تستعد منافسات كأس أوروبا «يورو 2020» لكرة القدم التي أرجئت لمدة عام بسبب تداعيات فيروس «كورونا» للانطلاق يوم 11 يونيو (حزيران) الحالي، لكن على ما يبدو أن فكرة إقامة المنافسات موزّعة على 11 مدينة بالقارة العجوز، لكي تكون فرصة لمشاركة احتفالية جماهيرية إلى هاجس يهدد البطولة في ظل العوائق التي أوجدها تفشي جائحة (كوفيد - 19) وصعوبة تنقل الفرق والمشجعين.
وكان الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) السابق صاحب الفكرة يريد إطلاق المنافسات في 13 مدينة في أنحاء القارة لتكون احتفالية تتوحد فيها القارة بمناسبة الذكرى الستين للبطولة، لكن ظهور فيروس «كورونا» حولها إلى كابوس وأدى في البداية إلى تأجيل المنافسة لمدة عام، تبعه غموض وتشكيك حيال انعقادها زماناً ومكاناً، ثم تقليص المدن المستضيفة من 13 إلى 11 لكن الخطر والقيود لنقل المنتخبات ووسائل الإعلام والمشجعين ما زال قائما.
وخسرت مدينتا بلباو الإسبانية ودبلن الآيرلندية، حقهما في الاستضافة بسبب صعوبة وفائهما بمتطلبات «يويفا» بالسماح بدخول الجماهير، فانتقلت المباريات التي كانت مقررة في بلباو إلى مدينة مضيفة جديدة في إسبانيا أيضاً، وهي إشبيلية، فيما توزعت المباريات التي كانت مقررة في دبلن بين مدينتين كانتا مدرجتين أصلاً على لائحة المدن المضيفة، وهما سان بطرسبورغ ولندن.
وتعهدت المدن التي بقيت على لائحة المدن المضيفة بأن تسمح بحضور المشجعين في المدرجات لكن بنسب متفاوتة تتراوح بين 25 و100 في المائة من سعة ملاعبها، وهو أمر عاد ليكون محل شك قبل انطلاق المنافسات بأيام قليلة لرفض بعض الدول فتح حدودها للزائرين؛ خشية تفش جديد لنوعية من الفيروس المتحور.
وتنطلق البطولة من «الملعب الأولمبي» في العاصمة الإيطالية روما يوم الجمعة 11 يونيو الحالي، على أن تختتم بالمباراة النهائية على ملعب «ويمبلي» في لندن، لكن رغم تأكيد «يويفا» على أن المنافسات ستنطلق في موعدها فإن الإجراءات التنظيمية ما زالت تلقي شكوكا جديدة مثلما حدث من الجانب الألماني عندما أكد رئيس بلدية مدينة ميونيخ أنه لم يمنح أي وعد من أي نوع لضمان حضور المتفرجين. وقال مارتين كالن مدير البطولة أمس، إن القرار لم يحسم بعد بشأن السماح للوافدين من بريطانيا بدخول ألمانيا وأوضح: «يويفا ما زال في نقاش مع الحكومة الألمانية للوصول لحل، لم نضع الحل بشكل ملموس على الطاولة بعد، لكن يوجد شيء واحد واضح هو ضمان عدم فرض حجر صحي على الجماهير الزائرة، لكن في حالة وجود نتائج سلبية للفحوص (فحوص فيروس كورونا المستجد)، سيكون ذلك محتملا».
ومع الإشارة إلى وجود سلالات متحورة لفيروس «كورونا» في بريطانيا، عادت ألمانيا لتقييد قواعد السفر المعمول بها حاليا، وفرضت حظرا على بعض المناطق لتصبح مقتصرة على مواطنيها فقط وحاملي الإقامة في ألمانيا. وتستضيف مدينة ميونيخ الألمانية ثلاث مباريات في دور المجموعات ومباراة واحدة في دور الثمانية في الثاني من يوليو (تموز) المقبل، وقد يكون أحد طرفي تلك المباراة منتخبا خاض مباراته في دور الستة عشر في لندن قبلها بأيام قليلة.
وقال كالن: «قد تكون هناك مشكلة إذا لعب منتخب في لندن وبعدها كان عليه السفر إلى ميونيخ لخوض دور الثمانية». وقال هيلغه براون رئيس ديوان المستشارية الألمانية: «وزارتا الداخلية والصحة تتناقشان لتحديد أي المجموعات من الأشخاص وأي التدابير الوقائية الواجب تطبيقها للسماح بالدخول إلى ألمانيا للمشاركة في البطولة». لكن مع بقاء ثلاثة أيام فقط على بدء المنافسات بدأت تتكشف لدى الاتحاد الأوروبي صعوبة التنظيم المنتشر حول دول القارة، وأنه كان يجب تقليص المدن، أو منحها بالكامل لإنجلترا حيث الملاعب عديدة وحملة التطعيم متقدمة جداً.
ورغم محاولة تطبيق نظام آمن للبطولة يعتمد بشكل أساسي على «الفقاعات» للمنتخبات، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات للمشجعين، من خلال وصول متعاقب إلى الملعب والتطهير والتباعد، فإن تعرض قائد منتخب إسبانيا سيرجيو بوسكيتس للإصابة بفيروس «كورونا» وخروجه من التشكيلة مؤقتا ليخضع لحجر صحي، يثير القلق من إمكانية أن يكون هناك لاعبون مخالطون تعرضوا للعدوى. وما حدث في إسبانيا قد يتكرر أيضا مع منتخبات أخرى تجري مباريات إعدادية مع فرق لا تخضع (للفقاعة) لأنها لم تتأهل أصلا للنهائيات. وقرر خوسيه مانويل رودريغيز أوريبس وزير الرياضة الإسباني أمس أن يتم تلقيح جميع لاعبي منتخب بلاده خشية تفشي العدوى بينهم. وتسببت إصابة بوسكيتس في فوضى في استعدادات إسبانيا للبطولة، حيث دخل باقي لاعبي التشكيلة والبالغ عددهم 23 لاعبا في العزل إلى جانب كل أفراد الجهاز التدريبي. كما تولى لويس دي لا فوينتي مدرب إسبانيا تحت 21 عاما قيادة المنتخب الشاب أمام ليتوانيا وديا أمس في مباراة كان من المفترض أن تمثل آخر تجربة للمنتخب الأول قبل بداية مسيرته في كأس أوروبا حيث يستهل مشواره بلقاء نظيره السويدي في إشبيلية يوم 14 الجاري. وخشية أن يتعرض لاعبون آخرون للعدوى قرر لويس إنريكي مدرب إسبانيا استدعاء ستة لاعبين جدد، منهم كيبا أريزابالاغا حارس تشيلسي الإنجليزي، ومدافع فياريال المخضرم راؤول ألبيول الذي شارك في 56 مباراة دولية وتوج مع فريقه بلقب الدوري الأوروبي الشهر الماضي، إضافة إلى رودريغو مورينو، مهاجم ليدز يونايتد الإنجليزي، ولاعبي خط الوسط بابلو فورنالس (وستهام) وكارلوس سولير (فالنسيا) وبرايس مينديز (سيلتا فيغو). وسيدخل اللاعبون الستة «فقاعة موازية» ويتدربون بعيدا عن المحتجزين بالحجز كي يكونوا مستعدين لدخول قائمة المدرب إنريكي.
ويذكر أن القلق كان يحوم أيضا حول تجربة منتخب ألمانيا الأخيرة التي فازت فيها 7 - 1 على لاتفيا بعد أن تم اكتشاف حالة مصابة بفيروس «كورونا» في الفريق المنافس.
وكان الاتحاد اللاتفي لكرة القدم قد أعلن قبل اللقاء الذي أقيم مساء أول من أمس عن أن لاعبا بالمنتخب، لم يجر الإعلان عن هويته، أصيب بعدوى فيروس «كورونا» المستجد، وجرى عزله مع أقرب المخالطين له. ورغم ذلك أقيمت المواجهة مع ألمانيا في مدينة دوسلدورف. وحصل المنتخب الألماني على جرعة معنوية أمام حوالي ألف مشاهد سُمح لهم بحضور اللقاء، لكن القلق من العدوى هدد الفريق قبل 6 أيام من مباراته الأولى في النهائيات القارية أمام فرنسا بطلة العالم 2018 في ميونيخ، حيث وضعته القرعة في «مجموعة الموت» إلى جانب البرتغال حاملة اللقب والمجر.
وتعتبر كأس أوروبا مصدراً مالياً مهما للاتحاد القاري، ومنذ العام 2018 خطّط يويفا لتوزيع 371 مليون يورو على 24 مشاركاً، وكان كل منتخب يخسر جميع مبارياته يحصّل 9.25 مليون يورو، فيما تكون حصة البطل 34 مليون يورو. لكن عائدات البطولة، لا سيما من حقوق البث التلفزيوني الغزيرة، تم توزيع 775 مليون يورو منها على 55 اتحاداً أوروبياً بين عامي 2020 - 2024 تحت اسم «التضامن»، وتتقاسم الفرق 200 مليون يورو فيما بينها.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) رفع قراره المنوط بتحديد الطاقة الاستيعابية للملاعب المستضيفة للبطولة عند 30 في المائة والذي كان اتخذه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تاركاً للسلطات المحلية تحديد السعة المحتملة، في ظل الوضعية المختلفة لكل بلد في إدارة جائحة (كوفيد - 19) على أمل زيادة المداخيل، إلا أن تقييد بعض الدول على المشجعين الزائرين يهدد فكرة الاحتفالية التي كان يدعو لها بلاتيني سابقا. وتمنى الاتحاد الأوروبي أن يرى بعض ملاعب المدن المستضيفة ممتلئة بكاملها لكن مما لا شك فيه أنه يدرك الآن خطأ الاستمرار في التمسك بفكرة إقامة البطولة في 11 دولة في خضم أزمة صحية وتفش لسلالات معدية جديدة من الجائحة.
وفضلا عن تأثيرات «كوفيد - 19» والصعوبات التنظيمية والانتقادات المتزايدة للتأثير البيئي للرحلات الجوية المتعددة، باتت هناك قناعة في الاتحاد الأوروبي بعدم تكرار التجربة، خصوصا أن بلاتيني، صاحب الفكرة، قد فقد شعبيته ومنصبه بعد سقوطه عام 2015 في فخ الفساد مع الرئيس السابق لفيفا السويسري جوزيف بلاتر، وتم اعتماد ألمانيا في سبتمبر (أيلول) 2018 لتستضيف نسخة العام 2024.
فكرة إقامة كأس أوروبا في 11 مدينة تتحول إلى هاجس مخيف قبل انطلاق المنافسات
«كوفيد ـ 19» يضع منتخب إسبانيا في الحجر ولاعبو ألمانيا يخشون العدوى خلال مواجهة لاتفيا التجريبية... و«يويفا» قلق من قيود سفر الجماهير
فكرة إقامة كأس أوروبا في 11 مدينة تتحول إلى هاجس مخيف قبل انطلاق المنافسات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة