في هذا الملف نتعرف على حصاد الكتب في عام 2021 الذي يسدل الستار بعد أيام: ما «الكتاب الأفضل» الذي لم يغادر ذاكرة المبدعين والكتاب والنقاد وحرصوا على اقتنائه؟ ما الفكرة الرئيسية التي ارتكز عليها، ولماذا فُضّل على مؤلفات أخرى؟ طرحنا السؤال، وجاءت الخيارات متنوعة تشي بمدى ثراء عديد مما أفرزته المطابع العربية على مدار عام كامل. وهي خيارات تعكس في جوهرها أسئلة الثقافة العربية، كما امتدت إلى أفق القضايا الإنسانية التي تتجاوز التصنيفات الجغرافية الضيقة... وإلى الملف:
تنوعت القراءات هذا العام في بلدان الخليج العربي بين السينما والرواية. فمن سلطنة عُمان؛ يقول الدكتور عبد الرزّاق الربيعي، نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي في مسقط: «رغم أنني قرأت (ملحمة جلجامش) في وقت مبكر من حياتي بترجمة عن الإنجليزية؛ فإن ترجمة الدكتور نائل حنون عن النص المسمارى الأكدي، وقعت بين يدي، هذا العام، وهي أول ترجمة للنص عن الأكدية، وتلت الترجمة قصة موت جلجامش والتحليل اللغوي للنص الأكدى».
صدرت طبعة الكتاب الأولى عام 2006 عن «دمشق»، والثانية في 2016 ببغداد، «وفي تقديمه نص (موت جلجامش) يتحدّث الدكتور نائل؛ الأستاذ المختص بعلم الآثار، واللغات القديمة (السومريّة، والأكديّة) عن رحلته مع تلك الألواح؛ التي يعود تاريخها إلى النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، فكانت رحلة ممتعة.
ومن أبرز ما قرأت هذا العام أيضاً مخطوط كتاب (نرد النص) للصديق الشاعر عدنان الصائغ الذي صدر مؤخراً عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) ببيروت بالتعاون مع (سطور) ببغداد. وهي القراءة الثانية للنصّ الطويل الذي يزيد على 1300 صفحة، ومفتوح على الذات، والتاريخ الشخصي، والعام، والثقافات، والأساطير، والفكر، والشعر، والسرد، والبحث، والذاكرة الشعبية، والشفاهية، والمتداول، والغائص، والغاطس من الأحداث، والهامش ضمن إطار غرائبي مركَّب قائم على لعبة تتمثّل بتقافزِ النرد، على طاولة حياتنا وتاريخنا وأفكارنا، مروراً بالمسكوت عنه في تراثنا وأدبياتنا، ومدوّناتنا، ومخطوطاتنا التي تراكم على صفحاتها غبار النسيان، وصراعاتنا، وتناقضات حاضرنا، معتمداً على الأشكال بتلاوينها الصورية، وتكرار الحروف والكلمات، أو اللعب بها وتهشيمها حيناً بقصدية أو لا قصدية، فيدخل التشكيل عنصراً في رسم مشهدية بصرية مدهشة. تهويمات، وإضاءات شعرية خاطفة تعلي أفق النص، وتسخّن اللعب.
كذلك كلفتني دار (سطور) ببغداد، برفقة الصديق علاء الفريجي، مراجعة الأعمال الشعرية والمسرحية للشاعر الكبير الراحل عبد الرزاق عبد الواحد، وكانت رحلة طويلة ممتعة، أسفرت طبعة جديدة ستصدر قريباً بثلاثة مجلدات تضمنت مسرحية شعرية تنشر للمرة الأولى.
من الشعر المترجم؛ استوقفني كتاب بيلي كولينز (يوم الوجود الوحيد) الذي ترجمه الشاعران: سهيل نجم ومحمد تركي النصّار، وصدر عن (خطوط وظلال) الأردنية. حيث يتمتع الشاعر الأميركي بيلي كولينز بشهرة واسعة؛ ميزة قصائده أنها تعبّر عنّا، ويبرع في مزج اليومي بالخيالي، والتقاط التفاصيل بعين ثاقبة يستلّها من أرض الواقع استلالاً، ويصوغها صياغة تجعلها مثقلة بماء الشعر. وقد بذل المترجمان جهداً في الاقتراب من روح النص، والمحافظة على بساطته في التعبير».
- فلسفة السينما والمسرح
ومن السعودية، يقول الشاعر، والمستشار في وزارة الإعلام، محمد عابس، عن أبرز قراءاته في العام: «سأختار من بين الكتب التي قرأتها؛ كتابين: (فلسفات السينما الجديدة) لروبرت سينر برنك؛ ترجمة نيفين حلمي، وصادر عن دار (معنى)؛ حيث يعالج هذا الكتاب مجموعة من الأسئلة منها: ما التجربة التي نطلق عليها سينما؟ وكيف ترتبط الفلسفة بالسينما؟ وهل من الممكن أن تجمعهما علاقة، وهل تستطيع الأفلام ممارسة الفلسفة، وما الفلسفات الجديدة التي تتناول السينما؟
يستكشف الكتاب الموجة الجديدة من نظرية السينما الفلسفية، وتجديد إشكاليات نظريات الفيلم، وكيف نفهم الأفلام ونفسرها، وقضية أنطولوجيا الفيلم، وكون السينما فناً، مع التركيز على ثلاثة تيارات: النقلة المعرفية التحليلية في نظرية السينما، والتيار البديل ورواده، وفكرة السينما بوصفها فلسفة، مع تقديم نماذج فعلية من خلال أفلام ثلاثة مخرجين هم: ديفيد لنش، ولارس فون ترير، وتيرانس ماليك.
الكتاب الثاني: (ورشة المسرح) لميشيل برونير، ترجمة فتحي العشري، الصادر عن «المركز القومي للترجمة في مصر». ويتناول الكتاب مفهوم ورشة المسرح من قراءة النص إلى العرض، وصناعة العرض المسرحي بوصفه عملاً جماعياً يشمل ظواهر ثقافية وتقنية واقتصادية، ويعرض الكتاب مختلف المنتمين إلى ورشة المسرح (كاتب، وممثل، ومخرج، ومصمم سينوغراف، ومصمم ملابس... وغيرهم) بطريقة تحدد وظائفهم، مع ذكر وجهات النظر التاريخية والتقنية حول أن الشروط المادية للعرض أسهمت في تفسير الكتابة المسرحية، وعبر سبعة فصول تناولت المكان المسرحي، وهياكل الإنتاج المسرحي، والمؤلف الدرامي، والمزج، والممثل، وحرفيي المناظر المسرحية، والجمهور، وذاكرة المسرح.
الكتاب موجه للدارسين والممثلين والمخرجين الهواة والمحترفين، ولمن يعمل في المسرح. كما قرأت مجموعة من الإصدارات الشعرية الجديدة لعدد من الشعراء».
- بين الأدبين المحلي والفارسي
ومن قطر؛ يتحدث الكاتب والناقد المسرحي الدكتور حسن رشيد، عن قراءاته لهذا العام: «في حقيقة الأمر؛ هناك العديد من الأعمال التي قرأتها طوال العام، سواء في مجال الشعر والرواية والدراسات والبحوث... وخلافه، خصوصاً بالنسبة لنا نحن الذين نمارس الكتابة والنقد عبر الصحافة المحلية أو التدريس. كما كان الكتاب رفيقاً خلال سفراتي المتكررة للعديد من الفعاليات المسرحية عبر خريطة الوطن العربي؛ لكنني هنا أتحدث - باختصار - عن بعض الأعمال التي تركت في ذاكرتي أثراً مميزاً خلال هذا العام، ولعلي أبدأ بكتاب من قطر، وهو ديوان شعر بعنوان: (نوارس) للشاعر الشاب محمد علي المرزوقي، والذي أرى أنه من أهم ما صدر في هذا العام؛ خصوصاً أن المؤلف يكتب بالفصحى والعامية، وهو من أبرز المثقفين، ليس على النطاق المحلي القطري، ولكن عبر منطقة الخليج والعالم العربي، فهو شابٌ معتمد على الدراسات والبحوث، ودائم التنقيب، ويمكن أن يكون هذا الديوان الشعري من أهم الأعمال التي تمّ تقديمها في قطر خلال العام.
أيضاً صدر أخيراً - قبل أسبوع - كتاب قيّم حول (فنّ الفجري)، (الفنون البحرية)، وفنون العمل على ظهر السفينة في قطر، وقام بجمع وإعداد هذا الكتاب الشاب الممثل ومدرب الإيقاع والرقص محمد ناصر الصايغ، واعتبر أن هذا الكتاب يمثل نقلة نوعية في توثيق هذا الفنّ، وقد أخبرني أنه الآن بصدد الكتابة عن عدد من الفنانين في قطر والخليج العربي من القدامى الذين نهلوا من معين التراث الشعبي.
أتوقف كذلك أمام عملين أدبيين قدمهما الأديب والروائي البحريني عقيل الموسوي، وقد حظيت هاتان الروايتان باهتمامي خلال هذا العام، ولأول مرة أكتشف المؤلف الموسوي، وهو طبيب أسنان من مملكة البحرين، حيث قدّم في 2017 رواية (أريامهر نامه) التي نجح من خلالها في تقديم سيرة حقيقية عن منطقة فارس القديمة، ولأول مرة أكتشف القيمة الحقيقية لهذا الروائي. أيضا قدم عقيل الموسوي في 2021 روايته الثانية (دارا الزرادشتي)، وأعتقد أنه في هذا العمل قد وضع بصمته بصفته واحداً من أبرز الروائيين في منطقة الخليج العربي، من خلال اهتمامه بنبش الذاكرة، حيث يغوص بكثير من الوعي والإدراك ليقدّم عملاً روائياً جميلاً... وأعتقد أنه من المفترض أن يتم إلقاء الضوء على هذين العملين؛ لأننا في أمسّ الحاجة إلى روائيين يملكون هذه الموهبة، وسط عدد كبير من الروايات العربية التي تتراكم عدداً دون قيمة فنية أو أدبية.
أيضاً من قراءاتي خلال هذا العام، أني رجعتُ لما كتبه رينولد ألان نيكولسون عن (التصوّف الإسلامي)، حيث نقل هذا العمل الكبير إلى اللغة العربية وعلّق عليه أبو العلا عفيفي، وهذا الكتاب ترك أثراً في نفسي من بين العديد من القراءات التي حفل بها برنامجي لعام 2021.