تدابير «كورونا» تؤجج الاستقطاب في أوروبا

جرحى في مواجهات بين متظاهرين والأمن الهولندي

أفراد من الشرطة الهولندية يواجهون متظاهرين بعد اندلاع اشتباكات في روتردام مساء الجمعة (د.ب.أ)
أفراد من الشرطة الهولندية يواجهون متظاهرين بعد اندلاع اشتباكات في روتردام مساء الجمعة (د.ب.أ)
TT

تدابير «كورونا» تؤجج الاستقطاب في أوروبا

أفراد من الشرطة الهولندية يواجهون متظاهرين بعد اندلاع اشتباكات في روتردام مساء الجمعة (د.ب.أ)
أفراد من الشرطة الهولندية يواجهون متظاهرين بعد اندلاع اشتباكات في روتردام مساء الجمعة (د.ب.أ)

في أقلّ من عام، انتقلت أوروبا من توزيع أوّل جرعة لقاح ضد «كوفيد - 19» إلى حشد كل جهودها وطاقاتها لاستهداف الذين يرفضون، لأسباب متعددة، تناول اللقاح ضد الفيروس الذي يهدّد مرة أخرى بشلّ الحركة الاقتصادية والاجتماعية، وربما بحصد نصف مليون ضحية إضافية حتى مطالع فبراير (شباط) المقبل، وفقاً لتوقعات الخبراء في العلوم الوبائية.
في موقع قيادة هذه الحملة التي تتّسع دائرتها يوماً غبه اليوم الدول، التي مثل ألمانيا والنمسا واليونان، تسجّل أدنى معدلات التغطية اللقاحية في الاتحاد، بدأت تضيّق طوق التدابير والقيود للحد من أنشطة وتحركات المواطنين الذين يرفضون اللقاح، وتفرض إلزاميته على عدد متزايد من المهن والخدمات.
وتشدّد المفوضية الأوروبية على إعطاء الأولوية لتلقيح أكبر عدد ممكن من السكان ورفع مستوى التغطية اللقاحية، الذي ما زال لا يتجاوز 65 في المائة من مجموع سكان الاتحاد الأوروبي.
في موازاة ذلك، تحذّر مصادر أوروبية من أن مضاعفة الضغوط والقيود على الذين يرفضون اللقاح أو يترددون في تناوله، تحمل مخاطر سياسية وأمنية، من حيث تأجيج الاستقطاب الذي تشهده حالياً معظم البلدان الأوروبية في مقاربة عدد من المواضيع التي تنقسم حولها المجتمعات بشكل حاد. وتنبّه مصادر أخرى إلى أن تدابير العزل التام والحجر الصحي الإلزامي يصعب تطبيقها، ولها أبعاد استبدادية تتناقض مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الاتحاد.
تجد البلدان التي ترزح تحت وطأة هذه الموجة الوبائية الشتائية نفسها مضطرة لاتخاذ تدابير جذرية لم يسبق أن لجأت إليها حتى في أحلك المراحل السابقة، وذلك منعاً لانفجار وبائي تعجز منظوماتها الصحية عن مواجهته، وللحيلولة دون انهيار اقتصادي آخر لا قدرة لها على تحمّله.
أمام هذه المفاضلة الصعبة، تقف المفوضية الأوروبية في الوقت الراهن على الحياد، مكتفية بالتحذير والتنبيه وتوجيه التوصيات، والتذكير بأن استراتيجية التلقيح من الاختصاصات الحصرية للدول الأعضاء ولا صلاحيات فيها لمؤسسات الاتحاد.
لكن إصرار المفوضية على أن العنوان الرئيسي لهذه المعركة هو «التلقيح ، والتلقيح ، ثم التلقيح»، كما قالت مفوّضة الشؤون الصحية، والتزامها الصمت إزاء التدابير القسرية التي اتخذتها الدول مؤخراً، يؤشران بوضوح إلى أنها ترى في هذه التدابير الحد الأدنى الذي لا بد منه إلى أن تتجاوز التغطية اللقاحية مستوى مقاومة الفيروس. وتعترف مصادر أوروبية بأن ثمّة إجماعاً في أوساط المؤسسات الصحية والعلمية على أن هذه الضغوط والتدابير تؤتي النتائج المنشودة، خصوصاً بين السكان المترددين في تناول اللقاح لعدم شعورهم بخطر الإصابة أو لثقتهم بأن الجائحة اقتربت من خواتيمها.
يذكر أن النمسا، التي ينتشر فيها الوباء بمعدلات تضاعف ما كانت عليه في ذروة الجائحة العام الماضي، كانت السبّاقة في استهداف غير الملقحين، قبل أن توسع قرار الإقفال العام لجميع مواطنيها لفترة ثلاثة أسابيع، بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل. كما أعلن المستشار النمساوي أن اللقاح سيصبح إلزامياً بدءاً من فبراير المقبل.
من جهته، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين الأوائل الذين قرروا اتخاذ تدابير لتسريع وتيرة التلقيح، عندما أعلن في يوليو (تموز) الماضي، فرض اللقاح على كل الذين يزاولون أنشطة تقتضي التقارب المباشر مع الآخرين. وأعلن أن الحكومة تدرس فرض إلزامية اللقاح على الجميع. وأدّت تلك الخطوة إلى ارتفاع فوري في عدد الحجوزات لتناول اللقاحات، إلى أن تجاوزت التغطية اللقاحية في فرنسا المعدّل الأوروبي بعد أن كانت دونه طوال تسعة أسابيع.
وفي إيطاليا التي كانت تغطيتها اللقاحية منذ البداية تتجاوز المعدّل الأوروبي، فرضت الحكومة إلزامية «الجواز الأخضر» في القطاعين العمومي والخاص، تحت طائلة تعليق الراتب الشهري. وأعلنت أمس، أنها تدرس حزمة جديدة من التدابير إزاء الارتفاع المطرد الذي تشهده الإصابات الجديدة منذ أيام. وكانت وزارة الصحة الإيطالية أفادت بأن نسبة التغطية اللقاحية تجاوزت 73 في المائة من مجموع السكان البالغين، أي بعد إسبانيا والبرتغال وبلجيكا والدنمارك ومالطا، وفقاً لبيانات المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها. وفيما سرّبت الحكومة أنها ستدرس في اجتماعها الدوري يوم الخميس المقبل، اقتراحاً بتعميم فرض شهادة التلقيح، قال رئيس الجمهورية سرجيو ماتّاريلّا في كلمة متلفزة مساء الجمعة، إن «المعركة ضد الوباء هي أيضاً معركة ضد أعداء العلوم».
وتجدر الإشارة إلى أن التشدّد الذي اتسمت به التدابير الإيطالية والفرنسية كان حتى الآن العلامة الفارقة في الحملات الأوروبية التي راهن معظمها على الإقناع والاستدراج لتوسيع التغطية اللقاحية والتركيز على منافعها، والإبقاء على الطابع الطوعي لتناول اللقاح. وكانت تلك الدول ترددت طويلاً في إصدار شهادة التلقيح، خشية أن يفسّر التدبير على أنه خطوة غير مباشرة لفرض اللقاح.
لكن قسوة هذه الموجة الرابعة، التي ما زالت بعيدة عن ذروتها حسب التقديرات العلمية، دفعت حتى ألمانيا إلى التخلّي عن الاعتدال في تدابير الوقاية، حيث أعلنت الحكومة أنها تدرس السماح فقط للملقحين والمعافين من الوباء بمزاولة الأنشطة الاجتماعية بلا قيود. ومن المقرر أن يبدأ تفعيل هذا الإجراء في الأقاليم والمناطق الاتحادية، استناداً إلى معدّل الإصابات التي تعالج في المستشفيات وفي وحدات العناية الفائقة. كما أعلنت الحكومة الألمانية فرض إلزامية اللقاح على أفراد الطواقم الصحية والذين يعملون في دور العناية بالمسنّين، وأنها لا تستبعد فرض الإقفال العام إذا استدعى الوضع الوبائي ذلك.
اليونان من جهتها لجأت أيضاً إلى تدابير مماثلة، حيث أعلنت الحكومة منع دخول غير الملقحين إلى المتاحف ودور السينما والمسرح والملاعب الرياضية.
وفي هولندا، شهدت مدينة روتردام مساء الجمعة، مواجهات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين ضد التدابير والقيود الجديدة التي فرضتها الحكومة، أسفرت عن وقوع سبعة جرحى واعتقال العشرات. وتخشى السلطات الهولندية من اتساع دائرة هذه الاحتجاجات التي تميّزت بعنف غير مسبوق، وقال عنها رئيس بلدية المدينة أحمد أبو طالب، إنه «لا علاقة لها بالاحتجاج، وليست سوى عربدة مجموعات من الحمقى والسذّج».


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.