بريطانيا تعرض على بروكسل تعديل الترتيبات التجارية لما بعد «بريكست»

وزير «بريكست» البريطاني ديفيد فروست (رويترز)
وزير «بريكست» البريطاني ديفيد فروست (رويترز)
TT

بريطانيا تعرض على بروكسل تعديل الترتيبات التجارية لما بعد «بريكست»

وزير «بريكست» البريطاني ديفيد فروست (رويترز)
وزير «بريكست» البريطاني ديفيد فروست (رويترز)

أعلنت بريطانيا، اليوم الثلاثاء، أنها أرسلت إلى الاتحاد الأوروبي نصا قانونيا جديدا لتعديل الترتيبات التجارية لمرحلة ما بعد «بريكست» في آيرلندا الشمالية، وجدّدت التلويح بالتخلي عن الاتفاق الحالي، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ويأتي النص القانوني الذي أُرسل عشية إعداد الاتحاد الأوروبي خططه الخاصة، في خضم معارضة قسم من سكان المقاطعة التابعة لبريطانيا ما يسمى بروتوكول آيرلندا الشمالية. ويأتي ذلك بعد أشهر على طلب لندن تعديل الاتفاق ولا سيما قواعد التجارة الداخلية في المملكة المتحدة وآليات التحكيم المنصوص عليها.
وفي خطاب ألقاه في لشبونة، قال وزير «بريكست» البريطاني ديفيد فروست إن النص الجديد مستوحى من أسس الاتفاق الحالي، لكنّه «سيحقق تغييرا كبيرا» وسيمنحه «استدامة».
وقال فروست «دون ترتيبات جديدة في هذا المجال، لن يحظى أي بروتوكول بما يحتاج إليه من تأييد في جميع أنحاء آيرلندا الشمالية» لضمان تطبيقه. وشدد على أن «مسؤوليتنا الأساسية هي حفظ السلام والازدهار في آيرلندا الشمالية، ولن نستكين ما لم تتم معالجة هذا الوضع».
يُذكر أن البريطانيين صوتوا لمصلحة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في استفتاء تاريخي أجري في العام 2016. وعندما خرجت بريطانيا فعليا من التكتل وتحرّرت من قواعده وأنظمته في بداية العام 2021 دخل بروتوكول آيرلندا الشمالية حيّز التنفيذ.
وأبقى هذا البروتوكول المقاطعة البريطانية ضمن الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي وفي السوق الأوروبية الموحدة تجنّبا لإقامة حدود مادية بين آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي.
وكانت الحدود قد شهدت أعمال عنف دموية خلال النزاع الطائفي الذي اندلع بين الوحدويين البروتستانتيين المؤيدين للملكة المتحدة والقوميين الكاثوليك المؤيدين لآيرلندا، والذي انتهى في العام 1998 باتفاق «الجمعة العظيمة».



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.