يميل النقاد عادةً إلى تعريف «الكوميديا السوداء» بأنها عمل درامي يتناول موضوعاً صادماً أو خطيراً عبر أسلوب بسيط لا يخلو من إثارة الضحك. وبينما يصبح الترفيه أساسياً في الكوميديا العادية، يكون الهدف الأساسي من نظيرتها السوداء، أو المظلمة، تمرير محتوى صارخ في بشاعته داخل علبة من القطيفة الناعمة.
ولا تكاد تنطبق تلك المفاهيم على عمل فني حديث مثل مسرحية «الخنزير» التي تمثل السعودية في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، والتي تتمرد على الأفكار المستهلكة والموضوعات الجاهزة. ويرفض العرض أن يخاطب الطبقة المخملية وأن يكون أداة ترويح لمن يعانون من التثاؤب والملل.
«شحتوت» شاب تحدوه الآمال في مستقبل مزدهر، يملك الحد الأدنى من براءة الغد. أحلامه بسيطة تداعب وجهه مثل نسمة لطيفة في يوم حار. تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يكتشف أموراً مشبوهة ترقى إلى مستوى الفساد يرتكبها رئيسه المباشر. يرفض أن يتجاهل ما يراه، وأن يصنع أذناً من طين وأخرى من عجين، كما يقول المثل الشعبي. يصور له خياله البريء أن بإمكانه تصويب الأمور. يدفع الثمن باهظاً، يتم فصله من وظيفته، تسوء أحواله، تتخلى عنه زوجته، يحدث الطلاق، يفشل في العيش بكرامة، يطل على العالم من شرفة اليأس والإحباط دون أن يعلم ما سيأتي به الغد.
يغوص العمل في قاع المعاناة الاجتماعية والاقتصادية حيث الفقر والبطالة لدى بعض الفئات والشرائح، ويلقي بالضوء على مشكلات البعض ممن يشعرون بالتهميش ويعانون من سوء حظ ويشعرون بعدم الرضا.
يرصد العرض أيضاً حالة استلاب إنسان العصر الحديث أمام متطلبات السوق بمفاهيمه القاسية كعجلة حديدية بلا قلب، تدهس أصحاب الدخل المنخفض والأحلام المحطمة.
جاءت مفردات العرض لتؤكد تلك الحالة، حيث إن الفضاء المسرحي نفسه يتكون من مكب أو «مقلب» للنفايات على نحو يعمّق المأزق الاجتماعي والإنساني للأبطال لا سيما حسين يوسف وحسين عامر.
جاءت إضاءة محمد فروخ وديكور رائي السيهاتي لتفتح آفاقاً غير مسبوقة من تكريس هذه الحالة المسرحية بوعي وذكاء فنيين.
بدوره، لا يرى مخرج العرض سيد ماجد السيهاتي أن العرض لا ينطوي على جرأة بقدر ما هو رصد أمين وصادق لما يحدث في واقعنا العربي بين الحين والآخر. ويضيف السيهاتي في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: «لا أومن بما يسميه البعض العلاج بالصدمة عبر الفن، وأعتقد أن الفن هو العلاج بأسلوب باطني ينتقل من اللاوعي إلى الوعي».
وبشأن دلالة اسم العمل، يوضح المخرج أن «الخنزير معروف بالعيش في الحياة القذرة التي لا تليق بالبشر وبالتالي، فإن المسرحية تحذّر من فقد بعض الناس مقومات العيش الآدمي».
وعن التلقي النقدي والجماهيري للمسرحية، يؤكد ماجد السيهاتي أن العرض حقق نجاحاً على كل المستويات حتى لو كانت هناك بعض الملاحظات السلبية فهذا شيء طبيعي للغاية، مشيراً إلى سعادته الشديدة لمشاركته في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والذي يشبهه بـ«كأس العالم للمنتخبات المسرحية»، على حد تعبيره.
والسيهاتي يبدو أقرب للفنان الشامل، حيث إن له الكثير من المشاركات المتنوعة، فقد سبقت له المشاركة في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي عام 2010 بعرض «مجرد استفهام لا أكثر» الذي كان أحد الممثلين فيه، كما كان مؤلف ومصمم الإضاءة في عرض «ضرس العقل» الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل، وأخرج مسرحية «بدل فاقد» التي حصلت على جائزة أفضل إخراج، كما كان مصمم الإضاءة والديكور في مسرحية «الوشاح الأحمر» التي شاركت بمهرجان دولي بالتشيك.
«الخنزير»... مسرحية سعودية تنقّب في جراح البشر وأوجاعهم (صور)
كوميديا سوداء تتسم بالجرأة وتتمرد على القوالب التقليدية
«الخنزير»... مسرحية سعودية تنقّب في جراح البشر وأوجاعهم (صور)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة