موسكو ترفض «تسييس المساعدات»... والقاهرة تنتظر «خطوات» من دمشق

لافروف وشكري بحثا الوضع في سوريا والملفات الإقليمية

وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمصري سامح شكري في موسكو أمس (إ.ب.أ)
وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمصري سامح شكري في موسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

موسكو ترفض «تسييس المساعدات»... والقاهرة تنتظر «خطوات» من دمشق

وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمصري سامح شكري في موسكو أمس (إ.ب.أ)
وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمصري سامح شكري في موسكو أمس (إ.ب.أ)

أجرى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، جولة محادثات موسعة مع نظيره المصري، سامح شكري، ركزت على العلاقات الثنائية والأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشغل الملف السوري حيزا بارزا في المباحثات، وبرز تطابق في وجهات نظر الطرفين حيال أولويات التعامل مع التسوية في سوريا.
واستبقت الخارجية الروسية الزيارة بالإشارة إلى أهمية القضايا المطروحة على أجندة موسكو والقاهرة، وشددت على السعي إلى توسيع التعاون الروسي المصري في المجالات المختلفة، وخصوصا في إطار التعاون لتسوية الملفات العالقة في المنطقة ودفع العلاقات الثنائية.
وبرز خلال المؤتمر الصحافي الختامي للوزيرين أمس، أن الشق الأول من المباحثات ركز على ملف التعاون الثنائي، وخصوصا في المشروعات الكبرى التي تربط البلدين وأبرزها إقامة أول محطة كهروذرية مصرية بتقنيات روسية في منطقة الضبعة، وإنشاء منطقة صناعية روسية قرب قناة السويس.
وفي الملفات السياسية، تناول الوزيران الوضع في ليبيا وملف التسوية في الشرق الأوسط، وبرز تطابق في المواقف حيال سبل التسوية في ليبيا وأهمية مواصلة الحوار تحت رعاية أممية وإجراء الانتخابات المقررة في هذا البلد في موعدها المحدد. كما شدد الطرفان على أهمية «خروج كل القوات الأجنبية من ليبيا» في حين أوضح لافروف أن موقف بلاده يقوم على ضرورة أن يكون الانسحاب الأجنبي «تدريجيا على مراحل».
في الملف الفلسطيني شدد الجانبان على ضرورة العودة إلى مسار التسوية على أساس القرارات الدولية وبما يؤدي إلى تطبيق مبدأ «دولتين لشعبين».
وكان ملف «سد النهضة» حاضرا خلال اللقاء، أعرب شكري عن ارتياحه لموقف روسيا حيال الأزمة. وأشاد بـ«الدعم الذي تلقته مصر من جانب روسيا خلال تناول هذه القضية في مجلس الأمن ونتطلع للتعاون مع موسكو في هذه القضية، والتوصل لحل قانوني ملزم يضمن حقوق كافة الأطراف، بعيدا عن أي سياسات أحادية لا تتوافق مع سياسات القانون الدولي».
لكن التركيز الأوسع كما اتضح خلال المؤتمر الصحافي الختامي انصب على الوضع في سوريا.
وجدد لافروف تأكيد موقف موسكو الرافض لمحاولات تسييس ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا. ودعا إلى «ضرورة تقديم المساعدات للسوريين لتجاوز تداعيات الأزمة الممتدة منذ عدة سنوات، والعمل على التوصل لتسوية سياسية على أساس قرار مجلس الأمن 2254»، وشدد على رفض النزعات الانفصالية. وزاد أن الأولوية القصوى تتمثل في تقديم المساعدة للسوريين لتجاوز تداعيات الأزمة الطويلة. وأشار لافروف إلى أن «التهديد الإرهابي في منطقة إدلب لا يزال مستمرا» وقال إن موسكو عبرت عن قلقها لأن «المجموعات الإرهابية المتمركزة هناك، تواصل شن هجمات على وحدات الجيش السوري وكذلك على القوات الروسية».
وزاد الوزير الروسي أن بلاده «تؤكد ضرورة إنجاز تطبيق الاتفاقات التي تم التوصل إليها في وقت سابق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، خصوصا لجهة عزل الإرهابيين وخصوصا مجموعات هيئة تحرير الشام مهما حاولت تغيير لباسها»، موضحا أن «الهدف النهائي هو القضاء على هذه المجموعات».
وسئل لافروف عن الموقف من تصريحات مسؤولين أتراك حول أن أنقرة لن تسحب قواتها من سوريا ما دامت هناك قوات لبلدان أخرى، فقال إن بلاده «تؤكد على أهمية الالتزام الكامل بتنفيذ الاتفاق الروسي التركي. والقرار الدولي 2254 يؤكد على وحدة وسيادة الأراضي السورية ووفقا لهذا القرار فإن القوات التي دعتها الحكومة السورية يحق لها الوجود على أراضي سوريا». وشدد لافروف على أن هذا «لا ينسحب على الوجود الأميركي في هذا البلد، علما بأن واشنطن ليست موجودة بجيشها فقط بل وعبر شركات أمنية خاصة».
وبما يتعلق بالموقف التركي، قال لافروف: «أؤكد على تصريحات الرئيس إردوغان المتكررة في كل اللقاءات مع الجانب الروسي، والتي يشدد فيها على احترام تركيا لوحدة وسيادة الأراضي السورية وفي حال انطلاق عملية التسوية سوف نعتمد على هذا الموقف».
وأشار شكري بدوره، إلى أنه تمت مناقشة الأوضاع في سوريا وكيفية تعزيز الخروج من الأزمة السورية بالشكل الذي يتواكب مع مقررات الشرعية الدولية.
وسئل الوزير المصري عن لقائه قبل أيام مع نظيره السوري فيصل المقداد في نيويورك، وما إذا كان ذلك مقدمة لعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، فقال إن اللقاء في نيويورك كان «يهدف استكشاف كيفية إسهام مصر في خروج سوريا من أزمتها وعودتها إلى المجموعة العربية».
ووصف اللقاء بأنه «مهم في ضوء ما وصلت إليه الأزمة السورية من تعقيدات، ومصر حريصة على خروج سوريا من أزمتها وتألمت كثيرا لما تعرض له الشعب السوري على مدار الـ10 سنوات الماضية، وتعتبر سوريا جزءا لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي، وتاريخيا كانت دائما العلاقات المصرية السورية لها أهمية خاصة».
ولفت الوزير المصري إلى أن هذه كانت «جولة أولى من المحادثات، ونترقب ما تتخذه دمشق في إطار دفع الحل السياسي وتفعيل عمل اللجنة الدستورية ومراعاة الخطوات اللازمة لتخفيف معاناة الشعب السوري»، مضيفا أن «مصر دعت دائما للعمل على تكريس تسوية تؤدي إلى الأمن والاستقرار وتقوم على احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية وتحترم مبدأ التوافق لإنهاء الصراع».
وكان شكري قال حول هذا الموضوع، قبل وصوله إلى موسكو: «بالتأكيد أن ما عانى منه الشعب السوري خلال العشر سنوات الماضية كان مؤلما، وهناك تطور مهم، وهو هدوء المعارك العسكرية، وأصبحت هناك أهمية لإيجاد مخرج من الأزمة السورية لتحقيق تطلعات الشعب السوري وإعفائه مما تعرض له على مدى السنوات الماضية من أضرار».
وأكد شكري أن «مصر تسعى دائما لمعاونة أشقائها ودعم الإرادة الشعبية والتعامل على أرضية من المصالح والمراعاة، وأيضا دون أي نوع من التآمر أو الاستهداف»، مشيرا إلى أن «مصر لم تتورط بأي شكل من الأشكال في أي من التفاعلات التي حدثت خلال الـ10 سنوات الماضية، ومن هنا أتصور أنه كان هناك تقبل وانفتاح على الاجتماع» (مع المقداد).
ووصف شكري الحوار بأنه «كان صريحا وفيه الكثير من الاهتمام بالعلاقات بين الشعبين والحكومتين، وأن تكون مصر فاعلة في معاونة سوريا على الخروج من هذه الأزمة واستعادة موقعها ومكانتها في إطار الأمن القومي العربي».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.