«سي نيوز» الفرنسية... «زواج» بين الإعلام واليمين المتطرف

المروّج الأول لـ«نظريات المؤامرة» و«حصان طروادة» الانتخابي

إريك زيمّور
إريك زيمّور
TT

«سي نيوز» الفرنسية... «زواج» بين الإعلام واليمين المتطرف

إريك زيمّور
إريك زيمّور

قد تكون الطريقة الفضلى للتعريف عن القناة التلفزيونية الإخبارية الفرنسية «سي نيوز» (CNews) التي يملكها الملياردير الفرنسي فانسان بولوريه المرور سريعاً من خلال تسليط الضوء على «نجم» القناة الإعلامي والمفكر اليميني المتطرف إريك زيمّور (زمّور)، الذي يحثّ الخطى للترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة في أبريل (نيسان) 2022. زيمّور الذي يجول بين المدن الفرنسية في الوقت الراهن من أجل الترويج لكتابه الأخير المعنوَن «فرنسا لم تقل آخر كلماتها» أجبِر على التخلي عن مشاركته اليومية في برنامج إخباري على «سي نيوز» تحت ضغط «المجلس الأعلى للسمعيات والبصريات»، بسبب ما اعتبر كلاماً انتخابياً وليس تحليلات سياسية.
الرجل البالغ من العمر حالياً 63 سنة، لا يخفي مواقفه. إنه يميني متطرف... بل إنه أكثر يمينية من زعيمة حزب «التجمع الوطني» الذي ترأسه مارين لو بن المرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة، حتى إنه يتهمها بالميوعة والضعف. واليوم، تفيد استطلاعات الرأي بأن زيمّور يمكن أن يحصل على 11 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى... قبل أن يعلن ترشيحه.
سبب شعبية زيمّور، المتحدر من عائلة يهودية جزائرية، والملاحَق أمام المحاكم والذي أدين مرتين (2011 و2017) بسبب الحض على التمييز العنصري والتعبير عن الحقد إزاء المسلمين، أنه صاحب طروحات بالغة التطرف. إذ إنه يتبنى نظرية «الإبدال الكبير»، أي إبدال الشعب الفرنسي كما الشعوب الأوروبية الأخرى بشعوب مهاجرة غير أوروبية قادمة من بلدان المغرب وأفريقيا وغالبيتها مسلمة. وهنا يقول زيمّور: «هناك شعب فرنسي، ينتمي إلى العرق الأبيض وإلى الحضارة الهللينية - الرومانية وإلى الديانة المسيحية، وها هو يُبدل بشعوب إما مغاربية أو أفريقية وغالبيتها مسلمة... وهي - بنظره - لا تتبنى القيم والمبادئ السائدة في الغرب». وغالباً ما يضيف: «خلال سنوات قليلة، إذا استمرت الأمور سائرة في هذا المنحى، سيتغير وجه فرنسا (وأوروبا) وسوف نصبح أقلية في بلادنا».

«سي نيوز»... وبولوريه

هذه الطروحات تبيّن الاتجاه العام الذي تسلكه قناة «سي نيوز» التي توصف فرنسياً بأنها قناة «فوكس نيوز» الناطقة بالفرنسية بالإشارة إلى القناة الإخبارية الأميركية اليمينية الشهيرة التي كانت المصدر الأول لقناعات وتحليلات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والمدافع الأول عنه والمروّج الأقوى لسياساته.
«سي نيوز» باتت المروّج الأول لـ«نظريات المؤامرة» في فرنسا و«حصان طروادة» لليمين الفرنسي الأكثر تطرفاً. ولعل من سخرية المشهد الإعلامي التلفزيوني الفرنسي أن «سي نيوز» وصلت في شهر مايو (أيار) الماضي، إلى احتلال المرتبة الأولى بين القنوات الإخبارية الرئيسية الأربع؛ وهي، إضافة إليها: «إل سي آي»، و«بي إف إم تي في» و«فرنس إنفو». الأولى تمتلكها مجموعة بويغ للاتصالات، قطب الاتصالات والإنشاءات. والثانية يمتلكها رجل الأعمال الفرنسي - الإسرائيلي باتريك دراهي الناشط في الحقل الإعلامي المرئي والمسموع والمكتوب، والثالثة تابعة للقطاع العام.
القنوات الثلاث المنتمية للقطاع الخاص يملك كل منها إمبراطورية إعلامية متعددة الوسائل والاختصاصات. وليست «إمبراطورية» فانسان بولوريه أقلها قوة وتوسّعاً، إذ إنها، بدايةً، تشمل الأنشطة التلفزيونية متعددة الاختصاصات.
يمتلك بولوريه، أو يدير، إضافة إلى قناة «سي نيوز» المتخصصة بالأخبار التي كانت تسمى سابقاً «أي تيلي»، قنوات تلفزيونية عديدة؛ أولاها تلفزيون «سي ستار» المتنوع والقناة المشفّرة «كنال +» والقنوات المتفرعة عنها في الرياضة، و«سي 8» العامة. وتجدر الإشارة إلى أن تحكّم بولوريه، تعزز عبر تحوّله في عام 2015 إلى المساهم الأكبر في شركة «فيفاندي» المالكة السابقة للقناة المشفّرة، التي تعد الأولى في المشهد التلفزيوني الفرنسي ولها امتدادات أوروبية. وهو ما سمح له بأن يحتل موقعاً استثنائياً في فرنسا، ومكّنه من أن يصبح قطباً إعلامياً رئيسياً في فرنسا.
وخلال الصيف الجاري، نجح بولوريه في التسلّل إلى العالم الإذاعي من خلال تمكّنه من وضع اليد على إذاعة «أوروبا رقم واحد» التاريخية بعد معركة حامية الوطيس، الأمر الذي حمل بعض أركان هذه الإذاعة، عقب إضراب واسع، إلى الرحيل عنها تخوّفاً من توجهّاتها المستقبلية ومن أن تكون نسخة سمعية لـ«سي نيوز».
ثم إن بولوريه، الذي بنى في الأساس، إمبراطورية في قطاع النقل البحري وإدارة المرافئ، خصوصاً في أفريقيا، ينشط في قطاعات السينما والنشر والموسيقى وألعاب الفيديو. وبكلام آخر، فإن هذا الرجل الذي يُعدّ أحد أركان الرأسمالية الفرنسية يملك نفوذاً متعدد الأشكال. وبعدما كان السياسيون «المعتدلون» يميناً ويساراً يتحاشون قناته الإخبارية، فإن الأمور تغيّرت كثيراً خلال الأشهر الأخيرة، ويتوقع أن تتغير أكثر فأكثر مع ضم «أوروبا رقم واحد» إلى إمبراطوريته وتعيين مسؤولين مكسوبي الولاء للخط التحريري لقناته الإخبارية.

رافعة انتخابية قوية

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فإن «سي نيوز» تجدّد برامجها وتكثف العاملين في صفوفها. وبعدما شكّلت «الرافعة» التي دفعت إريك زيمّور إلى الواجهة بفضل برنامج سياسي يومي مسائي كان يسرح فيه ويمرح ويكرّر نظرياته وتوهّماته المتطرفة، فلا شك أنها ستكون عوناً له، ولكن أيضاً لمارين لو بن في الجدل السياسي والانتخابي الذي انطلق قبل ثمانية أشهر من الاستحقاق الكبير المرتقب في ربيع العام المقبل.
في شهر مارس (آذار) الماضي، فرض شرطي المشهد الإعلامي في فرنسا غرامة على «سي نيوز» قيمتها 200 ألف يورو، لكونها تبث برامج وتعليقات تحضّ على التفرقة والحقد وتستهدف المهاجرين والمسلمين، ناهيك بالإسلاميين، وتركز بشكل خاص على الأحداث الأمنية. وكان للقناة المذكورة دورٌ كبير أيضاً في تهييج متمردي «السترات الصفراء» منذ خريف عام 2018. ومنذ يونيو (حزيران) الماضي، وجّهت الهيئة المشرفة على الإعلام تحذيرين للقناة لكونها لا تحترم مبدأ التعدّدية، ولأن مسؤولي «التجمع الوطني» (حزب لو بن) واليمين المتطرف - بشكل عام - دائمو الحضور على شاشاتها.
وليس من المغالاة القول إن هذه القناة قد تحوّلت بالفعل الى ناطقة باسم اليمين المتطرف والمنصة المروّجة لنظرياته من خلال التركيز على المواضيع التي تشكل أساس آيديولوجيته، وهي «ثلاثية»: الأمن والهجرة والإسلام. وكما هو مستبطن في هذه «الثلاثية»، فإن المسائل الثلاث مترابطة فيما بينها. والثابت اليوم، استناداً لما يطرح من جدل سياسي تمهيدي للحملة الرئاسية المقبلة، أن الثلاثية المشار إليها ستكون حاضرة بقوة، ما يعني أن «سي نيوز» ستلعب دوراً مهماً وداعماً للجهات التي تتبنى مقاربتها وستكون المنبر الجاهز لزيمّور ولو بن، وربما لغيرهما من متطرفي اليمين.
من نافل القول أن «سي نيوز» ترفض هذا التعريف، ويدعي مسؤولوها أن جُلَّ ما تقوم به قناتهم هو نقل صورة عمّا يحصل في المجتمع الفرنسي بلا قيود. ويجادلون بأن العنف ينخر المجتمع من الداخل و«حروب العصابات» للهيمنة على سوق المخدرات ليس اختلاقاً، وغياب الأمن في عدد من الأحياء حقيقة واقعة، وعليه فنقل ما يجري إلى الشاشة لا يعني، وفق طروحاتهم، استغلالاً له.
كذلك، يزعمون أن التركيز على المهاجرين والمشاكل المرتبطة بهم أو الناتجة عنهم ونشوء مناطق يغلب عليها الطابع «الإسلاموي» في عدد من المدن والضواحي «ليس من باب العنصرية بل توصيف للواقع»، ومحاولة لفهمه وإيجاد السبل لوقف التدهور وهو ما يقوم به المحللون والاختصاصيون الذين تدعوهم القناة يوماً بعد يوم. ويقول سيرج نجّار، أحد مسؤولي القناة، إن «سي نيوز»، التي نجحت أحياناً في التفوق على منافستها المباشرة «بي إف إم تي في»، «تعالج المواضيع بصراحة لم تعتد عليها القنوات الأخرى العامة أو الإخبارية، لأنه لا ممنوعات تلتزم باحترامها». ويضيف «أن تحولاً حصل في المشهد التلفزيوني الفرنسي حيث أخذ الآخرون يقتدون بـ(سي نيوز) بما في ذلك الإعلام الرسمي». ويريد المسؤول المشار إليه القول إن «سي نيوز» تحوّلت إلى «مدرسة» إعلامية لا يستبعد أن يكون لها، في المقبل من الأيام أتباع جُدد، بينما يواصل المجتمع الفرنسي التحوّل إلى اليمين.


مقالات ذات صلة

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

يوميات الشرق شعار المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

أعلنت «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» عن شراكة استراتيجية تحصل من خلالها على حقوق حصرية لتسويق برامج تهدف لتحسين جودة الحياة للطلبة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من تظاهرة سابقة نظمها إعلاميون احتجاجاً على ما عدوه «تضييقاً على الحريات» (أ.ف.ب)

تونس: نقابة الصحافيين تندد بمحاكمة 3 إعلاميين في يوم واحد

نددت نقابة الصحافيين التونسيين، الجمعة، بمحاكمة 3 صحافيين في يوم واحد، بحادثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.