وسط منطقة صحراوية قاحلة قرب الحدود مع الأردن، يجد آخر النازحين السوريين في مخيم الركبان أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر: الرحيل إلى مناطق سيطرة النظام والمخاطرة بالتعرض للاعتقال وربما الاختفاء القسري أو «الموت البطيء» وسط ظروف معيشية قاهرة.
على مرّ السنوات الماضية، خرج عشرات الآلاف من المخيم هرباً من الوضع المعيشي الصعب، وتوجه غالبيتهم إلى مناطق سيطرة قوات النظام. وقّع المنشقون أو المقاتلون المعارضون السابقون منهم اتفاقات تسوية يُفترض أنها تحميهم من الملاحقة الأمنية، بحسب مانقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».
وبعدما غادر بضع مئات، عام 2019، عبر الأمم المتحدة، بدأت الأخيرة الشهر الحالي دعم خطة لمغادرة الراغبين، ما أثار انتقاد منظمات حقوقية عدة، أبرزها «منظمة العفو الدولية»، معتبرة أن من شأن ذلك أن يعرّض المغادرين لـ«انتهاكات» في مناطق سيطرة النظام.
ويقول عسكري منشق عن النظام فضّل عدم الكشف عن اسمه: «نحن عالقون بين نارين؛ إذا دخلنا سوريا (مناطق سيطرة النظام) سنكون هالكين، وإذا بقينا في المخيم فسنعيش كمن يموت ببطء».
ويوضح: «المخيم معدوم الخدمات... نعيش في صحراء قد نموت فيها من الجوع أو المرض»، فيما لم تدخل الأمم المتحدة أي مساعدات إنسانية إلى الركبان منذ عام 2019. وما من منظمات أخرى عاملة فيه. وتحتاج الأمم المتحدة لموافقة الحكومة السورية لإدخال المساعدات.
يؤوي المخيم الذي تأسس عام 2014 ويقع في منطقة حدودية فاصلة بين سوريا والأردن، نحو عشرة آلاف نازح حالياً، من نحو أربعين ألفاً كانوا يقطنونه قبل سنوات، وقد وفدوا إليه تباعاً هاربين من المعارك على جبهات عدة في طريقهم إلى الأردن. لكنهم وجدوا أنفسهم عالقين قرب الحدود.
ويقع المخيم ضمن منطقة أمنية بقطر 55 كيلومتراً أقامها التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وأنشأ فيها قاعدة التنف العسكرية. وينتشر في المنطقة مقاتلون معارضون تدعمهم واشنطن.
وبدأت أوضاع العالقين في المخيم بالتدهور، خصوصاً منذ إعلان الأردن منتصف 2016 حدوده مع سوريا والعراق منطقة عسكرية مغلقة.
وزاد الوضع سوءاً مع تفشي وباء «كوفيد - 19» وإغلاق الأردن حدوده تماماً.
ويقول رئيس المجلس المحلي للمخيم محّمد درباس الخالدي: «منذ عام 2016 ونحن محاصرون في الصحراء». وتقتصر الخدمات الطبية على مستوصف وممرضين يقدمون إسعافات أولية بغياب أطباء أو جراحين على حدّ قوله. أما «خيام التعليم، فمهترئة، والغرف المبنية من تراب بحاجة إلى ترميم».
ويعتمد سكان المخيم بشكل أساسي على طرق التهريب لإحضار بضائع تُباع بأسعار مرتفعة تفوق قدرة معظمهم. واضطر كثيرون إلى بيع ممتلكاتهم من سيارات أو مزارع أو عقارات لتأمين الأموال، وفق الخالدي، بينما يعتمد بعضهم على أموال يرسلها أقاربهم بين الحين والآخر.
بعدما غادر الآلاف على مرّ السنوات هرباً من الظروف المعيشية الصعبة، فتحت دمشق في فبراير (شباط) 2019 باب العودة أمام الراغبين. وتم تنظيم عمليات نقلهم إلى مراكز إيواء.
وأحصت الأمم المتحدة منذ مارس (آذار) 2019 مغادرة 20106 أشخاص «طوعاً» إلى مراكز إيواء في حمص (وسط)، ووفّرت مع «الهلال الأحمر السوري» الدعم لنقل 329 شخصاً منهم، فيما غادر الباقون بطرقهم الخاصة.
وأدخلت الأمم المتحدة في 11 سبتمبر (أيلول) قافلة مؤلفة من خمس شاحنات «لدعم العائلات التي تسجلت طوعاً لمغادرة الركبان»، لكن بضعة أشخاص تصدوا للقافلة ومنعوها من إتمام مهمتها.
وتوضح المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الخاص بسوريا دانييل مويلان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «تركز الأمم المتحدة على إيجاد حلول مستدامة وآمنة وكريمة لسكان الركبان».
وتلفت إلى أن الهدف من دعم القافلة كان «مساعدة مَن تسجلوا طوعاً لطلب المساعدة من أجل مغادرة الركبان».
وبحسب خطة سلّمتها إلى المجلس المحلي في المخيم واطلعت «وكالة الصحافة الفرنسية» على نسخة منها، من المفترض أن تدعم الأمم المتحدة على مدى ثلاثة أشهر عمليات نقل الراغبين من الركبان إلى مراكز إيواء في حمص، حيث يمضون 14 يوماً فترة حجر صحي، ثم يغادرون «بعد الحصول على الموافقة من السلطات».
لكن السؤال الذي يطرحه نازحون وحقوقيون هو مَن يضمن أمن المغادرين وعدم تعرضهم للاعتقال أو ملاحقة أمنية؟ تجيب الأمم المتحدة وفق نص الخطة: «تقع مسؤولية أمن وسلامة الأفراد» على عاتق الحكومة السورية.
ويتهم الخالدي «الأمم المتحدة في دمشق (بأنها) متواطئة، وليست إلا شركة شحن لصالح النظام»، مستغرباً إرسال شاحنات لنقل مواطنين «من دون أي ضمانات»، خصوصاً أمنية.
ويخشى كثر من سكان المخيم، على غرار العسكري المنشق، من تعرضهم في حال مغادرتهم لملاحقة من السلطات، أو إجبارهم على العودة إلى الخدمة العسكرية. ويفضلون إجلاءهم إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا.
ودعت «منظمة العفو الدولية» الأمم المتحدة إلى وقف خطط نقل النازحين من الركبان، كونها «تعرّض العائدين لخطر الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك العنف الجنسي».
ووثقت المنظمة في تقرير الشهر الحالي «انتهاكات مروّعة» ارتكبتها قوات الأمن بحق 66 لاجئاً بينهم 13 طفلاً عادوا إلى سوريا منذ عام 2017، من دول عدة، كما من مخيم الركبان.
قاطنو مخيم الركبان عند الحدود السورية الأردنية بين الاعتقال أو «الموت ببطء»
قاطنو مخيم الركبان عند الحدود السورية الأردنية بين الاعتقال أو «الموت ببطء»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة