لبنان: خيار ميقاتي استقالة قرداحي وإلا سيتخذ موقفاً آخر

الحكومة باقية وأمامها فسحة من الوقت لترتيب أوضاعها

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي
TT

لبنان: خيار ميقاتي استقالة قرداحي وإلا سيتخذ موقفاً آخر

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي

قال مصدر سياسي مواكب للاتصالات التي يتولاها رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لإخراج لبنان من أزمة تصدّع العلاقات اللبنانية - الخليجية إن استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي تبقى الممر الإلزامي الوحيد الواجب اتباعه للدخول في تسويتها على قاعدة تبنّي مجلس الوزراء لخريطة الطريق التي رسمها انطلاقاً من وضع مقاربة شاملة لإعادة تصحيحها وتصويبها بما يضمن عودة لبنان إلى الحضن العربي وابتعاده عن سياسة المحاور التي يسعى «حزب الله» لجرّه إليها.
ونقل المصدر السياسي عن الرئيس ميقاتي قوله إن الأولوية تكمن في مبادرة قرداحي للاستقالة كخيار أول، وعدم تجاوبه مع الدعوات التي تطالبه بالاستقالة سيضطره للجوء إلى خيار آخر بإقالته من الحكومة. ولفت «الشرق الأوسط» إلى أن رئيس الحكومة لن يلجأ حتى إشعار آخر إلى هذا الخيار وأنه يركّز حالياً على الخيار الأول بدعوته للاستقالة، طالباً منه تقدير المصلحة الوطنية للبنان التي يجب أن تبقى مصانة لأنها فوق أي اعتبار آخر.
وأكد المصدر نفسه أن أزمة العلاقات اللبنانية - الخليجية تعود إلى تراكمات بسبب إصرار «حزب الله» على عدم التزامه بالبيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة ومضيّه في خرق سياسة النأي بالنفس باستهدافه دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لإلحاق لبنان بمحور الممانعة التي تتزعّمه إيران. ورأى بأن إساءة قرداحي لهذه الدول كانت بمثابة عود الثقاب الذي أشعلها وأدى إلى اتخاذ معظمها قرارات بسحب سفرائها من لبنان.
واستبعد المصدر السياسي أن يكون ميقاتي في وارد الاستقالة أو بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد في حال استمر قرداحي في استعصائه على دعوته بالاستقالة، ونُقل عن ميقاتي قوله: «ليس لأنني لا أريد الاستقالة، لكن هل تتأمّن مصلحة البلد باستقالتي؟ وهل يمكن تأمين البديل؟ أم أننا نُقحم بلدنا في كباش سياسي نعرف من أين يبدأ ولكننا لا يمكن التكهن إلى أين سينتهي؟ وهل يمكننا أن نمنع دخوله في نفق مسدود فيما نسعى لإعادته إلى الخريطة الدولية وقد نجحنا في الحصول على ضمانات لإخراجه من التأزُّم الذي يتخبّط فيه للعبور به إلى الإنقاذ؟».
واعتبر أن ميقاتي تلقى كل دعم ومساندة للبنان في اللقاءات التي عقدها على هامش مشاركته في القمة المناخية، وقال إن لدى القيادات التي التقاها رغبة في دفع لبنان قدماً نحو الإنقاذ فيما تحاول بعض الأطراف في الداخل العودة به إلى المربع الأول، أي إلى ما كنا عليه قبل تشكيل الحكومة. وأكد بأن دول الخليج تتساهل في موقفها وأن معظمها تبدي تشدُّداً، وإن كانت لم تعترض على إعطاء رئيس الحكومة فسحة من الوقت وبناء لطلبه لعله يتمكن من استيعاب أسباب الأزمة وتوفير الحلول لها.
وكشف المصدر نفسه أن ميقاتي وإن كان يعوّل حالياً على الخيار الأول بدعوة قرداحي للاستقالة، فإنه سيضطر في حال عدم تجاوبه إلى اتخاذ موقف آخر، وإن كان يتجنّب الإفصاح عن طبيعته لأنه لا يريد أن يحرق المراحل ويقطع الطريق على الجهود الرامية لإقناعه بضرورة الاستقالة من دون أن تبقى مديدة ومفتوحة لأن عامل الوقت لن يكون لمصلحة إعادة تفعيل العمل الحكومي ولا لفترة السماح التي مُنحت له لأن التفريط فيها سيترتب عليه تشدُّد من قبل دول الخليج وعلى رأسها السعودية التي ستضطر لحماية أمنها القومي وأمن مواطنيها والمقيمين على أرضها إلى اتخاذ رزمة من الإجراءات والتدابير.
وتوقف أمام صمت رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدم دخوله في السجال، وقال إن القاسم المشترك الذي يجمعه بالرئيس ميقاتي يكمن في تقطيع مرحلة السجالات والتجاذبات بالصمود من جهة، وبتريُّث الأخير وعدم مبادرته للاستقالة، وقال إن هناك ضرورة لتبريد الرؤوس الحامية إفساحاً في المجال أمام بري للقيام بدور إنقاذي إلى جانب ميقاتي، خصوصاً أنه يرفض أن يكون طرفاً من شأنه أن يعيق تدخّله في الوقت المناسب.
وبالنسبة إلى المهمة التي يبدأها اليوم في بيروت نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي بحصر لقاءاته بالرؤساء الثلاثة، قال المصدر نفسه بأن مهمته تبقى في إطار استكشاف المواقف على حقيقتها والاستماع إلى وجهات نظر الرؤساء ليبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً أن الأزمة بين لبنان ودول الخليج ليست محصورة بهذه الأطراف جمعاء وإنما لها امتداداتها بداخل الساحة اللبنانية بين فريق يُبدي تفهّماً للأسباب التي أملت على هذه الدول سحب سفرائها من لبنان وآخر يتحمل مسؤولية حيال تدهور العلاقات اللبنانية - الخليجية ويتزعّمه «حزب الله» المدعوم من إيران ولديه أجندة سياسية تتمثل بتمدّده في دول الجوار وصولاً إلى اليمن، وتُحمِّله هذه الدول مسؤولية زعزعة الاستقرار في المنطقة وتهديد أمنها القومي.
وشدّد المصدر نفسه على أن دخول الجامعة العربية على خط الأزمة يضع الأطراف المحلية أمام مسؤولياتها في إنضاج مقاربة سياسية لاستيعابها تبدأ باستقالة قرداحي، وأكد بأن المجتمع الدولي قال كلمته بإسداء نصيحة إلى لبنان بوجوب التوجّه لمعالجتها بخطوات عملية تتيح له تقديم المساعدة، وإلا لا جدوى منها ما لم تبادر هذه الأطراف إلى مساعدة نفسها، ورأى أن الحديث عن احتمال قيام دولة قطر بوساطة يبقى في إطار التمنيات ولم يترجم إلى خطوات عملية ولم يعد من رهان إلا على الدور الذي ستلعبه الجامعة العربية.
ولفت إلى أنه لا مجال للدخول في مقايضة بين مطالبة «الثنائي الشيعي» بتنحّي المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وبين دعوة قرداحي للاستقالة، وقال إن ميقاتي ليس في هذا الوارد وهو يلقى الدعم من رؤساء الحكومات السابقين، وإن كان وإياهم من أصحاب الدعوة لتصويب مسار التحقيق بالعودة إلى تطبيق الدستور والكف عن الانتقائية والاستنسابية في ادعاءات البيطار على نواب حاليين ووزير سابق.
وأكد أن رؤساء الحكومات يتواصلون مع ميقاتي ويرون - كما أبلغوه - أن الوقت غير مناسب الآن للمطالبة باستقالته لعدم فراغ الساحة أمام «حزب الله» وحلفائه، وكشف أن ميقاتي كان أبلغ من تواصل معهم أو التقاهم أنه لا مجال للعبور بلبنان إلى الإنقاذ ما لم يلتزم الوزراء بالبيان الوزاري، وإلا لن يكون في مقدوره أن يكمل طريقه، أي البلد، وهذا ما أُحيط به علماً الرئيس عون و«حزب الله» وآخرون.
ورداً على سؤال أكد المصدر أن عون يدعم ميقاتي في مطالبته باستقالة قرداحي، وقال إنه استدعاه وطلب منه أن يتقدّم بها، وأكد أن ميقاتي التقى المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل الذي أبلغه أن الحزب لا يطلب منه الاستقالة أو عدمها ويترك له القرار النهائي «ونحن لن نقف حجر عثرة في حال قرر الاستقالة»، وكذلك الحال بالنسبة إلى زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية الذي تواصل معه ميقاتي قبل أن يلتقي البطريرك الماروني بشارة الراعي.
لذلك يصر ميقاتي على إعادة ترتيب البيت اللبناني بدءاً بالحكومة كمدخل لاستيعاب الأزمة اللبنانية - الخليجية لأن علاقة لبنان بدول الخليج تتجاوز الدعم المادي إلى المعنوي الذي يتيح له الاستقواء به دولياً، خصوصاً أن المجتمع الدولي، وهذا ما لمسه ميقاتي في لقاءاته على هامش القمة المناخية، يقف ضد الهبوط الاضطراري للبنان في مستنقع الفتنة أو في العودة إلى نقطة الصفر، وبالتالي ممنوع عليه الارتطام بحائط مسدود سياسياً وصولاً إلى الانهيار الشامل.



غوتيريش: نقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
TT

غوتيريش: نقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)

وصل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى بغداد، اليوم (السبت)؛ للمشاركة في الاحتفالية الكبرى التي ستنظِّمها الحكومة العراقية بمناسبة انتهاء مهام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ومغادرتها البلاد في 31 من الشهر الحالي.

وأكد غوتيريش، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أنه يقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر، وأشار إلى أنه شهد «شجاعة العراق وثباته وإصراره في التغلب على الإرهاب والتدخل الخارجي والطائفية».

وأضاف غوتيريش، وفقاً لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن «بعثة (يونامي) في العراق ساعدت على إعادة البناء بعد عقود من الحرب، وكان هدفنا دعم العراق في جهوده لإعادة الاستقرار»، لافتاً النظر إلى أنه «مع إغلاق البعثة ستظل هناك وكالات للتنمية الحيوية والبشرية، ونقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يستقبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بغداد (مكتب رئيس وزراء العراق)

وبارك غوتيريش للعراق «النجاح في إقامة الانتخابات الأخيرة»، معرباً عن أمله «في إعادة الحكومة العراقية بناء الثقة والاستقرار في البلاد».

من جانبه، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن انتهاء مهام بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) لا يعني نهاية الشراكة مع الأمم المتحدة.

وأوضح السوداني، خلال المؤتمر الصحافي المشترك، أن «الحكومة نجحت في ترسيخ دعائم الديمقراطية عبر إجراء الانتخابات»، مبيناً أن «العراق انتقل من جهود الأزمات إلى الاعتماد على جهوده الذاتية».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بغداد (مكتب رئيس وزراء العراق)

وتابع: «حققنا الأمن والاستقرار وكثيراً من الإنجازات الوطنية رغم التحديات، ونتطلع إلى إقامة علاقات مع الأمم المتحدة تقوم على أسس الشراكة».

وأكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق رئيس بعثة «يونامي» محمد الحسان، في تصريحات صحافية، أن مهمة البعثة أُنجزت بنجاح، وأن مغادرتها جاءت بناء على طلب عراقي، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وقال الحسان إن «بعثة (يونامي) جاءت إلى العراق بطلب من العراقيين، وإنهاء عملها جاء أيضاً بطلب منهم»، مؤكداً أن «الأمم المتحدة تحترم رغبات الدول التي تستضيف بعثاتها، ولا يمكن أن تعمل أي بعثة دون موافقة الدولة المستضيفة، واستعدادها للتعاون».

وأضاف أن «العراقيين استضافوا البعثة لأكثر من عقدين، وكان العمل شاقاً، إلا أنهم وجدوا أن المهمة الموكلة إلى (يونامي) حقَّقت أهدافها، وحان الوقت ليأخذوا الأمور بأيديهم مثلهم مثل بقية دول العالم».

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق رئيس بعثة «يونامي» محمد الحسان (الأمم المتحدة)

وأوضح الحسان أن «مهمة البعثة أُنجزت بنجاح، ولم يتبقَّ سوى 3 ملفات، تتعلق بالمفقودين من دولة الكويت، ورعايا الدول الثالثة منذ فترة الحرب وغزو الكويت، إضافة إلى ملف ممتلكات الكويتيين والأرشيف الوطني الكويتي».

وذكر أن «هذا لا يعني انتهاء وجود الأمم المتحدة في العراق؛ إذ ستبقى من خلال الوكالات المتخصصة، إضافة إلى التواصل بين العراق بصفته عضواً في مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان».

وأُسست بعثة الأمم المتحدة للدعم في العراق، وهي بعثة سياسية، عام 2003. وفي الـ31 من مايو (أيار) صوَّت مجلس الأمن بالإجماع على قرار تمديد ولاية البعثة لمرة أخيرة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2025 بناءً على طلب رسمي من الحكومة العراقية.


تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يشهد شرق اليمن، وتحديداً وادي حضرموت ومحافظة المهرة، واحدة من أكثر موجات التوتر خطراً منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل (نيسان) 2022، وسط تصاعد في الخطاب السياسي، وتحركات عسكرية ميدانية، وإعادة رسم للتحالفات داخل المعسكر المناهض للحوثيين؛ الأمر الذي يضع البلاد أمام احتمالات مفتوحة قد تنعكس على كامل المشهد اليمني، بما في ذلك مسار الحرب مع الجماعة الحوثية، وواقع الإدارة المحلية، ووضع الاقتصاد المنهك.

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي بوضوح نيته المضي نحو تعزيز سيطرته الأمنية في وادي حضرموت. وقال علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للانتقالي، إن «الانتصارات الأخيرة شكلت بارقة أمل لأبناء حضرموت»، مشيراً إلى أن «مرحلة ما بعد التحرير تتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المكتسبات».

رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي (أ.ب)

وكان لافتاً حديثه عن أن «تأمين وادي حضرموت يمثل أولوية قصوى»، في إشارة مباشرة إلى مطلب الانتقالي القديم بإخراج القوات الحكومية من الوادي واستبدالها بقوات «النخبة الحضرمية» الموالية له، بالتوازي مع تأكيده أنّ الجنوب «مقبل على دولة فيدرالية عادلة»، في تكرار لرؤيته الداعية إلى إنهاء الوحدة بصيغتها الحالية.

بالنسبة للانتقالي، فإن السيطرة على وادي حضرموت والمهرة ليست مجرد توسع جغرافي؛ بل جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ النفوذ جنوباً استعداداً لأي تسوية سياسية مقبلة بخاصة في ظل مطالب المجلس باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990.

موقف العليمي

في المقابل، صعّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خطابه بعد أن غادر العاصمة المؤقتة عدن بالتوازي مع تصعيد المجلس الانتقالي؛ إذ شدد بشكل واضح على «انسحاب القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة» وتمكين السلطات المحلية من إدارة شؤون المحافظتين.

وجاءت مواقف العليمي من خلال تصريحاته أمام السفراء الراعيين للعملية السياسية في اليمن، وأخيراً من خلال اتصالات هاتفية مع محافظي حضرموت والمهرة، في رسالة أراد من خلالها تقديم دعم مباشر للسلطات المحلية والدفع نحو تهدئة التوتر بعيداً عن الخطوات الأحادية التي أعلنها المجلس الانتقالي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد العليمي على ضرورة «عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، محذراً من مخاطر التصعيد على الاقتصاد والواقع الإنساني. كما دعا إلى «تحقيق شامل في الانتهاكات المرافقة للإجراءات الأحادية»، في إشارة إلى الاعتقالات والإخفاءات التي تقول جهات حقوقية إنها رافقت عمليات الانتقالي في بعض المناطق الجنوبية.

ويبرز من هذه التصريحات حجم الهوة داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه؛ إذ يتحرك كل طرف من أطرافه بشكل مستقل، بينما تتسع الفجوة بين مواقف العليمي والانتقالي بشأن مستقبل الإدارة الأمنية والعسكرية للشرق اليمني.

مخاوف واسعة

يثير تصاعد الأحداث في شرق اليمن مخاوف من أن تتحول حضرموت والمهرة، وهما أكبر محافظتين في البلاد مساحة، إلى بؤرة صراع داخلي قد تجرّ اليمنيين إلى فوضى جديدة. فالمنطقة، التي تمتاز بامتدادات جغرافية واسعة وثروات نفطية ومنافذ برية مهمة مع السعودية وسلطنة عُمان، حافظت لسنوات على نمط من الاستقرار النسبي مقارنة بمناطق الحرب الأخرى.

لكن دخول قوات إضافية وفرض وقائع أمنية وعسكرية قد يؤدي إلى تقويض الإدارة المحلية التي تعتمد على التوازنات القبلية والسياسية، وعرقلة إنتاج النفط الذي يمثل شرياناً اقتصادياً أساسياً، مع ارتفاع خطر الجماعات المتطرفة التي تستغل عادة الفراغات الأمنية، إضافة إلى تعميق الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وانعكاس ذلك على قدرته في إدارة ملفات الحرب والسلم.

كما يهدد التصعيد بتفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يعيش أكثر من 23 مليون من سكانه على المساعدات، بينما تشير تقارير أممية إلى أن 13 مليوناً قد يبقون بلا دعم إنساني كافٍ خلال العام المقبل.

تنسيق الزبيدي وصالح

على خلفية هذه التطورات، أجرى طارق صالح اتصالاً برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، في خطوة أضافت طبقة جديدة من التعقيد، بخاصة وأن الطرفين عضوان في مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده العليمي.

وحسب بيان الانتقالي، ناقش الطرفان «سبل التنسيق المشترك لإطلاق معركة لتحرير شمال اليمن من الحوثيين»، مؤكدين أن «المعركة واحدة والمخاطر واحدة»، مع الإشارة إلى تعاون مستقبلي لمواجهة «الجماعات الإرهابية» بما فيها الحوثيون وتنظيم «القاعدة».

المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

هذا التواصل ليس عادياً؛ فهو يجمع بين قيادتين تنتميان لمدرستين سياسيتين مختلفتين، الزبيدي بمشروعه الانفصالي جنوباً، وطارق صالح بمشروع «الجمهورية الثانية» شمالاً. لكن المشترك بينهما هو الرغبة في إعادة ترتيب موازين القوة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتشكيل محور عسكري قادر على التحرك خارج حسابات الحكومة الشرعية، غير أن الرهان دائماً سيكون منوطاً بالإيقاع السياسي الذي تقوده الرياض.

وحسب مراقبين، يسعى الطرفان إلى استثمار الجمود في مسار التفاوض مع الحوثيين وملء الفراغ الناجم عن التغاضي الدولي تجاه الوضع في اليمن؛ وذلك لصياغة تحالف جديد يعيد تشكيل الخريطة السياسية، ويمنح كلاً منهما مساحة أكبر للتأثير، لكن كل ذلك يبقى غير مضمون النتائج في ظل وجود التهديد الحوثي المتصاعد.

بين الحوثيين والانتقالي

تأتي هذه التطورات في وقت تتراجع فيه العمليات القتالية بين الحكومة والحوثيين على معظم الجبهات. ومع أن الحوثيين يواصلون الحشد والتجنيد، فإن خطوط الجبهة الداخلية بين شركاء «معسكر الشرعية» باتت أكثر اشتعالاً من خطوط القتال مع الحوثيين أنفسهم.

ويحذّر خبراء من أن أي انقسام إضافي داخل هذا المعسكر سيمنح الحوثيين هامشاً أوسع لتعزيز نفوذهم، خصوصاً أنهم يراقبون من كثب ما يجري في الشرق، حيث تعتمد الحكومة الشرعية على الاستقرار هناك لضمان مرور الموارد والتحركات العسكرية.

وبين دعوات الانتقالي إلى «مرحلة ما بعد التحرير»، ومطالب العليمي بعودة القوات إلى تموضعها السابق، ومحاولات الزبيدي وطارق صالح لتشكيل موقف موحد، يجد سكان حضرموت والمهرة أنفسهم أمام مشهد معقد يشبه صراع نفوذ متعدد الطبقات.

وفد سعودي برئاسة اللواء محمد القحطاني زار حضرموت لتهدئة الأوضاع (سبأ)

فالمنطقة التي لطالما عُرفت بقبائلها وامتدادها التجاري والاجتماعي مع دول الخليج، باتت اليوم ساحة اختبار لمعادلات سياسية تتجاوز حدودها، وسط مخاوف من أن يقود هذا التصعيد إلى هيمنة على السلطة تتناسب مع المتغيرات التي فرضها المجلس الانتقالي على الأرض، بالتوازي مع تحذيرات من انفجار جديد يعمّق الانقسام اليمني بدلاً من رأبه.

وفي كل الأحوال، يرى قطاع عريض من اليمنيين والمراقبين الدوليين أن العامل الحاسم يظل مرتبطاً بموقف الرياض التي تمسك بخيوط المشهد الرئيسية، وقد دعت بوضوح إلى خفض التصعيد والتهدئة، عادَّة أن أي فوضى في المناطق المحررة في الجنوب والشرق اليمني ستنعكس سلباً على جهود إنهاء الحرب مع الحوثيين، مع اعترافها الواضح أيضاً بعدالة «القضية الجنوبية» التي يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي حمل رايتها.


«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
TT

«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)

حديث عن خطط للإعمار الجزئي لمناطق في قطاع غزة، تقابلها تأكيدات عربية رسمية بحتمية البدء في كامل القطاع، بعد نحو أسبوعين من تأجيل «مؤتمر القاهرة» المعني بحشد تمويلات ضخمة لإعادة الحياة بالقطاع المدمر وسط تقديرات تصل إلى 35 مليار دولار.

تلك «الخطط الجزئية» التي تستهدف مناطق من بينها رفح الفلسطينية، تقول تسريبات عبرية إن حكومة بنيامين نتنياهو وافقت على تمويلها، وهذا ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تماشياً مع خطط أميركية سابقة حال التعثر في الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأشاروا إلى أن مؤتمر القاهرة للإعمار سيعطل فترة من الوقت؛ ولكن في النهاية سيعقد ولكن ليس قريباً ومخرجاته ستواجه عقبات إسرائيلية في التنفيذ.

ونقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوبي القطاع من أجل إعادة إعمارها.

ويتوقع، وفق مصادر الصحيفة، أن تكون إسرائيل مطالبة بإزالة أنقاض قطاع غزة بأكمله، في عملية ستستمر سنوات بتكلفة إجمالية تزيد على مليار دولار.

وترغب الولايات المتحدة في البدء بإعادة إعمار رفح، على أمل أن تجعلها نموذجاً ناجحاً لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتأهيل القطاع، وبالتالي جذب العديد من السكان من مختلف أنحائه، على أن يعاد بناء المناطق الأخرى في مراحل لاحقة، وفق الصحيفة الإسرائيلية.

تلك التسريبات الإسرائيلية، بعد نحو أسبوعين من تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، أكد خلالها أن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر «لن ينعقد في موعده (نهاية نوفمبر) وسيتأجل». وأرجع ذلك إلى التصعيد الحالي بالقطاع، وسعي القاهرة إلى توفر ظروف وأوضاع أفضل على الأرض من أجل تحقيق أهدافه، تزامناً مع تقرير عن مخططات إسرائيلية لتقسيم قطاع غزة لقسمين أحدهما تحت سيطرة إسرائيلية والآخر تتواجد فيه «حماس» ولا يتجاوز نحو 55 في المائة من مساحة القطاع.

صبيان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وذلك وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار. ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، أن تلك الخطط لن يوافق عليها ضامنو وبعض وسطاء اتفاق غزة باعتبارها مخالفة للاتفاق، وتطرح مع تحركات إسرائيلية لتعطيل المرحلة الثانية بدعوى أهمية البدء في نزع سلاح القطاع أولاً.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن موافقة إسرائيل على تمويل الإعمار الجزئي وعودة الترويج له إسرائيلياً، يشير لعدم احتمال الوصول لمرحلة ثانية واللجوء لخطة بديلة تحدث عنها جاريد كوشنر صهر ترمب بالبناء في المناطق الخارجة عن سيطرة «حماس» ما دامت الحركة لم تُنهِ بند نزع السلاح، مشيراً إلى أن عودة الحديث عن خطط الإعمار الجزئي تؤخر الإعمار الشامل وتعطي رسالة للدول التي ستمول بأن ثمة عقبات، وبالتالي ستعطل عقد مسار مؤتمر القاهرة.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ما دام أمكن تأمينها لبدء البناء كغزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

فلسطينيون نازحون يسيرون أمام المباني المدمرة في حي تل الهوى في الجزء الجنوبي من مدينة غزة (أ.ف.ب)

تلك الخطط الجزئية تخالف مواقف عربية، وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في اتصال هاتفي، الخميس، على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الحرب في القطاع، وحتمية البدء في عملية إعادة إعمار القطاع، وفق بيان للرئاسة المصرية.

وفي مقابلة مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون، بـ«منتدى الدوحة»، الأحد الماضي، قال رئيس الوزراء القطري، محمد عبد الرحمن آل ثاني «لن نتخلى عن الفلسطينيين، لكننا لن نوقّع على الشيكات التي ستعيد بناء ما دمره غيرنا».

ويعتقد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» أن طلب قطر قبل أيام بتحمل إسرائيل تمويل ما دمرته «تعبير عن موقف عربي صارم للضغط لعدم تكرار التدمير»، مشيراً إلى أن مصر تدرك أيضاً أن إسرائيل تتحرك في الخطة البديلة بإعمار جزئي في رفح لكن القاهرة تريد تعزيز الموقف العربي المتمسك بالإعمار الكامل، والذي سيبدأ مؤتمره مع بدء المرحلة الثانية التي تشمل انسحاباً إسرائيلياً. بينما يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن الموقف العربي سيشكل ضغطاً بالتأكيد لكن هناك وجهات نظر متباينة، مشيراً إلى أن مؤتمر إعمار القاهرة مرتبط بحجم التقدم في المرحلة الثانية ونزع السلاح بالقطاع؛ إلا أنه في النهاية سيحدث، لكن ليس في القريب العاجل وستكون مخرجاته مهددة بعقبات إسرائيلية.