراقية جديدي. حاليا أنا بصدد التحضير لعمل غنائي لبناني وأسمع في الوقت نفسه ألحاناً وقصائد لعديدين. لا أحب أن تكون عودتي إلى الساحة بعد غياب نحو سنتين عادية. لذلك أفكر في أغنية مختلفة. فمن الجيد أن نثبت كجيل غنائي شاب بأننا لا نزال متمسكين بالمستوى الفني المطلوب، وأن تدخل أغنياتنا مكتبات الفن عبر التاريخ تماماً كمن سبقونا».
مؤخراً عرض لألين لحود مسلسل «شريعة الغاب» عبر قناة «أو إس إن». لاقى العمل الصدى الطيب، وهو من كتابتها ومالك الرحباني ومن بطولتها مع باسم مغنية.
يحكي المسلسل قصة فتاة ثرية تخطفها عصابة، فتنقلب حياتها رأساً على عقب. وهل أحببت مجال الكتابة وستعيدين الكرة؟ ترد: «أحببت التأليف الدرامي سيما أن لدي خيالاً واسعاً، وأركب أدوات كثيرة بفضلها. أحيانا أستوحي حبكة العمل من خبرات وتجارب حياتية ومرات من عبارات وأخبار أسمعها بالصدفة. حاليا أكتب مسلسلاً جديداً من نوع الـ(لايت ستوري)، قصته خفيفة تحمل رسائل اجتماعية وتتخلله قصة حب غير اعتيادية. نحن اليوم بحاجة إلى هذا النوع من الأعمال حتى في الموسيقى والتصوير. وأتمنى أن يعرض قريباً عبر إحدى القنوات المحلية».
تابعت ألين لحود أعمالاً درامية عبر المنصات الإلكترونية التي تسود غالبها الموضوعات البوليسية ومعالجات نفسية. فما رأيها بالحبكة الدرامية السائدة؟: «لست ضد هذا النوع من الأعمال لأنّها ابتعدت عن الكليشيهات المعروفة في الدراما. ولكني أفضل ألا ننسخ دراما الغرب، بل أن نقدم ما يشبهنا. فمهما حاولنا تقليد أميركا وأوروبا فلهم مجتمعهم ولنا مجتمعنا. وكي ننجح في المنافسة الدرامية علينا أن نقدم منتجاً يحكي عن واقعنا. لقد سبقتنا بلدان كثيرة في هذا الموضوع، ولأنّها تناولت مشكلات وهموما واقعية من بلادها نجحت، مثال ذلك المصريين والسوريين. لست ضد الفانتازيا والقصص الخيالية، ولكنّ نقل الواقع له تأثيره على الناس ويشدهم تلقائياً لأنه يخاطبهم مباشرة».
تشير لحود إلى أنّ هذه الخيارات قد تكون مطلوبة من المنصات الإلكترونية. وتتابع: «في رأيي هذه المنصات يهمها أيضاً موضوعات البلد صانع الدراما وهويته الاجتماعية. أحيانا ننجح في إدخال واقعنا في عمل درامي، ومرات نكون على مسافة بعيدة عنه. ولكن علينا أن نركز على الدراما المحلية بشكل أكبر. أعرف تماماً الصعوبات التي تمر بها شركات الإنتاج، وبأن التركيز يذهب بشكل أكبر نحو الأعمال المختلطة والمشتركة. هناك لا شك كمية إنتاجات درامية يشهد لمستواها، ولكن في المقابل، المحلية منها، تشهد تراجعاً ملحوظاً، وهو أمر مؤسف بالفعل».
تملك ألين طاقات فنية كبيرة ومختلفة، بيد أنّها تتأنى في أعمالها. وتعلق: «نعم أملك هذه الطاقات التي تتحدثين عنها، وكثيرون يرددون على مسمعي أنني يجب أن أكون في مكانة أهم. ولكني حقيقية ويكفيني أن أرى تقدير الناس لي بعيونهم ونظراتهم عندما ألتقي بهم، فلا أسكر بأوهام العالم الافتراضي.
هناك كثيرون يبنون أحلامهم عليها، مع أنّهم يعرفون سلفاً بأنّها وهمية ومركبة، فيسعدون بأنّ لديهم ألوف المتابعين على وسائل التواصل، وفي قرارة أنفسهم يعلمون جيداً أنّهم يشترونها وليست واقعية».
حتى في تعاملها مع وسائل التواصل الاجتماعي تحرص الفنانة اللبنانية على أن لا تنجرف مع الموجة من دون أهداف معينة. وتقول: «أحب أن أستخدمها لأحمّلها رسالة ما تثقيفية أو اجتماعية. ولا أحب الأساليب التي يتبعها البعض على هذه الوسائل، وتنبع من سطحية وسخافات بهدف جمع الأرباح وشد المتابعين. أفرح عندما ألمس تفاعلاً من متابعي مع هذه الرسائل، فأعرف أنّها حققت الهدف».
ألين لحود لـ «الشرق الأوسط»: كي ننافس في الدراما يجب أن نقدم ما يشبهنا
تكتب مسلسلاً جديداً وصفته بـ«لايت ستوري»
ألين لحود لـ «الشرق الأوسط»: كي ننافس في الدراما يجب أن نقدم ما يشبهنا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة