أوروبا تواجه «شتاء قاسياً» مع اتساع تفشي «كورونا»

دول تبحث فرض العمل عن بُعد وشهادات التلقيح وإغلاقات

ألمان يصطفون خارج مركز تلقيح في فرانكفورت أمس (إ.ب.أ)
ألمان يصطفون خارج مركز تلقيح في فرانكفورت أمس (إ.ب.أ)
TT

أوروبا تواجه «شتاء قاسياً» مع اتساع تفشي «كورونا»

ألمان يصطفون خارج مركز تلقيح في فرانكفورت أمس (إ.ب.أ)
ألمان يصطفون خارج مركز تلقيح في فرانكفورت أمس (إ.ب.أ)

«الوباء يدقّ مجدداً على الأبواب، والسلاح الوحيد المتوفّر إلى الآن لصدّه هي اللقاحات». بهذه العبارات وصفت المفوّضة الأوروبية للشؤون الصحية ستيلّا كيرياكيديس، أمس، المشهد الوبائي الذي يتفاقم في أوروبا منذ أيام، بوتيرة أعادت إلى الأذهان السيناريو المأساوي الذي عاشته بلدان الاتحاد الأوروبي خلال ربيع العام الماضي في بداية الجائحة.
واعتبر هانز كلوغه، مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في أوروبا، أن القارة تواجه «شتاء قاسياً». وقال إن «حالة الطوارئ الصحية العامة لم تنتهِ بعد، والارتفاع الحالي للحالات في معظم بلدان المنطقة، الناجم عن مزيج من تغطية لقاحية غير كافية، وتخفيف التدابير الوقائية، وانتشار متحوّر (دلتا) الأكثر قابلية للانتقال، يظهر أننا نواجه شتاء قاسياً».
بدورها، وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الوضع في بلادها بـ«المأساوي» أيضاً، إذ واصلت تحطيم الأرقام القياسية في أعداد الإصابات اليومية الجديدة، والوفيّات التي زادت يوم الأربعاء عن 300 وفاة. وتشهد ارتفاعاً كبيراً في معدّل الإصابات بين الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر. وضاعف هذا الارتفاع المعدّل الوطني الذي وصفه خبراء معهد «روبرت كوخ» بأنه مدعاة للقلق، ويستدعي أقصى درجات الحذر والإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لاحتوائه. وكان معهد روبرت كوخ الذي يرصد تطور الجائحة في ألمانيا أفاد أمس (الخميس) أن عدد الإصابات اليومية الجديدة سجّل رقماً قياسياً جديداً تجاوز 65 ألف إصابة، فيما بلغت الإصابات الأسبوعية المتراكمة 337 لكل 100 ألف مواطن.
وإزاء الانفجار الذي تشهده ألمانيا في عدد الإصابات الجديدة، دعت ميركل أمس إلى فرض الاختبارات، حتى على الملقّحين، في حال اقتربت وحدات العناية الفائقة في المستشفيات من الحد الأقصى لقدراتها الاستيعابية، وطلبت من أحزاب الائتلاف الحكومي الجديد صرف النظر في الوقت الراهن عن خطة الإعلان عن نهاية حالة الطوارئ في نهاية الأسبوع المقبل.
إلى جانب ذلك، أوصت لجنة التلقيح الألمانية بإعطاء الجرعة الإضافية من اللقاح إلى كل الذين تجاوزوا الثامنة عشرة من العمر، وأن تكون من أحد اللقاحين بتقنية مرسال الحمض الريبي النووي من إنتاج «فايزر» و«مودرنا».
وفي النمسا، يتجّه الوضع الوبائي نحو الخروج عن السيطرة كل يوم، رغم التدابير الجذرية التي اتخذتها الحكومة بفرض العزل التام على غير الملقحين، وإلزامية اللقاح والاختبارات السلبية لارتياد الأماكن العامة ومزاولة المهن الأساسية. وكانت وزارة الصحة النمساوية أفادت أمس أن المعدل التراكمي للإصابات الأسبوعية تجاوز 600 إصابة لكل 100 ألف مواطن، فيما أشار وزير الصحة أنه يدرس إمكانية فرض حظر التجوّل الليلي الذي لم يسبق أن فرضته النمسا منذ بداية الجائحة، في الوقت الذي بدأت الأوساط العلمية تنادي بفرض الإقفال العام لاحتواء هذه الموجة الجديدة وتخفيف الضغط المتزايد على وحدات العناية الفائقة في المستشفيات.
وفي تطور لافت، أعلنت نقابة موظفي الشرطة والأجهزة الأمنية في النمسا أنها ستمتنع عن مراقبة امتثال المواطنين للتدابير التي فرضتها الحكومة مؤخراً مثل العزل التام لغير الملقحين، وقال ناطق باسم النقابة إنهم سيشاركون غداً (السبت) في المظاهرة التي ستشهدها العاصمة فيينا ضد تلك التدابير.
وفي سلوفينيا، ارتفعت نسبة الاختبارات الإيجابية إلى 50 في المائة، في الوقت الذي أصبحت المنظومة الصحية عاجزة عن استقبال مزيد من الإصابات التي تستدعي العلاج في المستشفيات. وبينما أعلنت الحكومة البلجيكية فرض العمل عن بُعد، 4 أيام في الأسبوع وإلزامية الجرعة الإضافية من اللقاح للجميع، أعلنت وزارة الصحة السويدية أنها تتوقع بلوغ الموجة الوبائية الجديدة ذروتها أواسط الشهر المقبل، وأنها ستفرض شهادة التلقيح في التجمعات التي تزيد عن 100 شخص اعتباراً من مطلع ديسمبر (كانون الأول).
من جهته، قال الناطق بلسان الحكومة الفرنسية غابرييل آتّال، إن فرنسا دخلت في الموجة الوبائية الخامسة بعد ارتفاع مطّرد في عدد الإصابات الجديدة، يزيد عن 45 في المائة أسبوعياً منذ بداية الشهر الحالي، ودعا إلى الإقبال على تناول الجرعة الإضافية من اللقاحات، والاستعداد للعودة إلى تشديد تدابير الوقاية والاحتواء إذا لم يطرأ تحسّن ملموس على المشهد الوبائي في الأيام المقبلة.
وفي إيطاليا حيث تضاعف عدد الإصابات اليومية في أقل من أسبوعين ليزيد أمس عن 10 آلاف للمرة الأولى منذ شهر مايو (أيار) الماضي، قال المفوّض الحكومي المكلّف إدارة الطوارئ الصحية، فرنشيسكو فيليولو، إن الفيروس خسر كثيراً من قدرته على الفتك بفضل اللقاحات، لكنه ما زال يتمتع بقدرة على الانتشار، تتضاعف مع التراخي في تدابير الوقاية والقيود الاجتماعية. وكان وزير الصحة روبرتو سبيرانزا ذكّر أن هذا العدد من الإصابات سجّلته إيطاليا في الربيع الماضي عندما كان الوباء في مرحلة الانحسار، بينما هو اليوم في الاتجاه المعاكس وبوتيرة أسرع رغم التغطية اللقاحية التي بلغت 84 في المائة من السكان البالغين.
في غضون ذلك، عادت التجاذبات السياسية لترخي بثقلها على تدابير التصدّي للجائحة؛ حيث أعربت الأحزاب اليسارية عن تأييدها لخطوة فرض العزل على الرافضين تناول اللقاح، فيما أعلنت الأحزاب اليمينية عن رفضها لهذا التدبير ودعت إلى تكثيف جهود الإقناع والتحفيز لبلوغ التغطية اللقاحية المستوى الكافي لتحقيق المناعية الجماعية.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».