«أوميكرون» مرحلة انتقال من جائحة إلى وباء متوطِّن

«الصحة العالمية»: الفيروس لن يختفي قبل تلقيح الدول النامية

ممرض في عنبر لمرضى «كوفيد - 19» في ضواحي باريس (أ.ف.ب)
ممرض في عنبر لمرضى «كوفيد - 19» في ضواحي باريس (أ.ف.ب)
TT

«أوميكرون» مرحلة انتقال من جائحة إلى وباء متوطِّن

ممرض في عنبر لمرضى «كوفيد - 19» في ضواحي باريس (أ.ف.ب)
ممرض في عنبر لمرضى «كوفيد - 19» في ضواحي باريس (أ.ف.ب)

بعد عامين على ظهور فيروس «كورونا» المستجد في مدينة وهان الصينية، وما خلَّفه من ملايين الضحايا وتداعيات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، تتجه الأوساط العلمية والحكومات إلى التخلي عن هدف القضاء بشكل نهائي على الوباء، والاستعداد للتعايش معه لعقود، على غرار ما حصل مع فيروسات «كورونا» السابقة التي ظهرت في السنوات الخمسين الماضية.
وكان بعض الباحثين في عدد من الجامعات المرموقة، مثل هارفارد وميلانو، قد بدأوا يقترحون الانتقال من مصطلح «جائحة» إلى «الوباء المتوطِّن»، أي المرض الذي يستمر مع مرور الزمن، في توازن مستقر مع المناعة التي تتولَّد لدى السكان بفعل الإصابة واللقاحات. ويقول الخبراء إن تبنِّي هذا التوجه يسمح للدول الغربية بإعلان نهاية الجائحة، رغم أن منظمة الصحة العالمية تشدِّد على أن ذلك لن يتحقق قبل تلقيح الدول الفقيرة والنامية، الذي من المستبعد أن يحصل -في أحسن الأحوال- قبل نهاية عام 2023، حسب التقديرات الأخيرة.
وقد أظهرت إحدى الدراسات مؤخراً أنه حتى لو كانت خطورة «أوميكرون» نصف خطورة «دلتا»، وسرعة سريانه ضعف المتحور السابق، فلن تكون المنظومات الصحية قادرة على استيعاب الإصابات الناجمة عنه. وتشير هذه الدراسة التي أجراها قسم الأمراض الفيروسية في جامعة بولونيا الإيطالية، إلى أن الفيروسات عادة تتطور حتى بلوغ قدرة عالية على السريان؛ لأن كثرة ذرِّيتها هي مفتاح نجاحها عندما تتراجع قدرتها على الفتك، وهذا ما يبدو حاصلاً مع «أوميكرون» الذي يُرجَّح أن يكون مرحلة الانتقال من الجائحة إلى الوباء المتوطن.
لكن ظهور متحوِّر «أوميكرون» وانتشاره بسرعة تجاوزت كل التوقعات والموجات السابقة، حتى في البلدان التي بلغت مستويات عالية من التغطية اللقاحية، مثل إيطاليا وإسبانيا وغيرها، واقتراب المنظومات الصحية من بلوغ أقصى قدراتها الاستيعابية، دفع باتجاه التريث في إعلان بداية الانتقال من الجائحة إلى الوباء المتوطن، والتشديد على ضرورة التدرج البطيء في المرحلة الانتقالية، بما يتيح للمنظومات الصحية استيعابها.
ويقول الخبراء إن الإسراع في إعطاء الجرعة الأولى من اللقاحات إلى الذين لم يتلقوها حتى الآن، والجرعة المعززة إلى الذين أكملوا الدورة اللقاحية، له دور حاسم في خفض عدد الوفيات وحالات الاستشفاء في وحدات العناية الفائقة. وكان هذا ما دفع بالدول الأوروبية إلى الإسراع في استعادة التدابير الوقائية التي تحد من سريان الفيروس، مثل الكمامات الواقية والتباعد الاجتماعي، وإلغاء الاحتفالات، وتهوية الأماكن المغلقة. وتدرك الحكومات التي قررت العودة إلى فرض هذه التدابير، أن كلفتها السياسية باهظة جداً؛ لكن تجربة العامين السابقين بيَّنت أن كلفة عدم اتخاذ هذه التدابير في المواقيت المناسبة قد تكون أكبر على الصعيد الاقتصادي.
وإذا كان عام 2020 هو عام الذهول والخوف الذي تملَّك الأوروبيين من وباء كانوا يعتقدون أنه لا يصيب سوى الدول الفقيرة، وإذا كانت السنة الماضية هي سنة اللقاحات، فإن هذا العام يبدأ تحت عنوان التسليم بأن اللقاحات -رغم كونها السلاح الأساسي لمواجهة هذه الجائحة- لا تكفي وحدها للقضاء على الفيروس.
وتشير كل الدلائل إلى أن اللقاحات تفقد من فاعليتها كلما ظهر متحور جديد؛ لأن اللقاحات تم تطويرها على أساس المواصفات البيولوجية للنسخة الأصلية من الفيروس الذي ظهر قبل عامين في مدينة ووهان الصينية.
وتفيد الدراسات العلمية بأن المضادات التي تولَّدت من طفرة ووهان الأصلية خسرت كثيراً من قدرتها على خفض سريان الطفرات اللاحقة، مثل «دلتا» و«أوميكرون» التي تتميز بقدرة عالية على التهرُّب من الحماية المناعية. ومع ذلك، لا تزال اللقاحات تملك فاعلية عالية في منع الإصابات الخطرة بكل الطفرات التي ظهرت حتى الآن.
ومن بين التفسيرات المحتملة التي يعطيها العلماء لذلك، أن خط الدفاع الثاني في نظام المناعة البشرية، أي المناعة الموجودة في الخلايا وليست تلك التي تسري على شكل مضادات في الدم، تملك قدرة كافية على التصدي للفيروس، على غرار ما يحصل عندما تتعرَّف على فيروس «الإنفلونزا» لدى أشخاص سبق أن أصيبوا بفيروس آخر. وقد بيَّنت الدراسات بشكل قاطع أن الجرعات المعززة من اللقاحات تستعيد عدداً كبيراً من مضادات الأجسام التي نفقدها بعد 6 أشهر من تناول الدورة الكاملة.
وتلاحظ دراسات أجريت مؤخراً حول السلوكيات الاجتماعية خلال الجائحة، أن المسنِّين والشباب يتفقون في التذمر من طول هذه الأزمة، وفي أنه من الصعب جداً شطب 3 أعوام من الحياة والتفاعل الاجتماعي بمختلف أبعاده.
وتفيد هذه الدراسات بأن من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذا الوضع، حصر الرهان في اللقاحات دون غيرها لمواجهة الفيروس، وأن قرار هذه المراهنة اتخذ على أعلى المستويات السياسية التي نادراً ما تكون في منأى عن التأثر بالضغوط الاقتصادية والاستراتيجية والحسابات الانتخابية.
ولا شك في أن رسوخ فكرة الوصول إلى بداية النهاية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الفائت مع التقدم في التغطية اللقاحية، هو الذي ولَّد هذا الشعور بالإحباط الذي يتملَّك المجتمعات الغربية اليوم، بعد أن كانت تستعد لنسيان الفيروس، والانصراف للاهتمام بالشأن الحياتي والاقتصادي. لكن هذا لا يبرِّر الدعوة إلى التخلِّي عن اللقاحات وتدابير الوقاية؛ لأن الفيروس ما زال يسري بسرعة وكثافة.


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.