سوري عالق في بيلاروسيا يرفض العودة إلى «الجحيم»... وآخر يصل إلى «الحلم الأوروبي»

شرطي تابع لمينسك رفع الأسلاك الشائكة أمام المهاجرين للعبور إلى بولندا

مهاجران على الحدود البيلاروسية - البولندية أول من أمس (أ.ب)
مهاجران على الحدود البيلاروسية - البولندية أول من أمس (أ.ب)
TT

سوري عالق في بيلاروسيا يرفض العودة إلى «الجحيم»... وآخر يصل إلى «الحلم الأوروبي»

مهاجران على الحدود البيلاروسية - البولندية أول من أمس (أ.ب)
مهاجران على الحدود البيلاروسية - البولندية أول من أمس (أ.ب)

«أفضّل الموت هنا على العودة إلى الجحيم. حتى إن عنصر الشرطة في مطار دمشق سألني عن وجهتي، وما إذا كانت ألمانيا أم هولندا، ثم قال لي: نيّالك. ليتني كنت معك».
هذه خلاصة ما قاله «فؤاد»، وهو اسم مستعار لشاب سوري عالق في بيلاروسيا منذ وصوله إلى منسك في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. خوف هذا الشاب، و5 من «أصدقائه الجدد»، دفعهم للتواصل مع «سماسرة عرب» بحثاً عن «مخرج من هذا الفخ» بين عدم القدرة على العبور إلى بولندا الأوروبية، وبين الخوف من «الوقوع» في أيدي السلطات البيلاروسية لإعادته إلى سوريا.
أما «رفيق»، فكان بين المحظوظين الذين غادروا «الكابوس السوري» وقبضوا على «الحلم الأوروبي». فبعدما وصل إلى الحدود «جاء 6 جنود بيلاروس ضخام، رفعوا الأسلاك الشائكة لنا، وأشار أحدهم إلى بولندا، وقال لنا؛ اذهبوا، حظاً سعيداً». وبالفعل، وصل «رفيق» ووالده وآخرون إلى ألمانيا. ويقول نبيل: «المخاطرة تستحق، لن أعود إلى بلادنا في حياتي».
- كيف بدأت قصته؟
«فؤاد»، شاب كان يعيش في دمشق. تخرج من الجامعة قبل سنوات، وعمل لفترة قصيرة براتب لا يسد الحد الأدنى من كلفة العيش مع تدهور سعر صرف الليرة السورية إلى 3 آلاف مقابل الدولار الأميركي، ثم فقد عمله المتواضع وفقد معه الأمل. صار همه السفر إلى خارج البلاد. تواصل مع مكتب للسياحة والسفر في وسط دمشق مرخص من الحكومة، واستدان مبلغاً من أقاربه ودفع 3600 دولار للمكتب للحصول على تأشيره إلى بيلاروسيا. الصفقة تشمل التأشيرة وأجرة رحلة السفر عبر شركة «أجنحة الشام» وحجزاً في فندق في مينسك لبضع ليالٍ.
تأخرت التأشيرة من السفارة البيلاروسية بدمشق، لكنها وصلت. وخلال فترة الانتظار، اتصل «فؤاد» بقريب له كي يرتب أمور الاتصال مع مهرب من مينسك إلى حدود بولندا. ترتب الأمر، ودفع 2500 يورو. كان محظوظاً لأن آخرين دفعوا للمهرب 10 آلاف يورو لكل شخص. تبلغ «فؤاد» وصول التأشيرة، فجمع حاجاته البسيطة في حقيبة، ووضع هاتفاً نقالاً و1000 دولار في جيبه. وفي الساعة التاسعة من صباح 27 أكتوبر، تسلم الفيزا في مكتب السياحة المكتظ بعشرات الباحثين عن «الحلم الأوروبي»، أو «الخروج من الكابوس السوري». وركبوا الباص إلى مطار دمشق. يقول: «وصلنا إلى نافذة مسؤول أمن الحدود. تحقق من وجود تأجيل عن الخدمة العسكرية الإلزامية وجواز السفر، ثم سألني؛ إلى أين أنت ذاهب؟ ألمانيا؟». ثم أضاف: «ليتني كنت معك. نيّالك».
عبر «فؤاد» خط التفتيش الأمني ووصل إلى منصة الدخول إلى الطائرة؛ حيث كان عناصر الأمن التابعين لـ«أجنحة الشام» بالانتظار. كانوا ينتقلون من «مسافر» إلى آخر، طالبين منهم تسليمهم الأوراق النقدية السورية. يقول: «كانوا يفتشون كل واحد منا. أخذوا رزماً كثيرة من الأوراق النقدية السورية».
- راعٍ ورعية
كان على متن الطائرة نحو 200 شخص، معظمهم من الشباب، وبعض العائلات. وصلوا إلى مينسك بحدود الساعة السابعة مساءً. وعندما حطت الطائرة، جاء باص ونقلهم جميعاً إلى مبنى المطار. صعدوا إلى الطابق العلوي؛ حيث كانت «الصدمة. كان كل العالم هنا. شباب وعائلات من العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان».
هنا، كانوا على موعد مع الانتظار والأمن البيلاروسي. بعد ساعات وساعات، جاء رجل أمن و«قادنا كالبقر. كان يسير في رأس الرتل، أمام نحو 200 شخص. كان يقودنا يساراً ويميناً، إلى أن وصلنا إلى قاعة»، حسب «فؤاد». ويضيف: «هناك أخذوا من كل شخص هاتفه النقال. وسجلوا الرقم التسلسلي له مع جواز السفر، كي يراقبونا على الأغلب». بعد ذلك، ينتقل كل شخص وحده إلى حاجز التفتيش للتأكد من جواز السفر والهاتف والفيزا، مع أخذ بصمة العين. استمرت هذه العملية وقتاً طويلاً.
ولدى الخروج من المطار في فجر 28 أكتوبر، كان هناك باص نقل الواصلين إلى الفنادق، التي كان المكتب السياحي في دمشق، تكفل بالحجز فيها. قليل من هؤلاء أمضى ليلته في الفندق، فيما توجه كثيرون فوراً إلى حدود بولندا وفق ترتيبات مسبقة مع مهربين. ويشرح «فؤاد»: «المهرب عادة، يرسل نقاط تنقل معينة على الهاتف النقال، وكل شخص يلتحق بهذه النقاط للوصول إلى الحدود ويقطع نحو 390 كيلومتراً، ثم تأتي مرحلة عبور الأسلاك الشائكة، ثم الوصول إلى بولندا».
- الحدود
عندما وصل فؤاد، تغير المزاج البيلاروسي، من «رفع الأسلاك لتسهيل عبور المهاجرين إلى بولندا، إلى ضربهم وإعادتهم إلى العاصمة». ويقول «رفيق»: «هناك قام رجال الجيش البيلاروسي برفع الأسلاك الشائكة وتشجيعنا للعبور إلى بولندا». ويضيف: «قام جندي ضخم برفع الأسلاك، وقام آخر بضرب الجنود البولنديين بالحجارة كي نعبر دون أن يرونا». عبر بعض المهاجرين، فيما تجمع نحو 1000 شخص على الحدود، وسط تفاقم الأزمة السياسية بين بيلاروسيا ودول أوروبية.
تجربة «فؤاد» تختلف عن «رفيق». الأول، تعرف على شباب سوريين آخرين جاؤوا إلى بيلاروسيا. وهو من دمشق، لكن مجموعته ضمت شباباً من وادي النصارى في حمص، وإدلب والساحل. كل واحد منهم كان قد رتّب أمر الانتقال إلى الحدود. وجرب فؤاد مرات عدة الانتقال من العاصمة إلى الحدود، ودفع 100 دولار. وفي كل مرة كان يصل إلى مبتغاه، ثم يقع بين أيدي الجيش البيلاروسي. يقول: «اتفقنا مع مهرب على دفع 2500 يورو لنقلنا من بولندا إلى ألمانيا بعد الالتقاء في نقطة معينة، ثم اتفقنا مع تاكسي. ودفع كل واحد 100 دولار، لكن السائق تركنا قبل 20 كيلومتراً من الحدود. مشينا في الغابات، وكان كل واحد منا يحمل معه حقيبة بوزن 15 كيلوغراماً، فيها مياه وأكل وخيمة للنوم. وعندما وصلنا إلى الحدود، جاء عسكر بيلاروسيا، وصوّرونا، وطلبوا مساندة من ضباط وجنود ضخمين. اعتقدنا أنهم سيرفعون الأسلاك أمامنا كما سمعنا. لكن، فجأة بدأ أحدهم بضربنا بالبندقية، وفتحوا الحقائب وفتشوا عن سجائر سورية وأخذوا بعضها، ثم طلبوا منا العودة. وبالفعل، مشينا 20 كيلومتراً، إلى أن وجدنا تاكسي، وعدنا إلى مينسك».
في طريق العودة إلى العاصمة، تواصل «فؤاد» مع «سمسار عربي» آخر كان تعرف عليه أمام الفندق حيث ينتشر كثير من «السماسرة العرب». رتّب لهذه المجموعة استئجار قبو في بناية للستة، ووعدهم بتكرار المحاولة. يقول «فؤاد»: «سمعنا أن طائرة تابعة لـ(أجنحة الشام) ستأتي إلى منسك في 28 من الشهر لإعادة مجموعة منا إلى دمشق. كلنا قررنا أننا لن نعود إلى الجحيم». ويضيف: «لقد استأجرنا شقة أمس، لشهر، بـ1000 دولار، بانتظار واحد من حلّين؛ إما أن نعبر تهريباً إلى بولندا، أو أن نذهب إلى موسكو، ومن هناك نأخذ تاكسي إلى فنلندا ثم أوروبا، حسب ما وعدنا أحد السماسرة العرب».



مصر تشدد على دعمها استقرار السودان ووحدة أراضيه

وزير الخارجية المصري ينقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري ينقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الخارجية المصرية)
TT

مصر تشدد على دعمها استقرار السودان ووحدة أراضيه

وزير الخارجية المصري ينقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري ينقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الخارجية المصرية)

في أول زيارة لوزير خارجية مصر إلى السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، سلم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الثلاثاء، رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الذي استقبله في بورتسودان.

ونقل الوزير المصري، إلى البرهان «اعتزاز الرئيس السيسي بالعلاقات التاريخية والأخوية بين مصر والسودان، والعزم على بذل كل المساعي الممكنة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار للسودان».

جلسة مباحثات مصرية - سودانية موسعة (الخارجية المصرية)

وأشار عبد العاطي، وفق بيان للخارجية المصرية، إلى أن «الزيارة تأتي للإعراب عن تضامن مُخلص مع السودان في هذا المنعطف التاريخي الخطير، وللوقوف بجانب دولة شقيقة في ظل الروابط العميقة والعلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين».

كما أشار إلى «حرص مصر على الانخراط بفاعلية في الجهود الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق الاستقرار في السودان الشقيق، بما يصون مصالحه وسيادته ووحدة أراضيه»، منوهاً بـ«جهود مصر لاستئناف السودان لأنشطته في الاتحاد الأفريقي».

وشهدت زيارة عبد العاطي لبورتسودان جلسة مشاورات رسمية بين وزير الخارجية المصري ونظيره السوداني، علي يوسف الشريف بحضور وفدي البلدين، شدد الوزير المصري خلالها على «دعم بلاده الكامل للسودان قيادة وشعباً، وحرص مصر على بذل الجهود لرفع المعاناة عن الشعب السوداني».

وزير الخارجية السوداني يستقبل نظيره المصري (الخارجية المصرية)

واستعرض، وفق البيان، موقف مصر الداعي لـ«وقف فوري لإطلاق النار والإسراع من وتيرة نفاذ المساعدات الإنسانية، وأهمية التعاون مع مبادرات الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظمات الإغاثة الدولية لتسهيل نفاذ تلك المساعدات».

كما حرص الجانبان على تناول ملف الأمن المائي باستفاضة، في ظل «مواقف البلدين المتطابقة بعدّهما دولتي مصب علي نهر النيل»، واتفقا على «الاستمرار في التنسيق والتعاون الوثيق بشكل مشترك لحفظ وصون الأمن المائي المصري والسوداني».

تضمنت الزيارة، كما أشار البيان، لقاء عبد العاطي مع الفريق إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة الانتقالي مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، وأكد خلاله الوزير المصري «موقف بلاده الثابت القائم على دعم المؤسسات الوطنية السودانية واحترام وحدة وسلامة الأراضي السودانية».

كما عقد الوزير عبد العاطي لقاء مع ممثلي مجتمع الأعمال السوداني لتعزيز التعاون بين رجال الأعمال من البلدين واستكشاف فرص الاستثمار المشترك والاستفادة من الفرص الهائلة التي يتيحها الاقتصاد المصري، والعمل على مضاعفة التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين. كما التقى مع مجموعة من السياسيين وممثلي المجتمع المدني من السودان، فضلاً عن لقاء مع أعضاء الجالية المصرية في بورتسودان واستمع إلى شواغلهم ومداخلاتهم.

بدورها، نقلت السفارة السودانية في القاهرة، عن وزير الخارجية علي يوسف، تقديمه «الشكر للشقيقة مصر على وقفتھا الصلبة الداعمة للسودان»، في ظل «خوضه حرب الكرامة الوطنية ضد ميليشيا الدعم السريع المتمردة ومرتزقتھا وداعميھا الإقليميين»، على حد وصف البيان.

ولفت البيان السوداني إلى أن الجانبين ناقشا «سبل تذليل المعوقات التي تواجه السودانيين المقيمين في مصر مؤقتاً بسبب الحرب، خاصة في الجوانب الھجرية والتعليمية»، واتفقا على «وضع معالجات عملية وناجعة لتلك القضايا في ضوء العلاقات الأزلية بين الشعبين الشقيقين».