سنّة العراق إلى «شراكة حقيقية» في الحكومة تلغي التهميش

محمد الحلبوسي أحد قادة السنة المطالبين بشراكة حقيقية في الحكم خلال لقاء في البصرة (أ.ف.ب)
محمد الحلبوسي أحد قادة السنة المطالبين بشراكة حقيقية في الحكم خلال لقاء في البصرة (أ.ف.ب)
TT

سنّة العراق إلى «شراكة حقيقية» في الحكومة تلغي التهميش

محمد الحلبوسي أحد قادة السنة المطالبين بشراكة حقيقية في الحكم خلال لقاء في البصرة (أ.ف.ب)
محمد الحلبوسي أحد قادة السنة المطالبين بشراكة حقيقية في الحكم خلال لقاء في البصرة (أ.ف.ب)

تبدو القوى السنّية الفاعلة في الخريطة العراقية مصرّة هذه المرة على «ضبط إعدادات» السياق التقليدي، التي سارت عليها العملية السياسية منذ عام 2003. وجُيّرت لصالح الأغلبية الشيعية، ومنحها جائزة التحكم في معظم مفاصل الدولة، في مقابل مشاركة شبه هامشية لبقية القوى، خصوصاً السنيّة.
ومع أن القوى السنيّة غالباً ما حصلت على منصب رئاسة البرلمان، وهو ثالث أرفع منصب في البلاد، إلى جانب حصولها على مناصب كثيرة في الوزارات المتعاقبة، لكنها ظلّت، منذ نحو عقدين، تشكو من طغيان الهيمنة الشيعية على معظم مفاصل الدولة الحساسة، وهي شكوى تجد لها أساساً على أرض الواقع، فجميع الهيئات المستقلة (النزاهة، الاتصالات، البنك المركزي، شبكة الإعلام، الاستثمار، نزاعات الملكية... إلخ) وهي مؤسسات تفوق في أهميتها أغلب الوزارات الحكومية، كانت رئاستها على الدوام حكراً على شخصيات شيعية، إلى جانب احتكار الشيعة لمعظم الوزارات والأجهزة الأمنية، باستثناء وزارة الدفاع، التي تذهب عادة إلى شخصية سنيّة تتمتع برضا الكتل الشيعية.
مطلب «الشراكة الحقيقية»، وليس «المشاركة الشكلية»، بات الشعار الأهم الذي يروج له أكبر تحالفين سنيين، هما: «تقدم» بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، و«العزم» الذي يتزعمه خميس الخنجر. ويرى مراقبون أن الخطوات واللقاءات الأخيرة التي اتخذها الجانبان، ربما تعزز فرص نجاح مسعى السنة في رؤية عراق «بلا تهميش» تتقاسم حكمه القوى السياسية، من دون النظر إلى طبيعة انتماء تلك القوى المذهبية أو الإثنية أو القومية.
ويذهب بعض المراقبين إلى الحديث عن إمكانية «تشكّل بداية جديدة في الدولة العراقية»، معتمدين بذلك على ما يمكن أن تفرضه القوى السنيّة من واقع جديد في حال تجاوزت خلافاتها السابقة.
طبيعة اللقاءات والاتفاقات الأخيرة بين تحالفي «تقدم» و«العزم» عززت من إمكانية بلورة موقف سنّي موحد أمام بقية القوى السياسية، الشيعية تحديداً، التي يقع على عاتقها تشكيل الحكومة المقبلة، وهذه الإمكانية تفرضها حالة «التفاهم اللافت» بين التحالفين السنيين اللذين ظلا لأشهر طويلة قبل إجراء الانتخابات في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في حالة خصام وتنافس شديدين.
ومع أن تجارب سابقة للتحالف بين القوى السنيّة لم يُكتَب لها النجاح والاستمرار، وانفرطت بمجرد الوصول إلى لحظة «التغانم وتوزيع الحصص الحكومية»، فإن البعض يرى في اتفاق «العزم» و«تقدم» على تشكيل وفد سياسي موحد للتفاوض مع بقية الكتل، الشيعية والكردية، لتشكيل الحكومة المقبلة، ربما يتيح فرصة نجاح محتملة للسنّة مع اقتراب نهاية العقد الثاني من مرحلة «فقدانهم السلطة» بعد 2003.
واتفق التحالفان: «العزم» الذي بات يحتكم على 34 مقعداً نيابياً، و«تقدم» الحاصل على 37 مقعداً، أول من أمس، على إعداد ورقة مشتركة تُعرض على الشركاء السياسيين.
وقال «العزم» و«تقدم» في بيان مشترك بعد اجتماعهما، إن «أبرز مقررات الاجتماع، إعداد ورقة مشتركة تُعرض على الشركاء السياسيين، وتتضمن رؤية موحدة وأفكاراً حول الشراكة بإدارة القرار في الدولة، ومعالجة عدة ملفات استراتيجية، منها قضايا المختفين قسراً، وإعادة النازحين».
وشدد الاجتماع على ضرورة «مراعاة حقوق المحافظات المحررة (من «داعش») في الموازنة العامة وتخصيص المبالغ اللازمة لإعادة إعمارها، وغيرها من الملفات المصيرية، والتأكيد على تقديم شخصيات كفؤة للمشاركة في الحكومة المقبلة وفق مبدأ الشراكة لا المشاركة».
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الأمير المجر أن «تأكيد بيان التحالفين على اعتماد مبدأ الشراكة وليس المشاركة في الحكم يمثل بداية لرؤية جديدة للدولة العراقية».
يقول المجر لـ«الشرق الأوسط»: «اتفاق (العزم) و(تقدم) أقوى وأهم تحالف حصل بعد عام 2003، لأنه لا يسمح بأن ينفرد أي طرف بالسلطة على حساب الطرف الآخر، كما كان يحصل في السابق، وفي ثنايا هذا التحالف ما يضع الآخرين من القوى الأخرى أمام استحقاقات كبيرة، عليهم أن يقرأوها بدقة، فأهل المناطق الغربية (ذات الأغلبية السنية) لم ولن يعودوا كما كانوا، تتقاذفهم أيدي الأقوياء في الشمال (الأكراد) من جهة، والوسط والجنوب (الشيعة) من جهة أخرى».
ويعتقد المجر أن الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2019، وباتت تُعرَف بـ«ثورة تشرين»، قد «فتحت أفقاً جدياً في الواقع السياسي العراقي، ليس فقط للمدنيين الشيعة بل للسنّة بشكل عام. إذ خفّت بعدها قبضة إيران، وباتت هناك حكومة غير موالية لطهران، وبدأت تعمل على إقامة دولة بعيدة عن الهيمنة الإيرانية وتحظى بدعم أميركي وأوروبي وعربي غير مسبوق». من هنا، فإن السنّة «يرون وجود الميليشيات المعروفة بالولائية (موالية لطهران) في مناطقهم، بمثابة احتلال لأراضيهم وسيعملون على تغيير هذا الواقع، وقد بدأوا فعلاً من خلال هذا التحالف».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.