شهد الشهر المودع تغييراً على قمة إحدى كبريات مؤسسات الصحافة الأميركية المكتوبة، إذ أعلنت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» عن تعيين رئيس تنفيذي جديد، في خطوة عكست مساراً ما عاد ممكناً وقفه، مع اتجاه النشر والعمل الإخباري نحو مزيد من «الإنتاج الرقمي» القائم على دمج الصورة والصوت بالخبر المكتوب... وهذا، في عالم بات يتلقى «أخباره» من وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الجوالة واللوحات الرقمية، بدلًا من «أكوام الورق» داخل الممرات والمقاهي والمكاتب.
العرق والجنس والتحدي الرقمي
من جهة أخرى، يعكس التغيير أيضاً زيادة الحاجة إلى الرد على تحديات سياسية واجتماعية وعرقية تضخمت في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، مع ازدياد المطالبة بردم هوة الفوارق العرقية والثقافية والجنسية.
ومعروف أن هذه الفوارق كانت -ولا تزال- تهيمن على جسم العاملين في هذا القطاع، وعلى نوع التغطيات والتوازن المطلوب من أجل «تحقيق العدالة الاجتماعية والدفاع عن الديمقراطية»، على ما ورد في أحد التعاميم الداخلية التي وزعت على العاملين في هذه المؤسسة للإعلان عن تعيين المسؤول الجديد فيها.
«لوس أنجليس تايمز» عينت الصحافي المخضرم الأسود كيفن ميريدا رئيساً للتحرير، ليغدو ثالث شخص من غير البيض يدير أكبر مؤسسة إخبارية في الغرب الأميركي.
بالإضافة إلى ميريدا، عينت الصحافية السوداء كيمبرلي غودوين رئيسة لمحطة «إيه بي سي نيوز»، والصحافية السوداء رشيدة جونز رئيسة لمحطة «إم إس إن بي سي»، وهذه بلا شك تعيينات عكست زيادة التنوع في المناصب العليا في كبريات المؤسسات الإخبارية الأميركية.
وفي إعلان مكتوب من باتريك وميشيل سون شيونغ، مالكي «لوس أنجليس تايمز»، قالا إنهما «كلفا ميريدا بتحويل الصحيفة الحاملة لإرث 139 سنة إلى قوة رقمية تزدهر لعقود مقبلة»، في خطوة عدت تحقيقاً للوفاء بوعد القراء بزيادة التنوع في غرفة الأخبار وتثويرها، وهو ما وصفه الملياردير باتريك سون شيونغ، وهو رائد أعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية، بـ«المهمة الحاسمة لأعمالنا». وفي رسالة سابقة له للعاملين، في سبتمبر (أيلول) الماضي، كتب سون شيونغ، قائلاً: «إن غرفة الأخبار الأكثر شمولاً كانت جزءاً لا يتجزأ من توفير تغطية أقوى للمجتمعات السوداء واللاتينية والآسيوية الممثلة تمثيلاً منقوصاً».
تنافس الغرب والشرق
تعيين ميريدا، البالغ 64 سنة، وصفه النقاد بأنه تأكيد على التزام عائلة سون شيونغ بتطوير «لوس أنجليس تايمز» التي كانت قد اشترتها مع صحيفة «سان دييغو يونيون تريبيون» من مؤسسة «تريبيون بابليشينغ» (ومقرها مدينة شيكاغو) عام 2018، مقابل 500 مليون دولار، على الرغم من النكسات والأخبار الكاذبة عن احتمال تخليه عنها.
ومن ثم، استثمرت العائلة مئات الملايين من الدولارات لتجديد غرفة الأخبار الضعيفة، وبناء حرم جامعي لها في مدينة «إل سيغوندو»، وتحديث تكنولوجيا الصحيفة، وتغطية الخسائر المالية التي تفاقمت العام الماضي بسبب جائحة «كوفيد - 19» التي أدت إلى انخفاض حاد في عائدات الإعلانات.
وكانت الصحيفة «الكاليفورنية» العريقة قد خضعت أيضاً لمراجعة داخلية قاسية أجريت الصيف الماضي لمعالجة «إخفاقاتها التاريخية» في التعامل مع الملونين، سواء في تغطياتها الإخبارية أو مع موظفيها.
وعلى الرغم من تحسن إيراداتها الإعلانية، فإن الصحيفة ركزت على جذب المشتركين الرقميين، بدلاً من الاعتماد على المشتركين الورقيين الذين يبلغ عددهم نحو 330 ألف مشترك. واليوم، يبلغ متوسط زوار صفحتها نحو 45 مليون زائر شهرياً.
ومع أنه تضاعف عدد المشتركين الرقميين خلال العامين الماضيين، فإنها أخفقت في تحقيق أهدافها الطموحة التي حددها سون شيونغ، بالحصول على 3 ملايين مشترك رقمي، إذ حققت نحو 300 ألف مشترك فقط. وبالتالي، قال في مقابلة مع الإذاعة العامة الوطنية بلهجة تحدٍ إنه عازمٌ على التنافس مع «نيويورك تايمز»، وإنه سيحول صحيفته إلى قوة وطنية ودولية، مع أنها راهناً تتخلف عنهما بشكل كبير، مع نحو 7.5 مليون مشترك رقمي لـ«نيويورك تايمز».
أما «القائد» الجديد ميريدا الذي شغل منذ عام 2015 منصب رئيس تحرير بودكاست «إنديفيتد» في محطة «إي إس بي إن»، وسيتسلم مهامه رسمياً يوم 1 يونيو (حزيران) المقبل، فقد قال: «إن مثل هذه التحديات كانت جزءاً من جاذبية الوظيفة». وهو سيخلف نورمان بيرلستين، الصحافي المخضرم الذي كان سون شيونغ قد عينه لتحقيق الاستقرار في الصحيفة.
وبالفعل، فازت «لوس أنجليس تايمز» بثلاث جوائز «بوليتزر» تحت إدارته القصيرة.
وما يذكر أنه قبل وقت طويل من انضمامه إلى محطة «إي إس بي إن» المملوكة من مجموعة «والت ديزني» رئيساً لمجلس تحريرها، أمضى ميريدا عقوداً في تحليل كيفية تشكيل العرق للهويات والتصورات. وقد برز مرشحاً أول لهذا المنصب بسبب سمعته بصفته صحافياً محنكاً متمرساً، يتمتع بمزيج نادر من الخبرة في المنشورات المطبوعة القديمة والتلفزيون وإدارة شركة رقمية مبتدئة. وسيكون من موقعه الجديد مسؤولاً عن الإشراف على الصحافة التقليدية، ويساعد في توسيع مادتها، لتشمل الفيديو والبودكاست والفعاليات المجتمعية.
وفيما يخص سيرته الذاتية، كان ميريدا عام 1973 من بين الدفعة الأولى التي تضم نحو 32 ألف طالب جرى نقلهم بالحافلات من أحيائهم في مقاطعة برينس جورج بولاية ماريلاند، في محاولة لدمج المدارس العامة. وقبل تخرجه من جامعة بوسطن المرموقة عام 1979، بدأ حياته المهنية في إعداد التقارير الصحافية.
وفي وقت لاحق من ذلك العام عمل في الصحيفة المسائية «ميلووكي جورنال». ومن هناك، انطلق في مسيرة صحافية ناجحة أشرف خلالها على كثير من الصحف، بما في ذلك الوطنية والأجنبية وصحف المترو والتحقيقات والأعمال والرياضة والسفر والطعام، وحصل على 4 جوائز «بوليتزر».