لقاء بنيت ـ بايدن: لا تصرف منفرداً ضد إيران... وأميركا لن تضغط فلسطينياً

تفاهمات تفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الحكومتين

زائر داخل مكتبة في القدس الشرقية يتصفح كتاباً للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ.ف.ب)
زائر داخل مكتبة في القدس الشرقية يتصفح كتاباً للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ.ف.ب)
TT

لقاء بنيت ـ بايدن: لا تصرف منفرداً ضد إيران... وأميركا لن تضغط فلسطينياً

زائر داخل مكتبة في القدس الشرقية يتصفح كتاباً للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ.ف.ب)
زائر داخل مكتبة في القدس الشرقية يتصفح كتاباً للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ.ف.ب)

في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بنيت، خلال عودته من واشنطن، أمس الأحد، أنه حقق كل ما كان يرغب به في زيارته إلى الولايات المتحدة ولقاءاته مع الرئيس جو بايدن والمسؤولين الآخرين، كشفت مصادر مقربة منه، أن صفحة جديدة قد فتحت في العلاقات بين الحكومتين وضعت حداً للخلافات التي سادت في زمن بنيامين نتنياهو، وأن الطرفين توصلا إلى سلسلة تفاهمات مهمة تعزز التنسيق في القضايا الأساسية.
وقالت هذه المصادر إن تقارباً بارزاً تم في الموضوع الإيراني، إذ إن بنيت تعهد بالامتناع عن التصرف المنفرد وأبدى استعداداً إسرائيلياً لأول مرة، بعدم عرقلة التوصل إلى اتفاق نووي في حال جرت مفاوضات كهذه بين الدول الكبرى وطهران، وتعهد بإجراء مداولات في الموضوع الإيراني، فقط، من خلال حوار سري. وبالمقابل تعهد بايدن بالسعي إلى اتفاق مختلف عن الاتفاق السابق يشمل بنوداً تطلبها إسرائيل، وتعهد علناً باللجوء إلى خيارات عسكرية في حال فشل الجهود الدبلوماسية.
في المقابل، تعهد بنيت بتخفيف مصاعب الشعب الفلسطيني، مقابل تعهد بايدن بعدم ممارسة ضغوط على إسرائيل ولا حتى في البناء الاستيطاني «الذي سيكون محدوداً ومقصوراً على البناء لأغراض التجاوب مع احتياجات التكاثر الطبيعي للمستوطنين»، وتأخير افتتاح القنصلية الأميركية في القدس. وتعهد بنيت باتخاذ قرارات تحد من عمق التعاون الإسرائيلي مع الصين والأخذ بالاعتبار المصالح الأميركية في الموضوع.
وقبل أن يصل بنيت إلى تل أبيب، فجر اليوم الاثنين، كان حزب الليكود المعارض، بزعامة بنيامين نتنياهو، قد شن حملة هجوم شديدة على بنيت، واتهمه بالمساس بأمن إسرائيل. وكتب الليكود عبر حساباته على «تويتر» و«فيسبوك» و«إنستغرام»، إنه «من أجل صورة في البيت الأبيض تراجع بنيت بشكل كامل أمام بايدن، ومس بأمن إسرائيل عندما تعهد بألا يحارب علناً ضد عودة إيران إلى الاتفاق النووي». واعتبر الليكود أن «هذا القرار خطير يدمج ما بين انعدام الخبرة، وانعدام المسؤولية وانعدام القدرة القيادية. وإيران تسير بسرعة إلى القنبلة، والحكومة الضعيفة في إسرائيل أثبتت أنها لا تعتزم محاربتها».
وطال هجوم الليكود الرئيس بايدن نفسه، إذ نشرت عضو الكنيست من الليكود، غاليت ديستال أتبريان، مقطع فيديو من اللقاء بين بنيت والرئيس الأميركي، جو بايدن (79 عاماً)، يبدو فيه الأخير كأنه غفا أثناء إلقاء بنيت كلمته. وكتبت ديستال أتبريان: «لسبب ما نامت وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها ولم تنتبه إلى هذا المقطع التاريخي». وكتب متابعون، أن «الرجل نام ولا يكترث». وصرح وزير المخابرات السابق، إيلي كوهن، وهو أيضاً من الليكود، بأن «حديث بنيت عن نجاحاته هو أضغاث أحلام. فالرئيس بايدن كان نائماً».
وقالت مصادر في الليكود إن الهجوم على لقاءات بنيت، تعود إلى القناعة التي سادت في صفوف المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين خلال الزيارة، بأن أهم ما في لقاء بايدن وبنيت، أنهما توصلا إلى مبدأ مشترك هو العمل المشترك على ألا يعود نتنياهو إلى الحكم. وأكدت أن «ما أراده بايدن من هذا اللقاء هو أن يعرف المزيد عن بنيت ووضع حكومته وصيانة ائتلافها، لسبب واحد، وهو التأكد من ألا يعود نتنياهو، خصم الحزب الديمقراطي، إلى الحكم».
وكان بنيت قال في تصريحات أدلى بها قبل إقلاع طائرته وخلال عودته مع الصحافيين: «حققنا جميع الأهداف التي حددناها لهذه الزيارة وحتى أكثر من ذلك. اتفقنا مع الأميركيين على عمل استراتيجي مشترك من أجل وقف السباق الإيراني نحو النووي. حققنا خطوة ملموسة فيما يخص التزود بالأسلحة وتعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية. وحققنا أيضاً التقدم في موضوع يشغل الكثير من الإسرائيليين وهو الإعفاء من الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. وكما سمعتم، الرئيس بايدن أوعز، لأول مرة، بالمضي قدماً وبإغلاق هذا الملف في أسرع وقت ممكن».
وفي الموضوع الفلسطيني، كتب كبير كتاب الأعمدة في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، الذي رافق بنيت في زيارته: «من ناحية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لم يتوصل لقاء بايدن وبنيت إلى أي جديد، فقد سعى مستشارو بنيت إلى إقناع مستشاري بايدن، من البداية وقبل عقد لقاء القمة، بضرورة لجم انتقاداتهم لسياسة إسرائيل في الضفة الغربية قدر الإمكان حول قضايا مثل استهداف المدنيين، وهدم بيوت المخربين، مصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات». وأضافوا أن «أي شكوى أميركية ستؤدي إلى ضغوط على الجناح اليساري في الحكومة. والنتيجة ستكون أزمة داخلية تهدد بسقوطها».
وأضاف برنياع أن «الانتقادات لإسرائيل في القضية الفلسطينية في أثناء اللقاء كانت صغيرة للغاية، وليس أكثر من ضريبة كلامية تجاه اليسار في الحزب الديمقراطي». وكرر البيت الأبيض تأييد بايدن لحل الدولتين ودعا إلى الامتناع عن «أعمال تثير توتراً وتسهم في الشعور بانعدام النزاهة وتمس بجهود التوصل إلى الثقة». وحسب برنياع، فإن «إدارة بايدن لن تكافح سياسة الستاتوسكوو التي يتبعها بنيت. وحتى القنصلية الأميركية العامة في القدس، وهي عملياً سفارة للفلسطينيين، التي أعلنت الإدارة عن استئناف عملها، لن تعود إلى العمل في المستقبل القريب. وستغرق بفذلكات دبلوماسية».
في السياق، كتب المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن «بنيت ناور بشكل جيد في حدود المساحة الضيقة التي خُصصت له، بسبب الاعتبارات التي يفرضها عليه الائتلاف مع أحزاب يمينية ويسارية. وتصريحاته لصحيفة (نيويورك تايمز) بأن حكومته لن تقيم دولة فلسطينية لم تسر الديمقراطيين، لكن طالما أن الجانب الفلسطيني لا يظهر حماسة زائدة لاستئناف مفاوضات جدية، يبدو أن الأميركيين لن يسارعوا إلى ممارسة ضغوط على بنيت في الموضوع». وتابع هرئيل أن «الخطر، كالمعتاد، يكمن في تطورات ميدانية، مثل عملية عسكرية أخرى للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، أو تفكك تدريجي للسلطة في الضفة مع حلول نهاية عهد محمود عباس، من شأنها أن تلزم الأميركيين إظهار تدخل أكبر وربما استئناف الضغط على إسرائيل».



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».