أوليمبياد «طوكيو 2020»... حيث يتجاوز الاهتمام حساب الميداليات

حدث رياضي عالمي في ظرف صحي استثنائي

أوليمبياد «طوكيو 2020»... حيث يتجاوز الاهتمام حساب الميداليات
TT

أوليمبياد «طوكيو 2020»... حيث يتجاوز الاهتمام حساب الميداليات

أوليمبياد «طوكيو 2020»... حيث يتجاوز الاهتمام حساب الميداليات

عندما نظّمت اليابان دورة الألعاب الأوليمبية في طوكيو عام 1964 أرادت لها أن تكون تكريساً لعودة إمبراطورية الشمس الطالعة إلى الأسرة الدولية بعد العزلة التي فرضتها الهزيمة المدوّية في الحرب العالمية الثانية. وعندما فازت طوكيو بتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية للعام الماضي، كان رهان القوة الاقتصادية الثالثة في العالم أن تكون هذه الألعاب مناسبة للاحتفال بنهوض اليابان من الكارثة المثلّثة التي ضربت فوكوشيما قبل عشر سنوات وخلّفت ما يزيد على 20 ألف قتيل، عندما تعرّضت المدينة الشمالية والمحافظة التي تحمل اسمها، لزلزال مدمّر عقبه «تسونامي» (مد بحري زلزالي) وانتهى بأسوأ حادث تسرّب نووي في العالم منذ ثلاثين سنة.
لكن عندما ارتفع الستار عن «طوكيو 2020» يوم أمس، كان رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا يدرك جيّداً أن هذه الألعاب التي أصرّ على تنظيمها رغم معارضة ما يزيد على 85 في المائة من مواطنيه، قد تكون رصاصة الرحمة لحكومته، خصوصاً إذا تسبّبت في موجة وبائية جديدة أو ظهور متحوّر فيروسي جديد، وبعدما اتسّعت دائرة المطالبين بإلغائها أو تأجيلها لتشمل نقابات الأطباء والممرضين وعدداً من الشركات الكبرى التي تموّل الألعاب بإعلاناتها، حتى إن الإمبراطور ناروهيتو بذاته أعرب عن قلقه من تنظيمها في الظروف الصحية الراهنة.
الرهان الذي قرّر رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا المضي فيه بتنظيم الألعاب الأوليمبية «طوكيو 2020» - المؤجلة سنة عن موعدها الأصلي بسبب جائحة «كوفيد - 19» - يحمل مجازفة كبيرة على بعد أشهر قليلة من الانتخابات العامة، وهي انتخابات يلزمه الدستور الدعوة لإجرائها في موعد لا يتجاوز أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وهذه مجازفة باتت تحمل كل عناصر الخسارة بعدما قررت اللجنة المنظّمة إجراءها من دون جمهور إثر إعلان حالة الطوارئ الرابعة في العاصمة طوكيو.
- سباق مع الصين
لا شك في أن من ضمن الأسباب التي دفعت بقوة في اتجاه الإصرار على رفض تأجيل هذه الألعاب للمرة الثانية أو إلغائها، أن الصين، الجار اللدود والغريم التاريخي لليابان، ستنظّم هي دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في بكين العام المقبل. بل ستنظم تلك المناسبة وهي في ذروة صعودها المتوّج بسيطرتها على الفيروس الذي وضع الاقتصاد العالمي في حال من الغيبوبة. وللعلم، تفيد آخر التحليلات بأن القيود الصارمة التي فرضتها حالة الطوارئ قلّصت هامش المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها اليابان من هذه الألعاب، ووسّعت دائرة الخسائر المرتقبة.
في أي حال، الرهان على أن تكون هذه الألعاب بداية النهضة من التداعيات المدمرة للجائحة لم يكن يابانياً فحسب، بل كان العالم يعقد الآمال في أن تكون أيضاً إعلاناً للنصر على الفيروس القاتل الذي جمّد النشاط الاقتصادي والحركة الاجتماعية في أرجاء المعمورة. إلا أن رياح الأزمة الصحية لم تجرِ كما كانت تشتهي السفينة اليابانية التي يحبس ربّانها أنفاسه خشية أن يتحوّل هذا الموعد الرياضي الكبير إلى بؤرة وبائية تفجّر موجة خامسة تقضي على احتمالات النهوض من الكارثة وتغرق البلاد في مرحلة جديدة من الركود.
وفي سياق متصل، تفيد دراسة وضعها الخبير الاقتصادي الياباني المعروف توشيهيرو ناغاهاما، الذي يدير معهد البحوث التابع لجامعة الأمم المتحدة التي تتخذ من طوكيو مقرّاً لها، بأن إعلان حالة الطوارئ الرابعة في العاصمة اليابانية وتمديدها في المحافظات الجنوبية للبلاد مثل أوكيناوا، من شأنه أن يلحق خسائر تزيد على 2.3 مليار دولار بسبب من القيود الصارمة على التنقّل والتجمّع وتراجع الاستهلاك.
- بين الاقتصاد والصحة
كذلك، في دراسة أجرتها مؤسسة «دايوا» للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية قبل إعلان حالة الطوارئ الأخيرة، وما ترتّب عنها من قيود وتدابير، قدّرت أن المكاسب الاقتصادية التي ستنشأ عن الألعاب تزيد على 500 مليار ين ياباني، منها 70 مليار تنفقها البعثات الرياضية والجمهور، بجانب ضعفي هذا المبلغ من الأسر التي تتابع الألعاب عن بعد. ولكن مع التدابير الأخيرة، وما سبقها من غموض حول مصير الألعاب، لن يسهم هذا الحدث الرياضي الكبير في إنعاش الاقتصاد الياباني سوى بنسبة ضئيلة. لا بل قد يؤدي إلى انتكاسة كبيرة في حال ظهور موجة وبائية كبيرة تدفع الحكومة إلى فرض قيود جديدة، مع العلم أن حملة التلقيح لا تزال تسير ببطء شديد، إذ إنها لم تتجاوز 15 في المائة من مجموع السكان الذين يزيدون على 120 مليون نسمة.
وعلى غرار القوى الاقتصادية الكبرى، باستثناء الصين، تراجع إجمالي الناتج القومي في اليابان بنسبة وصلت إلى 4.8 في المائة العام الماضي، وتجاوزت 4 في المائة في الفصل الأول من هذا العام. وتجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الياباني كان دخل في مرحلة ركود تقني مطلع العام الماضي بسبب من إعصار «هاغيبيس» الذي ضرب مناطق واسعة من البلاد وأجبر الحكومة على زيادة الضريبة الاستهلاكية بنسبة 3 في المائة. وكانت الحكومة قد أقرّت في العام الماضي حزمة ضخمة من المساعدات والمحفّزات الاقتصادية بقيمة تعادل 102 مليار دولار أميركي أدّت إلى زيادة الدين العام، ليصل إلى 257 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة بين البلدان الصناعية.
من جهة ثانية، تفيد صحيفة «نيكاي» بأن الحكومة اليابانية تعتزم إقرار دفعة جديدة من المحفّزات قبل الدعوة إلى إجراء الانتخابات العامة في الخريف المقبل. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن كل التقديرات تشير إلى أن بوادر انتعاش الاقتصاد الياباني - في حال حدوثه - لن تظهر قبل نهاية العام الجاري، وهذا، شريطة أن تكون حملة التلقيح قد تقدّمت ولم تظهر موجة وبائية خامسة واستعاد الاستهلاك المحلي وتيرته المعتادة. أما «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية» فتتوقع أن ينمو الاقتصاد الياباني هذه السنة بنسبة 2.6 في المائة، وأن يعود إجمالي الناتج المحلي مطلع العام المقبل إلى المستوى الذي كان عليه قبل الجائحة.
- تفاؤل رغم المشاكل
في هذه الأثناء، يرى بعض المحللين أن ثمّة مؤشرات واضحة تدفع إلى التفاؤل بإمكانات انتعاش الاقتصاد الياباني في القريب المنظور، أبرزها التعافي السريع للاقتصاد الصيني وحزمة المحفزات الضخمة التي أقرتها الإدارة الأميركية. وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بأن الصين - رغم التنافس السياسي - هي الشريك التجاري الأول لليابان بينما الولايات المتحدة حليفتها العسكرية والسياسية الكبرى. ويضاف إلى ما سبق أن الصادرات الصناعية اليابانية سجّلت أعلى ارتفاع منذ ثمانينات القرن الماضي، إذ زادت المبيعات إلى الصين بنسبة 49.9 في المائة، وإلى الولايات المتحدة بنسبة 87.9 في المائة. وكان المصرف المركزي الياباني قد أفاد في تقرير له مطلع الشهر الجاري بأن الشركات الكبرى تتوقع زيادة إنفاقها الرأسمالي بنسبة 9.6 في المائة خلال السنة المالية الجارية التي تنتهي في مارس (آذار) المقبل.
لكن رغم هذه المؤشرات الإيجابية لا يزال الاقتصاد الياباني يعاني من مشاكل هيكلية عميقة هي السبب الرئيسي في الركود الذي يصيبه منذ ثلاثة عقود. من هذه المشاكل: ارتفاع المتوسط العمري للسكان الذي يجعل من نظام التقاعد والخدمات الصحية العامة عبئاً ضخماً على الدين العام، والتأخير في «رقمنة» الإدارة والاقتصاد مقارنة بالبلدان الصناعية المتطورة، وتدنّي نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل وانخفاض رواتبها مقارنة بالرجال. ويضاف إلى كل ذلك تدنّي مستوى الإنتاجية، خلافاً للاعتقاد الشائع، فلقد أفاد مركز الإنتاجية التابع لرئاسة الوزراء في اليابان بأن إنتاجية العامل الياباني تراجعت بنسبة 0.3 في المائة في غضون السنوات الخمس الماضية، حتى بلغت أدنى نسبة بين البلدان الصناعية السبع الكبرى في العالم.
ويرى خبراء أن التعديلات الجذرية التي فرضتها جائحة «كوفيد - 19» من شأنها أن تفتح الباب أمام تعديلات في سوق العمل كانت تبدو مستحيلة في السابق، مثل العمل عن بعد، ومرونة الجداول الزمنية في بلد تقوم فيه ثقافته العمالية على تقاليد الحضور والوجود في مكان العمل. ومن جانب آخر، يفيد استطلاع أجرته الإدارة المحلية في طوكيو بأن 25.1 في المائة فقط من الشركات الموجودة في العاصمة كانت تسمح بالعمل عن بعد في صيف عام 2019، ولكن في أبريل (نيسان) الماضي، كانت هذه النسبة قد ارتفعت إلى 57 في المائة.
أما على صعيد النمو، فإن الحكومة اليابانية كانت قد حددت في استراتيجية النمو للسنوات الخمس المقبلة إنهاء استخدام الكربون بحلول عام 2050. وبالتالي، خصصت حزمة ضخمة من المحفّزات والمساعدات للتشجيع على الابتكار البيئي والتحوّل الرقمي وتطوير استخدام الذكاء الصناعي في القطاعات الإدارية والإنتاجية. ومن المحاور الأساسية لهذه الاستراتيجية تعزيز الأمن الاقتصادي القومي الذي يتأثر بنسبة عالية بالعلاقة الاقتصادية العميقة مع الصين والروابط الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة، وذلك في ضوء التوتر المتصاعد الذي تشهده العلاقات بين واشنطن وبكين.
وكانت الجائحة قد كشفت، فعلياً، مواطن الضعف في سلسلة توريد المكّونات الأساسية للصناعة الرقمية المتطورة واعتمادها بنسبة عالية على السوقين الصينية والأميركية في إمدادات قطاعات حسّاسة مثل صناعة البطاريات والمعدّات الطبية المتطورة. وضمن هذا الإطار، تفيد تقارير حكومية بأن حصة اليابان من السوق العالمية للشرائح الإلكترونية انخفضت إلى 10 في المائة فقط في عام 2019 بعدما كانت قد وصلت إلى نصف المبيعات العالمية في عام 1988. وحالياً، تلجأ الشركات اليابانية إلى الاستيراد في السوق العالمية للشرائح الإلكترونية لتغطية 65 في المائة من احتياجاتها.
- الصحة تظل الهم الأول
لكن هذه الاستحقاقات والإصلاحات تبقى مرهونة إلى حد كبير بالسيطرة على الأزمة الصحية التي تتصدر هموم الحكومة اليابانية وأولوياتها، وأيضاً بالمستقبل السياسي لرئيس الوزراء سوغا، الذي سيترشّح مجدداً لرئاسة حزبه المحافظ، الحزب الديمقراطي الحر، خلال سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو في أدنى مستويات شعبيته، وللتذكير، فإن الانتخابات العامة ستجرى قبل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) عندما تنتهي ولاية أعضاء مجلس النواب، وقبل صيف العام المقبل عندما تنتهي ولاية أعضاء مجلس الشيوخ.
وحول هذا الأمر، قال ياشوهيدي ياهيما، مدير «المعهد المستقل للدراسات الاستراتيجية» في طوكيو خلال ندوة عبر الفيديو مع الصحافة الأجنبية المعتمدة لتغطية الألعاب الأوليمبية: «إن الهدف الأساسي لرئيس الحكومة هو ضمان بقاء إدارته في الأمد الطويل. وبالتالي، فهو لن يقدم في المرحلة الراهنة على إجراء أي إصلاحات اقتصادية من شأنها أن تؤثر على شعبيته المتدهورة، تاركاً القرارات الصعبة والمؤلمة إلى نهاية العام المقبل». وتابع: «عندما يحين موعد الانتخابات العامة المقبلة في الخريف، ستكون حملة التلقيح قد بلغت التغطية المنشودة، وانتهت الألعاب الأوليمبية، التي إذا تكللت بالنجاح وإن لم تحقق مكاسب مالية ضخمة، تكون قد جعلت من اليابان رائداً في تنظيم حدث عالمي ضخم في مثل هذه الأزمة غير المسبوقة».
غير أنه، مهما كانت التوقعات والتقديرات حول التداعيات الاقتصادية لهذه الألعاب، تبقى كل الرهانات معقودة بتطورات المشهد الوبائي حتى يوم اختتام الأوليمبياد في التاسع من الشهر المقبل. ومن ثم، وكيف سيكون هذا المشهد بعد أسبوعين من ذلك التاريخ عندما تنتهي ألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وتكون التداعيات الصحية للألعاب قد ظهرت في صورتها النهائية.
- الشك غير المسبوق
في الواقع، لم يحصل في تاريخ الألعاب الأوليمبية الحديثة أن بقي انعقادها موضع شك وترجيح حتى أيام قبل موعد افتتاحها. ورغم كل الإجراءات اللوجيستية والأمنية الضخمة التي اتخذتها اللجنة المنظمة والسلطات اليابانية، والموارد غير المسبوقة التي وضعتها اللجنة الأوليمبية الدولية لضمان صحة المشاركين وسلامتهم في هذه الألعاب والإداريين والفنيين المشرفين على تنظيمها، يسود شعور غريب في أوساط الرياضيين المحرومين من التواصل بين بعضهم ومع جماهير المشجعين... الذين سيكتفون بمتابعتها على شاشات التلفزيون في منازلهم.
وبالطبع، يبقى القلق الأكبر من أن تتحوّل هذه الألعاب إلى بؤرة وبائية كبيرة، ليس فقط في طوكيو واليابان، بل أيضاً على الصعيد العالمي عندما يعود آلاف الرياضيين إلى بلدانهم بعد نهايتها. والحقيقة أن ثمة علامات استفهام وتساؤلات كثيرة تطرحها هذه المناسبة الأوليمبية التي تستضيفها طوكيو للمرة الثانية، ولا تعرف إن كانت ستخرج منها ظافرة أو مهزومة في أصعب اختبار تواجهه منذ عقود.
نعم العالم كله سيتابع هذا الموعد الرياضي الكبير محبوس الأنفاس، ولكن ليس لمعرفة مَن سيحطّم الأرقام القياسية المستحيلة هذه المرة... بقدر اهتمامه بمعرفة ما إذا كانت هذه الألعاب سنكون بداية الانتصار على جائحة «كوفيد - 19»... أم تكريساً لشروط التعايش معه.
- انتقاد صريح لتنظيم الألعاب من العلماء والخبراء الغربيين
> قبل موعد افتتاح أوليمبياد «طوكيو 2020» بثلاثة أسابيع، نشرت مجلة مجموعة من العلماء والخبراء الأميركيين والأوروبيين مقالة مطوّلة في مجلة «نيو إنغلند» الطبية المرموقة انتقدت فيها بشدّة التدابير والتعليمات التي تضمّنها الدليل الإجرائي للألعاب الذي وضعته اللجنة الأوليمبية الدولية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، والذي يفترض بجميع الرياضيين والإداريين الامتثال لها لمنع انتشار الجائحة.
لقد حذّرت المقالة من أن تلك التدابير والتعليمات غير كافية، وغالباً ما تستند إلى بيانات علمية لم تعد صالحة أو لا يعتدّ بها. وأردفت أن هذه التظاهرة الرياضية العالمية تشكّل خطراً عالياً جداً لتفشي الفيروس لكونها تتجاهل القواعد العلمية الأساسية.
آنّي سبارو، الخبيرة في الصحة العالمية والمشرفة على المقالة المذكورة قالت شارحةً: «ليس من الصعب تنظيم ألعاب أوليمبية آمنة وفقاً للقواعد الطبية الأساسية. بيد أن هذا ما تجاهلته اللجنة الأوليمبية الدولية، وأنا أخشى أن يكون قد فات الأوان لتصويب الخطأ». ثم تضيف سبارّو أن منظمة الصحة العالمية تجاهلت طلب الأوساط العلمية عقد اجتماعات دورية للجنة الطوارئ التابعة للمنظمة قبل افتتاح الألعاب، على غرار ما فعلت في عام 2016 قبل دورة ريو دي جانيرو إبان انتشار فيروس «زيكا».
أما رجل الأعمال الياباني البارز هيروشي ميكيتاني، صاحب أكبر موقع للتجارة الإلكترونية، وأحد أشدّ المنتقدين لتنظيم الألعاب، فقد اعتبر أن إجراء الألعاب في هذه الظروف ليس إلا «مهمة انتحارية». بينما كانت الشركات الكبرى تحذّر من أن الخسارة التي قد تُمنى بها اليابان من تنظيم الألعاب أكبر بكثير من تلك التي يمكن أن تلحق بموظفي اللجنة الأوليمبية الدولية.
ثم إنه قبل يومين من افتتاح الألعاب، عقدت اللجنة الأوليمبية الدولية أول اجتماع حضوري منذ مطلع العام الماضي تغيّب عنه 16 من أعضائها، ولكن رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا حضره، وقال معلقاً: «سنظهر للعالم أن اليابان قادرة على استضافة ألعاب أوليمبية آمنة». ومن جانبه، اعترف رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية توماس باخ الذي رفع لواء التفاؤل والإصرار على تنظيم الألعاب في موعدها، بأن الشكوك كانت تساوره كل يوم. وقال: «مرّت أيام عديدة لم نعرف فيها طعم النوم خوفاً مما قد تحمله لنا الجائحة من مفاجآت في اليوم التالي، غير أن إلغاء الألعاب أو تأجيلها لم يخطر في بالنا ولو للحظة واحدة».


مقالات ذات صلة

رئيس «وادا»: واجهنا هجمات ظالمة وتشهيرية في عام مضطرب

رياضة عالمية رئيس وادا البولندي فيتولد بانكا (واس)

رئيس «وادا»: واجهنا هجمات ظالمة وتشهيرية في عام مضطرب

تعرضت الهيئة الرقابية الرياضية لانتقادات شديدة بسبب السماح لسباحين من الصين ثبتت إيجابية اختباراتهم لمادة تريميتازيدين.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
رياضة عالمية موريناري واتانابي (رويترز)

واتانابي المرشح لرئاسة «الأولمبية الدولية» يطالب بمراجعة خطط تسويق الألعاب

قال موريناري واتانابي، المرشح لرئاسة اللجنة الأولمبية الدولية، اليوم (الأربعاء)، إنها يجب أن تعيد النظر في خططها التسويقية للألعاب الأولمبية لتقديم قيمة أعلى.

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية شارلوت دوغاردان (أ.ب)

إيقاف البريطانية دوغاردان لعام بعد الاعتداء على حصان

أوقف الاتحاد الدولي للفروسية، الخميس، البريطانية شارلوت دوغاردان، وهي أكثر رياضية تحصد ميداليات أولمبية في تاريخ بلادها، لمدة عام واحد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية الأمير ألبرت الثاني أمير موناكو يكرم الرياضيين الفائزين في حفل الاتحاد الدولي لألعاب القوى (أ.ف.ب)

سيفان حسن وليتزيلي تيبوغو «أفضل رياضيين» في 2024

اختير البطلان الأولمبيان البوتسواني ليتزيلي تيبوغو (200م) والإثيوبية سيفان حسن (ماراثون) أفضل «رياضي ورياضية في عام 2024».

«الشرق الأوسط» (موناكو)
رياضة عالمية ماثيو ريتشاردسون (رويترز)

منع بطل الدراجات الأولمبي ريتشاردسون من تمثيل أستراليا

قال الاتحاد الأسترالي للدراجات، اليوم الاثنين، إنه لن يُسمح لماثيو ريتشاردسون بالعودة للانضمام إلى الفريق في المستقبل.

«الشرق الأوسط» (كانبرا)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.