قراءة أميركية سياسية ـ عسكرية تتجاهل الخطر الإيراني والمخاوف منه

في ورقة حول تهديد «داعش»

جيمس جيفري
جيمس جيفري
TT

قراءة أميركية سياسية ـ عسكرية تتجاهل الخطر الإيراني والمخاوف منه

جيمس جيفري
جيمس جيفري

طرح جيمس جيفري، سفير الولايات المتحدة الأميركية السابق لدى العراق وتركيا، أخيرا ورقة سياسية عنوانها «تقدير خطر داعش الاستراتيجي»، شملت جملة من التصورات، ومعها جرى طرح تقييم وتوجيهات لسياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه «داعش»، والوضع العام الراهن بالعراق وسوريا. ولقد اختارت «الشرق الأوسط» في ما يلي عرض هذا الطرح لسببين وجيهين: الأول، كون معدّ التصور شخصية عسكرية ودبلوماسية، إذ سبق له أن خدم في الجيش الأميركي، وأصبح في ما بعد سفيرا. والثاني، أن هذا الطرح قدم يوم 12 فبراير (شباط) المنصرم، أمام لجنة الشؤون الخارجية التي تعد إحدى أهم لجان مجلس النواب الأميركي.
ولقد حاول جيفري، وهو زميل حاليا في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، أن يوضح مدى فعالية الاستراتيجية الأميركية الخاصة بمواجهة تنظيم داعش، انطلاقا مما يشكله التنظيم من تهديد لأمن الولايات المتحدة ومصالحها. ومن هنا سأحاول تقديم أهم أفكار الورقة - التي نشرت في موقع «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» على الإنترنت - من دون المساس بجوهر تركيبها الذي اعتمده صاحبها أمام النواب الأميركيين.

* الفكرة المركزية
* تعتبر ورقة جيفري أن الاستراتيجية الأميركية الحالية القائمة على إضعاف «داعش»، ومن ثم القضاء عليه في المرحلة النهائية، هو المهمة الصحيحة. ولذلك فهو يرى أن الحملة الجارية راهنا سليمة أساسا، لأن التحالف الأميركي الدولي الذي يضم نحو 60 دولة استطاع عبر عمله العسكري المضي قدما. فمن جهة تتضمن هذه الاستراتيجية أعمالا عسكرية مباشرة وتدريبا للقوات المحلية وتجهيزا لها، ومن جهة ثانية تسعى للحد من تدفق المقاتلين الأجانب والأموال إلى صفوف التنظيم وخزينته، ومحاربة آيديولوجية التطرف العنيف التي تغذّي التنظيم. ثم، من الناحية الإنسانية، تروم أميركا وتحالفها الدولي ضبط التكاليف البشرية الناتجة عن مواجهة «داعش»، وفي الوقت نفسه بناء القدرات السياسية مع حلفاء الولايات المتحدة في كل من العراق وسوريا.
وحسب ورقة جيفري، صحيح أن هذه الاستراتيجية حققت في الفترة الأخيرة نجاحات ملحوظة، وتعزّزت أكثر بعد الإعدام البشع للطيار الأردني معاذ الكساسبة، لكنها ما زالت تواجه صعوبات مقدّرة لأن تنظيم داعش خصم مرن ذو خطورة استثنائية، لأسبابٍ يمكن تفسيرها على الشكل التالي:
أولا، إن الحملة العسكرية الأميركية على الأرض ستقع تحت وطأة ضغط كبير عندما تبدأ بتنفيذ هجمات كبيرة، علما بأنها تواجه سؤالا مركزيا يدور حول السيناريوهات المحتملة في كل من العراق وسوريا بعد الانتصار على «داعش».
ثانيا، ثمة خطر تحوّل حملة مواجهة «داعش» إلى مجرد عملية لاحتواء للتنظيم، وهذا يعني فشل التحالف الدولي وعودة تهديدات التنظيم من جديد. وأمام هذا الاحتمال الوارد يقدم السفير جيفري توصيته الأولى لصانع القرار السياسي الخارجي الأميركي، بأن يتصرّف «بشكل أسرع، مع أخذ مزيد من المجازفات والاستعانة بموارد أكثر وأكبر، ورفض الافتراض بأن (عامل الوقت إلى جانبنا).. فهو اليوم ليس كذلك، لا في الشرق الأوسط ولا في العالم».

* «داعش» تنظيم فريد ومرن
* بعدها يشرح جيفري ويحلل طبيعة التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، بشكل مكمل لفكرته المركزية. فهو يعتبر أن تنظيم البغدادي ذو أبعاد خاصة وفريدة، كما أنه يمثل مخاطر طويلة الأمد في المنطقة المعروفة أميركيا بـ«الشرق الأوسط الكبير»، أي المنطقة الممتدة بين باكستان والمحيط الأطلسي. ويساعد التنظيم، حسب جيفري، وضع المنطقة التي تشهد تشكيكا شعبيا واضحا في مدى شرعية بعض أنظمتها، مصحوبا بالعودة القوية للعشائرية والقبلية والطائفية. ولأن تنظيم داعش سليل لمجموعة من الحركات المتشددة العنيفة كـ«القاعدة»، فإن حكومات المنطقة ستحتاج إلى وقت طويل لمكافحة جاذبية هذا التنظيم المنادي بـ«الوحدة الإسلامية الإقليمية»، حسب ادعاءاته.
ثم إن تنظيم داعش ليس مجرد ظاهرة جديدة للعنف والتطرف، بل هو تنظيم يسيطر على رقعة جغرافية كبيرة، ويسيّر شؤون نحو ستة ملايين نسمة، ومن هنا تأتي جاذبيته كـ«دولة خلافة» مزعومة لتُكسب التنظيم صفتي الفرادة وصعوبة المحاربة. وهذه الطبيعة الخاصة تجعل من «داعش» تنظيما مرنا يتمتع بقوة دفع ذاتي تمكنه من إلحاق الأذى بالولايات المتحدة ودول غربية أخرى، بشكل مباشر، أو عن طريق المتشددين المحليين.
كل هذا، وفق الورقة، يجعل الولايات المتحدة أمام واقع يستدعي خوض المزيد من المجازفات وتسريع العمليات الهجومية ضد تنظيم البغدادي. وعلى أميركا أن تقبل المخاطر الإضافية التي تفرضها المواجهة التي سيخوضها حلفاؤها في مدينة الموصل. ومع أنه صحيح أن الإدارة الأميركية بذلت حتى الآن جهودا كبيرة في المعركة الدولية ضد «داعش»، فإن المواجهة غالبا ما تُظهر واشنطن بمظهر الملتزم بـ«الصبر الاستراتيجي»، والملتزم به في هذا النزاع «حيث تحدّ من الموارد العسكرية التي تسخّرها للعملية أو ترصدها عن كثب، وعلى وجه الخصوص يعتبر تفادي وقوع أي خسائر أميركية أولوية استراتيجية».
أيضا، صحيح أنه لا أحد من صانعي القرار الأميركي يريد أن يرى أي خسائر أميركية، خاصة في الأفراد، في ظل المعركة، لكن هذه السياسة الصارمة المجنبة للمخاطر تسقط في مخاطر استثنائية إذا ما استمرت الحملة الدولية بهذا المستوى من البطء. ولذا، لا بد من تسريع وتيرة الأعمال الهجومية، وزيادة فعاليتها. وهذا يعني القيادة العسكرية أكثر من الإدارة الأميركية السياسية، فالقادة العسكريون يواجهون الواقع، ومن المفروض أن تمنحهم الإدارة الأميركية صلاحيات التعامل مع كل موقف، وهذا ما قد يخلق فوارق مع سياسة الرئيس أوباما الحالية.

* طبيعة السياق السياسي
* يقر السفير جيفري أن للقضية بعدا سياسيا في غاية الأهمية يشتغل عليه الطرفان المتحاربان، أميركا والتحالف الدولي من جهة، و«داعش» في الجهة المقابلة. وبناء عليه، لا بد من رد طويل المدى على هذا التنظيم وسائر الحركات المتطرفة. وهذا بدوره يتوقف على التطورات السياسية بالشرق الأوسط، إذ إن الانتصار الأميركي الدولي، سيعتمد أيضا «على التطوّرات السياسية في العراق وسوريا». ففي العراق، لا بد من التأكيد أن المناطق السنية تحتاج لحل سني عراقي، وهي عملية سبق للعرب السنّة أن نجحوا فيها مع حركة «الصحوة» بين عامي 2006 و2008. وفي الوقت الراهن توجد دينامية سياسية إيجابية بين مختلف الأطراف، إذ عيّن حيدر العبادي على رأس الحكومة بمشاركة سنية، وحُلّت بعض المشاكل العالقة مع الأكراد، مثل صفقة النفط مع كردستان العراق، وثمة موافقة على قانون جديد يخصّ «اجتثاث البعث»، و«مشروع قانون» يتعلّق بتشكيل «الحرس الوطني». في الوقت الحالي يواجه العبادي ضغطا من إيران وتهديدات من الساسة الشيعة، وكذلك تأثيرات انخفاض الإيرادات النفطية. وهنا يرى جيفري أنه على الدول العربية السنية الخليجية مساندة نظام العبادي و«العمل مع أصدقائها في المجتمع العراقي السني من أجل كسب تأييدهم». أما إلحاق الهزيمة بـ«داعش» فإنّه يتطلب على المدى الطويل التوفيق بين جميع الفئات الدينية والعرقية في العراق. وهذا بدوره سيتطلب: أولا، إلغاء المركزية، وتعميم ما تتمتع به «حكومة إقليم كردستان» راهنا على المحافظات السنية وربما في المحافظات الشيعية. وثانيا، تعهد الولايات المتحدة بتقديم التزام طويل الأمد بتوفير عدد محدود من الجنود الأميركيين لتدريب القوة الجوية وتأمينها. وثالثا، «التوضيح لإيران بأن أي مساعٍ تبذلها طهران للسيطرة على العراق واستبعاد الولايات المتحدة بالكامل ستؤدي إلى ظهور النسخة التالية من (داعش) وفي النهاية إلى تفكك البلاد، وربما أيضا إلى احتدام النزاع بين الشيعة والسنة».
أما في ما يتعلق بسوريا، فإن خطط الإدارة الأميركية تهدف لتشكيل «قوة دفاعية محلية» من أجل محاربة تنظيم داعش على ما يبدو، وليس محاربة حكومة بشار الأسد. ويرى جيفري أن الاستراتيجية الأميركية محقة في إعطاء الأولوية للعراق، لكنه يرى أيضا أن النصر هناك لن يدوم إذا ما استمر وجود التنظيم الإرهابي في سوريا. ثم إن التحالف الدولي الذي يضم الدول «العربية السنية وتركيا لن يظل متماسكا على المدى البعيد من دون وجود سياسة أميركية أكثر حزما تجاه نظام الأسد».

* الخاتمة
* لم تعبر الورقة عن وجهة نظر أميركية فحسب، بل تعدّت ذلك لرسم خطوط معينة لصانع القرار السياسي، لذلك أكد السفير جيفري أمام أعضاء لجنة الخارجية على ضرورة اتخاذ خطوات معينة ومحددة، لحماية مصالح أميركا وضمان أمنها القومي.
في المقابل، لم يلتفت الخبير بـ«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» لمصالح وأمن الحلفاء، خاصة في منطقة الخليج. وأقرّ بشكل ضمني بأن ثمة «شرعية» للخطوات الإيرانية في العراق ما دامت لم تستبعد الولايات المتحدة بشكل كامل هناك، وطبيعة هذا الإقرار يمكن أن تجعله كافيا لطرح عدد من الأسئلة بخصوص أهداف التحالف الدولي ضد «داعش»، ومدى توافقها مع الأمن القومي لدول الخليج العربي.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.