متخصصة في تعقب الآثار المسروقة: نهب المواقع السورية قرب الفرات بدأ قبل الموصل

قالت لـ«الشرق الأوسط» إن المدن التاريخية التي تتعرض للاعتداء تتخطى أهميتها نيويورك وباريس ولندن

موظفون في متحف دمشق الوطني يحفظون قطعًا أثرية في صناديق كي لا تتعرض للدمار (أ.ف.ب)
موظفون في متحف دمشق الوطني يحفظون قطعًا أثرية في صناديق كي لا تتعرض للدمار (أ.ف.ب)
TT

متخصصة في تعقب الآثار المسروقة: نهب المواقع السورية قرب الفرات بدأ قبل الموصل

موظفون في متحف دمشق الوطني يحفظون قطعًا أثرية في صناديق كي لا تتعرض للدمار (أ.ف.ب)
موظفون في متحف دمشق الوطني يحفظون قطعًا أثرية في صناديق كي لا تتعرض للدمار (أ.ف.ب)

كشفت متخصصة في تعقب الآثار المسروقة في زمن الحروب لـ«الشرق الأوسط»، عن أن تنظيم داعش «ينفذ عملية تدمير ممنهج للآثار السورية، لكنه لا يعلن عن ذلك كما في العراق»، مشيرة في الوقت نفسه إلى «عمليات بيع وشراء للآثار بمبالغ مالية ضخمة، يوفر لها التنظيم المتشدد حماية عسكرية».
ويأتي هذا الكشف بعد إعلان تنظيم داعش عن تدمير مواقع أثرية في العراق، تعود إلى آلاف السنين إلى الوراء. وقالت المتخصصة اللبنانية في تعقب الآثار المسروقة في زمن الحروب جوان فرشخ بجالي، لـ«الشرق الأوسط»، إن عمليات تدمير الآثار في سوريا «بدأت في مايو (أيار) الماضي، قبل أشهر من تدمير المواقع الأثرية في العراق، لكن التنظيم المتشدد لم يعلن عنها».
وأفادت تقارير سابقة بأن مدنا تاريخية سورية تتعرض لعمليات نهب وتدمير ممنهج لآثارها، خصوصا تلك التي تقع تحت سلطة تنظيم داعش، وسط معلومات عن ارتكاب عناصر التنظيم «فظائع بحق الآثار والمدن التاريخية في سوريا عبر سرقة تلك الآثار أو تدميرها».
وتقول بجالي: «ليس (داعش) وحده من يقوم بسرقة الآثار السورية، ولكنه الأكثر سرقة لها، كما أن التنظيم بدأ عملية تدمير الآثار في سوريا في شهر مايو الماضي، حين بدأ بتدمير تماثيل آشورية في متحف الرقة، ولم يعلق أحد على ذاك الفعل. وأعلن في حينها، أنه لن يعتدي على متحف دير الزور لأنه يحتوي آثارا إسلامية». وأشارت إلى أن عملية السرقة في الجانب السوري وتحديدا في مناطق سيطرة داعش، «مهولة»، وأن المدن التاريخية التي تتعرض لاعتداءات التنظيم «تتخطى أهميتها التاريخية مدن نيويورك أو باريس أو لندن»، موضحة أن تلك المدن «هي التي تقوم بمحاذاة نهر الفرات مثل ماري، ودورا أوروبوس». وتشير إلى أن صور الأقمار الاصطناعية «تظهر عمليات سرقة للمدينتين وتدمير لمواقع أخرى بطريقة ممنهجة باستخدام الجرافات»، لافتة إلى أن «شهود عيان أفادوا بأن من كانوا يسرقون تلك المواقع كانوا يحظون بحماية عسكرية».
وترى بجالي: «إننا نخسر حقبة كبيرة من التاريخ الإنساني»، موضحة أن مدينة ماري قرب نهر الفرات في شمال شرقي سوريا، «معروف عنها أنها المدينة الدائرية بسبب تصميمها الهندسي الدائري الذي يتماشى مع حالات نهر الفرات، ومدروسة بطريقة تتلاءم مع فيضان النهر بحيث لا يتأذى شيء في المدينة باستثناء التجارة النهرية»، مشيرة إلى أنه «هذا التطور في علم الهندسة والحساب قبل آلاف السنين، قاد إلى التطور العلمي الآن». وتضيف: «لا يمكن الجزم بأن التطور العلمي بدأ منذ مائة سنة، وإنما بدأ قبل 5 آلاف سنة»، معتبرة أنه «حين يتم الاعتداء على هذا التاريخ وتدميره، تكون البشرية قد خسرت جزءا مهما التاريخ يوضح مسار التطور العلمي».
وتنفي بجالي أن يكون تدمير الآثار يعود إلى أسباب دينية، مؤكدة أن «السبب الحقيقي هو جمع المال، فهناك عملية بيع وشراء بأسعار ومبالغ مالية ضخمة جدا، وهناك سوق، لكنهم يخرجون بفتاوى دينية تلائمهم كي يبرروا لأنفسهم عملية السرقة».
وترى بجالي أن أسباب تعتيم «داعش» على عمليات النهب والتدمير للآثار في سوريا، مقارنة بما يجري في الموصل، «يعود إلى أن (داعش) أراد إظهار مدى قوته هناك، ولجأ إلى البروباغندا من أجل تخويف العالم منه، وإثبات أنه يمكنه التدمير ليس بالمطارق، وإنما باستخدام آليات كبيرة».
داخل سوريا، ومنذ تسميته في أغسطس (آب) 2012 مديرا عاما للمتاحف والآثار السورية، يلاحق هاجس وحيد الدكتور مأمون عبد الكريم: تجنب تكرار مأساة العراق بعد الاجتياح الأميركي عام 2003.
ويقول عبد الكريم لوكالة الصحافة الفرنسية: «تحضر دائما في ذهني صورة نهب متحف بغداد والمواقع العراقية، وقلت يجب منع تكرار حدوث ذلك هنا بأي ثمن».
وباتت 300 ألف قطعة وآلاف المخطوطات الموزعة على 34 متحفا في سوريا، بينها 80 ألفا من متحف دمشق وحده، محفوظة في مخابئ سرية محصنة ضد الحرائق والقذائف والفيضانات.
وتعرض أكثر من 300 موقع ذي قيمة إنسانية للدمار والضرر والنهب خلال 4 سنوات من النزاع السوري وفق ما أعلنته الأمم المتحدة بناء على صور ملتقطة من الأقمار الاصطناعية. وتمت عملية الإنقاذ الأبرز في 2 أغسطس 2014 في مدينة دير الزور (شرق) التي يسيطر مقاتلو تنظيم داعش على جزء كبير منها.
ولتجنب تكرار ما تعرضت له آثار مدينة الموصل في العراق قبل شهرين، اتخذ المعنيون حينها قرارا بنقل 13 ألف قطعة أثرية من المدينة.
ويقول مدير آثار دير الزور السابق، وهو المدير الحالي للمتحف الوطني في دمشق، يعرب العبد الله (46 سنة) للصحافة الفرنسية: «وضبنا كل شيء خلال أسبوع مع زميلين ووضعناه داخل سيارة شحن قبل تعرضها لنيران مدفعية ثقيلة».
ويضيف بتأثر: «أودعنا الصناديق في طائرة حربية وسط جنود قتلى وجرحى. كان ذلك مريعا، لكننا نجحنا».
ويقول عبد الكريم إنه تم إنقاذ 99 في المائة من مقتنيات المتاحف، بفضل تفاني 2500 موظف يتلقون رواتبهم، بينهم من لا يزال يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة.
ويقول إن الموظفين «يعتبرون أن الدفاع عن الآثار مسألة شرف، توازي الدفاع عن أعراض أمهاتهم».
وقتل أكثر من 12 موظفا، 5 منهم في أماكن عملهم. أحدهم على يد التنظيم الإرهابي في دير الزور، لتزويده إدارة الآثار بمعلومات حول مافيات الاتجار بالآثار.
ويبدي عبد الكريم قلقه جراء الأضرار التي لحقت بـ300 موقع و445 مبنى تاريخيا في البلاد. ونجم جزء من هذه الأضرار عن المواجهات العسكرية، بينما وقع بعضها الآخر ضحية «عمليات تنقيب غير شرعية وأعمال جرف أحيانا»، على غرار ما حصل في ماري ودورا أوروبوس وأفاميا وعجاجة (شمال شرق)، ووادي اليرموك في درعا (جنوب)، وحمام التركمان بالقرب من الرقة (شمال).



محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة إلى «مشاورات أوسع» بشأن «لجنة إدارة غزة»

فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
TT

محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة إلى «مشاورات أوسع» بشأن «لجنة إدارة غزة»

فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

مشاورات موسعة تتجه لها محادثات حركتي «حماس» و«فتح» بالقاهرة، بعد اتفاق أولي على تشكيل لجنة إدارة لقطاع غزة، واختلاف بشأن وضع إطار مؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية يشمل فصائل فلسطينية جديدة، ضمن مساعٍ مصرية جادة لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وعقد اجتماع قريب للفصائل لحسم تفاصيل بشأن اللجنة ومسار ما بعد الانتخابات الأميركية المقررة الثلاثاء.

جاء ذلك بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، كاشفة عن أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس المتواجد بالقاهرة لديه اعتراض على أي تغييرات حالية في منظمة التحرير الفلسطينية، تؤثر على أي مسار مستقبلي للقضية الفلسطينية، لافتين إلى أن اللجنة المؤقتة تم التوافق الأولي عليها خلال محادثات القاهرة، وتنتظر اجتماع الفصائل لحسم التفاصيل وإصدار مرسوم رئاسي.

واختتمت محادثات بين حركتي «حماس» و«فتح» يومها الثالث بالقاهرة، عقب الاستمرار في نقاش استمر بشأن ملفين اثنين، هما: تفاصيل إعلان اللجنة المجتمعية لإدارة قطاع غزة، ومساعي وضع إطار مؤقت لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» يضمن مشاركة «حماس» و«الجهاد» وباقي الفصائل، وفق مصدر فلسطيني مطلع على مسار المباحثات تحدث إلى «الشرق الأوسط»، أكد أن المحادثات ستجدد بشكل موسع عقب الاتفاق الأولي على تشكيل اللجنة واختلاف بشأن الإطار لم يحسم بعد.

وكانت «اجتماعات حركتي (فتح) و(حماس) بالقاهرة انطلقت السبت، بشأن إنشاء (لجنة الإسناد المجتمعي) المعنية بإدارة شؤون غزة، والسعي لتحقيق الوحدة الفلسطينية، وعدم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة»، وفق مصدر أمني مصري، تحدث لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، لافتاً إلى أن «الحركتين لديهما نظرة إيجابية تجاه التحركات المصرية بشأن تشكيل (لجنة الإسناد المجتمعي) رغم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية».

ووفق المصدر الأمني «تتبع (لجنة الإسناد المجتمعي) السلطة الفلسطينية، وتتضمّن شخصيات مستقلة، وتصدر بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس وتتحمّل اللجنة إدارة قطاع غزة».

وبحسب تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، مساء الاثنين، فإن «أجواء اللقاء مع حركة (فتح) في القاهرة كانت إيجابية وصريحة»، لافتاً إلى أنه «تم النقاش مع (فتح) حول تشكيل هيئة لمتابعة أمور غزة واحتياجاتها»، دون تفاصيل أكثر.

وكشف القيادي في حركة «فتح»، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن الرقب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعلومات المتوفرة تشير إلى أن المحادثات انتهت في يومها الثالث دون غلق الباب أو إصدار نتائج لحين مشاورات موسعة ستجري وتشمل كل الفصائل في اجتماع قد يكون هذا الشهر بالقاهرة».

وبحسب الرقب «تم تأجيل النقاش بشأن الإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتم الاتفاق المبدئي على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، وينتظر الأمر مرسوماً رئاسياً من الرئيس الفلسطيني واجتماع الفصائل المرتقب لبحث أسماء أعضاء اللجنة وتشكيلها وعملها»، لافتاً إلى أن «هذا التأجيل لا يقلل من مسار القاهرة، ولكنه مسعى لتعزيز الاتفاق على تشكيل اللجنة بعد اجتماع الفصائل».

وشهدت محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة، تجاوز خلافات بشأن مرجعية عمل اللجنة هل تتبع الحكومة الفلسطينية أم لا، بـ«التوافق على أنها تتبع»، وفق معلومات الرقب، مستدركاً: «بالنسبة لملف الإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، فأبو مازن وحركة (فتح) رفضا ما كانت (حماس) تريد إنجازه بشأن وضع إطار مؤقت وتأجل لنقاشات لاحقة».

وأكد الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أن الاجتماع أسفر عن «الاتفاق مبدئياً على تشكيل لجنة إدارة غزة بعد خروج إسرائيل، ولها 4 مهام، وهي أنها تدير الناحية الإدارية بغزة، ومسؤولة عن توزيع المعونات الإغاثية، وتعد خطة إعمار القطاع، وأن يصدر قرار رئاسي بشأنها من السلطة».

وهناك محاولات لتقريب وجهات النظر بشأن وضع الإطار المؤقت بشأن منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة المنظمة تعترف بحل الدولتين و«هناك اعتراضات من (حماس) على ذلك»، وفق فرج، مؤكداً أن مساعي مصر مستمرة في توحيد الموقف الفلسطيني ودعمه بشكل مطلق.

وفي هذا الصدد، أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الاثنين، في لقاء بالقاهرة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، «دعم مصر قيادة وشعباً للقضية الفلسطينية، ورفض كل أشكال التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة أو الضفة الغربية، مع استمرار الجهود المصرية المكثفة، الهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية، والعمل، في الوقت ذاته، على حماية حق الشعب الفلسطيني المشروع في إقامة دولته المستقلة».

وشدد الرئيس المصري على «دعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذلها جهوداً كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية في هذا الظرف التاريخي الدقيق»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

وهذا الموقف المصري هو استمرار لتأكيد دعم القضية الفلسطينية، بحسب اللواء سمير فرج، مؤكداً أن القاهرة يهمها بكل السبل وقف الحرب بغزة وترتيب البيت الفلسطيني وتوحيده ليكون قوياً أمام التحديات الموجودة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، أن «مصر تستشرف الخطر وتريد ترتيب الأوراق الفلسطينية، خاصة مع اقتراب إعلان الفائز بانتخابات الرئاسة الأميركية، بما يسهم من تقوية موقفها التفاوضي والتوصل لحل جاد».ويتوقع أن تكون هناك عراقيل محتملة ستواجه اللجنة، منها الرفض الإسرائيلي، وعدم الاتفاق على ترتيبات بين الفصائل في أسرع وقت، مثمناً الجهود المصرية المتواصلة لإيجاد حلول سريعة وتحقق المزيد من الحقوق الفلسطينية.