سنوات السينما

من «أحلام المدينة»
من «أحلام المدينة»
TT

سنوات السينما

من «أحلام المدينة»
من «أحلام المدينة»

أحلام المدينة
(1984)
ذكريات الذات وآلام المدينة

من المؤسف جداً أن المخرج السوري محمد ملص (غير المحسوب على النظام ولا على معارضيه) متوقف عن العمل منذ سنوات عديدة. هذا المخرج عبقري، أحاسيس حياة مجبولة بالذكريات التي توحي أكثر مما تحكي على وفرة ما تحكيه.
«أحلام المدينة» هو أول ما حققه من أفلام روائية طويلة واستوحى أحداثها من ذكرياته الخاصّة، كما من ذكريات وطنه في الخمسينات.
يبدأ الفيلم بمشهد بلدة مدمّرة. هناك حمام أبيض يحاول الخروج من منزل بنوافذ موصدة. تستدير الكاميرا بطيئاً. هذا طريق موحل وكئيب يمضي بعيداً. بعد ذلك التمهيد يبدأ الفيلم سنة 1953 بوصول حافلة ركاب قادمة من إحدى القرى إلى مدينة دمشق. تترجل منها امرأة (ياسمين خلاط) وولديها الصغيرين. تتجه إلى والد زوجها (رفيق السبيعي) على أمل أن يستقبلها في داره. بعد اعتراضه يسمح لها بالعيش مع ولديها في غرفة صغيرة. هو عجوز قاس ويعامل زوجة ابنه وولديها على هذا النحو. تمر ست سنوات ونرى ابنها الأكبر ديب وقد أصبح فتى يعمل عند الكوّا (حسن دكاك). ذات يوم تصدّق الأم كلام امرأة عرضت عليها الزواج من عريس ثري قبل أن تكتشف أن الزواج المعقود كان زواج متعة فقط. يشعر ديب بالثورة في داخله فيحاول الوصول إلى الزوج المخادع لقتله. فشله مُجّسد بالمشهد الأخير حاملاً ما هو أكثر من معاناته الشخصية.
كل هذا في موازاة ما كان يمر به الشارع السياسي من أحداث وتيارات وصولاً إلى الأفراح التي سادت الوحدة التي انعقدت بين سوريا ومصر لبعض الوقت. الفيلم في تفاصيله تشابك وجداني بين العام والخاص. بين ما كان يدور في الشارع السوري في تلك الفترة وما كان يدور في الحياة الصعبة التي عايشها المخرج بنفسه متمثلاً بشخصية ديب.
في هذا النطاق، أنجز ملص سيرة ذاتية بلا ريب مصنوعة بمعالجة جمالية في أحد وجوهها، وعاطفية في وجه آخر. ما فعله المخرج هنا هو تحقيقه فيلماً لا ينحصر في كونه رحلة ذاتية إلى ماضي بطله ديب، بل أيضاً في كونه رحلة تعرّف على الشارع الدمشقي الذي شهد انقلابات متعاقبة وتيارات متباينة آنذاك انقسم الشارع حولها. وهذا بقدر ما يمنح الفيلم ثراءً وتكاملاً في المنظور، بقدر ما يبتعد عن استخدام وتوظيف أي منحى سياسي. ما يصلنا هو صورة صادقة عن الفترة من ناحية، وأخرى صادقة في تعاملها مع ذكريات المخرج الخاصّة.
صوّر المخرج مشاهد من فيلمه في بيت جدّه، ومنح بطلة الفيلم ياسمين خلاط اسم حياة، وهو اسم والدته. لكن ما يرتسم في البال طويلاً هو تلك المشاهد الصامتة التي يلقيها المخرج من خلال أعين الأم حيناً وابنها حيناً. حين تلتفت الأم خلفها كما لو سمعت من يهمس باسمها، نتذكر مشاهد نفّذها الروسي أندريه تاركوفسكي الذي تعامل مع الماثل من الحركة والمستتر من الهواجس والأفكار بجمالية بديعة وبصمت جاذب أكثر من أي حوار ممكن.
شخصيات محمد ملص صادقة طبيعية حارّة، شخصيات غير متكلفة يديرها المخرج طالباً منها عفويتها. روح الشخصية الدمشقية الطيّبة (الكوّا ونماذج أخرى من الدمشقيين) ممتزجة مع روح أخرى أنانية (الجد). الجميع يمثّل أدواره باحتراف وتلقائية. لكن الأمر يختلف مع ياسمين خلاط التي تبدو خارج الخط الموحد لباقي الأداءات. إنها كما لو كانت تمثل دوراً أكثر مما تدخله.
استعان ملص بمدير التصوير التركي أورديجان أنجين الذي عمل على أفلام يلماز غونيه. هناك جبال وعرة وشخصيات صعبة ونافرة. هنا يتأقلم التصوير مع الحارة الشعبية ويترجم الصور الذهنية إلى نماذج فاعلة. التآلف بين البيئة الشعبية للحارة الدمشقية وبين شخصياتها مع الدور التقني للكاميرا أمر لم يقع كثيراً من قبل وما زال نادراً في نوعيته إلى اليوم.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».