«الخنزير»... مسرحية سعودية تنقّب في جراح البشر وأوجاعهم (صور)

كوميديا سوداء تتسم بالجرأة وتتمرد على القوالب التقليدية

العرض السعودي يمزج بين المأساة والضحك (صفحة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي على فيسبوك)
العرض السعودي يمزج بين المأساة والضحك (صفحة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي على فيسبوك)
TT

«الخنزير»... مسرحية سعودية تنقّب في جراح البشر وأوجاعهم (صور)

العرض السعودي يمزج بين المأساة والضحك (صفحة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي على فيسبوك)
العرض السعودي يمزج بين المأساة والضحك (صفحة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي على فيسبوك)

يميل النقاد عادةً إلى تعريف «الكوميديا السوداء» بأنها عمل درامي يتناول موضوعاً صادماً أو خطيراً عبر أسلوب بسيط لا يخلو من إثارة الضحك. وبينما يصبح الترفيه أساسياً في الكوميديا العادية، يكون الهدف الأساسي من نظيرتها السوداء، أو المظلمة، تمرير محتوى صارخ في بشاعته داخل علبة من القطيفة الناعمة.
ولا تكاد تنطبق تلك المفاهيم على عمل فني حديث مثل مسرحية «الخنزير» التي تمثل السعودية في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، والتي تتمرد على الأفكار المستهلكة والموضوعات الجاهزة. ويرفض العرض أن يخاطب الطبقة المخملية وأن يكون أداة ترويح لمن يعانون من التثاؤب والملل.

«شحتوت» شاب تحدوه الآمال في مستقبل مزدهر، يملك الحد الأدنى من براءة الغد. أحلامه بسيطة تداعب وجهه مثل نسمة لطيفة في يوم حار. تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يكتشف أموراً مشبوهة ترقى إلى مستوى الفساد يرتكبها رئيسه المباشر. يرفض أن يتجاهل ما يراه، وأن يصنع أذناً من طين وأخرى من عجين، كما يقول المثل الشعبي. يصور له خياله البريء أن بإمكانه تصويب الأمور. يدفع الثمن باهظاً، يتم فصله من وظيفته، تسوء أحواله، تتخلى عنه زوجته، يحدث الطلاق، يفشل في العيش بكرامة، يطل على العالم من شرفة اليأس والإحباط دون أن يعلم ما سيأتي به الغد.
يغوص العمل في قاع المعاناة الاجتماعية والاقتصادية حيث الفقر والبطالة لدى بعض الفئات والشرائح، ويلقي بالضوء على مشكلات البعض ممن يشعرون بالتهميش ويعانون من سوء حظ ويشعرون بعدم الرضا.
يرصد العرض أيضاً حالة استلاب إنسان العصر الحديث أمام متطلبات السوق بمفاهيمه القاسية كعجلة حديدية بلا قلب، تدهس أصحاب الدخل المنخفض والأحلام المحطمة.

جاءت مفردات العرض لتؤكد تلك الحالة، حيث إن الفضاء المسرحي نفسه يتكون من مكب أو «مقلب» للنفايات على نحو يعمّق المأزق الاجتماعي والإنساني للأبطال لا سيما حسين يوسف وحسين عامر.
جاءت إضاءة محمد فروخ وديكور رائي السيهاتي لتفتح آفاقاً غير مسبوقة من تكريس هذه الحالة المسرحية بوعي وذكاء فنيين.
بدوره، لا يرى مخرج العرض سيد ماجد السيهاتي أن العرض لا ينطوي على جرأة بقدر ما هو رصد أمين وصادق لما يحدث في واقعنا العربي بين الحين والآخر. ويضيف السيهاتي في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: «لا أومن بما يسميه البعض العلاج بالصدمة عبر الفن، وأعتقد أن الفن هو العلاج بأسلوب باطني ينتقل من اللاوعي إلى الوعي».
وبشأن دلالة اسم العمل، يوضح المخرج أن «الخنزير معروف بالعيش في الحياة القذرة التي لا تليق بالبشر وبالتالي، فإن المسرحية تحذّر من فقد بعض الناس مقومات العيش الآدمي».

وعن التلقي النقدي والجماهيري للمسرحية، يؤكد ماجد السيهاتي أن العرض حقق نجاحاً على كل المستويات حتى لو كانت هناك بعض الملاحظات السلبية فهذا شيء طبيعي للغاية، مشيراً إلى سعادته الشديدة لمشاركته في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والذي يشبهه بـ«كأس العالم للمنتخبات المسرحية»، على حد تعبيره.
والسيهاتي يبدو أقرب للفنان الشامل، حيث إن له الكثير من المشاركات المتنوعة، فقد سبقت له المشاركة في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي عام 2010 بعرض «مجرد استفهام لا أكثر» الذي كان أحد الممثلين فيه، كما كان مؤلف ومصمم الإضاءة في عرض «ضرس العقل» الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل، وأخرج مسرحية «بدل فاقد» التي حصلت على جائزة أفضل إخراج، كما كان مصمم الإضاءة والديكور في مسرحية «الوشاح الأحمر» التي شاركت بمهرجان دولي بالتشيك.


مقالات ذات صلة

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

يوميات الشرق جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

عكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية...

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان كرم مطاوع (السينما دوت كوم)

الذكرى الـ28 لرحيل كرم مطاوع تجدّد الحديث عن معارك «عملاق المسرح»

معارك كثيرة ومواقف «قوية» اتخذها الفنان المصري الراحل كرم مطاوع في حياته، تعود إلى الواجهة مع حلول الذكرى الـ28 لرحيله.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق عروض مسرح «مونو» (إنستغرام «مونو»)

مسرح «مونو» يُخصّص ديسمبر لعروض الاحتفالات بالأعياد

رغِب مسرح «مونو» في مواكبة الأعياد على طريقته، فدعا هواة المسرح إلى اختيار ما يناسبهم ويحاكيهم من خلال 7 أعمال منوعة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق يحاول العمل تغيير طريقة تعامل المجتمع مع المتوحد (إدارة الفرقة)

«البعد الآخر»... عرض مسرحي يستكشف العالم الخفي للمتوحدين

يستكشف العرض المسرحي الراقص «البعد الآخر» العالم الخفي للمصابين بالتوحد عبر رحلة في عقل شاب مصاب بهذا المرض، تتجسد فيه الصراعات والأحلام، والحب والوحدة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق ريهام عبد الغفور مع والدها الفنان الراحل أشرف عبد الغفور (إنستغرام)

ريهام عبد الغفور تُحيي الذكرى الأولى لوفاة والدها بمشاعر الفقد

أحيت الفنانة المصرية ريهام عبد الغفور، الذكرى الأولى لرحيل والدها الفنان أشرف عبد الغفور، الذي رحل عن عالمنا في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2023، بكلمات مؤثرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.