هجرة الغزلان.. توفير طرق آمنة في البراري الأميركية

تقنيات مطورة لتتبع حركتها وتأمين سلامتها

هجرة الغزلان.. توفير طرق آمنة في البراري الأميركية
TT

هجرة الغزلان.. توفير طرق آمنة في البراري الأميركية

هجرة الغزلان.. توفير طرق آمنة في البراري الأميركية

بينما تنتظر مجموعة صغيرة من العلماء والمتطوعين على جانب طريق من الحصى هنا، في صحراء ريد ديزيرت في وايومنغ، تهبط مروحية حاملة بالحبال اثنين من الغزلان الأذانية أو «غزال البغل»، mule deer معصوبة العينين (نوع من الغزلان التي تستوطن طبيعيا مناطق غرب الولايات المتحدة، وقد أطلقت عليها هذه التسمية لأن آذانها كبيرة مثل آذان البغال، ولها عدة أجناس منها الغزال ذو الذيل الأسود - المحرر). وتحلق المروحية للحظة وسط دوامة عنيفة من الثلج أحدثتها حركة ريش المروحية، بينما يتم فك الحبال. ومع ارتفاع الطائرة وابتعادها، يركض الفريق وسط السحاب الكثيف.
ويحمل أفراد الفريق الحيوانين على ناقلة من القماش إلى مكان حيث يمكن وزنهما وإجراء الفحوص اللازمة لهما. وسحب الفريق من كل واحد من الحيوانين عينة دم، وشعرة من الشارب، وفحصوا الطوق المزود بجهاز رصد وتتبع حول عنقه، أو وضعوا واحدا جديدا، وقاموا بقياس درجة الحرارة، وأخذوا عينة من البراز، وأجروا تصويرا بالموجات فوق الصوتية، وحقنوا كل منهما بمخدر محلي في الفك، وخلعوا أحد أسنانه.

* غزلان طليقة
بعد 10 دقائق من الفحص والاختبارات، تم إطلاق سراح الغزال الذي انطلق في طريقه وإن كان فمه مخدرا، وفي جسده جرعات من المضاد الحيوي، وربما كان يتساءل ما الذي حدث. كان العلماء يلتقطون صورا لصحة الغزال وينزلون بيانات عن حركاتها من الطوق الرقمي لها، في إطار محاولة أكبر لتتبع طريق هجرته، والحفاظ عليه.
ولم يكتشف الباحثون هذا الطريق إلا أخيرا، ويعرف باسم طريق الهجرة من ريد ديزرت إلى هوباك، وهي أطول رحلة هجرة معروفة في الولايات الأميركية المتجاورة حيث يبلغ طولها 150 ميلا، وتتم مرتين سنويا. وألهمت تلك الرحلة الكثير من جماعات حماية البيئة بالعمل معا من أجل حماية طريق الغزلان من الغزو العمراني. ويأمل بعض المهتمين بالحفاظ على البيئة أن يكون هذا التعاون غير المعتاد سابقة مفيدة يمكنها أن تساعد في حماية الأنواع الأخرى، والبراري. وقالت ليزلي دانكان، مديرة الأراضي العامة في صندوق «بيو تشاريتبال»: «نعتقد أن هناك إمكانية أن يصبح هذا نموذجا لما تفعله الهيئات التابعة للولايات والهيئات الفيدرالية في الغرب».
الهجرة الموسمية بحثا عن طعام، ضرورية لبقاء الكثير من الحيوانات. وتبحث قطعان سيرنجيتي الشهيرة عن الأمطار، وفي الغرب ينتقل الكثير من الظباء، والغزلان، والطرائد الكبيرة الأخرى، إلى المنحدرات الجبلية من أجل الطعام خلال الربيع والصيف وينتظرون فصل الشتاء في المناطق الأكثر انخفاضا ودفئا. وقال هال سوير، عالم الأحياء والباحث لدى شركة «ويسترن إيكوسيستمز تكنولوجي» للاستشارات، الذي اكتشف طريق الغزلان: «الهجرة هي الآلية التي تتيح لهذه المساحة دعم الغزلان». ونظرا لما يمكن أن تمثله المنازل، والطرقات، والأسوار، وآبار الغاز، والطرق المزدحمة المخصصة للشاحنات، من عوائق للحيوانات في رحلتها، اكتشف المهتمون بحماية البيئة منذ وقت طويل أن الحفاظ على طرق الهجرة ضروري من أجل الحفاظ على الحياة البرية.
وينتقل نحو 500 غزال 150 ميلا من ريد ديزرت، حيث تقضي الشتاء إلى حوض نهر هوباك بالقرب من جاكسون في ولاية وايومنغ حيث تمضي فصلي الربيع والشتاء. وهناك قطعان أخرى يصل عددها إلى 5 آلاف غزال تتخذ هذا الطريق بالكامل أو جزءا منه. ويمر هذا الطريق بأراض عامة وخصوصا، ويقول العلماء إنه مميز، بالنظر إلى طوله كطريق خال نسبيا بالنسبة للغزلان. مع ذلك رأى حماة البيئة أن حماية الطريق ستتطلب تعاونا غير عادي بين الجماعات الحكومية والخاصة، فضلا عن الوصول إلى مستوى جديد من الفهم العلمي لتوجيه التعديلات في اللوائح والقوانين.
ويقول ستيف كيلبارتيك، رئيس فرع «اتحاد الحياة البرية» في وايومنغ، إن النبأ السار هو مشاركة جماعات الحفاظ على البيئة في مساعدة الغزلان على نحو لم يره من قبل. وأوضح قائلا: «أعتقد أن هذا أمر مميز ونادر الحدوث. ليس لدي علم بأي موقف حدث فيه ذلك من قبل». والجدير بالذكر أن مجموعته استعانت بمنسق لهذا التحالف غير الرسمي.

* صيادون من الجو
بدأت محاولة تتبع هجرة الغزلان من ريد ديزرت إلى هوباك عام 2011. وكان سوير يعمل على عقد من مكتب إدارة الأراضي لمراقبة الحياة البرية ووضع أطواق تتبع حول أعناق 40 غزالا في ريد ديزرت وهي من المناطق الأكثر انفتاحا واتساعا في ولاية تزخر بهم. ولا يعلم أحد على وجه الدقة ما فعلته غزلان ريد ديزرت في الربيع والصيف، رغم مشاهدة بعضها طوال العام. وتهاجر أكثر الغزلان، في حين يبقى البعض لأسباب غير مفهومة تماما. وقال ماثيو كوفمان، عالم الأحياء المتخصص في الحياة البرية لدى هيئة الاستطلاع الجيولوجي الأميركي، والأستاذ في جامعة وايومنغ والمسؤول عن دراسات هجرة ريد ديزرت وهجرات أخرى: «إذا لم تضع طوقا حول أفراد القطيع، يكون من الصعب جدا معرفة ما إذا كانت هاجرت أم لا».
يبدو الإمساك بالحيوانات ووضع أطواق حول أعناقها مثل مسابقات رعاة البقر للغزلان. وتوصل سكان نيوزلاندا إلى طريقة لإلقاء الشبكة على الغزال من مروحية يحلق فيها الطيار مثلما يمتطي راعي البقر حصانا يفرق أفراد القطيع. ويطارد الطيار أحد الغزلان، ويحاول عزله عن باقي القطيع، ويطير على مسافة قريبة تسمح بإطلاق شبكة وبسطها على الغزال للإيقاع به. ويحلق الطيار بعد ذلك على ارتفاع منخفض بحيث يتمكن «المهاجم»، الذي قد يكون هو من ألقى الشبكة أو فرد آخر من أفراد الفريق، من القفز على الأرض. ويركض المهاجم نحو الغزال ويمسك به بحيث يكون في وضع يمكنه من عصب عينيه ولفه بحبل لرفعه. وتتأرجح المروحية إلى الخلف بعد ذلك بحيث تتيح للمهاجم ربط الحبال بالجانب السفلي من المروحية قبل أن يعود على متنها.
وقد تكون هذه العملية قاسية على الغزال، ووقوع الحوادث يعد أمرا حتميا. ويقول كيفين مونتيث، عالم الأحياء المتخصص في الحياة البرية بجامعة وايومنغ الذي يعمل مع سوير، «إن نسبة تتراوح بين 1 و3 في المائة من الغزلان تهلك أو تصاب عند إلقاء الشباك عليها وأسرها»، مشيرا إلى أن هذا يجب أن يتوقف. مع ذلك يقول باحثون إن «الإمساك بالغزلان بهذه الطريقة يتيح لهم دراسة الغزلان التي تسكن المناطق النائية؛ وإنه لولا تلك الدراسات لظل طريق رحلة الهجرة مجهولا حتى الآن. ولا يحشد العلماء الجهود من أجل الدفع باتجاه تغيير السياسات أو اتخاذ موقف بيئي، لكنهم يدركون أهمية ذلك. لذا عندما أصدروا منشورا بشأن طريق ريد ديزرت - هوباك، أوردوا التحديات العشر الكبرى التي يواجهها طريق الهجرة، والتي يمكن لحماة البيئة العمل على حل بعضها.

* ائتلاف الهجرة
التقت جماعات الحفاظ على البيئة في يوليو (تموز) من أجل مناقشة طريق ريد ديزرت، ومن بينها صندوق الحفاظ على البيئة التي يشتري الأراضي، وجمعية البراري، ومجلس «وايومنغ» للأماكن الخارجية، الذي يركز على الأمور التي تتعلق بالقوانين واللوائح، واتحاد وايومنغ للحياة البرية، ومؤسسة «مولي فاناتيك»، التي لديها قاعدة قوية بين الصائدين. وركز التحالف على التحدي الأكبر الذي يتمثل في حماية طريق الهجرة، والذي يشبه عنق الزجاجة بالقرب من بحيرة فيرمونت.
وتعبر الغزلان في طريق يبلغ عرضه نحو ربع ميل، لكنه يضيق في بعض الأجزاء بحيث لا يتسع إلا لمرور صف واحد. ويقول الائتلاف «إن هذه واحدة من أفضل رحلات الهجرة الباقية».
ويعد الهدف الأصعب طويل المدى بالنسبة إلى الائتلاف هو تغيير إدارة الأراضي المملوكة للدولة من أجل زيادة قيمة طرق الهجرة. وإذا اختار المكتب حماية طريق الهجرة بأكمله، فقد يمثل ذلك سابقة هي الأولى من نوعها تشجع المكتب وهيئات حكومية أخرى على اتخاذ قرارات أخرى مماثلة.
* خدمة «نيويورك تايمز»



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً