انتخابات العراق... علامات «تغيير» واعدة

ممثلو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال عملية فرز الأصوات (أرشيفية-ا.ف.ب)
ممثلو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال عملية فرز الأصوات (أرشيفية-ا.ف.ب)
TT

انتخابات العراق... علامات «تغيير» واعدة

ممثلو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال عملية فرز الأصوات (أرشيفية-ا.ف.ب)
ممثلو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال عملية فرز الأصوات (أرشيفية-ا.ف.ب)

حتى لحظة كتابة هذا التحليل الإخباري، يتساقط مرشحون من قائمة الفائزين، ليدخلها آخرون كانوا على لائحة الانتظار. مع العد والفرز لأصوات العراقيين وفحص محطات الاقتراع، يكتمل تدريجياً نصاب البرلمان الخامس في العراق.
ومع صخب الأرقام، ومراقبة الصاعدين والهابطين من مرشحي الانتخابات، لا تزال بعض المتغيرات الواعدة صامدة إلى حد كبير، منذ أن أعلنت النتائج الأولية من قبل مفوضية الانتخابات. وإن حدثت تغيرات «رقمية» في الأوزان الانتخابية بين القوى التقليدية والأحزاب الناشئة والمستقلين، فإنها لن تكون انقلاباً على ما تحقق على طول وعرض الخريطة السياسية الراهنة.
- علامة النجف
من معقل السلطة الروحية للمسلمين الشيعة في العراق والعالم، ينتزع مستقلون، بعضهم علمانيون، مقاعد تمثل سكان المدينة في البرلمان الجديد. من دوائر المدينة الثلاثة، ومن بلدات لها امتداد تاريخي وديني، تمكن نحو 6 مرشحين من الظفر بأصوات الجمهور. ففي الكوفة ومركز النجف، وضواحيها، وجدت كتلتا مقتدى الصدر ونوري المالكي منافسين شرسين اقتربوا كثيراً من المراكز المتقدمة.
ومنذ اندلاع الحراك الاحتجاجي في البلاد، أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تفاعل المجتمع المدني وتجمعات شبابية مع تأثير التظاهرات بفتح قنوات حوار مفتوحة مع الفاعلين في المدينة؛ نخباً دينية وأكاديمية. ومع سقوط المئات من الضحايا نتيجة العنف الموجه ضد المتظاهرين، وجد الناشطون في النجف أنفسهم أمام موجة من التهديدات من جماعات سياسية نافذة، في نهاية المطاف تمكن هؤلاء من إدامة قوتهم الناعمة.
ودخل المجتمع النجفي في حوارات لم تتوقف بشأن «الإصلاح» السياسي والإداري، وبدت المدينة حينها تُنضجُ خيارها الانتخابي، الذي انتهى حسب النتائج إلى إضافة فاعل واعد في الحياة السياسية.
وفي الأيام الماضية، انخرط الفائزون عن النجف في اجتماعات لتنسيق المواقف والاتجاهات العامة لأدوارهم السياسية في السنوات الأربع المقبلة، فيما يتعاطون مع إمكانية التحالف مع فائزين مستقلين من مدن أخرى، لكنهم ينتظرون غربلة المستقلين المتنكرين، الذين يلتحقون تباعاً بالتحالفات الكبيرة.
- معارضة نادرة
في الدورات التشريعية السابقة، تعزز نمط نفعي من الترشح للبرلمان؛ عليك الفوز بأكبر عدد من المقاعد للظفر بحصة من الحقائب الوزارية، التي تتحول لاحقاً إلى دكاكين اقتصادية للأحزاب، يوظَفُ فيها الكوادر المتقدمة، وتنحصر في يدها العقود الاستثمارية المرتبطة بها. ومن تابع مفاوضات تشكيل الحكومات السابقة، ينتهي فرز الأصوات باحتساب الكلفة المطلوبة لنيل الوزارة بعدد محدد من المقاعد. هدف اشترط سلوكاً سياسياً يفرض على الحزب اعتبار نوابه في البرلمان رصيداً لشراء مقعد في السلطة التنفيذية.
للمرة الأولى منذ عام 2003، تنبري كتلة «امتداد» المنبثقة من الحراك الاحتجاجي لتحقيق سبق في كسر التقاليد السياسية، برفض المشاركة في الحكومة المقبلة، وحجز مقاعد المعارضة، الشاغرة في البرلمانات العراقية السابقة.
ولم يسبق لرؤساء الحكومات المتعاقبة مواجهة معارضة حقيقية في البرلمان، بينما كان الفاعلون في الحكومة يلعبون دوراً مركباً بين المشارك والمعارض في الوقت نفسه، لتحقيق مكاسب أكبر في السلطة التنفيذية. ومن خلال معطيات شهدتها الحياة السياسية في البلاد، فإن تصاعد أصوات المعارضة كان في أقل الحالات شدة مرتبطاً بنزاع على مناصب ووظائف عامة في الحكومة. ويقول نواب من حركة «امتداد»، إنهم «لن يشاركوا في الحكومة، التي ينتظرون تشكيلها لبدء عمليات الرقابة وملاحقة الفساد خلال السنوات الأربع المقبلة»، فيما يتوقعون أن يلتحق بهم نواب مستقلون لتشكيل جبهة معارضة وازنة.
- شبح الاقتتال
لم يتوقف التلويح بالحرب الأهلية، كواحد من تداعيات النتائج. الفصائل المسلحة تقول إن الأوزان الجديدة في البرلمان «مشروع خارجي لتدمير العراق»، وأن «الحشد لن يتأخر عن حماية البلد».
في شريط مصور، ظهر قائد في «الحشد الشعبي» يتحدث مع مجموعة من مقاتليه، «هذه المؤسسة تشكلت بالدم (…) وسنحميها الآن بالدم»، على هذا التصريح ينوع قادة الفصائل تلميحاتهم لاندلاع اقتتال شيعي - شيعي، وعلى ما يبدو فإنها جزء من حملة الضغط على السلطات لإعلان نتائج لا تغضب الفصائل.
في الساعات الماضية، نشرت رئاسة أركان الجيش العراقي مئات الجنود في بغداد لاحتواء ردود الأفعال من النتائج النهائية المنتظرة. والحال، أن الحكومة التي تصرف الأعمال حالياً، تحاول حماية آخر أعمالها في إجراء الانتخابات.
لكن، هل تندلع حرب أهلية؟ ما يحدث في بيروت ينشط التوقعات المخيفة في بغداد. سوى أن فتح النار قرار لم يتخذ بعد بين الخصوم الشيعة، وما يحدث هو دفع الأزمة إلى الحافة، دون السقوط، ووضع اليد على الزناد، دون ضغطه.
عملياً، الفائزان الكبيران، الخصمان الصدر والمالكي، يحرصان الآن على بدء مفاوضات على امتلاك الكتلة الأكبر، وخلال ذلك، فإن آخر ما يحتاجانه اقتتال يتورط فيه الجميع. وحسب التوجهات العامة للفاعلين الشيعة، فإنهم يكافحون لاحتواء الخاسرين بإعادة التوافق على تدوير النفوذ، وتقليل خسائر المهزومين في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول).



«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
TT

«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)

حديث إسرائيلي عن «مقترح مصري» تحت النقاش لإبرام اتفاق هدنة في قطاع غزة، يأتي بعد تأكيد القاهرة وجود «أفكار مصرية» في هذا الصدد، واشتراط إسرائيل «رداً إيجابياً من (حماس)» لدراسته، الخميس، في اجتماع يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

تلك الأفكار، التي لم تكشف القاهرة عن تفاصيلها، تأتي في «ظل ظروف مناسبة لإبرام اتفاق وشيك»، وفق ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مع ضغوط من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإطلاق سراح الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض، كاشفين عن أن «حماس» تطالب منذ طرح هذه الأفكار قبل أسابيع أن يكون هناك ضامن من واشنطن والأمم المتحدة حتى لا تتراجع حكومة نتنياهو بعد تسلم الأسرى وتواصل حربها مجدداً.

وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء، عن أن «إسرائيل تنتظر رد حركة حماس على المقترح المصري لوقف الحرب على غزة»، لافتة إلى أن «(الكابينت) سيجتمع الخميس في حال كان رد (حماس) إيجابياً، وذلك لإقرار إرسال وفد المفاوضات الإسرائيلي إلى القاهرة».

فلسطيني نازح يحمل كيس طحين تسلمه من «الأونروا» في خان يونس بجنوب غزة الثلاثاء (رويترز)

ووفق الهيئة فإن «المقترح المصري يتضمن وقفاً تدريجياً للحرب في غزة وانسحاباً تدريجياً وفتح معبر رفح البري (المعطل منذ سيطرة إسرائيل على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار الماضي) وأيضاً عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، خلال حديث إلى جنود في قاعدة جوية بوسط إسرائيل إنه «بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة على (حماس)، هناك فرصة حقيقية هذه المرة لأن نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكد، الأربعاء، استمرار جهود بلاده من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وقال عبد العاطي، في مقابلة مع قناة «القاهرة الإخبارية»: «نعمل بشكل جاد ومستمر لسرعة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة»، مضيفاً: «نأمل تحكيم العقل ونؤكد أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لإسرائيل».

وأشار إلى أن بلاده تعمل مع قطر وأميركا للتوصل إلى اتفاق سريعاً.

يأتي الكلام الإسرائيلي غداة مشاورات في القاهرة جمعت حركتي «فتح» و«حماس» بشأن التوصل لاتفاق تشكيل لجنة لإدارة غزة دون نتائج رسمية بعد.

وكان عبد العاطي قد قال، الاثنين، إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

عبد العاطي أشار إلى أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى (اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

وكان ترمب قد حذر، الاثنين، وعبر منصته «تروث سوشيال»، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

دخان يتصاعد بعد ضربة إسرائيلية على ضاحية صبرا في مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن مايك والتز، مستشار الأمن القومي الذي اختاره ترمب، سيقابل وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، الأربعاء، لمناقشة صفقة بشأن قطاع غزة.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع أن «المقترح المصري، حسبما نُشر في وسائل الإعلام، يبدأ بهدنة قصيرة تجمع خلالها (حماس) معلومات كاملة عن الأسرى الأحياء والموتى ثم تبدأ بعدها هدنة بين 42 و60 يوماً، لتبادل الأسرى الأحياء وكبار السن، ثم يليها حديث عن تفاصيل إنهاء الحرب وترتيبات اليوم التالي الذي لن تكون (حماس) جزءاً من الحكم فيه»، مضيفاً: «وهذا يفسر جهود مصر بالتوازي لإنهاء تشكيل لجنة إدارة القطاع».

وبرأي مطاوع، فإن ذلك المقترح المصري المستوحى من هدنة لبنان التي تمت الأسبوع الماضي مع إسرائيل أخذ «دفعة إيجابية بعد تصريح ترمب الذي يبدو أنه يريد الوصول للسلطة والهدنة موجودة على الأقل».

هذه التطورات يراها الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء سمير فرج تحفز على إبرام هدنة وشيكة، لكن ليس بالضرورة حدوثها قبل وصول ترمب، كاشفاً عن «وجود مقترح مصري عُرض من فترة قريبة، و(حماس) طلبت تعهداً من أميركا والأمم المتحدة بعدم عودة إسرائيل للحرب بعد تسلم الرهائن، والأخيرة رفضت»، معقباً: « لكن هذا لا ينفي أن مصر ستواصل تحركاتها بلا توقف حتى التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن في أقرب وقت ممكن».

ويؤكد الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور أن «هناك مقترحاً مصرياً ويسير بإيجابية، لكن يحتاج إلى وقت لإنضاجه»، معتقداً أن «تصريح ترمب غرضه الضغط والتأكيد على أنه موجود بالمشهد مستغلاً التقدم الموجود في المفاوضات التي تدور في الكواليس لينسب له الفضل ويحقق مكاسب قبل دخوله البيت الأبيض».

ويرى أن إلحاح وسائل الإعلام الإسرائيلية على التسريبات باستمرار عن الهدنة «يعد محاولة لدغدغة مشاعر الإسرائيليين والإيحاء بأن حكومة نتنياهو متجاوبة لتخفيف الضغط عليه»، مرجحاً أن «حديث تلك الوسائل عن انتظار إسرائيل رد (حماس) محاولة لرمي الكرة في ملعبها استغلالاً لجهود القاهرة التي تبحث تشكيل لجنة لإدارة غزة».

ويرى أنور أن الهدنة وإن بدت تدار في الكواليس فلن تستطيع حسم صفقة في 48 ساعة، ولكن تحتاج إلى وقت، معتقداً أن نتنياهو ليس من مصلحته هذه المرة تعطيل المفاوضات، خاصة أن حليفه ترمب يريد إنجازها قبل وصوله للسلطة، مستدركاً: «لكن قد يماطل من أجل نيل مكاسب أكثر».