رهانات ماكرون في العراق... وثوابت باريس

سعى لطمأنة العراقيين بأن سيناريو أفغانستان لن يتكرر في بلادهم

TT
20

رهانات ماكرون في العراق... وثوابت باريس

ليس إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الوحيد الذي زار العراق؛ فقد سبقه إليه الرئيسان نيكولا ساركوزي اليميني وفرنسوا هولاند الاشتراكي. لكن كلاً من الرئيسين المذكورين لم يصب النجاح الذي أصابه ماكرون في اليومين الأخيرين بأن يكون الرئيس الغربي الوحيد في قمة الجوار العراقي التي ضمت 9 دول ومنظمات إقليمية ودولية.
لم يكن ماكرون ضيفاً كبقية الضيوف. فمصادر الإليزيه حرصت على تأكيد أن فكرة المؤتمر ولدت قبل عام من خلال مناقشات ماكرون مع المسؤولين العراقيين الذين يتوافدون على باريس تباعاً؛ وآخرهم كان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي. كذلك، فإن الدبلوماسية الفرنسية «عملت» في الأشهر الأخيرة على توفير أوسع وأعلى المشاركات، وساهمت في التحضير للمؤتمر وإنجاحه. ولذا، ليس من المبالغة أن يشكر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ضيفه الفرنسي لأنه ساعده شخصياً وسياسياً ووفر له الدعم وساعد العراق بشكل عام على أن تتحول بغداد إلى فضاء يجمع الأخصام والأضداد، وأن تنقلب من ساحة لتصفية الخصومات إلى فضاء للحوار. وإذ توكد مصادر رسمية في باريس أن المؤتمر، مع ماكرون أو من دونه، لا يعني مطلقاً أن أزمات مثل الحرب على الإرهاب، وإشكالية «النووي الإيراني»، أو برنامج طهران الباليستي، أو المخاوف الخليجية من تغلغل النفوذ الإيراني مباشرة أو عبر وكلاء طهران في العديد من العواصم العربية، أو طبيعة الدور التركي وطموحات أنقرة... وغير ذلك من التوترات، ستنتهي بين ليلة وضحاها؛ فإن انعقاد المؤتمر ووجود الجميع في قاعة واحدة واللقاءات الهامشية التي حدثت، كلها تصب في تيار تهدئة الأزمات والمخاوف، ولا شك أنها ستشكل، وفق المصادر المشار إليها، «استثماراً للمستقبل». وفي أي حال؛ فإن ماكرون استخدم علاقاته الموصولة مع الجميع خليجياً وعربياً وإقليمياً «حتى مع إيران التي هاتف رئيسها الجديد إبراهيم رئيسي قبل أيام قليلة، ومع تركيا التي تراجع التوتر بينه وبين رئيسها طيب رجب إردوغان»، من أجل تلافي المسائل الخلافية والتركيز على ما يجمع بين الأطراف وعنوانه الأول «مواصلة محاربة الإرهاب».
من نافلة القول الإشارة إلى أن قمة بغداد جرت في ظل تطور الأحداث الدراماتيكية في أفغانستان عقب القرار الأميركي الانسحاب من هذا البلد بالطريقة التي تم بها والمخاوف التي يثيرها عراقياً وسورياً وخليجياً من أن يتكرر النهج الأميركي في الإقليم. من هنا أهمية الالتزام الذي شهره ماكرون إزاء العراقيين وأكد عليه أكثر من مرة. وقال ماكرون في مؤتمره الصحافي مساء السبت: «أريد أن أؤكد هنا على التزام فرنسا بأن انخراطها في الحرب على الإرهاب لا يرتبط بأي قرار آخر؛ بل فقط بطبيعة الوضع الميداني وحاجات العراق». وأضاف لمزيد من الإيضاح: «مهما يكن القرار الأميركي (في إشارة إلى انسحاب أميركي محتمل) فإن فرنسا ستبقي على وجودها العسكري» في العراق، وثمة شرطان فقط يتأثر بهما قرارنا: مواصلة الحرب على الإرهاب من جهة؛ ومطلب الحكومة العراقية».
وبكلام آخر، سعى ماكرون لطمأنة العراق والجوار بأن السيناريو الأفغاني لن يتكرر في العراق وأن التزام فرنسا تام بـ«استقرار العراق»؛ ليس فقط لجهة فلول «داعش» الذي ما زال ينشط في عدد من المناطق العراقية؛ ولكن أيضاً لجهة الضغوط التي تمارسها الميليشيات المرتبطة بإيران على الدولة العراقية. كما أن ماكرون يريد أن يقول إن تعاطي بلاده مختلف عن التعاطي الأميركي. وسبق لفرنسا أن انتقدت بشدة تخلي واشنطن عن حلفائها من «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية إفساحاً للمجال لاجتياح الجيوش التركية، بدعم ميليشيات سورية، لمناطق واسعة شمال وشمال شرقي سوريا.
كانت هذه رسالة ماكرون الأقوى. لكن ثمة رسالة أخرى ليست أقل أهمية وعنوانها انفتاح باريس على الجميع: أولاً؛ على الحكومة المركزية في بغداد وواجهتها اليوم رئيسها الكاظمي الذي تجاوز البروتوكول وذهب شخصياً لاستقبال ماكرون في المطار ليل الجمعة ورافقه في اليوم الثاني إلى الكاظمية بينما كان من المفترض أن يقوم بذلك رئيس الجمهورية برهم صالح. يضاف إلى ذلك الانفتاح على الأكراد الذين حظوا دوماً ومنذ عقود برعاية فرنسية؛ ومن هنا، أهمية زيارته أربيل ولقائه رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وعمه الشخصية «التاريخية» مسعود بارزاني، رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني». ولا بد من الإشارة إلى أن المسؤولين الأكراد سارعوا إلى العاصمة الفرنسية بعد الاستفتاء على الانفصال ليطلبوا توسط باريس مع بغداد وهو ما حصل.
ولم ينس ماكرون أي مكون سياسي أو ديني أو إثني، فالتقى المسيحيين، وزيارته كاتدرائية «نوتردام الساعة» في الموصل خير دليل على ذلك، مثل دليل زيارته «مسجد النوري»، وكذلك التقاؤه ممثلين عن الإيزيديين وحواره مع الشباب والطلاب في جامعة الموصل. وأراد ماكرون التأكيد على تمسكه بعراق غني بتنوعه الثقافي والديني والإثني بوجه الدعوات المتطرفة التي تصدر بين الحين والآخر. وواضح أن كل ما قام به ماكرون خلال الساعات الثماني والأربعين في العراق يصب في مصلحة ترميم صورة الدولة والدفع لتوفير استقرارها وهي على مسافة 40 يوماً من الانتخابات التشريعية.



وزراء عرب يناقشون خطة إعمار غزة مع مبعوث ترمب

جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
TT
20

وزراء عرب يناقشون خطة إعمار غزة مع مبعوث ترمب

جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)

ناقشت اللجنة الوزارية الخماسية بشأن غزة، الأربعاء، مع ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، خطة إعادة إعمار القطاع التي أقرتها القمة العربية الطارئة في القاهرة بتاريخ 4 مارس (آذار) الحالي.

جاء ذلك خلال اجتماع استضافته الدوحة، بمشاركة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، والدكتور أيمن الصفدي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، والدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري، وخليفة المرر وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية، وحسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وبحث المشاركون تطورات الأوضاع في غزة، واتفقوا على مواصلة التشاور والتنسيق بشأن الخطة كأساس لجهود إعادة إعمار القطاع، بحسب بيان صادر عن الاجتماع.

بدر عبد العاطي يلتقي ويتكوف على هامش الاجتماع في الدوحة (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي ويتكوف على هامش الاجتماع في الدوحة (الخارجية المصرية)

وأكد الوزراء العرب أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مشددين على ضرورة إطلاق جهد حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، بما يضمن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

وجدَّدوا تأكيد الحرص على استمرار الحوار لتعزيز التهدئة، والعمل المشترك من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية، والتنسيق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.

وسبق الاجتماع لقاء للوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني، في الدوحة، بحثوا خلاله «سبل الترويج وحشد التمويل للخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، لا سيما في ظل استضافة مصر للمؤتمر الدولي لإعادة الإعمار بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية، وبحضور الدول والجهات المانحة»، بحسب الخارجية المصرية.

من لقاء الوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني في الدوحة (الخارجية المصرية)
من لقاء الوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني في الدوحة (الخارجية المصرية)

كان الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة (غرب السعودية)، الجمعة الماضي، قد أكد دعم الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، مع التمسُّك بحق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه.

ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في تصريحات أعقبت «اجتماع جدة»، إن الخطة أصبحت عربية - إسلامية، بعد تبنّي واعتماد «الوزاري الإسلامي» جميع مخرجات «قمة القاهرة»، مؤكداً السعي في الخطوة المقبلة لدعمها دولياً، عبر تبنيها من قِبل الاتحاد الأوروبي والأطراف الدولية؛ كاليابان وروسيا والصين وغيرها، للعمل على تنفيذها.

بدر عبد العاطي خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الإسلامي بمحافظة جدة (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الإسلامي بمحافظة جدة (الخارجية المصرية)

وأشار الوزير المصري إلى تواصله مع الأطراف الدولية بما فيها الجانب الأميركي، وقال إنه تحدّث «بشكل مسهب» مع مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط عن الخطة بمراحلها وجداولها الزمنية وتكاليفها المالية. وأضاف أن ويتكوف تحدث عن عناصر جاذبة حولها، وحسن نية وراءها.

إلى ذلك، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، في بداية اجتماع بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء الآيرلندي مايكل مارتن: «لن يطرد أحد أحداً من غزة».

من جهته، دعا رئيس الوزراء الآيرلندي خلال لقائه ترمب، إلى وقف إطلاق النار في غزة، وقال: «نريد السلام، نريد إطلاق سراح الرهائن»، مضيفاً: «يجب إطلاق سراح جميع الرهائن، ويجب إدخال المساعدات إلى غزة».