الانقلابيون ينهبون 20% من عائدات المنشآت الطبية في صنعاء

TT

الانقلابيون ينهبون 20% من عائدات المنشآت الطبية في صنعاء

لجأت الميليشيات الحوثية أخيراً إلى الاستيلاء على 20 في المائة من الدخل المالي للمستشفيات والمراكز والعيادات الطبية والمختبرات ومعامل الأشعة العاملة في العاصمة المختطفة لمصلحة قادة الجماعة وكبار مشرفيها المنتمين إلى سلالة زعيمها عبد الملك الحوثي.
وأكدت مصادر ذات علاقة، أن التعسف الحوثي ضد المنشآت الطبية رافقه فرض الجماعة منذ مطلع الشهر الحالي على ملاك كبرى المشافي والمراكز الصحية والمختبرات والعيادات الطبية الأهلية، دفع رواتب شهرية للمئات من عناصر الميليشيات.
وتحدثت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن عناصر الجماعة نفذوا حملات ميدانية طيلة الأسبوعين المنصرمين، وألزموا ملاك أكثر من 80 مستشفى خاصاً و960 مركزاً صحياً و195 مركز أشعة ومختبراً و890 عيادة طبية خاصة بوضع كاميرات مراقبة بمكاتب المحاسبين للرجوع إليها في حال وجود شكوك حوثية بالتلاعب بالإيرادات.
في غضون ذلك، عدّ عاملون صحيون في صنعاء، أن حملة الاستهداف الحوثية الجديدة تأتي في وقت لا يزال فيه القطاع الصحي بمناطق سيطرتها يعاني من عمليات تدمير وعبث وابتزاز منظم.
وشكا ملاك منشآت طبية في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، من معاودة الجماعة شن حملات ابتزاز جديدة بحقهم، وآخرها إجبارهم على دفع 20 في المائة من أموالهم لمصلحة سلالة زعيمها عبد الملك الحوثي تحت مسمى «الخمس».
وقالوا إنه «سبق للميليشيات وتحت ذرائع عدة أن شنّت حملات استهداف واسعة أسفرت إحداها عن إغلاق أكثر من 110 منشآت طبية وصحية خاصة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الميليشيات».
وأكد عاملون في القطاع الصحي، أن الجماعة الحوثية عادت من جديد إلى انتهاج فرض الجبايات غير القانونية على القطاع الصحي الخاص، وهو ما انعكس سلباً فيما بعد على المستهلك من خلال رفع أسعار الخدمات المقدمة للمرضى.
على الصعيد ذاته، اتهمت تقارير محلية الجماعة الحوثية برفع رسوم تراخيص مزاولة المهنة في القطاع الصحي بمناطق سيطرتها إلى أضعاف ما كانت عليه في السابق؛ الأمر الذي تسبب في لجوء مُلاك المنشآت الصحية إلى رفع رسوم خدماتها على المواطنين.
وأوضحت التقارير، أن الجماعة الانقلابية رفعت الرسوم على المستشفيات الخاصة إلى أكثر من مليون ريال بينما كانت قبل الانقلاب لا تتجاوز مبلغ 200 ألف ريال، في حين رفعت رسوم تراخيص مزاولة المهنة لكل طبيب إلى 40 ألف ريال، مقارنة بـ1500 ريال فقط قبل الانقلاب (الدولار نحو 600 ريال في مناطق سيطرة الجماعة).
وكانت دراسة محلية عن واقع الخدمات الأساسية أشارت في وقت سابق إلى أن الخدمات الصحية التي يقدمها القطاع الخاص ارتفعت خلال السنوات الماضية بنحو 109 في المائة مقارنة بـديسمبر (كانون الأول) 2014.
وقالت الدراسة الصادرة عن وزارة التخطيط وبتمويل من «اليونيسف»، إن شريحة الفقراء التي تشكل السواد الأكبر من السكان تواجه صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية، خاصة في ظل التكلفة العالية لخدمات المرافق الصحية الخاصة، حيث أصبحت 3 فقط من كل 10 ولادات تتم في المرافق الصحية وفي كل ساعتين تموت امرأة و6 أطفال حديثي الولادة بسبب التعقيدات أثناء الحمل والولادة. وأشارت إلى ارتفاع عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة الصحية في اليمن من 8.4 مليون شخص في ديسمبر 2014 إلى 19.7 مليون شخص في ديسمبر 2018، بمعدل زيادة 134.5في المائة. في حين أكدت تقارير محلية، أن غالبية السكان اليمنيين لديهم إمكانية محدودة للوصول إلى الخدمات الصحية نتيجة للظروف الاقتصادية القاسية بفعل الانقلاب وما لحقه من سياسة عبث ونهب وتدمير حوثي منظم طال ذلك القطاع برمته.
وتأتي تلك السلسلة من الاستهدافات الحوثية ضد القطاع الطبي في وقت شكا فيه عاملون في هذا القطاع الخاضع لسيطرة الجماعة من إجراءات تعسفية جديدة فرضها عليهم الحوثي طه المتوكل المعين من قبل الجماعة وزيرا للصحة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها.
وذكر بعض الموظفين لـ«الشرق الأوسط»، أن إجراءات الانقلابيين تضمنت إلزامهم بالدوام الإضافي يومياً حتى الخامسة مساءً دون أي مقابل، مشيرين في الصدد ذاته إلى أن تعسفات القيادي الحوثي طه المتوكل تهدف إلى مضايقة الموظفين واستبدالهم بعناصر حوثيين.
وأكدوا أن تلك الممارسات فاقمت من الاحتقان والسخط في أوساطهم ضد المدعو المتوكل لتضاف إلى قائمة طويلة من ممارسات الفساد والعبث التي ارتكبها في سبيل استكمال تطييف القطاع الصحي.
وكانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أعلنت في تقرير حديث لها عن توثيقها لأكثر من 4 آلاف انتهاك حوثي طالت المرافق والقطاعات الصحية في 15 محافظة، خلال الفترة من مايو (أيار) 2017 وحتى الشهر نفسه من العام الحالي.
وقالت الشبكة، إن انتهاكات الجماعة التي تعددت بصور مختلفة تركزت في محافظات العاصمة صنعاء وريفها، وعمران، وحجة، وصعدة، ومأرب، والجوف، والمحويت، والبيضاء، وذمار، وإب، وريمة، وتعز، والحديدة، ولحج.
وأكدت الشبكة الحقوقية، أنها وثقت 4121 انتهاكاً طالت المرافق الصحية والمستشفيات والعاملين في المجال الصحي، وقد شملت الانتهاكات تلك، القتل المباشر للكادر الطبي والمسعفين والإصابات وجرائم الاعتقال والإخفاء القسري التي طالت الأطباء والممرضين.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.