مدينة إدلب.. ثاني مركز محافظة سورية بات خارج سيطرة النظام

صبرا لـ {الشرق الأوسط}: «جبهة النصرة» عاجزة عن إعلان كيانها بسبب انتشار المعتدلين

أطفال سوريون يفرون من إدلب خوفا من ضربات طائرات النظام بعد سيطرة المعارضة على مركزها (رويترز)
أطفال سوريون يفرون من إدلب خوفا من ضربات طائرات النظام بعد سيطرة المعارضة على مركزها (رويترز)
TT

مدينة إدلب.. ثاني مركز محافظة سورية بات خارج سيطرة النظام

أطفال سوريون يفرون من إدلب خوفا من ضربات طائرات النظام بعد سيطرة المعارضة على مركزها (رويترز)
أطفال سوريون يفرون من إدلب خوفا من ضربات طائرات النظام بعد سيطرة المعارضة على مركزها (رويترز)

سيطرت قوات المعارضة السورية، أمس، على مدينة إدلب الاستراتيجية والحدودية مع تركيا في شمال سوريا، التي باتت ثاني مركز محافظة في سوريا خارجة عن سيطرة قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بعد مدينة الرّقّة. وجاءت سيطرة قوات المعارضة على إدلب، التي تعد ثاني كبرى مدن الشمال السوري بعد حلب، إثر هجمات متواصلة حققت خلالها قوات المعارضة تقدما في الأحياء الداخلية للمدينة حتى بلغت المربع الأمني الذي سقط بيدها أمس.
وفي حين لم يكن النظام قد أقر رسميا حتى مساء أمس بفقدانه السيطرة على المدينة، أكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن مقاتلي «حركة أحرار الشام الإسلامية وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) وتنظيم جُند الأقصى وفصائل معارضة أخرى، سيطروا على مدينة إدلب بشكل شبه كامل في أعقاب اشتباكات عنيفة استمرت لنحو أربعة أيام، مع قوات النظام والمسلحين الموالين له»، مضيفا أن عمليات تمشيط تجرى للمباني التي كانت يتمركز فيها عناصر قوات النظام والمسلحون الموالون لها.
وفور إعلان المعارضة عن تحريرها إدلب تضاعفت الأسئلة فورا في بعض الأوساط عما إذا كانت «جبهة النصرة» ستنشئ كيانا لها، لمنافسة كيان تنظيم داعش في شرق وشمال شرقي سوريا، إذ أفاد مقاتلون معارضون كانوا في عداد تنظيمات معتدلة أقصتها «النصرة» عن المشهد العسكري في إدلب قبل أشهر بأن هذه المدينة «ستكون معقلا للنصرة كما باتت الرّقّة معقلا لتنظيم داعش». إلا أن «الائتلاف الوطني السوري» انتقد تصوير المعركة على أنها حرب بين «متشددين» وقوات النظام. وقال هادي البحرة، الرئيس السابق لـ«الائتلاف»، في تغريدة له عبر صفحته في «تويتر»: «على صفحات التواصل الاجتماعي، على معظم صفحات الإعلاميين الغربيين، يتم تصوير ما يجري من أعمال عسكرية في إدلب على أنه توسّع لتنظيم القاعدة ممثلة بجبهة النصرة. وكأنه لا وجود لأي تنظيمات أخرى مقاتلة تبذل الغالي والرخيص من أجل طرد قوات الاستبداد من إدلب».
كذلك نفى جورج صبرا، عضو «الائتلاف» ورئيس «المجلس الوطني السوري»، أي إمكانية لأن تعلن النصرة كيانا لها في محافظة إدلب، قائلا لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه: «هي تتمنى ذلك، لكنها عاجزة عن تحقيق هدف مشابه لأسباب ميدانية ولوجستية وعسكرية». وأوضح صبرا أن معظم المقاتلين في إدلب «هم سوريون من أبناء المنطقة، فيما يقل عدد المقاتلين الأجانب في صفوفها، مما يجعل إمكانية إعلان كيان متشدد لها استحالة لأن الشعب السوري لا يقبل بالتشدد». وأوضح أن المنطقة «يسيطر عليها مقاتلون من الجيش السوري الحرّ الذين شاركتهم (النصرة) القتال للسيطرة على المدينة، وهم يشكّلون 90 في المائة من عداد المقاتلين المعارضين في إدلب».
ومن ثم، شدّد صبرا على أنه «لا حاضنة اجتماعية لجبهة النصرة في سوريا، لا في الشمال ولا في درعا (جنوب البلاد)»، مؤكدا أن «الجيش السوري الحر هو الأقوى في درعا وإدلب». وأشار إلى أن أبرز شركاء «النصرة» في القتال الآن، وهم مقاتلو «حركة أحرار الشام الإسلامية»، يتجهون «نحو العمل الوطني، انطلاقا من الشعار الذي تبدل منذ أيام وبات (ثورة شعب)، مما يعني أنهم يتحدثون باسم سوريا». ولفت إلى أن هذا «تبدل في الشعارات والتوجهات، وهو توجه نحو الخط الوطني، مثل فصائل كثيرة في سوريا، لا تندرج (النصرة) و(داعش) ضمن إطارها، هي الأكثر ميلا نحو الخط الوطني». واختتم رئيس «المجلس» وعضو «الائتلاف» كلامه بالقول إن «اعتراضنا على (النصرة) ينطلق من انتماءاتها.. المطلوب منها فك العلاقة مع تنظيم القاعدة علنا، وأن تنسجم أهدافها مع أهداف الثورة السورية لبناء دولة ديمقراطية ومدنية، لا عسكرية ولا دينية».
غير أن خبراء تكلموا مع «الشرق الأوسط» تخوفوا من أن تكون «النصرة» تسعى بالفعل إلى إنشاء كيان خاص بها موازٍ لـ«الخلافة» التي أعلنها تنظيم داعش في مناطق أخرى في شمال وشرق سوريا وشمال وغرب العراق. وكانت «النصرة»، من جانبها، أعلنت أمس، السيطرة على كامل إدلب، في حين ادعت وكالة الأنباء الرسمية السورية «سانا» أن وحدات من الجيش والقوات المسلحة «تمكنت من إيقاف المجموعات الإرهابية على الاتجاه الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي لمدينة إدلب»، مشيرة إلى أنها «تخوض معارك ضارية لإعادة الوضع لما كان عليه وكبّدتهم خسائر كبيرة».
جدير بالذكر أن مدينة إدلب غدت الآن ثاني مركز (عاصمة) محافظة يخرج عن سيطرة قوات النظام بعد مدينة الرّقّة التي خرجت عن سيطرتها قبل أكثر من سنتين. وبسيطرتها على إدلب، أصبحت قوات المعارضة بما فيها «النصرة» تسيطر على معظم المحافظة الحدودية مع تركيا، باستثناء مدينتي جسر الشغور وأريحا اللتين ما زالتا، بالإضافة إلى مطار أبو الضهور العسكري وقواعد عسكرية أخرى، في أيدي قوات النظام.
وجاءت سيطرة المعارضة على إدلب عقب معارك طاحنة في شوارع مدينة إدلب، كما أفاد «المرصد السوري»، وسط تراجع للنظام في المدينة، مما أدى لسقوط المزيد من الخسائر البشرية في صفوف الطرفين، بالتزامن مع قصف عنيف ومتبادل بين الطرفين. وأسفرت الاشتباكات منذ فجر أمس «عن أسر وقتل عدد من عناصر قوات النظام، إضافة إلى مقتل 7 مقاتلين على الأقل، من الفصائل الإسلامية وجبهة النصرة» بحسب المرصد. وبذلك تصل الحصيلة إلى 130 قتيلا من الطرفين منذ بدء الهجوم الثلاثاء. أما النصرة فذكرت في حسابات لها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن قوات النظام انسحبت من المدينة باتجاه قرية المسطومة حيث يوجد معسكر لقوات النظام، غرب المدينة. أما الناشط هادي العبد الله فقد أفاد من داخل إدلب بأن «جيش الفتح» الذي أنشئ للسيطرة على إدلب اقتحم المربع الأمني الذي كان آخر معقل لقوات النظام في المدينة، وذكر أن الاشتباكات الأخيرة «تركزت داخل المربع الأمني»، حيث سيطر المعارضون على مبنى قيادة الشرطة ومبنى المحافظة، وفرع الأمن السياسي وفرع الأمن الجنائي والمخابرات الجوية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.