رحيل حسين حبري بعد ثماني سنوات من حكم تشاد بالحديد والنار

الرئيس التشادي السابق حسين حبري يرافقه ضباط عسكريون خلال محاكمته عام 2013 في داكار (أ.ف.ب)
الرئيس التشادي السابق حسين حبري يرافقه ضباط عسكريون خلال محاكمته عام 2013 في داكار (أ.ف.ب)
TT

رحيل حسين حبري بعد ثماني سنوات من حكم تشاد بالحديد والنار

الرئيس التشادي السابق حسين حبري يرافقه ضباط عسكريون خلال محاكمته عام 2013 في داكار (أ.ف.ب)
الرئيس التشادي السابق حسين حبري يرافقه ضباط عسكريون خلال محاكمته عام 2013 في داكار (أ.ف.ب)

حياة رئيس تشاد الأسبق حسين حبري تلخص لوحدها وإلى حد بعيد تاريخ أفريقيا لما بعد الاستقلال. فالرجل الذي توفي أول من أمس بوباء كوفيد في أحد مستشفيات دكار، عاصمة السنغال، سلك مساراً قاده إلى السلطة عبر انقلاب عسكري وأخرج منها بانقلاب عسكري آخر. وما بين الانقلابين، تحول إلى ديكتاتور حكم بلاده بالحديد والنار ولعب على وتر التنافس بين القوى الغربية متنقلاً من حضن فرنسا إلى حضن الولايات المتحدة الأميركية.

تحول إلى بطل قومي لأنه قارع العقيد معمر القذافي الذي رأى أن من المفيد احتلال شمالي تشاد والتدخل في شؤونها الداخلية مستخدماً اللعبة القبلية. وفي فترة من حكمه، تحول حبري إلى شخصية فتحت أمامها أبواب مراكز السلطة. صورته إلى جانب الرئيس الأميركي الأسبق رونالد يغان في المكتب البيضاوي شهيرة وكما أنها شهيرة صورته إلى جانب الرئيس الفرنسي الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران في قصر الإليزيه. ثم إن صداقاته لم تتوقف عند هذا الحد. أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق تواصل معه وكذلك فعل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسن حسين الذي دعمه بالكثير من المال. والأمر عينه يصح على سيسي سيكو موبوتو، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية.

كانت تلك فترة الصعود التي واكبت وأعقبت الحرب الليبية - التشادية. والكثير من الدعم الذي تلقفه حبري لم يكن حباً به وتقديراً لأهمية تشاد السياسية والاستراتيجية بقدر ما كانت رغبة في إضعاف الزعيم الليبي الذي نصب نفسه لاحقاً «إمبراطور أفريقيا». بيد أن دولاب الزمن دار دورته. ولأن حبري الذي تلقى تعليمه الجامعي في فرنسا وحظي بدعمها، ارتمى في الحضن الأميركي وأدار ظهره لباريس، فإن الأخيرة لم تتردد في دعم غريمه الجنرال أدريس ديبي. باريس كانت تملك الأداة العسكرية للتدخل المباشر بفضل أجهزة مخابراتها في البلاد وخصوصاً بفضل القاعدة العسكرية الرئيسية التي تحتفظ بها «حتى اليوم» في مستعمرتها السابقة. وسريعاً، انهار حكم حبري في المواجهة التي قادها ضده شريكه السابق ديبي الذي سبق له أن أولاه أعلى المناصب العسكرية قبل أن ينفصل عنه ويلاحقه. وليس سراً أن المخابرات الفرنسية وقوات باريس المرابطة في تشاد كانت عوناً للأخير الذي حظي أيضاً بدعم ليبي وسوداني. وثمة واقعة معروفة وهي أن مدير المخابرات الخارجية الفرنسية كلود سيلبرزان أقنع الرئيس فرنسوا ميتران بأن حبري انقلب على باريس ووضع نفسه في حضن واشنطن وحثه على دعم أدريس ديبي الذي تلقى تعليمه العسكري في المدارس الحربية الفرنسية. وهذا ما حصل، فقد انهارت قوات حبري أمام المتمردين المتدفقين من شمال تشاد الذين قادهم ديبي حيث لقي حتفه في شهر أبريل (نيسان) الماضي وهو يحاول التصدي لمتمردين كانوا يتوجهون جنوباً للوصول إلى العاصمة.

بعد هزيمته في ساحة القتال، هرب حبري إلى السنغال. وسريعاً، لاحقه القضاء التشادي وأصدر عليه غيابياً حكماً بالإعدام. ولأن السلطات السنغالية رفضت استرداده، فقد انتهى به الأمر إلى المثول أمام محكمة خاصة أفريقية في العاصمة السنغالية أصدرت عليه حكماً بالسجن مدى الحياة. وكان يقضي محكوميته في أحد سجون العاصمة عندما أصابه وباء كوفيد 19، ولم يجد نفعاً إخراجه من السجن إلى المستشفى في إنقاذه فتوفي عن عمر ناهز الـ79 عاماً تاركاً وراءه الآلاف من الذين اضطهدهم طيلة سنوات حكمه. وعنه يقول ريد برودي، عضو لجنة العدل الدولية التي تساعد الضحايا منذ 1999 عن «حزنه لإعلان وفاة حبري جراء كوفيد»، مضيفاً في رسالة إلكترونية: «مضت أشهر ونحن نطالب بتلقيح حبري». وأردف ريدي، وفق ما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية: «سيبقى حبري في التاريخ أحد الديكتاتوريين الأكثر وحشية بوصفه رجلاً ذبح شعبه للاستيلاء على السلطة والبقاء فيها، وأحرق قرى بكاملها، وحكم على نساء بأن يكن في خدمة جنوده وأقام مخابئ مارس فيها صنوفاً من التعذيب بحق أعدائه تذكر بالقرون الوسطى». وقال وليم بوردون، أحد محامي ضحايا حبري إن الأخير «أحد أكثر الجزارين دموية في التاريخ».

إذا كان حبري قد احتل لعشر سنوات على الأقل المشهد العسكري والسياسي في تشاد، فذلك يعود بالدرجة الأولى لمؤهلاته الخاصة ولقدرته على استخدام العصب القبلي والتجاوب مع رغبات حماته من الغربيين. فقد نشأ حبري في صحراء جوراب الواقعة شمال تشاد، وسط بيئة رعاة يتنقلون مع قطعانهم في مساحات شاسعة. لكن حبري دخل المدرسة وحظي برعاية خاصة من أساتذته. ولما كانت السلطات التشادية بصدد إيلاء الوظائف إلى تشاديين بعد انتهاء الاستقلال عن فرنسا، فقد حظي الشاب حبري بتعيينه مساعدا لمحافظ ولاية موسورو. إلا أنه لاحقاً انتقل إلى فرنسا حيث درس في معاهدها «معهد الدراسات العليا لما وراء البحار ومعهد العلوم السياسية في باريس»، الأمر الذي مكنه من نسج علاقات ساعدته لاحقا في حياته السياسية وفي مسيرته نحو السلطة. وعقب عودته إلى تشاد في عام 1972، التحق حبري بـ«جبهة التحرير الوطنية» التي كانت تحارب النظام القائم المتهم باتباع سياسة تمييزية ضد قبائل الشمال والوسط من «التوبو». بعدها، عمد حبري إلى تأسيس «القوات الوطنية التشادية» التي تشكلت في أكثريتها من عناصر قبلية من «التوبو». ولم تتردد في ممارسة عمليات الخطف في السبعينات، في منطقة التيبستي «شمال تشاد» للحصول على الأموال. ومن الذين خطفتهم طبيب ألماني وموظف حكومي فرنسي وأشهرهم عالمة الأركيولوجيا فرنسواز كلوستر وزوجها. وينسب لحسين حبري تعذيب وقتل الكومندان الفرنسي غالوبان في شهر أبريل من عام 1975 الذي أرسل للتفاوض معه من أجل الإفراج عن الرهينتين الأخيريين.

استطاع حبري، بفضل قوات «جبهة التحرير» التي أسسها وقادها أن يفرض نفسه طرفاً سياسياً رئيسياً. لذا، عينه الرئيس فيليكس ملوم في أغسطس (آب) من عام 1878 رئيسا للوزراء وقد مارس هذا المنصب لأقل من عام. بعد ذلك، أسس حبري «مجلس قيادة قوات الشمال» الذي تحول لاحقاً إلى «قوات الشمال المسلحة». ولأنه كان طامعاً بالسلطة، فقد قام بانقلاب أطاح بالرئيس غوكوني عويدي في 7 يونيو (حزيران) 1982. وبوصوله إلى السلطة، عمد إلى احتلال منصب رئيس الجمهورية وإلى إلغاء رئاسة الوزراء ولاحق معارضيه السياسيين وأجهز على الكثير منهم مدشناً بذلك حكماً متسلطاً كان عماده «مديرية التوثيق والأمن» أي البوليس السياسي المسؤولة عن آلاف حالات التعذيب والخطف والقتل خلال سنوات حكم حبري التي دامت حتى أواخر عام 1990، إلا أن عويدي الذي كان يرأس حكومة «الاتحاد الوطني الانتقالية» فر إلى الشمال حيث حصل على دعم ليبي وكانت طرابلس قد احتلت شريط عوزو الذي كانت تعتبره أرضاً ليبية.

وتحولت المناوشات إلى حرب حقيقية بين القوات الليبية والتشادية التي حسمت لصالح الثانية بفضل الدعم الأميركي والدور الحيوي الذي لعبته القوة الجوية الفرنسية في إطار «عملية أيبرفيه» العسكرية. وثمة معلومات عن قيام الطرف الأميركي بإنشاء قاعدة تدريب سرية على الأراضي التشادية لعناصر من الأسرى الليبيين الذين استسلموا لمحاربة نظام العقيد القذافي وبينهم خليفة حفتر. وانتهت الحرب في عام 1987 باستعادة القوات التشادية كامل الأراضي بما فيها شريط عوزو البالغ عرضه مائة كلم. عقبها وبعد أشهر قليلة، تم تطبيع العلاقات بين طرابلس ونجامينا.

إذا كان أنصار حبري ينظرون إليه على أنه شخصية استثنائية نجح في إقامة دولة وحافظ على وحدتها وعمد إلى تحديث مؤسساتها، إلا أن المرجح أن ما سيحفظه التاريخ عنه أنه كان ديكتاتورياً متسلطاً لا يرتدع أمام أي وسيلة للحفاظ على مركزه وحكمه. حبري كان يقضي عقوبة السجن لمدى الحياة في سجن سنغالي بعد أن أدانته محكمة سنغالية - أفريقية في دكار بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم اغتصاب وإعدامات وعبودية وخطف. وقدرت لجنة تشادية بأربعين ألف شخص، عديد ضحايا القمع الذي مارسه نظام حبري. إلا أن سنوات كثيرة قضاها الأخير في السنغال دون أن يرف له جفن رغم الضغوط الدولية والمحاكمة الغيابية في نجامينا التي أصدرت ضده حكماً بالإعدام. إلا أن الأمور أخذت بالتغير بعد 13 عاماً من لجوئه إلى السنغال حيث إن الضغوط الدولية أفضت إلى توقيفه في عام 2013 ثم إلى تشكيل محكمة أشئت بالتعاون بين السنغال والاتحاد الأفريقي. وصدر حكم نهائي بالسجن مدى الحياة في 30 مايو (أيار) من عام 2016. ورفض حبري طوال فترة المحاكمة أن يتكلم أو أن يمثله أحد أمام سلطة قضائية ظل يرفضها. وواصل أنصاره المطالبة بالإفراج عنه فيما كان بالسجن في داكار. وتم الإفراج عنه لمدة شهرين بإذن خاص السنة الماضية بهدف حمايته من فيروس كورونا. وطالبت عائلته ومحاموه منذ أشهر باعتماد نظام سجن آخر غير الاعتقال بسبب سنه وتدهور وضعه الصحي. وحذروا من احتمال إصابته بكوفيد - 19 في السجن. ووافق القضاء السنغالي في أبريل 2020 على السماح له بالخروج من السجن لمدة 60 يوماً بسبب مخاطر تعرضه للفيروس. وعاد آنذاك إلى منزله في داكار تحت حراسة دائمة. ولاحقاً، أرجع حبري إلى سجن كاب مانويل، الواقع في قلب العاصمة دكار. وبعد تدهور حالته الصحية، أدخل قبل أيام إلى المستشفى حيث توفي. ورحل حبري دون أن ينفذ حكم المحكمة التي طلبت منه دفع تعويضات لضحايا القمع تصل قيمتها إلى 125 مليون دولار. وتؤكد لجنة عن أهالي الضحايا أنه حمل معه ثروة طائلة وبالتالي يتعين أن ينفذ حكم المحكمة.
 



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».