هل يؤثر انحصار «الإخوان» إقليمياً على دور التنظيم في ليبيا؟

محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي (رويترز)
محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي (رويترز)
TT

هل يؤثر انحصار «الإخوان» إقليمياً على دور التنظيم في ليبيا؟

محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي (رويترز)
محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي (رويترز)

اعتبر سياسيون ليبيون أن «الهزيمة القاسية»، التي لحقت بحزب «العدالة والتنمية»، الذراع السياسية لإخوان المغرب في الانتخابات التشريعية الماضية، ومن قبلها تراجع حركة النهضة عن مواقع اتخاذ القرار في تونس، قد يؤثران سلباً على دور التنظيم في ليبيا، ما قد يدفعه إلى الدخول في تحالفات، محذرين من أن «كل الخيارات ستكون مفتوحة أمام الإخوان».
وقالت عضوة مجلس النواب الليبي، رئيسة تكتل «الوحدة الوطنية» النيابي، فاطمة بوسعدة، إن تراجع التيارات السياسية الممثلة لتنظيم الإخوان في تونس، أو بالمغرب عن مواقع اتخاذ القرارات هناك، سيؤدي إلى تراجع الدعم الإقليمي للإخوان في ليبيا، مشيرة إلى أن الإخوان والمتحالفين معهم، وكذلك تنظيمهم الدولي «سيستميت من أجل تعويض خسارة» التنظيم في تلك الدول للحصول على النصيب الأكبر من كعكة السلطة الليبية، وبالتالي «ليس مستبعداً أن يوظفوا كل أدواتهم، بداية من الدفع ببعض الوجوه الأقل حدة داخل تنظيمهم لخوض الانتخابات المقبلة».
وتوقعت بوسعدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ظهور كثير من التحالفات الانتخابية، «التي ستصب في خدمة هذا التنظيم، وفي مقابل ذلك لن تكون الأطراف السياسية المتنافسة بذات قوة الاستعداد والحماسة»، محذرة من أن «كل الخيارات ستكون مفتوحة أمام الإخوان». كما تحدثت بوسعدة عن لجوء التنظيم إلى التهدئة مع الأطراف الليبية المختلفة، في حال توقف الدعم المقدم إليه من تركيا.
ويختلف عضو «المؤتمر الوطني» السابق، عبد المنعم اليسير، مع الطرح السابق، معتبراً أن التصعيد «سيكون الخيار الرئيسي لإخوان ليبيا، وتنظميهم الدولي، لكونها معقلهم الأخير بمنطقة شمال أفريقيا». وقال اليسير لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تنظيم دولي يسعى لزعزعة استقرار دول المنطقة، بهدف إقامة دولة الخلافة وفق مفهومهم، وهو هدف استراتيجي لن يتنازل التنظيم عنه»، مبرزاً أن أعضاء التنظيم «الموجودين في كل مفاصل الدولة الليبية يسعون لاستغلال الوضع الفوضوي الراهن، ويتحركون بحرية كبيرة لتنفيذ أجندته، وبالتالي أي تغيير نحو الاستقرار عبر انتخاب رئيس وبرلمان جديدين، وإعادة سيادة وهيبة الدولة، وقدرتها على فرض القانون، وإنهاء الاختلاسات المالية وضبط المنافذ والحدود، يشكل تهديداً خطيراً عليهم جميعاً».
ولم يبتعد الباحث الليبي رئيس مؤسسة «سليفيوم» للأبحاث والدراسات، جمال شلوف، كثيراً عن الرأي السابق، حيث سلط الضوء على تاريخ تجارب الإخوان في الحكم والسلطة بالمنطقة، مبرزاً كيف كانت التهدئة خياراً مستبعداً لهم، مقارنة باللجوء للصدام المسلح المباشر بين عناصرهم والمجتمعات الرافضة لهم، إلى جانب عقد تحالفات مع الجماعات التفكيرية لمناصرتهم في هذا الصدام، وذلك عبر استهداف الأجهزة الأمنية بتلك المجتمعات.
وركز شلوف في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» على الدعوات، التي أطلقتها قيادات منتمية ومقربة من تنظيم الإخوان في ليبيا، كرئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وعضو ملتقى الحوار السياسي، عبد الرزاق العرادي، والتي «روجوا فيها لمشروعية الانقلاب على نتائج الانتخابات المقبلة».
وقال شلوف موضحاً: «القصة ليست أن لدى التنظيم اعتراضات على قانون الانتخابات الرئاسية، الذي أقره مجلس النواب مؤخراً، فقانون انتخابات 2014 لم يكن مطعوناً بشرعيته من جهتهم، ومع ذلك انقلبوا على نتائجها بقوة السلاح، عندما أظهرت تقدم غيرهم، وبعد ذلك تقدموا بشكوى للمحكمة الدستورية (...) هم يتخوفون من نتائج أي استحقاق، ويريدون مقدماً أن يضمنوا فوزهم فقط».
وأوضح شلوف أن «عدم إقدام أعضاء التنظيم على إثارة أي توترات في أعقاب تراجعاتهم، وهزائمهم الانتخابية ليس بسبب ابتعادهم عن خيار الصدام، وإنما لقوة المؤسسة الأمنية بدول الجوار، وعزوف الشارع هناك عن تأييدهم».
ولا يستبعد شلوف توظيف «الإخوان» لهشاشة الوضع الأمني في البلاد، وإثارة المخاوف الدولية حول سلامة إجراء الانتخابات، وقال بهذا الخصوص: «قد تكون هناك حلقة جديدة من مسلسل صراع الميليشيات المسلحة بالغرب الليبي، بعضها مع بعض، وقد يحاولون الاحتكاك بالجيش الوطني، وإن كانت تلك الخطوة لن تتم إلا بمباركة تركية».
ومن جهته، رأى المحلل السياسي عز الدين عقيل، أن تأثير تراجع الإخوان عن مراكز صناعة القرار في دول الجوار الليبي على المشهد الانتخابي الليبي «سيكون محدوداً جداً»، وقال إن «إخوان» ليبيا «لم يكونوا يعولون على أي مساعدة خارجية، لأنهم يعتمدون على أدواتهم الخاصة بهم، من سلاح تم تجميعه، وأموال وميليشيات مسلحة متحالفة معهم، وربما تستعد من الآن للتدخل في العملية الانتخابية متى أجريت بسيناريوهات الترهيب أو التزوير».
وأضاف عقيل موضحاً: «بالطبع قد تزيد النصائح التي توجه لهم من الخارج حول طرق عرقلة الانتخابات، ثم إقناع المجتمع الدولي بأن خصومهم هم من يقفون وراء تلك العرقلة. لكن بشكل عام هم لديهم تشبث قوي بالسلطة، ويحاولون قدر الإمكان عرقلة الانتخابات والسيطرة على نتائجها بأي طريقة، ومن ثم يوفرون الملاذ الآمن لأي قيادات إخوانية خارجية ترغب في الفرار من دولها».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.