تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

بعد التطورات الأخيرة في الحرب على الإرهاب والتطرف

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»
TT

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

قرار تونس قبل بضعة أيام إعادة فتح قنصليتها في العاصمة السورية دمشق وترحيبها بعودة سفير سوريا إلى العاصمة التونسية، فاجأ المراقبين خارج تونس، ولا سيما في مواقف الرئيس السابق الدكتور المنصف المرزوقي الحازمة ضد سياسة القتل والقمع التي مارسها ويمارسها نظام الرئيس بشار الأسد. غير أن متابعي المشهد السياسي والأمني داخل تونس اعتبروا أن هذه الخطوة لا تنفصل عن قلق القيادة الحالية الشديد في عهد الباجي قايد السبسي من خطر المقاتلين المتطرفين التونسيين الذين يقاتلون في سوريا حاليا عند عودتهم إلى البلاد. وكان الهجوم الإرهابي الدموي على متحف باردو في تونس العاصمة أحدث المؤشرات إلى خطر هذه الجماعات، ناهيك من الصلات المقلقة لعلاقات المتطرفين الإرهابيين التونسيين بالجماعات الإرهابية المتطرفة الناشطة في كل من ليبيا والجزائر «جارتي» تونس، ومناطق أخرى بشمال أفريقيا.

أعلن رئيس الحكومة التونسي الحبيب الصيد ومحمد الناجم الغرسلي وزير الداخلية في حكومته، أخيرا، مقتل القيادي المتطرّف «لقمان أبو صخر» في جنوب غربي تونس رفقة 8 من رفاقه. وللعلم، يوصف «أبو صخر» منذ سنوات في الجزائر وتونس بأنه «أخطر إرهابي جزائري ومغاربي» وبكونه الزعيم «الأسطوري» لما يسمى تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«كتيبة عقبة بن نافع» وتنظيم «عقبة بن نافع». كذلك كشف الصيد والغرسلي عن تفاصيل تهم التنظيمين المتهمين بالتورّط في جرائم قتل عشرات العسكريين والأمنيين والسياح بمشاركة متهمين تونسيين وليبيين وجزائريين ومغاربة.
ما هي النتائج السياسية والأمنية لمستجدات الأيام القليلة الماضية؟ وهل سيعني القضاء على أبرز قيادات التنظيمين واعتقال نحو عشرين من عناصرها إغلاقا نهائيا للملف وانتصارا عليهما... أم مجرد «ضربة أمنية» ذات نتائج ظرفية؟
الأمر اللافت للانتباه تمسك رئيس الحكومة التونسي ووزير داخليته منذ جريمة قتل عشرين سائحا و3 تونسيين في متحف باردو بأن الهجوم الإرهابي كان من فعل عناصر من جماعات إرهابية مغاربية بينها كتيبة «عقبة بن نافع» وجناح متطرّف جدا في «أنصار الشريعة»، وليس من فعل عناصر تابعة لتنظيم داعش رغم البيان الذي صدر في الموقع الإلكتروني المحسوب عليه.
بل لقد ذهب وزير الداخلية، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، بعيدا فأوضح أن «(داعش) لم يشارك مباشرة في هجوم 18 مارس (آذار) الماضي» وبيانه الذي تبنّاه يندرج في سياق «خطته الإعلامية الدعائية». وأوضح الوزير أن «كثيرا من التنظيمات الإرهابية تبحث عن الشهرة وتتبنى عمليات لم تقم بها». ومن ثم، حذّر من مسايرة بلاغات تروّج في المواقع الاجتماعية والإعلامية «لأسباب كثيرة من بينها إخفاء بعض خيوط الجريمة عن المحققين».
ورغم ضغوط بعض «الخبراء» في وسائل الإعلام التونسية والعربية والدولية، التي كانت تدفع في اتجاه «مواقف تبسيطية» تلصق الجريمة بـ«داعش»، التزم رئيس الحكومة ووزير الداخلية التونسيان منذ البداية الحذر، وأعطيا الأولوية لنتائج التحقيقات مع الموقوفين وللقرائن والحجج وليس لـ«المواقف المسبقة» التي روّجتها بعض الجهات الاستخباراتية والإعلامية الإقليمية.
ومن جهة أخرى، كشف الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية محمد علي العروي أنه بنتيجة هذا التناول تيسّر التعرف على أسماء عشرات من المتهمين الذين هم على علاقة مباشرة وغير مباشرة بجرائم قتل السياح والعسكريين والمدنيين. ولقد تبين أن معظمهم من تونس والجزائر والمغرب وليبيا، وهم ليسوا من أفراد «داعش» بل من «كتيبة عقبة بن نافع» ومن جناح في «تنظيم أنصار الشريعة» المحسوبين على تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي».
هذا التناول العقلاني في التعامل مع المعطيات الأمنية - بعيدا عن الضغوط الاستخباراتية والأمنية المحلية والدولية - ساعد المحققين التونسيين ونظراءهم الجزائريين على كشف خيوط إضافية في الشبكات الإرهابية وعلى القضاء على «الزعيم الرمز» للمجموعات المتهمة بالاغتيالات السياسية والهجمات الإرهابية المتعاقبة على العسكريين والأمنيين خلال السنوات الماضية وبهجوم باردو الإرهابي.
أضف إلى ما سبق أنه كشفت المشاركة المغاربية والعربية والعالمية الواسعة في المسيرة الدولية المعادية للإرهاب بتونس أن الرأي العام الوطني التونسي والمغاربي وقادة العالم تفاعلوا إيجابا مع الساسة التونسيين الذين تعاملوا بـ«شفافية» مع الأحداث الإرهابية.. بعيدا عن كل أنواع «الرتوش». ويرى متابعون أن مصارحة الحكومة للشعب والعواصم الصديقة بحقيقة المعطيات المتوافرة لديها عامل كان عاملا حاسما في مدّها بمعلومات ساعدت خلال فترة قياسية في الكشف عن مجموعة «لقمان أبو صخر» في الجنوب الغربي وعن علاقاته مع جماعات مسلحة ليبية وجزائرية وتونسية ومغربية، بينها «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«أنصار الشريعة».
أما على الصعيد الاقتصادي، وبحكم التداخل بين المعطيات الأمنية وعنصر الاستقرار الذي يشترط المستثمرون توافره فإن النجاحات الأمنية بعد جريمة باردو، كما يرى الباحث الجامعي زهير بن يوسف «ستساهم في إعادة ثقة الشعب ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب في مناخ تونس وفرص الاستثمار الاقتصادي فيها».
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الوزير الغرسلي أورد أثناء ندوته الصحافية يوم الخميس قبل القضاء على «أبو صخر» أن 80 في المائة من المتهمين جرى توقيفهم (نحو 20 متهما وقتل 9 آخرون بعد ذلك بيومين/ ليلة السبت - الأحد) فإن ذلك يعني «تصفية الغالبية الساحقة من أعضاء هذه الجماعة المسلحة» باستثناء «المتهم الخطير جدا» ماهر القايدي الذي وزّعت صوره في كل وسائل الإعلام والمتهم بالمشاركة في جريمة باردو من خارج المتحف.

* مخاطر أمنية جديدة
«الشرق الأوسط» استوضحت في هذا السياق آراء عدد من الشخصيات والمتابعين والخبراء هم: علي زيدان رئيس الحكومة الليبية السابق، وأبو بكر بعيرة الناطق الرسمي باسم برلمان طبرق الليبي، ومحمد المؤدب أمير اللواء المتقاعد في الجيش الوطني، والدكتورة بدرة قعلول الخبيرة التونسية في الشؤون العسكرية والأمنية، والأكاديمي والمؤرخ التونسي اعلية العلاني. ومن ثم خرجت بحصيلة تتصل بالسؤال المطروح الآن، وهو: ألن تواجه تونس مخاطر أمنية جديدة في ظل تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، وبروز تنسيق كبير بين الجماعات المسلحة المغاربية التي كانت برزت في ثوب جديد منذ 2006 بعدما تطوّرت «الجماعات السلفية للدعوة والقتال» و«الجماعة الإسلامية المقاتلة في الجزائر» (جي. إي. آ.) إلى «القاعدة في المغرب الإسلامي»؟
الدكتورة قعلول رجّحت أن تنظم عمليات إرهابية جديدة «لأن التنسيق بين بعض الجماعات السلفية المسلحة التونسية والمغاربية يعود إلى أواخر 2006 ومطلع 2007 عند الكشف عن تنظيمات مسلحة في سليمان بتونس بينها تنظيم (أسد بن الفرات) وجماعات تنتسب إلى (القاعدة) وأخرى بايع بعض رموزها في سبتمبر (أيلول) الماضي قيادات (داعش) في الشام والعراق وزعامات متشدّدة مسلّحة في مالي وكذلك في مدينتي درنة وسرت الليبيتين».
وبالعودة إلى كلام وزير الداخلية الغرسلي، فإنه كشف عن أن من الأسلحة المستخدمة في الهجوم على باردو مواد متفجرة خطيرة وذخائر عسكرية كان النظام الليبي السابق - في عهد معمّر القذافي - يستخدمها في الحروب إلى درجة أن المفعول التفجيري لـ«حزام ناسف واحد» قد يمتد 8 آلاف متر مربع في الثانية الواحدة. وبما أن ليبيا تعج بالأسلحة «المتطورة» الموروثة عن عهد القذافي وتلك التي وزّعها الحلف الأطلسي وشركاؤه العرب على «الثوار» عام 2011 فإن المخاطر الأمنية تتضاعف بالنسبة لتونس وكامل دول الاتحاد المغاربي وبقية دول المنطقة.
في ضوء ذلك قدّر أبو بكر بعيرة عدد قطع السلاح المنتشرة حاليا في ليبيا بملايين القطع، بينها الصواريخ الفردية ورشاشات الكلاشنيكوف وقنابل. أما رئيس الحكومة الليبية السابقة علي زيدان فطالب الحلف الأطلسي بالبدء فورا في تجميع هذه الأسلحة «لحماية ليبيا وتونس وكل الدول العربية والأورومتوسطية من اتساع رقعة الإرهاب». في حين حذّر محمد المؤدب من «التداخل بين الإرهاب والتهريب» لجهة توظيف الإرهابيين أموال التهريب في تمويل مجموعاتهم وتسليحها. وحقا يؤكد بعض المختصين في الدراسات الأمنية - منهم الدكتورة قعلول - أن نسبة كبيرة من العمليات الإرهابية في تونس والمنطقة مرتبطة بالفعل بعصابات التهريب وأن «لقمان أبو صخر» كان من أكبر «المهرّبين» في منطقة الحدود التونسية - الجزائرية.
في هذا السياق العام لم يستبعد اعلية العلاني أن يتواصل تأثير تنظيمات مغاربية مسلحة مثل «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«عقبة بن نافع» و«أنصار الشريعة»، بحكم تقاطع شبكاتها ومموّليها مع التهريب والاتجار غير القانوني «العابر للحدود» في مواد كثيرة من بينها المخدرات والأسلحة. وبصفة عامة، لا يعتقد خبراء في القضايا الأمنية والتنظيمات المسلحة المتطرفة أن قتل «لقمان أبو صخر» سيؤثر سلبيا على المدى البعيد على الجماعات المتطرفة في تونس والدول المغاربية لأنه سيُعوّض مثلما سبق أن عُوضّ من سبقه، لا سيما أن مثل هذه التنظيمات لا تستسلم بعد سقوط عناصرها وقادتها.
يبقى أن نشير إلى أن تنظيمات «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«أنصار الشريعة» و«عقبة بن نافع» والجماعات المتطرفة المماثلة باتت تستهوي أعدادا متزايدة من الشباب بخلاف الأحزاب الإسلامية القانونية والمعتدلة التي تدافع عن مبدأ «التوافق» بين الإسلاميين والعلمانيين. كما تمتلك هذه الجماعات المسلحة أوراقا كثيرة مقارنة بالأحزاب الإسلامية القانونية والمعتدلة، من بينها: التركيز على الشباب وإبراز قياداتها في موقع «المرجعيات الدينية المتواضعة والزاهدة في الدنيا» والقديرة على تقديم «تأصيل شرعي وفقهي يقنع الشباب والمقاتلين الجدد». غير أن الحصيلة المبدئية لنجاحات قوات الأمن التونسية ستكون إضعاف التنظيمات المتطرفة المسلحة وليس القضاء عليها، ما يعني أن «الحرب على الإرهاب» التي تحدّث عنها كثيرا الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ستكون طويلة.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.