السيارة تحوّلت إلى عبء على اللبناني

تغيير البطارية يكلّف راتب شهر كامل

TT

السيارة تحوّلت إلى عبء على اللبناني

على كرسي صغير يجلس محمد (29 عاما) في أحد كاراجات تصليح السيارات في بيروت يراقب الميكانيكي وهو يغير زيت سيارته، «سأدفع الآن 500 ألف ليرة ثمن تغيير الزيت، وهذا المبلغ وإن استقر الدولار على سعره (في السوق السوداء 13 ألف ليرة) سيتكرر كل 4 أشهر».
يقول محمد لـ«الشرق الأوسط» إن سيارته تحولت إلى عبء مادي عليه تماما كمعظم اللبنانيين، فيحاول مداراتها بطريقة استثنائية لأن «التصليح لم يعد مزحة»، على حد تعبيره.
اضطر محمد الشهر الماضي إلى تصليح سيارته وتغيير بعض القطع فتكلف 245 دولارا، «هذا المبلغ هو راتبي الشهري إلا 5 دولارات، تصوروا أنني دفعت راتبي مقابل تصليح سيارتي، لم أغير المحرك طبعا إنما بعض القطع والبطارية».
يتقاضى محمد وهو موظف في إحدى الشركات الخاصة ثلاثة ملايين ليرة، راتب شهري كان يعد جيداً قبل عامين إذ كان يساوي ألفي دولار، أما اليوم فباتت قيمته الفعلية 250 دولارا أو «تصليحة سيارة عالماشي»، كما يشير.
في كاراج آخر يسأل أحد الزبائن عن سعر بطارية السيارة فيجيبه صاحب المحل 100 دولار وإذا كنت تريدها «مستعملة أي نصف عمر» يمكن تأمينها بـ50 دولارا، فيجيبه الزبون «يعني بالحد الأدنى سأتكلف 600 ألف، أي أن راتبي حاليا يساوي بطاريتين مستعملتين أو بطارية جديدة».
سيارة الزبون تعرضت لصدمة من الخلف، قال: «ذهبت لأصلح الباب فعلمت أن فرق التأمين يبلغ 150 دولارا فقررت أن لا أصلحه، أنا أستاذ وراتبي كله مليون و500 ألف ليرة أي ما قيمته 125 دولارا.
كلام هذا المواطن يكرره عدد كبير من اللبنانيين، فتكلفة تصليح السيارة بات هما بالنسبة لهم، لا سيما أن جميع قطع السيارات وكذلك الزيوت مستوردة وتسعر على أساس سعر الدولار في السوق السوداء.
وفي الإطار أشارت الشركة الدولية للمعلومات (شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلة) في دراسة نشرتها مؤخراً، إلى أن الإنفاق على السيارات الخاصة يعتبر باباً أساسياً من أبواب إنفاق الأسر والأفراد التي لديها سيارة خاصة أو سيارات في لبنان وأنه مع انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار أصبحت كلفة صيانة السيارة الصغيرة والعادية (زائد كلفة البنزين) 8.1 مليون ليرة سنوياً أي نحو 675 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى وهو ما يساوي الحد الأدنى للأجورـ
وتعد السيارة في لبنان من الأساسيات في ظل النقص الكبير في وسائل النقل الحكومية والخاصة. ويقدر عدد السيارات والآليات في هذا البلد بـ1.8 مليون، وهو عدد كبير مقارنة بعدد السكان إذ إنه من النادر أن تجد عائلة لا تملك سيارة، لا سيما أن التسهيلات المصرفية التي اعتمدت لسنوات أتاحت حتى لأصحاب الدخل المحدود امتلاك سيارة.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه الكلفة ترتفع في حال حصول أعطال غير متوقعة وهذا احتمال كبير لأن أكثر من 70 في المائة من السيارات في لبنان يزيد تاريخ صنعها عن 10 سنوات، هذا فضلا عن حال الطرقات الرديئة، لافتة إلى أنه لم يدخل في احتساب الصيانة كلفة قطع الغيار التي تتلف وتحتاج إلى تبديل تبعاً للاستخدام (قشاط - دينامو - مارش - ردياتور - صباب الحرارة وغيرها) بل احتسبت كوليه الكوابح (أمامي وخلفي) وزيت الموتور وفلتر الزيت والبوجيه وصيانة غاز المكيف ومصابيح الإنارة والبطارية والتأمين الإلزامي ورسوم الميكانيك (لا تزال على سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة للدولار الواحد). وأمام ارتفاع كلفة صيانة وتصليح السيارة، بات المواطن يلجأ إلى تسيير أموره بأقل كلفة، كما يقول أبو علي صاحب أحد الكاراجات في منطقة البسطة وسط العاصمة بيروت. وأضاف في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن الزبون بات يطلب من الميكانيكي تصليح القطع المعطلة بدلا من استبدالها حتى لو أنها ستخدم لشهر أو شهرين إضافيين فقط.
ويشير أبو علي إلى أن الكل بات يسأل عن قطع مستعملة، فهي وإن سعرت على أساس الدولار تبقى أرخص من القطع الجديدة، أما أجرة يد الميكانيكي فارتفعت وربما تضاعفت ولكن قيمتها الحقيقية تراجعت. ويقول: «الخمسين ألف ليرة كانت تساوي 33 دولارا واليوم باتت المائة ألف لا تساوي 10 دولارات هذا إن دفعها الزبون».
يبلغ أبو علي 53 عاما وهو يعمل في مجال الميكانيك منذ أن كان عمره 15 عاما، إلا أنه يكاد يجزم بأن الأزمة الحالية التي يعيشها لبنان هي الأسوأ على الإطلاق وأنه لم يشهد تراجعا في سوق عمله كما السنتين الأخيرتين ولم يمر عليه زبائن لا يملكون ثمن كلفة تصليح سياراتهم كما هو الوضع حاليا.



منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
TT

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)

حذّرت منصّة يمنية متخصصة في تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي، وكشفت عن بيانات تنشر لأوّل مرة عن مشروع توسع الجماعة، الذي يديره بشكل مباشر «الحرس الثوري» الإيراني، بتنسيق مع ميليشيا «حزب الله» اللبناني.

وتضمن تقرير المنصة، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، معلومات عن خريطة التوسّع الخارجي للجماعة الحوثية بتكليف من إيران، وخريطة تهريب وتسليح الجماعة، ومفاتيح مشروع التوسّع الحوثي في القرن الأفريقي والمشرفين عليه والمنفّذين.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

ويتناول التقرير نشاط جماعة الحوثيين خارجياً في القرن الأفريقي، ابتداءً من تهريب الأسلحة وتجنيد الأفارقة ومعسكرات تدريبهم، واستخدامهم في الأنشطة الاستخبارية والإرهابية التوسّعية.

ووفق التقرير، أكدت محاضر سرية لاجتماعات ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» التابع للحوثيين أنه جرى إسناد مسؤولية مشروع التوسّع الخارجي في القرن الأفريقي إلى القيادي عبد الواحد أبو راس، ورئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني، ووكيل الجهاز لقطاع العمليات الخارجية حسن الكحلاني (أبو شهيد)، والقيادي الحسن المرّاني، والقيادي أبو حيدر القحوم، بهدف تحقيق مساعي إيران في التوسّع في القارة الأفريقية والسيطرة على ممرّات الملاحة الدولية.

وأشار التقرير إلى الدور الذي يلعبه نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين الانقلابية، حسين العزّي، من خلال المصادر الدبلوماسية والشخصيات التي تعمل معه في كل من إثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، والسودان، وكينيا، إذ تُجرى إقامة علاقات استخباراتية وأمنية وسياسية ولوجستية مع الشخصيات والعناصر الموجودة والمقرّبة من جماعة الحوثيين في تلك الدول، والعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من الدبلوماسيين في السفارات اليمنية في تلك الدول.

تجهيز وتدريب

وكشفت المنصة اليمنية في تقريرها عن سعي الحوثيين لإنشاء محطات استخباراتية حسّاسة ودقيقة في كل دول القرن الأفريقي والدول المحيطة باليمن، والعمل على تجهيز وتدريب وتأهيل كوادرها في أسرع وقت ممكن؛ بهدف تفعيلها بشكل مناسب، وفي وقت مناسب، لما يحقّق أهداف ما تُسمّى «المسيرة القرآنية والمصالح المشتركة مع دول المقاومة، خصوصاً إيران، وغزة، ولبنان».

عشرات الآلاف من الأفارقة المهاجرين يصلون سنوياً إلى اليمن (الأمم المتحدة)

وأظهرت الوثائق التي أشار إليها التقرير إلى هدف الحوثيين المتمثّل في التحضير والتجهيز مع العناصر والشخصيات التي جرى إنشاء علاقة معها في أفريقيا لـ«إنجاز أعمال وتحرّكات ونشاط في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي لمساندة الحوثيين في حال ما تعرّضوا لأي ضغوط سياسية أو دبلوماسية دولية خارجية».

واحتوى التقرير على أسماء القيادات المسؤولة عن هذا الملف، ابتداءً من المشرف في «الحرس الثوري» الإيراني المدعو أبو مهدي، وانتهاءً بمالك أصغر قارب تهريب للأسلحة في البحر الأحمر، إضافة إلى علاقة تنظيم «الشباب المجاهدين» الصومالي بجماعة الحوثيين والأفارقة ومافيا تجنيد الأفارقة وتهريبهم من وإلى اليمن، في واحدة من أخطر جرائم الاتجار بالبشر والجريمة المنظّمة.

ويؤكد تقرير منصّة تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) أن جماعة الحوثيين قامت باستقطاب وتجنيد كثير من العناصر الأفريقية من جنسيات مختلفة، خصوصاً عقب اجتياح صنعاء ومحافظات عدّة في سبتمبر (أيلول) 2014، إذ جرى إخضاعهم لدورات ثقافية وعسكرية، وتوزيعهم على جبهات القتال (تعز - الساحل الغربي - مأرب - الحدود)، وأرجع البعض إلى دولهم لغرض التوسّع في أفريقيا.

تعنت الحوثيين أدى إلى تعطيل مسار السلام في اليمن (أ.ب)

كما استقطبت الجماعة - وفق المنصة - كثيراً من الشخصيات والرموز الأفارقة المؤثّرين (قبيلة العفر - الأورومو - أوجادين) بين أوساط الجاليات الأفريقية في صنعاء (الصومالية - الإثيوبية - الإريترية) والاعتماد عليهم في الحشد والاستقطاب من اللاجئين الأفارقة الموجودين في صنعاء، وكذلك من يجري استقطابهم من مناطقهم بالقرن الأفريقي، والتنسيق لهم للوصول إلى صنعاء.

أبو راس والكحلاني

وذكرت المنصة اليمنية في تقريرها أن مسؤول ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي في الجماعة الحوثية هو عبد الواحد ناجي محمد أبو راس، واسمه الحركي «أبو حسين»، وهو من مواليد محافظة الجوف اليمنية، إذ تولّى هذا الملف بتوصية مباشرة من قبل قيادات إيرانية سياسية عليا وقيادات في «الحرس الثوري» الإيراني.

ومن أبرز الملفات التي يعمل عليها أبو راس، وفق التقرير، التنسيق مع عناصر «الحرس الثوري» الإيراني، وقيادة الحركة الحوثية للعمل الميداني، كما أنه المسؤول المباشر عن تأمين وإدخال وتهريب عناصر «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» من وإلى اليمن.

وتوارى أبو راس - وفق التقرير - عن الأنظار منذ عدة أعوام، ولكنه كان المكلّف السري بأخطر الملفات السياسية والاستخباراتية لدى جماعة الحوثي، إذ كُلّف بمهام وكيل الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، حتى تعيين المدعو حسن الكحلاني بالمنصب نفسه، وترقية أبو راس لتولي ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي، بتوصية واتفاق مباشر بين عبد الملك الحوثي وقيادة «الحرس الثوري» الإيراني.

الحوثيون يطمحون إلى التحول إلى لاعب دولي ضمن المحور الذي تقوده إيران في المنطقة (أ.ب)

وإلى جانب أبو راس يأتي القيادي حسن أحمد الكحلاني، المُعين في منصب وكيل قطاع العمليات الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، والمعروف بكنيته «أبو شهيد»، وهو من مواليد 1984 في محافظة حجة، ويُعد من القيادات الحوثية الأمنية البارزة؛ إذ نشأ في بيئة حوثية بين صعدة وصنعاء، والتحق بالجماعة في سن مبكّرة.

ويشير التقرير إلى أن الكحلاني كان من خلية صنعاء الإرهابية التي نفّذت عدّة تفجيرات واغتيالات عقب مقتل مؤسّس الجماعة حسين الحوثي في 2004، كما كان من القيادات التي تولت دخول صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وتولّى قيادة المجموعة التي أصدرت توجيهاً بمنع طائرة أمريكية من الإقلاع من مطار صنعاء، بحجة تفتيشها قبل المغادرة. وعقب هذا الحادث، جرى اغتيال والده في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 على أيدي مسلّحين مجهولين يستقلون دراجة نارية في صنعاء.

ويعمل حسن الكحلاني حالياً - وفق المنصة - تحت إشراف عبد الواحد أبو راس، ويعرف ارتباطه الوثيق بـ«الحرس الثوري» الإيراني، ويحاول عبر هذه العلاقة فرض نفسه باعتباره الرجل الأول في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، الأمر الذي يعكس حالة من الصراع بينه وبين عبد الحكيم الخيواني رئيس الجهاز.

قيادات في ملف التوسع

يشير تقرير المنصة اليمنية إلى القيادي الحوثي أدهم حميد عبد الله العفاري (أبو خليل) ويذكر أنه المختص في ملف الجاليات الأفريقية الموجودة في اليمن، خصوصاً في صنعاء، إذ كُلّف بمهام التواصل المستمر والتنسيق برؤساء الجاليات (إثيوبية- صومالية - إريترية - سودانية - جيبوتية).

عناصر حوثيون في صنعاء خلال تجمع حاشد دعا له زعيمهم (أ.ف.ب)

كما يعمل العفاري على حشد العناصر الأفريقية وإلحاقهم بالدورات العسكرية والثقافية، وبعدها يجري توزيعهم على جبهات (الساحل الغربي - مأرب - الحدود - تعز)، وفي مهام استخباراتية داخل بلدانهم.

وإلى ذلك يعد العفاري، المسؤول عن التنسيق مع النقاط الأمنية التابعة للحوثيين لإدخال العناصر الأفريقية إلى مناطق الحوثيين، ويتولى أيضاً مهام أخرى، أبرزها صرف المخصّصات المالية للعناصر الأفريقية.

أما الشخص الرابع المسؤول عن ملف التوسّع الخارجي الحوثي إلى القرن الأفريقي فهو أسامة حسن أحمد المأخذي، واسمه الحركي (أبو شهيد)، وهو - وفق التقرير - أحد العناصر الحوثية العاملة في جهاز الأمن والمخابرات، وملف المسار الأفريقي، وتتلخّص مهمته في التنسيق مع الشخصيات الأفريقية المؤثّرة في كل من (الصومال - إثيوبيا - إريتريا - جيبوتي - السودان) من أجل حشدهم لتدريبهم وتأهيلهم، وإلحاقهم بصفوف ميليشيا الحوثي، بصفتهم مقاتلين وعاملين في الدول القادمين منها، وبصفتهم عناصر استخباراتية، تقوم بمهام مختلفة، منها نشر الفكر الحوثي، والقيام بالعمليات الاستخباراتية، وتهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر، ونقل المخدرات عبر البحر من وإلى القرن الأفريقي واليمن.

الجماعة الحوثية متهمة بتجنيد اللاجئين الأفارقة بالترغيب والترهيب (الأمم المتحدة)

إلى ذلك أورد التقرير أسماء 16 شخصية أفريقية، هم أبرز المتعاونين مع الجماعة الحوثية للتوسع في القرن الأفريقي، يتصدرهم، تاجو شريف، وهو مسؤول عن الجالية الإثيوبية في صنعاء، والتحق بدورات ثقافية حوثية، ويعمل على استقطاب وتجنيد عناصر أفريقية لصالح العمل العسكري والاستخباراتي الحوثي.

ويرى التقرير في توصياته أن التوسع الحوثي في القرن الأفريقي يمثل تهديداً كبيراً يستدعي تحركاً دولياً وإقليمياً عاجلاً، من خلال خطة رادعة متكاملة توقف التوسع والنشاط الخارجي بشكل كامل، وبما يعزز الاستقرار والأمن في المنطقة.