توزيع الحقائب قبل الأسماء من أولويات الرئيس المكلف

«حزب الله» يتمايز عن باسيل وتبقى العبرة في تأليف الحكومة

TT
20

توزيع الحقائب قبل الأسماء من أولويات الرئيس المكلف

يدخل لبنان مع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة في مرحلة سياسية جديدة مدعوماً، كما يقول، بضمانات خارجية لإخراجه من أزمته تتوقف على مدى استعداد رئيس الجمهورية ميشال عون لتقديم التسهيلات للإسراع بتشكيلها وهذا يحتّم عليه تجاوزه لعناده ومكابرته التي كانت وراء اضطرار الرئيس سعد الحريري للاعتذار عن عدم تشكيلها استجابة لطلب وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي أقفل الأبواب في وجه تشكيلها.
فالرئيس ميقاتي يبدي مرونة وانفتاحاً للتعاون مع عون، وتؤكد مصادر مقربة من رؤساء الحكومات السابقين أن الكرة الآن في مرمى رئيس الجمهورية لما لديها من مخاوف - كما تقول لـ«الشرق الأوسط» - من أن ينتهي لبنان قبل أن ينهي عون ولايته الرئاسية انطلاقاً من تقديرها بأنه دفع ثمن الاهتراء الذي أصاب «عهده القوي» ولم يعد له من هموم سوى إنقاذ باسيل.
وبكلام آخر، فإن ضيق الوقت لم يعد يسمح لعون الإمعان في هدر الفرص بعد أن قرر المجتمع الدولي أن يعيد النظر في أولويات جدول أعماله حيال لبنان لجهة خروجه من الإرباك الذي أوقعت باريس نفسها فيه عندما ساوت بين من يسهّل تشكيل الحكومة وبين من يعطّلها ووضعت الفريقين في سلة واحدة.
وفي هذا السياق، تلفت المصادر نفسها إلى أن الضمانات الخارجية التي تحدث عنها ميقاتي لإخراج لبنان من أزمته تبقى عالقة على ما سينتهي إليه مشوار تأليف الحكومة الذي انطلق أمس بين عون وميقاتي الذي وضع آلية للتشاور تقوم أولاً على الاتفاق على مبدأ توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، يليها التفاهم على إسقاط أسماء الوزراء على هذه الحقائب على قاعدة عدم الإخلال بتوزيع الحقائب السيادية والإبقاء عليها بالصيغة المعمول بها في الحكومات السابقة.
وتؤكد أن ميقاتي ليس في وارد إعطاء الأولوية للاتفاق على الأسماء لقطع الطريق على إقحام نفسه في دوامة الخلاف على أسماء الوزراء قبل الاتفاق على الإطار العام لتوزيع الحقائب على الطوائف بما يحقق التوازن والمناصفة في توزيعها، وتقول إن البيان الصادر عن رؤساء الحكومات الذين سمّوا ميقاتي لتشكيل الحكومة لا يهدف إلى تطويقه أو شل قدرته على التعاطي بمرونة وانفتاح لإنضاج تشكيلة وزارية وازنة بمقدار ما أن الرؤساء يتمسكون بالثوابت السياسية في مواجهة المحاولات الرامية إلى تعديل الدستور بالممارسة.
وتضيف أن رؤساء الحكومات في بيانهم أقاموا الخطوط الدفاعية لقطع الطريق على من يخطط للإطاحة باتفاق الطائف في ظل ارتفاع منسوب الدعوات للفيدرالية واللامركزية الإدارية الموسّعة التي هي الوجه الآخر لتقسيم لبنان، وتؤكد أنهم أجمعوا على كل ما ورد في البيان الذي لا بد من صدوره في هذا الوقت، وتسأل هل كان باسيل مضطراً للمطالبة مجدداً بتعديل الدستور لجهة تحديد مهلة زمنية لرئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية من يشكّل الحكومة وأخرى للرئيس المكلف لتشكيلها.
وترى أن مطالبته لن ترى النور، خصوصاً في ظل وجود الرئيس ميشال عون الذي كان ولا يزال وراء افتعال العراقيل والعقبات التي دفعت بالحريري ومن قبله السفير مصطفى أديب للاعتذار على أمل ألا تنسحب على ميقاتي الذي يخوض معركة الفرصة الأخيرة لوقف الانهيار.
وتدعو المصادر نفسها إلى عدم الرهان على أن ميقاتي سيدخل في خلاف مع زملائه في نادي رؤساء الحكومات، وتعزو السبب إلى إصراره على أن يكون البيان الصادر عنهم بمثابة الإطار السياسي لتسهيل ولادة الحكومة، وتسأل ما إذا كان الودّ الذي أظهره عون حيال ميقاتي سيترجم إلى خطوات ملموسة أم أنه سيبقى حبراً على ورق، مع أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري نوّه في لقائه برئيس الجمهورية بموقفه الذي صدر عنه أخيراً وتمنّى عليه تطويره بالتعاون مع ميقاتي للإسراع بتشكيل الحكومة، وإن كانت العبرة كما قال تبقى في التأليف، علماً بأن عون حاول خلال الاستشارات ولو متأخراً تمرير رسالة بأنه كان يرغب بالتعاون مع الحريري لكنه لا يعرف طبيعة الظروف السياسية التي دفعته للاعتذار.
لذلك فإن امتناع ثلاث كتل نيابية مسيحية عن تسمية ميقاتي يمكن أن يتفاعل سياسياً إذا أراد «التيار الوطني» ركوب موجة الإخلال بالميثاقية وصولاً إلى تطييف عملية التأليف للضغط على الرئيس المكلف للتسليم ببعض شروطه، رغم أنه يدرك سلفاً بأنه سيصطدم بحائط مسدود لعدم قدرته على تجييش الشارع المسيحي ضد من يمتهن تدوير الزوايا.
إلا أن اللافت كان في امتناع حزب «الطاشناق» عن تسمية ميقاتي بخلاف تسميته للحريري، وهذا ما طرح مجموعة من الأسئلة لتسليط الضوء على الخفايا السياسية التي أملت عليه امتناعه ومنها حرصه على التناغم مع «التيار الوطني» والإبقاء على علاقته مع الحريري لما يتمتع به من حضور انتخابي في الدوائر التي يترشح فيها الحزب وتحديداً في بيروت الأولى وزحلة، وبالتالي يمكنه أن يسوّي لاحقاً علاقته بميقاتي. كما أن «الطاشناق» بامتناعه يريد تمرير رسالة إلى «الحراك المدني» يتطلع من خلالها إلى مغازلته بذريعة عدم تسميته لميقاتي، لذلك فإن لامتناعه اعتبارات انتخابية وشعبوية وسياسية.
أما تسمية «حزب الله» لميقاتي فلم تكن مفاجئة، وكان سمّاه عندما كُلّف بتشكيل الحكومة عام 2011 وأراد هذه المرة الحصول على براءة ذمّة بعدم تعطيل تشكيلها في محاولة للتمايز عن حليفه باسيل من جهة ولتمرير رسالة إلى باريس في هذا الخصوص أراد أن يستبق موقفه باستقبال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد للوفد البرلماني الفرنسي.
وعليه، فإن تسمية الحزب لميقاتي تطرح مدى استعداده لتطوير موقفه باتجاه تسريع ولادة الحكومة في حال أن باسيل لم يبدّل موقفه بذريعة أن ميقاتي هو «الوجه السياسي» لرؤساء الحكومات. ويبقى السؤال عن مصير الضمانات السياسية التي يراهن عليها ميقاتي، وهل تُترجم في تشكيل الحكومة في حال أن عون وباسيل لم يقررا الخروج من دائرة التعطيل التي كانت وراء اعتذار الحريري؟



ميزانية حوثية لكبار القادة وعائلاتهم لتعزيز طرق التخفي والحماية

القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)
القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)
TT
20

ميزانية حوثية لكبار القادة وعائلاتهم لتعزيز طرق التخفي والحماية

القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)
القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)

أفادت مصادر يمنية مطلعة في صنعاء بأن الجماعة الحوثية خصصت ميزانية مالية ضخمة من موارد المؤسسات الحكومية المختطفة، على هيئة نفقات يومية لكبار القادة وأُسرهم، وذلك منذ انتقالهم من صنعاء إلى وجهات غير معلومة ضمن إجراءات احترازية لتجنب الاستهداف المباشر من المقاتلات الأميركية.

وكشفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» عن أن مكتب زعيم الجماعة الحوثية أصدر في أواخر مارس (آذار) الماضي توجيهات إلى وزارة المالية في الحكومة غير المعترف بها، وهيئتي «الزكاة» و«الأوقاف» المستحدثتين، إلى جانب مؤسسات مالية أخرى تُدير أموال الجماعة المنهوبة، بتخصيص مليارات الريالات اليمنية لصالح قادة الصفين الأول والثاني ولأسرهم، لتغطية نفقات فترة اختفائهم عن الأنظار. (الدولار بنحو 535 ريالاً في مناطق سيطرة الجماعة).

ووفق المصادر ذاتها، فقد شددت التوجيهات على أن يُقتطع جزء من هذه الميزانية من التبرعات الشعبية التي جمعتها الجماعة سابقاً في مناطق سيطرتها تحت لافتة دعم القضية الفلسطينية.

وفي وقت تستمر فيه الجماعة في رفضها صرف رواتب الموظفين الحكوميين منذ سنوات، اتهمت مصادر عاملة في وزارة مالية الانقلاب تورط ثلاث قيادات حوثية بارزة هم: محمد علي الحوثي، ومهدي المشاط، وأحمد حامد، في الاستحواذ على النصيب الأكبر من تلك المبالغ المخصصة لكبار القادة.

ضربات أميركية دمّرت ميناء رأس عيسى اليمني الخاضع للحوثيين (رويترز)
ضربات أميركية دمّرت ميناء رأس عيسى اليمني الخاضع للحوثيين (رويترز)

وأكدت المصادر أن القيادي محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، ومهدي المشاط، رئيس مجلس حكمها الانقلابي ومدير مكتبه أحمد حامد، حصلوا على الجزء الأكبر من تلك النفقات، رغم الأوضاع الإنسانية المتدهورة في البلاد.

نهب للموارد

في ظل هذا النهب المنظم للموارد، يعيش أكثر من ثلثي السكان في مناطق سيطرة الحوثيين على حافة الفقر والمجاعة، بينما تستمر الجماعة في التوسع في مشروعها المالي الخاص عبر استغلال الموارد العامة وتوظيفها لصالح القادة وأُسرهم.

كان ناشطون موالون للحوثيين قد كشفوا عن أن مصروفات أحد قادة الجماعة من الصف الرابع بلغت خلال عام واحد فقط أكثر من ملياري ريال يمني، وهو ما يعكس حجم الفساد المالي في صفوف الجماعة حتى في المستويات الدنيا من القيادة.

وتزامناً مع الإنفاق السخيّ على القيادات، كثّفت الجماعة من فرض الإتاوات والجبايات غير القانونية على المواطنين والتجار في مختلف المناطق الخاضعة لها، لتعويض النفقات المتزايدة للقادة المختفين عن الأنظار.

ومنذ بدء الغارات الأمريكية ضد الحوثيين في 15 مارس الماضي، نفَّذت قيادات حوثية عمليات نهب واسعة شملت مؤسسات حكومية ومقرات رسمية في صنعاء ومدناً أخرى، كما باعت أراضي وعقارات تعود ملكيتها إلى الدولة أو صودرت سابقاً من مواطنين.

تلاعُب بالمساعدات

في موازاة ذلك، اتهمت مصادر حقوقية الجماعة الحوثية بمحاولة وقف صرف المساعدات النقدية التي تقدمها منظمات أممية ودولية ضمن المرحلة الـ19 المخصصة للحالات الفقيرة في صنعاء وريفها، ومحافظات إب، وعمران، وذمار، وريمة، والحديدة.

نازح يحمل مساعدات غذائية على أطراف صنعاء (إ.ب.أ)
نازح يحمل مساعدات غذائية على أطراف صنعاء (إ.ب.أ)

وتستمر الجماعة الحوثية في وضع العراقيل أمام صرف هذه المساعدات، مما تسبب في حرمان مئات الأسر المستحقة في مديريات صنعاء مثل معين وبني الحارث وصنعاء القديمة وبني مطر وأرحب، إضافة إلى مناطق ريفية أخرى.

واشتكى عدد من المستفيدين في صنعاء ومحافظات أخرى لـ«الشرق الأوسط» من ممارسات حوثية تهدف إلى عرقلة عملية صرف المساعدات في بعض مراكز التوزيع، مما فاقم من معاناتهم في ظل أوضاع معيشية متدهورة.