ألين لحود لـ «الشرق الأوسط»: كي ننافس في الدراما يجب أن نقدم ما يشبهنا

تكتب مسلسلاً جديداً وصفته بـ«لايت ستوري»

بعد «شريعة الغاب» تكتب ألين لحود نصاً درامياً جديداً
بعد «شريعة الغاب» تكتب ألين لحود نصاً درامياً جديداً
TT

ألين لحود لـ «الشرق الأوسط»: كي ننافس في الدراما يجب أن نقدم ما يشبهنا

بعد «شريعة الغاب» تكتب ألين لحود نصاً درامياً جديداً
بعد «شريعة الغاب» تكتب ألين لحود نصاً درامياً جديداً

تلمس وأنت تتحدث مع الفنانة ألين لحود نضوجاً ملحوظاً، في أسلوب تفكيرها وفي نظرتها للأمور الفنية. فهي وبعد إصابتها بـ«كوفيد - 19» كما تقول، استطاعت أن تجمع أوراقها من جديد وتفكر بتأنٍ، لترى الأشياء من زوايا مختلفة. «استخلصت عبراً ومواقف زادتني نضجاً وحكمة». تقول ألين في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «خلال حجري المنزلي بسبب إصابتي بالعدوى، انتبهت إلى الحياة فعدت وقرأتها من منظار آخر. تعلمت ورأيت وحزنت، خاب أملي بكثيرين كانوا يتمتعون بالمبادئ وباعوها. اكتشفت أني إنسانة صبورة، وهو أمر كنت أجهله في شخصيتي. لقد كان لدي المقدرة على التحمل، ووجودي المفروض علي في المنزل علمني الكثير. فاستخلصت كل ما تلمسينه اليوم في شخصيتي من جديد، خاصة الهدوء والسلام النفسي».
هكذا حولت ألين لحود موقفاً سلبياً واجهها إلى إيجابي استفادت منه على أصعدة كثيرة. فأغنتها بالخبرة والرؤية المستقبلية وكذلك بالتوازن الفكري الذي كانت تنشده. فهي كما تقول: «تربيت وتأسست على الأصالة، وبقيت متمسكة بهذا المبدأ رغم كل الإغراءات التي صادفتني. ومؤخراً عندما شاركت في مهرجان (هالميلاد طرابلس أقوى) في هذه المدينة الأحب إلى قلبي، اكتشفت تقدير الناس لرؤيتي، حين جاؤوا بالآلاف لحضور حفلتي الغنائية».
مؤخراً أحيت ألين لحود حفلة غنائية في مدينة طرابلس شمال لبنان. وهي تتحدث عنها بشغف الأطفال وتصفها بمدينة المحبة وأنّها قطعة من قلبها، لأنها مسقط رأس والدتها الراحلة سلوى القطريب. «مدينة تعني لي الكثير، لم أكتشفها إلا عندما كبرت. كانوا يقولون لي إنّ «نصفك طرابلسي الهوى» ولم أكن أدرك ذلك إلا عندما تعرفت إليها وإلى أهلها عن قرب». تزور اليوم ألين طرابلس باستمرار. وهي على تماس دائم مع أقرباء والدتها هناك، ومع غالبية الطرابلسيين الذين تعرفت إليهم. وتشعر بأنّ هناك علاقة عاطفية بينها وبين طرابلس الفيحاء، تنبض في دمها وتتنفسها. «أهل طرابلس رائعون ينبضون بالمحبة وطيبون جداً، عندما تلتقين بهم يبتسمون لك بحرارة. كل ذلك كان حاضراً في حفلتي التي جرت تحت عنوان (هالميلاد طرابلس أقوى). وقدمت فيها عدداً من الأغاني لي ولوالدتي الراحلة سلوى القطريب. لقد تفاعلوا معي بشكل لافت. وهذه الحفلة بالذات حفرت في ذاكرتي ولن أنساها طيلة عمري. غنيت في بلدان وعلى مسارح مختلفة، ولكن في طرابلس كان الأمر مختلفاً، فيه الكثير من الحب. لقد توزع أهاليها على الطرقات لاستقبالي والترحيب بي. استوقفوني لالتقاط صور تذكارية معهم، وكذلك غنوا معي باندفاع، فشعرت بسعادة كبيرة».
ألين لحود من الفنانات الشابات اللاتي تركن أثرهن على المستمع اللبناني إن بحضورها وإن بتعدد مواهبها. فهي تغني وتمثل وتلحن وتخرج الكليبات ومن المغنيات اللاتي وصلت شهرتهن الغرب. وتعلق: «طالما حاولت خدمة الفن بالشكل السليم والصحيح. كان من الجيد أن أتمسك بالأصالة التي حدثتك عنها، وأنا كلي إيمان، وعلى ثقة تامة بأنه لا يصح إلا الصحيح. وفي النهاية سأكون في المكان المناسب لي، فطموحاتي أبعد وأكبر، وموهبتي رسالة أريد أن أنشرها على طريقتي».
لا تستمع لحود إلى أغنيات بالصدفة وتقول: «أختارها عن سابق تصور وتصميم، أبحث عنها لا سيما القديم منها. أستمع إلى أعمال بكل اللغات من كلاسيك وبلوز وجاز. ومرات أكتشف أن هناك أغنية ضاربة لأنّ الأصدقاء يخبرونني بذلك، فأنا بعيدة عن الإصدارات الجديدة».
وعن مشاريعها المستقبلية تخبر «الشرق الأوسط» بأنّها كثيرة ومتنوعة. «سأحيي عدداً من الحفلات في لبنان وخارجه. ستُكرم والدتي سلوى القطريب في (ناو بيروت). نحن موعودون بحضور روميو فيها، وأتمنى ذلك لأنّه الشاهد الأكبر على مشوار سلوى ونجاحاتها». وهل تفكرين في كتابة فيلم أو مسلسل عنها؟: «كنا بصدد القيام بذلك، ووالدي ناهي كتب قسماً من القصة بالفرنسية، ربما لم يأت الوقت بعد لتنفيذها، ولكن الفكرة ككل واردة».
برأيك سلوى القطريب كُرمت بعد رحيلها أكثر من حياتها؟ ترد: «نعم هذا صحيح ولقد تفاجأت بمحبة الناس الكبيرة لها. فبعد مرور 12 عاماً على رحيلها، لا يزال كثيرون يتذكرونها ويرددون أغانيها. أحزن طبعاً لأنّهم لم يظهروا حبهم لها وهي على قيد الحياة، لأن ذلك كان سيفرحها. فهي عملت واجتهدت وأعطت الفن من قلبها، ولكنّ بلدها لم يتنبه لها، أو حاول تكريمها وتقديرها. الجميع ينشغل في تكريمها اليوم من وسائل إعلام وإنتاجات فنية. حتى إنّ فنانات ونجمات أعدن غناء أعمالها، وهو أمر رائع، يثبت أنّ الفن الأصيل لا يموت. فأغاني سلوى حفرت في الذاكرة، ومن الجميل أن يكون جيل اليوم من الفنانين متأثراً بها، ليؤكد مرة أخرى بأن الفن الحقيقي لا ينسى».
وعن أغانيها الجديدة التي تنوي إصدارها سيما أنّها تحدثت عن نيتها الغناء بالعراقية تقول ألين: «أحب أن أغني جميع اللهجات فهو أمر شبيه بإجادتي التحدث بلغات عدة. أي شيء يمكن أن يلائم أسلوبي الغنائي هو إضافة لمشواري. فأنا أغني المغربي والجزائري، وأتمنى قريباً أن تكون اللهجة العراقية جديدي. حاليا أنا بصدد التحضير لعمل غنائي لبناني وأسمع في الوقت نفسه ألحاناً وقصائد لعديدين. لا أحب أن تكون عودتي إلى الساحة بعد غياب نحو سنتين عادية. لذلك أفكر في أغنية مختلفة. فمن الجيد أن نثبت كجيل غنائي شاب بأننا لا نزال متمسكين بالمستوى الفني المطلوب، وأن تدخل أغنياتنا مكتبات الفن عبر التاريخ تماماً كمن سبقونا».
مؤخراً عرض لألين لحود مسلسل «شريعة الغاب» عبر قناة «أو إس إن». لاقى العمل الصدى الطيب، وهو من كتابتها ومالك الرحباني ومن بطولتها مع باسم مغنية.
يحكي المسلسل قصة فتاة ثرية تخطفها عصابة، فتنقلب حياتها رأساً على عقب. وهل أحببت مجال الكتابة وستعيدين الكرة؟ ترد: «أحببت التأليف الدرامي سيما أن لدي خيالاً واسعاً، وأركب أدوات كثيرة بفضلها. أحيانا أستوحي حبكة العمل من خبرات وتجارب حياتية ومرات من عبارات وأخبار أسمعها بالصدفة. حاليا أكتب مسلسلاً جديداً من نوع الـ(لايت ستوري)، قصته خفيفة تحمل رسائل اجتماعية وتتخلله قصة حب غير اعتيادية. نحن اليوم بحاجة إلى هذا النوع من الأعمال حتى في الموسيقى والتصوير. وأتمنى أن يعرض قريباً عبر إحدى القنوات المحلية».
تابعت ألين لحود أعمالاً درامية عبر المنصات الإلكترونية التي تسود غالبها الموضوعات البوليسية ومعالجات نفسية. فما رأيها بالحبكة الدرامية السائدة؟: «لست ضد هذا النوع من الأعمال لأنّها ابتعدت عن الكليشيهات المعروفة في الدراما. ولكني أفضل ألا ننسخ دراما الغرب، بل أن نقدم ما يشبهنا. فمهما حاولنا تقليد أميركا وأوروبا فلهم مجتمعهم ولنا مجتمعنا. وكي ننجح في المنافسة الدرامية علينا أن نقدم منتجاً يحكي عن واقعنا. لقد سبقتنا بلدان كثيرة في هذا الموضوع، ولأنّها تناولت مشكلات وهموما واقعية من بلادها نجحت، مثال ذلك المصريين والسوريين. لست ضد الفانتازيا والقصص الخيالية، ولكنّ نقل الواقع له تأثيره على الناس ويشدهم تلقائياً لأنه يخاطبهم مباشرة».
تشير لحود إلى أنّ هذه الخيارات قد تكون مطلوبة من المنصات الإلكترونية. وتتابع: «في رأيي هذه المنصات يهمها أيضاً موضوعات البلد صانع الدراما وهويته الاجتماعية. أحيانا ننجح في إدخال واقعنا في عمل درامي، ومرات نكون على مسافة بعيدة عنه. ولكن علينا أن نركز على الدراما المحلية بشكل أكبر. أعرف تماماً الصعوبات التي تمر بها شركات الإنتاج، وبأن التركيز يذهب بشكل أكبر نحو الأعمال المختلطة والمشتركة. هناك لا شك كمية إنتاجات درامية يشهد لمستواها، ولكن في المقابل، المحلية منها، تشهد تراجعاً ملحوظاً، وهو أمر مؤسف بالفعل».
تملك ألين طاقات فنية كبيرة ومختلفة، بيد أنّها تتأنى في أعمالها. وتعلق: «نعم أملك هذه الطاقات التي تتحدثين عنها، وكثيرون يرددون على مسمعي أنني يجب أن أكون في مكانة أهم. ولكني حقيقية ويكفيني أن أرى تقدير الناس لي بعيونهم ونظراتهم عندما ألتقي بهم، فلا أسكر بأوهام العالم الافتراضي.
هناك كثيرون يبنون أحلامهم عليها، مع أنّهم يعرفون سلفاً بأنّها وهمية ومركبة، فيسعدون بأنّ لديهم ألوف المتابعين على وسائل التواصل، وفي قرارة أنفسهم يعلمون جيداً أنّهم يشترونها وليست واقعية».
حتى في تعاملها مع وسائل التواصل الاجتماعي تحرص الفنانة اللبنانية على أن لا تنجرف مع الموجة من دون أهداف معينة. وتقول: «أحب أن أستخدمها لأحمّلها رسالة ما تثقيفية أو اجتماعية. ولا أحب الأساليب التي يتبعها البعض على هذه الوسائل، وتنبع من سطحية وسخافات بهدف جمع الأرباح وشد المتابعين. أفرح عندما ألمس تفاعلاً من متابعي مع هذه الرسائل، فأعرف أنّها حققت الهدف».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».