أبو محفوظ... «مهندس» نهب الأموال ومحرك سلطات الميليشيات في صنعاء

القيادي في الميليشيات الحوثية أحمد حامد (تويتر)
القيادي في الميليشيات الحوثية أحمد حامد (تويتر)
TT

أبو محفوظ... «مهندس» نهب الأموال ومحرك سلطات الميليشيات في صنعاء

القيادي في الميليشيات الحوثية أحمد حامد (تويتر)
القيادي في الميليشيات الحوثية أحمد حامد (تويتر)

إلى ما قبل مقتل الحاكم السابق لمجلس الانقلابيين الحوثيين صالح الصماد في أبريل (نيسان) 2018 في عملية نوعية لتحالف دعم الشرعية، كان القيادي الحوثي أحمد حامد المعروف باسم (محفوظ) مجرد أحد قادة الميليشيات الذين تولوا مهمة الجانب الإعلامي ثم منصب وزير الإعلام في الحكومة الانقلابية، قبل أن يدفع به زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي إلى موقع مدير مكتب رئيس حكم الانقلاب، في خطوة تبين فيما بعد أنها كانت ممهددة ليتولى مسؤولية أكبر.
ومع تعيين مدير مكتب زعيم الميليشيات مهدي المشاط رئيساً لمجلس الحكم خلفاً للصماد الذي قتل بضربة جوية لتحالف دعم الشرعية في العام أبريل 2018، ظهر أنه جاء بحامد إلى هذا الموقع ليكون الحاكم والمتحكم الفعلي في السلطة، بل عده مراقبون إن كان إعلاناً عن وفاة ما يسمى المجلس السياسي الأعلى للحكم، الذي يضم ممثلي ميليشيات الحوثي وآخرين من جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في الداخل.
ولأن حامد واحد من أوائل الملتحقين بصفوف الميليشيات منذ نعومة أظفاره فإن قوته مرتكزة على علاقته بزعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي، حيث قاد المجموعة التي عارضت تولي عبد الله الرزامي، البرلماني السابق وصديق مؤسس الجماعة حسين الحوثي قيادة التنظيم السري بعد مصرع الأخير على يد القوات الحكومية في 2004.
وبحسب مصادر سياسية مطلعة فإن حامد كان من عناصر الجماعة الذين ضغطوا باتجاه تعيين عبد الملك الحوثي بديلاً لأخيه، بحجة أن التنظيم بحاجة إلى قائد ينتمي لنفس السلالة، حيث تحقق ذلك لهم بعد أن سلم الأب بدر الدين الحوثي القيادة في 2010 لابنه عبد الملك.
ومع أن حامد لم يبرز كقيادي طوال سنوات الحرب بين السلطة المركزية وميليشيات الحوثي في محافظة صعدة منذ منتصف عام 2004، إلا أنه كان رفيقاً لزعيم الميليشيات منذ ما بعد مقتل شقيقه حسين الحوثي، حيث تولى مسؤولية الجانب الإعلامي في التنظيم السري، وظهر اسمه في بعض الأوقات في مجلة العالم الإيرانية، وأسندت إليه حقيبة وزارة الإعلام عقب الانقلاب على الشرعية قبل أن يعين مديراً لما يسمى مكتب الرئاسة.
لكن الأربعة الأشهر التي أمضاها في هذا الموقع إلى جوار الصماد لم تكن كافية للحكم على طبيعة مهمته وهل كان سيعمل على التحكم بالصماد، لكن الإجراءات التي اتخذت في حق طاقم الصماد، لاحقاً، كشفت عن جانب مهم من الدور المرسوم له.
وإذ تؤكد مصادر عديدة أن حامد يدير النشاط والوزراء والمحافظين في حكومة الانقلاب وكذا قطاع الأموال بشكل كامل فإنه أيضاً صاحب الكلمة الأقوى حيث ينفذ المشاط ما يصدر عنه، كما أن قيامه بتصفية كل العاملين مع القيادي الصماد تظهر أن الرجل كان يتحين الفرصة وبدعم من زعيم الميليشيات ليصبح الحاكم الفعلي في مناطق سيطرة الميليشيات.
هذه السطوة ظهرت حين أودع محمد الوريث السكرتير الصحافي للصماد في سجن المخابرات منذ أكثر من عام بتهمة أنه يتعامل مع الشرعية والتحالف، وكذا حين قام بفصل واعتقال البقية.
مصادر قريبة من الميليشيات، بينت أن اعتقال الوريث وآخرين جاء ضمن الصراع بين أجنحة الميليشيات، حيث أقدم الرجل على اعتقال وإقصاء كل الكوادر الصحافية والإعلامية والإدارية التي كانت تعمل مع الصماد، بسبب معارضتهم للفساد الذي يمارسه أبو محفوظ ومجموعته. ولم تتسرب أنباء الاعتقالات إلا منذ عدة أسابيع وبشكل خجول ومحدود عندما تناولت قضية السكرتير الصحافي للصماد، لأن حامد هدد أسر المعتقلين ومنهم أسرة الوريث ومنعهم من التواصل مع المعتقلين بشكل نهائي، وهدد بعضهم بالاعتقال إذا ما أثاروا الموضوع في وسائل الإعلام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وهكذا ظل الأمر طي الكتمان والتزمت الأسر الصمت حتى اليوم، كما أن بعض قادة الميليشيات حاولوا التوسط للإفراج عن الوريث، لكن وساطتهم قوبلت بالرفض، حيث أبلغهم حامد بأن الوريث متورط بعمليات تخابر مع الخارج، وأنه لا يمكن الإفراج عنه مطلقاً.
المصادر ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن حامد يشرف على صالح الشاعر الذي عين حارساً قضائياً للأموال والشركات التي تمت مصادرتها من المعارضين، كما أنه يتحكم بموازنة كل الجهات والإنفاق المالي، ولا يتم صرف أي شيء إلا بموافقة مسبقة، كما أنه يشرف على «هيئة الزكاة» وعلى إنفاق أموالها، وكذلك على هيئة الأوقاف، وهما هيئتان استحدثتهما الميليشيات لضمان السيطرة على الأموال والممتلكات العامة.


مقالات ذات صلة

الحوثيون: هجماتنا على إسرائيل ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية

العالم العربي دخان يتصاعد من موقع الغارات الجوية الإسرائيلية بمدينة الحديدة الساحلية باليمن في هذه الصورة المنشورة 20 يوليو 2024 (رويترز)

الحوثيون: هجماتنا على إسرائيل ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية

قال عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين، الخميس، إن هجمات الجماعة على إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج السعودية أكدت استمرار وقوفها مع اليمن وحكومته وشعبه (الشرق الأوسط)

ترحيب سعودي وخليجي باتفاق الحكومة اليمنية والحوثيين الاقتصادي

رحبت السعودية باتفاق الحكومة اليمنية والحوثيين على إجراءات خفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية.

العالم العربي بفضل الدعم المقدم من مركز الملك سلمان للإغاثة حققت الصحة العالمية نجاحات كبيرة في اليمن (الأمم المتحدة)

​«الكوليرا» يتفشّى بشكل «مخيف» في مناطق سيطرة الحوثيين

كشفت منظمة الصحة العالمية عن انتشار مخيف لوباء الكوليرا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بشمال اليمن وقالت إن عدد الإصابات المسجلة تقترب من 100 ألف حالة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي من اجتماع سابق لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

حوار غروندبرغ الاقتصادي... غضب يمني ومرونة رئاسية ورفض حوثي

أظهر مجلس القيادة الرئاسي اليمني مرونة إزاء طلب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، وقف تدابير البنك المركزي في عدن والانخراط في حوار اقتصادي، بينما رفض الحوثيون.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جانب من استعراض حوثي مسلح في صنعاء (أ.ف.ب)

مقتل وإصابة 8 مدنيين بينهم أطفال جنوب تعز بقصف حوثي

قُتل وأصيب 8 مدنيين، بينهم أطفال جراء قصف للميليشيات الحوثية الإرهابية استهدف منطقة الشقب في مديرية الموادم جنوب محافظة تعز اليمنية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.