الحكومة الهندية في مواجهة مع «تويتر»

في بلد تُعد واحدة من أكبر ثلاث أسواق للإنترنت مع ما يقرب من 700 مليون مستخدم

الخبير بافان دوغال
الخبير بافان دوغال
TT

الحكومة الهندية في مواجهة مع «تويتر»

الخبير بافان دوغال
الخبير بافان دوغال

دخلت منصات التواصل الاجتماعي في اشتباك حقيقي مع الحكومة الهندية، بعدما بدأت الأخيرة عملية مراقبة لمنصات التواصل الاجتماعي، وخدمات الرسائل، ومنصات «أوفر ذا توب» لجعلها مسؤولة عن المحتوى.
يوم 25 فبراير (شباط) من العام الحالي، أصدرت الهند مجموعة جديدة من القواعد تحت اسم «قواعد تكنولوجيا المعلومات» (إرشادات للوسطاء ومدونة أخلاقيات الوسائط الرقمية)، و«قوانين 2021». فيها سعت إلى طلب الامتثال من قبل جميع المنصات العاملة في الهند - وأبرزها «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«واتساب» و«تلغرام» و«سيغنال»، بل وحتى عمالقة التكنولوجيا الأجانب مثل «نتفليكس» و«أمازون» وغيرها.
الحكومة الهندية أعطت فترة زمنية مدتها ثلاثة أشهر للامتثال لهذه اللوائح، وبعد ذلك سيؤدي رفض الامتثال إلى فقدان هذه المنصات وضعها الوسيط الذي يمنحها حصانة من المسؤوليات عن أي بيانات طرف ثالث تستضيفها. بمعنى آخر، يمكن أن تتحمل هذه المنصات مسؤولية الإجراءات الجنائية في حالة تقديم شكوى ضدها. ومع انتهاء مهلة الثلاثة أشهر للامتثال، ورغم امتثال معظم وسطاء وسائل التواصل الاجتماعي الأساسيين للقواعد الجديدة، رفعت مجموعة «واتساب» التابعة لـ«فيسبوك» دعوى قضائية في محكمة دلهي العليا ضد الحكومة الهندية بشأن قضايا حرية التعبير وحماية الخصوصية.
وادعت «واتساب» أن قواعد وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة للحكومة تنتهك الحق في الخصوصية في الهند، وأن الهند - عبر حكومتها - تطلب منها شيئاً لم يطلبه أي بلد آخر. إذ تقول الشكوى: «لم نسمع عن دولة تطلب من الوسطاء القيام بذلك». في المقابل، تجادل الشركة الأميركية بأن المطالبة بتتبع منشأ الرسالة ليس له عقوبة قانونية. فهو لا يحمي الأشخاص مثل الصحافيين والنشطاء السياسيين من الإجراءات التعسفية للدولة. ثم إن القاعدة لا تفي باختبار التناسب - المطلوب الآن بموجب القانون الهندي بعد حكم المحكمة العليا لعام 2017 - لكونها أقل انتهاك يقيد الحق الأساسي للهنود في الخصوصية.
سيتعيّن على المحكمة الآن أن تقرّر ما إذا كان من المناسب انتهاك خصوصية الجميع لتحديد هوية مرسل الرسالة. وردّاً على دعوى «واتساب»، التي تتحدّى القواعد الرقمية الجديدة على أساس انتهاك خصوصية المستخدم، قالت الحكومة إنها ملتزمة بالحق في خصوصية المواطنين لكنها تخضع «لقيود معقولة» و«لا يوجد حق أساسي مطلق». وأضافت، أن ما تريده من «واتساب» فقط هو معرفة أصل الرسائل التي تدعو إلى العنف وأعمال الشغب والإرهاب والاغتصاب وتهديد الأمن القومي وما إلى ذلك.
ما يذكر أنه سبق للمحكمة العليا في أحكام سابقة أن قضت بأن للحكومة الحق في معرفة أصل الرسائل المزيّفة التي تسبب المشاكل. وأنه عندما تطلب حكومات الولايات المتحدة أو بريطانيا أصل الرسائل التي ينشرها الإرهابيون، فإن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تمدّها بالمعلومات. إذن، لماذا لا يستطيعون فعل الشيء نفسه للحكومة الهندية؟

ما هي القواعد وكيف ظهرت؟
تنصّ القواعد على أن على هذه المنصات - أو المواقع - أن تعيّن كبير مسؤولي الامتثال، أو مسؤول اتصال، أو مسؤول التظلمات المقيم، وتكلفه بمعالجة مخاوف الأشخاص أو المؤسسات المتضررة، وتنصّ القاعدة أيضاً على أن هؤلاء الأشخاص أن يكونوا مقيمين في الهند. وبصرف النظر عن هذه القواعد، يحتاج وسطاء وسائل التواصل الاجتماعي إلى الحصول على عنوان اتصال على الأرض في الهند منشور على موقع «الويب» أو تطبيق الهاتف الجوال أو كليهما، وأيضاً نشر تقرير امتثال شهري يوضح مقدار الشكاوى التي تلقوها وتفاصيل الإجراءات التي اتخذوها لمعالجة الشكاوى.
وفقاً لبافان دوغال، خبير الإنترنت المرموق، «يمكن أن تكون القواعد الجديدة الخطوة الأولى من قِبَل البلدان في جميع أنحاء العالم لمراقبة عمالقة التكنولوجيا الذين تعتقد الحكومات أنهم أصبحوا يتمتعون بسلطة مفرطة، ولكن مع القليل جداً من المساءلة. ستعني قواعد الوسائط الاجتماعية الجديدة أيضاً أن الأنظمة الأساسية ستكون مطلوبة لإزالة أنواع معينة من المحتوى، يمكن أن تتضمن منشورات إباحية أو انتحال شخصية بما في ذلك الصور المشوهة».
جدير بالذكر، أن الهند تُعد واحدة من أكبر ثلاث أسواق للإنترنت، مع ما يقرب من 700 مليون مستخدم. وفيها 530 مليون مستخدم لـ«واتساب» و410 مستخدمي «فيسبوك» ونحو 175 مليون مستخدم «تويتر». ولتوضيح المشكلة أكثر، تجدر الإشارة هنا إلى أن قواعد وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة في الهند تأتي بعد مواجهة بين الحكومة و«تويتر» وقعت بعدما أعادت الأخيرة عدداً من الحسابات التي كانت الحكومة قد أمرت بإزالتها بسبب «الهاشتاغات» اعتبرتها مثيرة للفتن.
هذا، وكانت الاحتجاجات على الإصلاحات الزراعية في الهند قد أدت إلى إصدار وزارة الداخلية توجيهاً يأمر مقدمي خدمات مثل «ريالاينس جيو» و«بهراتي أرتيل» و«فودافون أيديا» بتعليق خدمات الإنترنت في أجزاء من العاصمة دلهي. وبالإضافة إلى ذلك، أغلق موقع «تويتر» أخيراً حسابات العديد من المستخدمين عندما انتقدوا شخصاً ما. وقد اشتكى أحد المستخدمين - لم يكشف عن هويته، وجرى تعليق حسابه بعدما سمى بعض الأشخاص المسؤولين عن أعمال شغب طائفية في دلهي - قائلاً إن «تويتر يقول إنه يسعى إلى تعزيز حرية التعبير، وبعد ذلك يُقدم على حظر حساب أشخاص».

المواجهة مع «تويتر»
دخل موقع «تويتر» أيضاً في خلافات مع الحكومة الهندية، ووصلت المواجهة بين الجانبين إلى ذروتها عندما خرج «تويتر» بتصريح يعرب فيه عن قلقه على سلامة موظفيه بسبب «تكتيكات التخويف» للسلطات الهندية، وذلك بعد أيام من زيارة الشرطة لأحد مكاتبها لطلب حذف إشعار لتغريدة نشرها مسؤول في الحزب الحاكم صنّفها «تويتر» على أنها «إعلام مستقطِب».
وقال «تويتر» في بيانه ما يلي: «نحن وكثيرون غيرنا في المجتمع المدني، في الهند وحول العالم، لدينا مخاوف إزاء ما يتعلق باستخدام تكتيكات التخويف من قبل شرطة دلهي رداً على إنفاذ شروط الخدمة العالمية الخاصة بنا، وكذلك الحال مع العناصر الأساسية لقواعد تكنولوجيا المعلومات الجديدة».
وردت الحكومة الهندية على «تويتر» بشدة قائلة إنها «مجرد منصة وسائط اجتماعية، يتوجب عليها أن تتوافق مع القوانين الهندية. إن بيان (تويتر) ما هو إلا محاولة لإملاء شروطه على أكبر ديمقراطية في العالم، حيث يسعى (تويتر) من خلال أفعاله وتحدّيه المتعمّد إلى تقويض النظام القانوني في الهند. إن صياغة القوانين والسياسات حق أصيل لدولة ذات سيادة، و(تويتر) هي مجرد منصة وسائط اجتماعية وليس لها موضع أكبر من ذلك بين المنصات الإعلامية. وبالتالي، ليس لها الحق في إملاء ما يجب أن يكون عليه إطار السياسة القانونية للهند».
فيما يخصّ الجدل الحالي المتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي، أكد وزير تكنولوجيا المعلومات الهندي رافي شانكار براساد، أن أي شركة أجنبية تمارس نشاطاً تجارياً داخل الهند عليها اتباع القوانين الهندية. وأشار إلى أن كبار مديري «فيسبوك» و«تويتر» و«غوغل» مثلوا أمام مجلس الشيوخ الأميركي ومجلس العموم البريطاني في الماضي القريب، وأنه إذا كان عليهم اتباع القوانين الأميركية والبريطانية، فعليهم أيضاً اتباع القوانين الهندية.... ويجب ألا يكون هناك مجال للمعايير المزدوجة.
من جهته، يقول جيتين جاين، الخبير الرائد في مجال الأمن «السيبراني»، معقِّباً ومؤيداً موقف الحكومة «إن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تتحدّى قوانيننا الحالية، وتتدخل في عملية صنع السياسات لدينا التي هي وظيفة الحكومة. لا ينبغي أن يتنمّر (تويتر) على الهند للتأثير على سياساتها، بل عليها العمل كشركة خاصة والامتثال للقانون ودفع ضرائب على الأموال التي يكسبونها من البيانات الهندية».
في المقابل، أشارت «مؤسسة حرية الإنترنت»، وهي منظمة غير حكومية معنية بتعزيز الحقوق والحريات الرقمية، إلى «الجوانب المقلقة» للقواعد الحكومية، حيث أشار أحد المنشورات إلى أن «هذا يضر بشدة بالحقوق الأساسية في التعبير والخصوصية، لأنه سيقوّض التشفير (الترميز) من طرف إلى طرف، ومن المحتمل أن يتسبب في تأثير مخيف على المحادثات الخاصة».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.