أفغانستان... سيناريوهات ما بعد الانسحاب وحسابات الربح والخسارة

قوات أمن في قندهار خلال معارك مع مقاتلي حركة «طالبان» أمس (أ.ف.ب)
قوات أمن في قندهار خلال معارك مع مقاتلي حركة «طالبان» أمس (أ.ف.ب)
TT

أفغانستان... سيناريوهات ما بعد الانسحاب وحسابات الربح والخسارة

قوات أمن في قندهار خلال معارك مع مقاتلي حركة «طالبان» أمس (أ.ف.ب)
قوات أمن في قندهار خلال معارك مع مقاتلي حركة «طالبان» أمس (أ.ف.ب)


«المهمة لم تفشل – حتى الآن». كان هذا رد الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، على من يسأل عما إذا فشلت بلاده في تحقيق أهدافها في أفغانستان بعد عقدين من انخراطها عسكرياً في هذا البلد الذي يُوصف بـ«مقبرة الإمبراطوريات». إجابة بايدن تحمل إقراراً ضمنياً بأن الولايات المتحدة تواجه فشلاً ذريعاً ذاق مرارته غيرها من الدول الكبرى، وهو احتمال بات وشيكاً، كما يبدو، إذا ما صح إعلان حركة «طالبان»، أمس، أنها باتت تسيطر على 85% من أفغانستان، قبل أسابيع من انتهاء الانسحاب الأميركي، بنهاية أغسطس (آب) المقبل.
هل سيتكرر الآن في كابل «سيناريو سايغون» وتسقط حكومة الرئيس أشرف غني؟ هل ستنجح «طالبان» في إكمال سيطرتها على أفغانستان؟ هل ستغرق البلاد في حرب أهلية جديدة تعيد إحياء «تحالف الشمال»؟ هل ستعود «القاعدة»، تحت جناح «طالبان»، مثلما كان الوضع قبل 20 عاماً؟ وما مصير فرع «داعش» في خراسان؟
هذه جولة على بعض سيناريوهات ما يمكن أن يحصل في أفغانستان مع انتهاء الانسحاب الأميركي، مع تقييم لمكاسب، أو خسائر، أطراف النزاع:


- سايغون جديدة؟
منذ إعلان الرئيس السابق دونالد ترمب، سحب قوات بلاده من أفغانستان بحلول مايو (أيار) 2021، شهدت هذه الدولة تسارعاً في تقدم «طالبان» ميدانياً، مع انهيارات متتالية للقوات الحكومية. ولم تتغير هذه الصورة كثيراً بعد إعلان الرئيس الجديد، جو بايدن، تأخير إكمال الانسحاب بضعة شهور، وبالتحديد إلى ما قبل حلول ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لكن تقدم «طالبان» الذي كان يحصل بالتدريج، بدا في الأيام الماضية كأنه بات سيلاً جارفاً، مع استسلام مئات من قوات الأمن الأفغانية وإلقائهم السلاح، غالباً بموجب وساطات قَبَلية، أو بالفرار إلى دول مجاورة، إذا كانوا في مواقع حدودية. وكان واضحاً أن قوات الحكومة تعاني انهياراً في معنوياتها، فتقرر تفادي مواجهة قد لا تكون متكافئة، خصوصاً في ظل تركيز كابل على إرسال قواتها الخاصة للدفاع عن مراكز الولايات، ما يعني بالتالي إهمال الأرياف وتركها تحت رحمة «طالبان».
وتبدو الصورة الآن قاتمة جداً بالنسبة إلى حكومة كابل، خصوصاً مع إعلان «طالبان» السيطرة على 85% من مساحة أفغانستان، بما في ذلك 250 من المديريات الـ398 في عموم البلد. وإضافة إلى تمددها داخل أفغانستان، توسعت «طالبان» في الأطراف وباتت تسيطر على الجزء الأكبر من الحدود الشمالية مع طاجيكستان، وعلى جزء من الحدود مع أوزبكستان، وكذلك غرباً مع إيران بعد سقوط معابر حدودية في أيدي مقاتلي الحركة الذين كانوا قد سيطروا أيضاً على مناطق حدودية مع الصين، بشمال شرقي البلاد. أما بالنسبة إلى جنوب البلاد، فلطالما كانت الحدود الطويلة مع باكستان قاعدة خلفية لمقاتلي الحركة الذين أعادوا هناك بناء صفوفهم بعد إطاحة نظامهم عام 2001، وليس سراً أن قياداتهم الأساسية المعروفة بـ«شورى كويتا» كانت تتخذ من هذه المدينة الباكستانية مقراً لها، علماً بأن زعيم الحركة السابق، الملا عمر، توفي خلال اختبائه في باكستان عام 2013.
وفي مقابل هذا التمدد «الطالباني» داخل البلاد وعلى حدودها، إلا أن حكومة كابل استطاعت، حتى الآن، الاحتفاظ بعواصم الولايات بعدما دعمتها بقوات كوماندوس لمنع سقوطها. ورغم أن قوات «طالبان» تقف حالياً على أبواب العاصمة الأفغانية وتسيطر على مساحات واسعة من الولايات المحيطة بها، فإن كابل نفسها لا تبدو مهددة بسقوط وشيك. فالقوات الحكومية تُحكم السيطرة عليها، لكن مشكلتها الأساسية أنها مدينة لا يمكن الدفاع عنها إذا ما سقطت الجبال المحيطة بها. فمن يمسك بالتلال والجبال حول كابل يمكنه في الواقع أن يحولها جحيماً، كما حصل في تسعينات القرن الماضي عندما تصارع المجاهدون الأفغان فيما بينهم على من يرث السلطة بعد سقوط نظام نجيب الله، فتسببوا في دمار أجزاء واسعة من عاصمتهم. والأرجح أن «معركة كابل» ما زال لم يحن موعدها، وبالتالي فإن «سيناريو سايغون» لا يبدو وشيكاً. لكن، لمن يحب المقارنات التاريخية، لم تسقط عاصمة جنوب فيتنام في أيدي الشيوعيين إلا عام 1975، أي بعد سنتين من «اتفاق السلام» الذي وقّعته الولايات المتحدة مع بقية أطراف النزاع الفيتنامي في باريس عام 1973 والذي مهّد لانسحابها من «المستنقع الفيتنامي». اتفاق الدوحة بين الأميركيين و«طالبان» أُبرم في 29 فبراير (شباط) 2019. لكن الانسحاب الأميركي لن يكتمل سوى الشهر المقبل. فكم ستصمد كابل؟

- «طالبان» جديدة؟
تبدو «طالبان»، بنسختها الحالية، كأنها توزّع «وعوداً» على كل الأطراف الخارجية المعنية بالأزمة الأفغانية، في مقابل تصلبها في مواجهة خصومها المحليين. فهي طمأنت الأميركيين، منذ ما قبل اتفاق الدوحة، بأنها لن تسمح باستخدام أفغانستان من جديد قاعدة لمن يخطط لهجمات إرهابية خارجها، في تأكيد لعدم السماح بتكرار هجمات على غرار 11 سبتمبر عندما استخدم تنظيم «القاعدة» مناطق «طالبان» لتدريب عناصره على «غزوة نيويورك وواشنطن» قبل 20 عاماً. ولم تكتفِ «طالبان» هذه المرة بتقديم مثل هذه التعهدات للأميركيين، بل إن مسؤوليها يجوبون دول العالم، مكررين وعوداً بأن بلادهم لن تتحول من جديد مرتعاً لـ«الإرهابيين». وفي هذا الإطار، سُجّلت مشاركة وفود من «طالبان» أكثر من مرة في مؤتمرات سلام استضافتها دول خارجية، مثل روسيا، العدوة السابقة للمجاهدين الأفغان. كما قدمت «طالبان»، في هذا الإطار، تعهدات لجيرانها إلى الشمال، وهم حلفاء موسكو التقليديون، بأنها لا تشكل خطراً عليهم. كما قدمت تعهدات مماثلة للإيرانيين الذين كانوا يقدمون دعماً عسكرياً محدوداً لـ«طالبان» بهدف إبقاء الأميركيين غارقين في «مستنقعهم الأفغاني»، علماً بأن للإيرانيين حلفاء تقليديين في أفغانستان، على غرار حزب الوحدة الشيعي الذي ينتمي إلى أقلية الهزارة. كما أن تطمينات قادة «طالبان» وصلت حتى إلى جيرانهم الصينيين شرقاً بأنهم لن يتدخلوا في شؤون الصين الداخلية بل إنهم يرحبون باستثماراتها على أرضهم في إطار مبادرة الحزام والطريق. ومعلوم أن أفغانستان، خلال حكم الملا عمر، كانت قاعدة أساسية لحزب متشدد يضم مسلمين من أقلية الأويغور في إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية). ولا يبدو أن جيران «طالبان» إلى الجنوب، باكستان، بحاجة لتطمينات، إذ إن جزءاً من قادة الحركة الأفغانية يعيشون تحت حمايتها وعلى أرضها، في حين أن لاستخبارات إسلام آباد علاقات مزعومة قوية بجناح فاعل في «طالبان» ممثلاً بما تُعرف بـ«شبكة حقاني».
هل ستفي «طالبان» بكل هذه الوعود والتطمينات؟ الأيام وحدها كفيلة بإظهار ما إذا كانت الحركة جادة فعلاً في عدم تكرار ظاهرة «القاعدة»: جماعات أجنبية تعمل تحت جناحها وتتصرف كأنها «دولة داخل دولة».

- حرب أهلية جديدة؟
ليست أفغانستان بحاجة في الحقيقة لحرب أهلية جديدة، فهي تعيشها منذ سنوات، لكن التوقعات هي أنها ستتفاقم أكثر في حال عدم الوصول إلى اتفاق على إقامة حكم جديد بين «طالبان» وحكومة كابل. ومؤشرات تفاقم الحرب الأهلية بدأت تتصاعد في الأيام الأخيرة، من خلال عودة «أمراء الحرب» السابقين إلى تنظيم صفوفهم لمنع سيطرة «طالبان» كلياً على أفغانستان. ففي غرب البلاد، بدأ إسماعيل خان، «أسد هرات» أيام مواجهة الجيش الأحمر السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي، في تنظيم مؤيديه لوقف تمدد «طالبان» بعدما سيطرت على معبر حدودي مع إيران في ولاية هرات. ولأقلية الهزارة بوسط أفغانستان ميليشيات مسلحة تنشط في مناطق انتشارهم، خصوصاً بعد تكاثر هجمات تنظيم «داعش» على أتباعها. ويحظى الهزارة بدعم إيراني واضح وتاريخي. أما في شمال البلاد، فمن غير المستبعد عودة «تحالف الشمال» الذي ضم خصوصاً الطاجيك والأوزبك في تسعينات القرن الماضي ومنع «طالبان» من إكمال سيطرتها على أفغانستان، علماً بأن مقعد حكومة كابل في الأمم المتحدة بقي في عهدة حكومة التحالف الشمالي على رغم طرده من العاصمة الأفغانية. لكن الوضع اليوم يوحي بأن «طالبان» نجحت في تحقيق اختراق واضح في المناطق التقليدية لخصومها في «تحالف الشمال»، حيث سجّلت الحركة تمدداً كبيراً في ولايات بدخشان وتخار وقندوز وبلخ، ما يعني أنها لم تعد، كما كان يُنوستكون الأسابيع المقبلة اختباراً حقيقياً لسيناريو «الحرب الأهلية»،

- «داعش» و«القاعدة»
تمدد تنظيم «داعش» إلى أفغانستان عندما كان في أوج نفوذه بسوريا والعراق بين عامي 2014 و2016، وأقام فرعاً له تحت مسمى «ولاية خراسان». لكنه انحسر، كما يبدو، بعد هزيمة «التنظيم الأم» في معاقله الأساسية في الشام وبلاد الرافدين. والواقع أن «داعش خراسان» هو نتاج محلي صرف، تمثل في انشقاقات داخلية في صفوف «طالبان» حيث انضم القائمون بها إلى «داعش»، خصوصاً في شرق أفغانستان، مثل كونار وننغرهار. وخاض هؤلاء مواجهات دامية ضد «طالبان» ودأبوا على تعييرها بأنها «جماعة وطنية» وليست «جهادية». لكن دمويتهم ظهرت أساساً في سلسلة من الانتحاريين الذين فجّروا أنفسهم في كابل ومناطق مختلفة من شرق أفغانستان، متسببين في مقتل مئات المدنيين، بالإضافة إلى مسؤولين وعناصر أمن من الحكومة الأفغانية.
وقد ساهم في كسر «شوكة» فرع «داعش» تحالف غير معلن، لكنه فعلي، بين ثلاثة أطراف. إذ قام الأميركيون بقصف جوي عنيف لمواقع انتشار «ولاية خراسان»،
أما «القاعدة»، فليس واضحاً كيف سيكون شكل علاقتها مع «طالبان» في المستقبل. وقد أعلنت الحكومة الأفغانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أنها قتلت الرجل الثاني في «القاعدة» أبو محسن المصري، خلال وجوده في ولاية غزني إلى تنتشر فيها «طالبان» على أبواب كابل، ما يوحي بأن العلاقة لم تنقطع بين الطرفين.

- الأميركيون: رابحون أم خاسرون؟
ويبقى السؤال: هل يخرج الأميركيون من «المستنقع» رابحين أم خاسرين؟ إن مجرد خروجهم من المستنقع سيُعد نجاحاً بلا شك، كونه سيُنهي استنزاف مقدراتهم المادية التي كلّفت مليارات الدولارات، وأيضاً مقدراتهم البشرية التي استنزفت آلاف الضحايا من الجنود على مدى 20 عاماً. كما أن إنهاء الانخراط في «حرب لا تنتهي» سيمثل أيضاً مكسباً لإدارة بايدن. لكن المكاسب يمكن بسهولة أن تتحول إلى خسائر، إن لم تكن تحولت أصلاً. فالأفغان الذين تعاونوا مع الأميركيين ضد «طالبان» عام 2001 سيفكرون ملياً اليوم في جدوى الاعتماد على «حليف» يمكن أن يحزم حقائبه ويرحل ليتركهم تحت رحمة أعدائهم السابقين، كما يحصل اليوم. كما أن انسحاب أميركا كلياً من أفغانستان سيحرمها من معلومات استخباراتية يسهل الحصول عليها حالياً من خلال شبكة عملاء. أما الخسارة الكبرى المحتملة فهي أن تسقط حكومة كابل ويفر ملايين الأفغان من «طالبان» إلى دول الجوار وتغرق البلاد في حرب أهلية أشد عنفاً ودموية، وتتحول «طالبان» من تنظيم يوزع وعوداً وتطمينات إلى جماعة تؤوي إرهابيين مطلوبين حول العالم، كما كانت في تسعينات القرن الماضي.



أستراليا تحظر وصول منصات التواصل الاجتماعي للأطفال

جانب من لقاء ألبانيزي أهالي متضررين من استخدام أطفالهم وسائل التواصل الاجتماعي في سيدني يوم 10 ديسمبر (أ.ف.ب)
جانب من لقاء ألبانيزي أهالي متضررين من استخدام أطفالهم وسائل التواصل الاجتماعي في سيدني يوم 10 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

أستراليا تحظر وصول منصات التواصل الاجتماعي للأطفال

جانب من لقاء ألبانيزي أهالي متضررين من استخدام أطفالهم وسائل التواصل الاجتماعي في سيدني يوم 10 ديسمبر (أ.ف.ب)
جانب من لقاء ألبانيزي أهالي متضررين من استخدام أطفالهم وسائل التواصل الاجتماعي في سيدني يوم 10 ديسمبر (أ.ف.ب)

أقرّت أستراليا، أمس، قراراً يحظر وصول وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً، في سابقة عالمية.

ويمنع القرار منصات كـ«فيسبوك» و«إنستغرام» و«يوتيوب» و«تيك توك» و«سناب تشات» و«إكس» من فتح حسابات لمستخدمين دون السادسة عشرة، ويُلزمها إغلاق الحسابات المفتوحة حالياً. وتواجه المنصات المعنية بالقرار، في حال عدم اتخاذها تدابير «معقولة» لضمان تطبيقه، غرامات تصل إلى 32.9 مليون دولار أميركي.


قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا يبحثون مع ترمب جهود السلام في أوكرانيا

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ب)
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ب)
TT

قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا يبحثون مع ترمب جهود السلام في أوكرانيا

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ب)
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ب)

قال مكتب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، اليوم الأربعاء، إن قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا ناقشوا مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ملف محادثات السلام الجارية بقيادة الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، ورحبوا بالجهود المبذولة للوصول إلى تسوية عادلة ودائمة للوضع هناك.

وقال متحدث باسم مكتب ستارمر: «ناقش الزعماء آخر المستجدات بشأن محادثات السلام الجارية بقيادة الولايات المتحدة، ورحبوا بالمساعي الرامية إلى تحقيق سلام عادل ودائم لأوكرانيا وإنهاء إزهاق الأرواح».

واتفق الزعماء على أن هذه لحظة حاسمة بالنسبة لأوكرانيا، وقالوا إن العمل المكثف على خطة السلام سيستمر في الأيام المقبلة.

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه أجرى اتصالاً هاتفياً في وقت سابق من اليوم مع نظيره الأميركي لمناقشة الوضع في أوكرانيا. وأضاف: «كنت في قاعة بلدية سان مالو لإجراء مكالمة هاتفية مع بعض الزملاء والرئيس ترمب بشأن قضية أوكرانيا». وتابع: «أجرينا نقاشاً استمر نحو 40 دقيقة لإحراز تقدّم في موضوع يهمّنا جميعاً».


في سابقة عالمية... أستراليا تحظر وصول القُصّر إلى وسائل التواصل الاجتماعي

رفع شعار «دَعُوهم يبقوا أطفالاً» ضمن حملة تقييد استخدام التواصل الاجتماعي للقُصّر على جسر ميناء سيدني في أستراليا يوم 10 ديسمبر (إ.ب.أ)
رفع شعار «دَعُوهم يبقوا أطفالاً» ضمن حملة تقييد استخدام التواصل الاجتماعي للقُصّر على جسر ميناء سيدني في أستراليا يوم 10 ديسمبر (إ.ب.أ)
TT

في سابقة عالمية... أستراليا تحظر وصول القُصّر إلى وسائل التواصل الاجتماعي

رفع شعار «دَعُوهم يبقوا أطفالاً» ضمن حملة تقييد استخدام التواصل الاجتماعي للقُصّر على جسر ميناء سيدني في أستراليا يوم 10 ديسمبر (إ.ب.أ)
رفع شعار «دَعُوهم يبقوا أطفالاً» ضمن حملة تقييد استخدام التواصل الاجتماعي للقُصّر على جسر ميناء سيدني في أستراليا يوم 10 ديسمبر (إ.ب.أ)

رحّب رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي بحظر وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً، في خطوة رائدة عالمياً تهدف إلى «حمايتهم من الإدمان» على منصات «إنستغرام» و«تيك توك» و«سناب تشات».

ويطول هذا القرار مئات الآلاف من المراهقين الذين كانوا يقضون يومياً ساعات طويلة على هذه المنصات، كما يختبر قدرة الدول على فرض قيود شديدة الصرامة على شركات التكنولوجيا العملاقة، كالأميركيتين «ميتا» و«غوغل». ويمنع القرار منصات كـ«فيسبوك» و«إنستغرام» و«يوتيوب» و«تيك توك» و«سناب تشات» و«ريديت» و«إكس» من فتح حسابات لمستخدمين دون السادسة عشرة، ويُلزمها إغلاق الحسابات المفتوحة حالياً. ويشمل أيضاً منصتي البث التدفقي «كيك» و«تويتش». وتواجه المنصات المعنية بالقرار، في حال عدم اتخاذها تدابير «معقولة» لضمان تطبيقه، غرامات تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (32.9 مليون دولار أميركي).

«سلاح للمتحرّشين والمحتالين»

وعشية بدء تطبيق القرار، شرح رئيس الوزراء العمالي أنتوني ألبانيزي، أسباب اتخاذه القرار، وقال إن «وسائل التواصل الاجتماعي يستعملها المتحرشون سلاحاً (...)، وهي أيضاً مصدر للقلق، وأداة للمحتالين، والأسوأ من ذلك أنها أداة للمتحرشين (جنسياً) عبر الإنترنت».

تفرض منصات التواصل الاجتماعي في أستراليا قيوداً على المستخدمين القُصّر ممن تقل أعمارهم عن 16 عاماً (أ.ف.ب)

وقال ألبانيزي لهيئة الإذاعة الأسترالية: «هذا هو اليوم الذي تستعيد فيه العائلات الأسترالية القوة من شركات التكنولوجيا الكبرى، وتؤكد حق الأطفال في أن يكونوا أطفالاً، وحقّ الآباء في مزيد من راحة البال». وأضاف ألبانيزي في اجتماع لأسر تضررت من وسائل التواصل الاجتماعي: «هذا الإصلاح سيغيّر الحياة للأطفال الأستراليين... سيسمح لهم بعيش طفولتهم. وسيمنح الآباء الأستراليين راحة بال أكبر. وأيضاً للمجتمع العالمي الذي ينظر إلى أستراليا ويقول: حسناً، إذا استطاعت أستراليا فعل ذلك، فلماذا لا نستطيع نحن كذلك؟».

وأعرب كثير من أولياء الأمور عن ارتياحهم لهذا الإجراء، آملين أن يسهم في الحد من إدمان الشاشات ومخاطر التحرش على الإنترنت والتعرض للعنف أو المحتويات الجنسية.

في المقابل، نشر العديد من الأطفال «رسائل وداع» على حساباتهم قبل دخول القرار حيّز التنفيذ. فيما عمد آخرون إلى «خداع» تقنية تقدير العمر لدى المنصات برسم شعر على الوجه. ومن المتوقع أيضاً أن يساعد بعض الآباء والأشقاء الأكبر سناً بعض الأطفال على الالتفاف على القيود الجديدة.

مراقبة الامتثال

وأقرّ ألبانيزي بصعوبة التنفيذ وقال إنه «لن يكون مثالياً»، موضّحاً أن هذا الإجراء يتعلق «بمواجهة شركات التكنولوجيا الكبرى»، وبتحميل منصات التواصل الاجتماعي «مسؤولية اجتماعية».

جانب من لقاء ألبانيزي أهالي متضررين من استخدام أطفالهم وسائل التواصل الاجتماعي في سيدني يوم 10 ديسمبر (أ.ف.ب)

وستتولى مفوضة السلامة الإلكترونية في أستراليا، جولي إنمان غرانت، تنفيذ الحظر. وقالت إن المنصات لديها بالفعل التكنولوجيا والبيانات الشخصية حول مستخدميها لفرض قيود العمر بدقة. وقالت إنها سترسل الخميس، إشعارات إلى المنصات العشر المستهدفة تطلب فيها معلومات حول كيفية تنفيذ قيود العمر، وعدد الحسابات التي أُغلقت.

وقالت إنمان غرانت: «سنقدم معلومات للجمهور قبل عيد الميلاد حول كيفية تنفيذ هذه القيود، وما إذا كنا نرى مبدئياً أنها تعمل». وأضافت: «ستشكّل الردود على هذه الإشعارات خط الأساس الذي سنقيس عليه الامتثال».

بدورها، قالت وزيرة الاتصالات أنيكا ويلز، إن المنصات الخاضعة لقيود العمر «قد لا توافق على القانون، وهذا حقها. نحن لا نتوقع دعماً عالمياً بنسبة 100 في المائة»، لكنها أوضحت أن جميعها تعهّدت بالامتثال للقانون الأسترالي. وقالت إن أكثر من 200 ألف حساب على «تيك توك» في أستراليا قد تم إلغاؤه بالفعل بحلول الأربعاء.

وحذّرت ويلز أيضاً الأطفال الصغار الذين أفلتوا من الرصد حتى الآن من أنهم سيُكتشفون في النهاية، كما نقلت عنها وكالة «أسوشييتد برس». وضربت مثالاً بطفل يستخدم «شبكة افتراضية خاصة ليبدو كأنه في النرويج»، قائلةً إنه «سيُكشَف إذا كان ينشر صوراً لشواطئ أستراليا بانتظام». وتابعت: «مجرد أنهم ربما تجنبوا الرصد اليوم لا يعني أنهم سيتمكنون من تجنبه بعد أسبوع أو شهر، لأن المنصات يجب أن تعود وتتحقق بشكل روتيني من حسابات من هم دون 16 عاماً».

أما عن الأطفال الذي يعتمدون على مساعدة أقاربهم الأكبر سناً لتجاوز الحظر عبر «مسحات الوجه»، فقالت الوزيرة: «قد (...) يمنحك ذلك بعض الوقت الإضافي، إلا أن ذلك لا يعني أن هذه الحسابات لن تراك تتحدث مع أطفال آخرين في عمر 14 عاماً عن بطولة كرة القدم للناشئين في عطلة نهاية الأسبوع، أو عن عطلتك المدرسية المقبلة، أو عن معلم الصف العاشر العام القادم».

آراء متباينة

واين هولدسوورث، الذي تحوَّل إلى مدافع عن فرض قيود على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن انتحر ابنه ماك إثر تعرضه لابتزاز جنسي عبر الإنترنت، قال إن القانون الجديد مجرد بداية، وإنه يجب تثقيف الأطفال بشأن مخاطر الإنترنت قبل سن 16 عاماً. وقال خلال لقاء مع رئيس الوزراء الأسترالي وأهالي متضررين من هذه المنصات: «أطفالنا الذين فقدناهم لم يذهبوا هدراً، لأنهم اليوم ينظرون بفخر إلى ما قمنا به».

أثار القرار الأسترالي ردود فعل متباينة بين المستخدمين (أ.ف.ب)

من جهتها، قالت فلاوسي برودريب، البالغة 12 عاماً، للحضور إنها تأمل أن تحذو دول أخرى حذو أستراليا، وهو ما لمّحت إليه بالفعل نيوزيلندا وماليزيا. وأضافت: «هذا الحظر جريء وشجاع، وأعتقد أنه سيساعد أطفالاً مثلي على أن ينشأوا أكثر صحة وأماناً ولطفاً وارتباطاً بالعالم الحقيقي».

ولا يلقى هذا الحظر نفس الدعم لدى سيمون كليمنتس، التي قالت إنه سيشكل خسارة مالية لتوأميها البالغين 15 عاماً، كارلي وهايدن كليمنتس. فكارلي ممثلة وعارضة وراقصة ومغنية ومؤثرة، وشقيقها ممثل وعارض أزياء. وأوضحت: «أعلم أن وضعنا فريد، لأن أطفالنا يعملون في مجال الترفيه، ووسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة تماماً بهذه الصناعة. لقد استخدمنا وسائل التواصل بطريقة إيجابية جداً، وهي منصة لعرض أعمالهم... كما أنها مصدر دخل لهما». وفي هذا الصدد، تقدّمت مجموعة تدافع عن الحق في استعمال الإنترنت أمام المحكمة العليا في أستراليا بطعن في القرار.

وانتقدت شركات التكنولوجيا العملاقة كـ«ميتا» و«يوتيوب» هذا القانون الذي سيحرمها أعداداً كبيرة من المستعملين. لكنّ معظمها وافقت مع ذلك على احترامه، مثل «ميتا» التي أفادت بأنها ستبدأ إغلاق حسابات مشتركيها البالغين أقل من 16 عاماً.