«معركة» السلام اليمنية

زخم دولي وتصعيد حوثي... والتحالف «يدوزن» الضغط العسكري

الفريق الركن مطلق الأزيمع لدى لقائه الفريق الركن صغير بن عزيز في الرياض يوم 16 من نوفمبر 2021 (واس)
الفريق الركن مطلق الأزيمع لدى لقائه الفريق الركن صغير بن عزيز في الرياض يوم 16 من نوفمبر 2021 (واس)
TT

«معركة» السلام اليمنية

الفريق الركن مطلق الأزيمع لدى لقائه الفريق الركن صغير بن عزيز في الرياض يوم 16 من نوفمبر 2021 (واس)
الفريق الركن مطلق الأزيمع لدى لقائه الفريق الركن صغير بن عزيز في الرياض يوم 16 من نوفمبر 2021 (واس)

«دعونا نأمل في إنهاء هذه الحرب دون أي تأخير من أجل اليمن، لكي نبدأ المعركة الحقيقية والأخيرة، والتي هي بالطبع، معركة السلام».
كانت هذه آخر جملة لآخر إحاطة للمبعوث الأممي السابق لدى اليمن مارتن غريفيث، ليعلن رسمياً في منتصف يونيو (حزيران) 2021 انتهاء مهمته تمهيداً لانتقاله إلى مهمة أخرى، بعدما قضى 3 أعوام ونحو عشرة أسابيع يحاول التوسط لحل يمني.
رحيل غريفيث عن المشهد جاء في منتصف عام مثير. بدأ بالاندفاع الشديد نحو الحل الدبلوماسي. تمسك الحوثيون بالحل العسكري، فعاد «الضغط العسكري» من التحالف، ليصبح العنوان الأبرز في «معركة» السلام اليمنية.
بدأ العام مع متغيرات سياسية ودبلوماسية. صحيح أن المتغيرات ساهمت في تشكيل الصورة العامة للمشهد، لكنها لم تنجح في تغييره. فالحرب ما زالت هي الحرب، ونحو 30 مليون يمني ما زالوا يدفعون فاتورة نهم السياسيين اليمنيين بمختلف توجهاتهم ومشاريعهم، وأحلامهم أيضاً.
تغير الرئيس الأميركي. عينت واشنطن مبعوثاً خاصاً لليمن، تغير السفير البريطاني، بات نشاط السفير الفرنسي وتصريحاته لافتين. تغير المبعوث الأممي، وشهد كرسيه صراعاً ناعماً انتهى بتعيين الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ بعد غريفيث، الذي صعد بدوره إلى منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

أشعلت تصريحات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ضوءً في عتمة التوقعات بموقف السعودية إزاء الجماعة الحوثية، حين قال في مقابلة تلفزيونية نهاية أبريل (نيسان) 2021: «نتمنى أن يجلس الحوثيون على طاولة المفاوضات مع جميع الأقطاب اليمنية للوصول إلى حلول تكفل بحقوق الجميع في اليمن وتضمن مصالح المنطقة، العرض مقدم من السعودية لوقف إطلاق النار وبالدعم الاقتصادي»
لكن هذا جاء بعدما أكد ولي العهد السعودي أن وجود الحوثيين غير قانوني في اليمن، وغير قانوني دوليا، ولا يمكن أن ترضى أي دولة في العالم بأن يكون هناك تنظيم مسلح خارج عن قانون الدولة على حدودها، وأن هذا أمر غير مقبول لدى السعودية وغير مقبول لدى دول المنطقة، وشاهدنا كيف كانت انعكاسات ذلك على اليمن.
في المقابلة نفسها قال الأمير محمد بن سلمان: «الحوثي في الأخير يمني، ولديه نزعته العروبية واليمنية التي أتمنى تحيا فيه بشكل أكبر ويراعي مصالحه ومصالح وطنه قبل أي شيء آخر».

عناوين المشهد

يعتقد مراقبون أن الحوثيين أدمنوا إضاعة فرص السلام خلال الأزمة التي اشتعلت بانقلابهم في سبتمبر (أيلول) 2014 على الدولة اليمنية وهددت رئيس الجمهورية وحاولت اغتياله حتى هرع إلى جيرانه فانطلقت عاصفة الحزم في مارس (آذار) 2015. كان من الممكن العنونة بـ»إدمان التعنت الحوثي».
لكن، وباستثناء مشاريع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والجمعيات الحكومية وغير الحكومية اليمنية والعربية والدولية، لم ير اليمن غير الكابوس الحوثي، والصراعات الضيقة، وانهيار العملة، وفقدان الثقة بنهوض البلاد مجددا وانتهاء المشاريع الإيرانية والأيدلوجية والإقصائية. وهو ما جعل العنوان رتيبا بعض الشيء.
بقي اللاعبون الرئيسيون وأكمل كل منهم ما بدأه. داعمو الإغاثة واليمن والسلام وطالبيه عملوا ببراغماتية عالية سياسيا، واستمروا في الدعم الاقتصادي والإنساني. المتمسكون بالحرب أيضا لم يألوا جهدا في الإصرار على حل عسكري. معرقلو الاتفاقيات تدحرجت مصالحهم الضيقة وحرمت خلق نموذج يجابه الانقلاب. المتهمون بالفساد السابقون في الحكومة اليمنية بدأوا يشعرون بخطر فعلي، التحقيقات صارت تحاصرهم، سواء في التقارير الأممية أو تلك التي تجريها الحكومة، تغييرات طالت مؤسسات مالية لإنقاذ الحالة الدقيقة التي تعيشها المناطق المحررة اقتصاديا وخدماتيا، الفاسدون داخل الميليشيات الحوثية مازالوا «يسرقون الطعام من أفواه الجوعى» كما قال ذات مرة، ديفيد بيزلي رئيس برنامج الغذاء العالمي.
كثيرة هي الأحداث التي يمكن الكتابة عنها في الأزمة اليمنية خلال عام، لكن ثلاثة عناوين عريضة فرضت نفسها على المشهد، ورغم أنها لم تصدر عن جهة واحدة، إلا أنها لعبت دورا في تأرجح التفاؤل والتشاؤم، فـ»الزخم الدولي» كان مبشرا، لكن «التصعيد الحوثي» داخل اليمن وخارجه والتمسك بالحل العسكري قوّض ذلك الزخم، مما حدا التحالف باتخاذ تكتيكات دفاعية جديدة جاءت لـ»دوزنة الضغط العسكري».

مقتل إيرلو

لم تتوقف الإثارة في الملف اليمني حتى النصف الأخير من آخر أشهر العام، إذ تفاجأ اليمنيون والمهتمون باليمن بنبأ صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2021 حول طلب حوثي بمغادرة سفير طهران لدى الحوثيين حسن إيرلو الذي دخل اليمن بالتهريب.
من اللافت قبل التكهن بوجود خلاف حوثي ـ إيراني من عدمه، وبحسب ما أوردته الصحيفة الأميركية، أن الجماعة تعهدت عدم تهريب سفير إيراني آخر إذا ما تمت الموافقة على نقله.
غداة ذلك اليوم، خرج إيرلو بوساطة عمانية وعراقية إلى بغداد بعد مزاعم إصابته بكورونا، وهو ما جعل مصادر تتحدث مع «الشرق الأوسط» لتستبعد تلك الحجة، وترجح عدة أسباب أبرزها أنه لم يكن آمنا، ويروج بعض الحوثيين أنه اختلف مع زعيم الجماعة فيما تذهب حكايات بعض أنصار الحكومة اليمنية أنه أصيب بطعنة في صنعاء.
حسنا، غادر إيرلو صنعاء، لكن التأثير الإيراني لم يغادر الجماعة وفق نخب يمنية ومحلليين لن يهضموا فكرة الخلاف بين الطرفين حتى تثبت الأفعال الأقوال. وبعد ثلاثة أيام، أعلنت إيران مقتله وتمسكت بمزاعم كورونا، لكن اختيار لفظة «الشهيد» لم تفت الناشطين والمهتمين خصوصا بوسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الإيرانيين.
يلعب التدخل الإيراني دورا في إطالة أمد الحرب، سواء بإقناع الحوثيين أو التحكم بقرارهم. والبارز خلال الأعوام الماضية أن هناك حرص إيراني بأن لا تتحول الميليشيات إلى حزب أو تيار أو مجموعة سياسية، كما ينادي اليمن وجيرانه وأصدقاءه والمجتمع الدولي بأكمله.

الزخم الدولي

مطلع العام أعلنت إدارة بايدن أن اليمن ملف يتمتع بأولوية، وأن الأزمة يجب أن تنتهي. جرى تعيين الدبلوماسي المخضرم تيم ليندركينغ مبعوثا خاصا لواشنطن لدى اليمن، بعد إجراءات من ضمنها إزالة الحوثيين الذين أدرجتهم إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بقوائم الإرهاب في آخر أيامها، بمزاعم أن إدراجهم قد يؤثر على الإغاثة.
قرأ التحالف المشهد بذكاء، وتمسك بزيادة الدعم للحل السياسي والدبلوماسي، إذ شرع منذ بداية اتفاق استوكهولم بخفض للتصعيد، وتبنى مبادرات أحادية لوقف النار بالتوازي مع انتشار فيروس «كوفيد_19» أكثر من مرة.
جرى إعلان المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية في مارس (آذار) 2021، إذ قال الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي إنها تنص على وقف إطلاق نار شامل تحت رقابة أممية، وإيداع الإيرادات والضرائب الجمركية لسفن المشتقات النفطية بميناء الحديدة في حساب مشترك للبنك المركزي اليمني، فرع الحديدة، بناء على اتفاق ستوكهولم، إلى جانب فتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء مشاورات سياسية بين الأطراف اليمنية.
السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر قال «إنها مبادرة استراتيجية شجاعة لتحقيق السلام وبنائه في اليمن» وذلك في حوار مع «الشرق الأوسط» بعد المبادرة بأسابيع، وأضاف أنها «استمرار لمبادرات المملكة العربية السعودية الاستراتيجية والشجاعة في اليمن منذ العام 2011. والهدف النهائي تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن».
ألقت واشنطن بثقلها على ما كانت تعتقد أنه سينهي الأزمة مع تكثيف المساعدات الإنسانية. لم تنجح أي العمليتين على الأقل كما أرادت لها الإدارة الأميركية.
ظهر أن الإدارة الأميركية الجديدة بدت وكأنها لا تشعر بأنها شرعت تعيد الحوثيين (كقيادات وليست كجماعة) إلى قوائم العقوبات، كما طاردت الأسلحة الإيرانية المهربة إليهم وأعلنت عن عقوبات لشبكة تبييض أموال، حتى بات بعض اليمنيين يراهن على أن الفترة الأولى لولاية جو بايدن لن تنتهي إلا وكل القيادات الحوثية عائدون إلى مكانهم الطبيعي: قوائم الإرهاب والعقوبات.
أجرى مبعوث واشنطن إلى اليمن أكثر من 7 جولات مكوكية، التقى خلالها غالبية الفاعلين. ظهرت في أعقاب تحركاته الوساطة العمانية، عبر وفد من السلطنة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الجماعة وتستضيف متحدثا باسمهم. ولم تظهر بعد ذلك نتائج ملموسة لكن وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي إن هناك «مساعٍ عمانية للتوفيق بين جميع الأطراف».
أبرز الانتقادات التي واجهت التحركات الأميركية في الملف اليمني هي استخدام الإدارة للملف في نزاعات داخلية أميركية ومماحكات حزبية.
يعتقد البراء شيبان الباحث السياسي اليمني المقيم في لندن بوجود تخبط مستمر في الرؤية الأميركية تجاه الحل في اليمن، «لقد بدأت الإدارة التعاطي مع ملف اليمن بحماسة أميركية شديدة، مع قدوم إدارة جديدة، ولكن لا توجد رؤية أميركية واضحة لإنهاء هذه الحرب.

التصعيد الحوثي

عوضا عن تلقف الرسائل الإيجابية من الحكومة اليمنية والسعودية والولايات المتحدة والعالم أجمع، اتخذت الجماعة الحوثية خيار التصعيد، وجعلت من مأرب نقطة هدفا استراتيجيا توقعت أنه سيكون لقمة سائغة.
صمدت مأرب طيلة العام. مما حدا بالحوثيين إلى تغيير مواقع الهجوم من غرب المحافظة إلى جنوبها. على الرغم من إرسال الميليشيات عشرات الصواريخ الباليستية على المناطق المدينة داخل مأرب. كانت استراتيجية الحكومة اليمنية والتحالف واضحة: الدفاع وليس الهجوم، ومأرب عصية على السقوط.
يقول البراء شيبان «اصطدمت الإدارة الأميركية خلال الأشهر الأولى بواقع يدركه اليمنيون جيدا كما يدركه التحالف والمنطقة، بأن المشكلة لم تكن في الأساس تتمثل في غياب الحلول السياسية، بل بعدم رغبة الحوثيين بالوصول إلى هذه حلول».
وقرأ مسؤولون يمنيون التعنت الحوثي بأنه «يؤكد عدم اكتراث هذه الجماعة لكل الدعوات الصادقة لإنهاء الحرب، وقالوا إن إيران تريد أن يقبع الحوثيون في مربع الحرب وألا يخرجوا من ذلك المربع، ميليشيا لا يتغير مسارها إلى سياسي مؤسساتي، وهو ما يضمن تنفيذ أجندتها وأنشطتها الإرهابية».
«الحوثيون راهنوا على أن المعركة وصلت مداها الأخير، وأن خصومهم وصلوا إلى مداهم الأخير ولن يستطيعوا مجابهة الجماعة» يضيف شيبان: «ما حدث هو العكس، كانت هناك إرادة سياسية وعسكرية، وظهر التحالف أكثر من مرة يجدد التأكيد على دعم الحكومة اليمنية رغم كل التحديات والضغوط التي مورست خلال الفترة الماضية».

استراتيجة التحالف

قد لا يكون مصطلح الاستراتيجية الجديدة دقيق عسكريا، لكن استخدامه مجازا يوثق مرحلة تغير التكتيكات الدفاعية وطريقة التعامل مع الحوثيين من ثلاثة مساقات: الأول الاستجابة السريعة لأي عمليات إرهابية تستهدف السعودية سواء مدنيين أو منشئات حيوية. الثاني: تشتيت الجهد الحربي الحوثي واستدراجه نحو مناطق أخرى وتشغل الميليشيات عن التفكير في مأرب وحدها. الثالث: بالإضافة إلى استمرار دعم الجيش الوطني اليمني، وضمن إصلاحات داخل وزارة الدفاع اليمنية، جرى تدريب كتائب تتبع ألوية وجرى تجهيزها بالسلاح «الضروري» و»المطلوب» للمعركة.
المساق الأول فاجأ الحوثيين. شن التحالف ضربات نوعية استهدفت مواقع وورش تخزين الباليستيات والمسيّرات وتجميعها وتفخيخها، كما استهدف منشآت سرية لعناصر من الحرس الثوري الإيراني وأخرى من «حزب الله» اللبناني. أعلن التحالف وكشف بمقاطع فيديو تظهر تحويل الميليشيات مطار صنعاء إلى ثكنة عسكرية وتنفيذ تدريبات على أسلحة واستخدام مرفقات تابعة للمطار في تهديد المدنيين سواء في اليمن أو في السعودية، وهو ما دعا التحالف إلى الإعلان عن ذلك أولا، ثم التحذير من استغلال مرافق المطار المحمي وفقا للقانون الدولي الإنساني نظرا لاستخدامه من قبل الوكالات الإغاثية الأممية والدولية. لم يستجب الحوثيين كعادتهم وهو ما دعا التحالف إلى اتخاذ إجراءات قانونية لنزع الحصانة عن المطار وشن ضربات على مرافق تستخدمها الميليشيات في أجزاء متعددة، مع إبلاغ المدنيين والمنظمات قبل شن الضربات، والتأكد من أن المطار لن يكون مشلولا عن العمل.
الاستجابة السريعة من التحالف لم تكن ردة فعل إزاء مئات الصواريخ الباليستية والمسيرات المفخخة التي تستهدف بها الجماعة السعودية. وشدد التحالف في بياناته بأنه لن يتهاون.
في الساحل الغربي أعلن التحالف أن قوات الساحل الغربي نفذت عملية إعادة انتشار، وانتقلت خارج حدود التماس الخاصة باتفاق استوكهولم. اعتقد الحوثيون أن التحالف والقوات المتحالفة معه اختلفا، وابتلعت الطعم بالخروج إلى تجاوز مناطق التماس طمعا في تسويق «انتصارات جديدة».
بلع الحوثيون الطعم. لم تدرك الميليشيات أنها بمجرد خروجها من المناطق الخارجة عن إطار اتفاق استوكهولم أنها أصبحت تحت مرمى نيران التحالف. وتوجهت قوات الساحل في توسيع المعارك بتحرك منضبط نحو جنوب شرقي الحديدة ودخلوا مناطق في غرب تعز، ويتفاءل يمنيون من أنهم سيحررون مديريات عديدة في إب.
وفي معركة مأرب، وهي المساق الثالث هنا، تجدر الإشارة إلى صورة نشرتها وكالة الأنباء السعودية لاجتماع جرى بين الفريق الأول الركن مطلق الأزيمع قائد القوات السعودية المشتركة، مع رئيس الأركان اليمني الفريق الركن صغير بن عزيز بمقر القوات العسكرية للتحالف في الرياض.
غداة يوم الاجتماع، تداولت وسائل الأنباء نبأ انضمام كتيبة تحمل اسم «أم الشهداء» إلى مأرب. تلا ذلك إعلان وجود قوات عسكرية يمنية سوف تنضم. إنها ألوية وليست كتائب. وسوف تضاعف من كسر الحوثيين الذين حاولوا طيلة العام وعبر إرسال المجندين بشكل شبه أسبوعي إلى مأرب.
يقول ماجد المذحجي المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية لـ»الشرق الأوسط» إن «الحوثي وجه ضربته صوب استراتيجية الأميركيين لليمن، وأعاد ضبط سلوك السياسة الأميركية في اليمن، فهي لا تجرؤ على إعلان دعم العمليات العسكرية في اليمن لكنها بالتأكيد مرحبة بها للضغط على الحوثيين للعودة إلى جادة الطريق، وهذا ما رأيناه بعد استراتيجية التحالف الجديدة».

أفق الحل؟

من مجلس الأمن تعهد غروندبرغ خلال أول إحاطة له بأنه «لن يسعى وراء المكاسب السريعة»، بعدما قال: «إن خبرتي مع اليمن تجعلني مدركا وبشكل مؤلم لتعقيدات هذا النزاع. ومن المؤسف أن هذه التعقيدات تتضاعف مع طول فترة النزاع. لذلك، ليست لدي أوهام بخصوص صعوبة المهمة التي كلفني بها هذا المجلس. لن يكون من السهل تيسير استئناف عملية انتقال سياسي سلمية ومنظمة وتشمل الجميع، يقودها اليمن وتلبي المطالب والطموحات المشروعة للشعب اليمني، وفقًا للولاية الصادرة من هذا المجلس».
من اللافت أن الحوثيين معروف أنهم إذا رفضوا استقبال مبعوث أممي في صنعاء فهذا يعني أن إيمانهم بالحل العسكري مازال هو السائد. يقول مسؤول غربي سبق له المشاركة في محادثات مع الجماعة: أحيانا نستطيع معرفة مدى استعداد الحوثيين للطريق السلمية عبر تعاطيهم مع المبعوث الأممي، أتذكر قبل مشاورات السويد جيدا ما حصل، حين رفضوا الحضور إلى جنيف في سبتمبر (أيلول) 2018، وما بين سبتمبر وديسمبر (كانون الثاني) كانت تعاطيهم مختلفا، ربما لأن وضعهم الميداني في الحديدة آنذاك كان يتهدو؟».
«لم يحظى مبعوث أممي بظروف سيئة كتلك التي أتى غروندبرغ وهي ماثلة أمامه، الوضع معقد وأسوأ مما سبق، الحوثيون استعادوا المبادرة العسكرية، ولا يريدون التحدث مع أحد، وبالتالي، الشروط بالنسبة للمبعوث كانت سيئة». يقول ماجد المذحجي «الأمم المتحدة لن تقود إلى حل بقدر ما تكون منصة له. أما الفاعلين فهم المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية وبالتأكيد المحلية اليمنية»، مضيفا أن «الحوثي وجه ضربته صوب استراتيجية الأميركيين، وأعاد ضبط سلوك السياسة الأميركية في اليمن، فهي لا تجرؤ على إعلان دعم العمليات العسكرية في اليمن لكنها بالتأكيد مرحبة بها للضغط على الحوثيين للعودة إلى جادة الطريق، وهذا ما رأيناه بعد استراتيجية التحالف الجديدة».
بمستوى آخر، يذكّر مدير «مركز» صنعاء التنفيذي بأن الأميركيين «مازالت لديهم قناة نشطة مباشرة أو غير مباشرة عبر بوابة مسقط لمحاولة استكشاف خياراتهم مع الحوثيين». ويقول: «هناك مشكلة في إنشاء وسائل ضغط على الحوثيين، فهي إما سياسية، أو مالية أو عسكرية. في الشق العسكري نحن في إطار حرب وهذه طريق واضحة المعالم، أما سياسيا واقتصاد فهذا يحتاج مزيدا من الخطوات الذكية. بدءا من الضغط على الحلفاء الإقليميين».


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».