قصة اليهودي العراقي الذي اختفى من بغداد

«ظل في بغداد».. وثائقي عن رحلة بحث في ماضٍ يمتد 40 عاما

مشهد من الفيلم
مشهد من الفيلم
TT

قصة اليهودي العراقي الذي اختفى من بغداد

مشهد من الفيلم
مشهد من الفيلم

«بعد المشاهد المفجعة في ساحة التحرير، تمنيت أمرا واحدا فقط، أن تحترق بغداد بعد هروبنا». بهذه الكلمات الصريحة خاطبت العراقية اليهودية ليندا عبد العزيز مينوحين نفسها بعد قيام نظام حزب البعث بإعدام 9 مواطنين يهود عام 1969، وسط جمهرة من المتشفين في العاصمة بغداد، بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.
وبعد مرور عام واحد تقريبا على ذلك المشهد المريع، وجدت ليندا نفسها متنكرة بعباءة سوداء لتصرف عنها أنظار نقاط التفتيش الكثيفة التي تستوقف سيارة الأكراد المكلفة بمهمة تهريبها هي وشقيقها إلى خارج العراق، في رحلة انتهت بهما في إسرائيل.
يصوّر «ظل في بغداد»، وهو فيلم وثائقي من إخراج الإسرائيلي «دوكي درور»، رحلة البطلة ليندا في البحث عن والدها المحامي يعقوب عبد العزيز بعد مرور 40 عاما على اختطافه في بغداد (1972) في ظروف غامضة، فقد انقطع الاتصال بين العائلة التي فرّت إلى إسرائيل في أعقاب عمليات الاستهداف الواسعة التي طالت يهود العراق بعد هزيمة 1967، والوالد الذي لا تعرف ليندا إلى اليوم إن كان خروجه من بغداد قد تعسّر أم أنه أبى أن يغادرها.
يبدأ الفيلم، الذي يستغرق عرضه نحو 60 دقيقة، بقيام صحافي عراقي، متعاطف مع قصة ليندا، بتقديم المساعدة لها في البحث عن والدها داخل بغداد، خصوصا أن جواز سفرها الإسرائيلي يمنعها من دخول العراق. وينتهي بتساؤل ليندا: «هل مات أبي (في قصر النهاية)؟ لا جثة، ولا وثائق، لا قبر، ولا سبب. هل كل ما تبقى مجرد ظل في بغداد؟».
تقول نها ميلور أستاذة الإعلام في جامعة بيدفوردشير في شمال لندن، التي احتضنت يوم الجمعة الماضي حوارا مع ليندا عبد العزيز تلا عرض الفيلم، إن فهم واقع المجتمع اليهودي في بغداد خلال عقدي الستينات والسبعينات مهم جدا لفهم معاناة الأقليات في المنطقة، مثل الأيزيدين في العراق والآشوريين في سوريا، خصوصا مع تعرضهما لتهديدات وجودية على يد التنظيمات المتشددة وأولها «داعش».
بالإضافة إلى حساسية توقيت عرض الفيلم، من حيث الظروف الصعبة التي تواجه الأقليات الدينية في العالم العربي، يكتسب «ظل في بغداد» أهميته من خلال تسليط الضوء على جانب مهم بتهجير اليهود العرب من بعض البلاد العربية.
تم تصوير مشاهد العمل الذي تدور أحداثه في بغداد من قبل عراقيين أُخفيت هويتهم حفاظا على سلامتهم، كما حجبت الجهة التي تواصلت معهم هوية المخرج، وذلك من أجل تجنب تعريضهم للخطر، خصوصا، كما تقول ليندا، أن من السهل توجيه تهمة العمالة لإسرائيل لأي شخص في منطقة الشرق الأوسط.
السؤال الذي لم تكفّ ليندا عن طرحه هو: ما الدافع وراء اختطاف، وفي الغالب قتل، والدها، المحامي العراقي الذي، بحسب ما تقول، لم يكن ليتردد في مساعدة أي من أبناء بلده بغض النظر عن طائفته؟ «لا أقبل أن أصدق أن والدي قُتل بسبب ديانته»، تقول ليندا، خصوصا أنه لم يكن صهيونيا لكي يكون الدافع وراء استهدافه الانتقام من إسرائيل، كما لم يكن ثريا حتى يتم اختطافه، كما حدث لعدد من أثرياء اليهود طمعا في ثرواتهم وعقاراتهم.
لم تكن عملية الاندماج في المجتمع الإسرائيلي أمرا هينا على ليندا، فبعد 20 عاما عاشتها في بغداد، كونت ليندا صداقات وتشكلت لديها ذكريات لن تنساها، لكن الواقع السياسي حتّم عليها مغادرة تلك المدينة التي تحب. تقول ليندا: «استغرق الأمر 20 عاما لكي أشعر بأنني مواطنة إسرائيلية»، فهناك كثير من الأمور التي ما زالت تفتقدها من زمن العراق، مثل اللغة العربية التي «تعشقها»، كما تقول، والثقافة العربية، والحميمية التي تميز العلاقات في المجتمع العراقي، إلا أن بحث ليندا عن جذورها العراقية لم يبدأ حتى عام 1991، أي خلال حرب الخليج الثانية، بينما كانت تعمل مراسلة في قناة التلفزيون الإسرائيلي الناطقة بالعربية.
تقول ليندا: «أصابتني الأخبار القادمة من العراق بحالة من الانهيار. وبعد احتلال الجيش العراقي للكويت، بدأ صدام حسين يزورني في المنام يدعوني إلى العودة إلى العراق». طبعا كانت مجرد فكرة العودة مفزعة بالنسبة لليندا، التي لم تشفَ بعد من مشاعر الذعر والهلع التي لم تكفّ عن مطاردتها منذ خروجها قسرا من العراق.
من هنا بإمكاننا أن نفهم مشاعر الكره والحقد التي أصابت ليندا تجاه العراق وتمنيها دماره، إذ تقول إن تلك المشاعر نتجت عن عذاب شديد ألمّ بها لدى فراقها العراق وهي شابة، كما أنها شعرت بحزن وألم شديدين لدى رؤيتها مشاهد الدمار الذي أصاب العراق في 2003.
أما لدى سؤالها هل كانت ستقرر البقاء في العراق لو أُتيحت لها الفرصة للعودة إلى الماضي، فتقول ليندا: «لن أحتاج إلى وقت طويل لكي أجيب على هذا السؤال، فعندما أنظر إلى الوراء أشعر أنني قد قمت بالأمر الصائب. من يدري؟ ربما لو بقيت هناك لكنت الآن ميتة».
وحول نيتها عرض الفيلم داخل العراق، قالت ليندا لـ«الشرق الأوسط»: «أتمنى أن تقوم أي قناة عراقية بعرض الفيلم، وخلال أيام سأقوم بعرضه باللغة العربية لجمهور عراقي في لندن، كما أنوي تحميل الفيلم باللغة العربية على موقع (يوتيوب) من أجل إتاحته للجمهور العربي».
أطلقت ليندا مؤخرا مشروعها الخاص «ونلتقي»، وهو منصة إلكترونية ناطقة باللغة العربية، تدعو من خلالها الكتاب العرب إلى مناقشة الأمور ذات الصلة بأوضاع الأقليات، والتركيز على القصص الإيجابية الواردة من منطقة الشرق الأوسط، وذلك من أجل إفساح المجال لأمل أكبر في تغيير العقلية المنغلقة، والتقليل من مشاعر الخوف من الآخَر، لا سيما مع تزايد المخاوف حول مصير الأقليات من خطر التشدد المحدق.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.