السوريون يصوّتون بمناطق الحكومة... والأسد يقترع في معقل المعارضة قرب دمشق

وزراء خارجية أميركا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا يقولون إن الانتخابات الرئاسية «لن تكون حرة ولا نزيهة»

الأسد بعد إدلائه بصوته في دوما المعقل السابق للمعارضة في غوطة دمشق أمس (رويترز)
الأسد بعد إدلائه بصوته في دوما المعقل السابق للمعارضة في غوطة دمشق أمس (رويترز)
TT

السوريون يصوّتون بمناطق الحكومة... والأسد يقترع في معقل المعارضة قرب دمشق

الأسد بعد إدلائه بصوته في دوما المعقل السابق للمعارضة في غوطة دمشق أمس (رويترز)
الأسد بعد إدلائه بصوته في دوما المعقل السابق للمعارضة في غوطة دمشق أمس (رويترز)

أقبل الناخبون السوريون في مناطق سيطرة القوات الحكومية منذ صباح الأربعاء على مراكز الاقتراع لانتخاب رئيسهم، في استحقاق هو الثاني منذ اندلاع النزاع المدمر، ومن شأنه أن يمنح بشار الأسد، الذي صوّت أمس في دوما المعقل السابق للمعارضة، ولاية رابعة من سبع سنوات.
رد الأسد، بعد اقتراعه وزوجته أسماء في مدينة دوما، أحد أبرز معاقل المعارضة سابقاً قرب دمشق، على المواقف الغربية التي شككت في «نزاهة» الانتخابات حتى قبل حصولها. وقال على وقع هتافات مؤيديه: «قيمة آرائكم هي صفر».
فتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند السابعة صباحاً (04.00 ت غ). وعرض التلفزيون السوري مشاهد تُظهر صفوفاً طويلة من الناخبين تتشكل أمامها في عدد من المناطق.
وعلى وقع إجراءات أمنية على مداخل دمشق والساحات والنقاط الرئيسية، شهدت مراكز الاقتراع في الجامعات خصوصاً إقبالاً باكراً من الطلاب. وأفاد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية، بتجمعات طلابية هتف المشاركون فيها «بالروح بالدم نفديك يا بشار». وقال كنان الخطيب (26 عاماً)، وهو طالب في جامعة دمشق: «جئت أنتخب الرئيس بشار الأسد لأنه الرجل الوحيد الذي صمد طيلة عشر سنوات من الحرب». وأضاف: «لا أعرف المرشحين الآخرين على الإطلاق وأحترم ترشحهما لكن صوتي بكل تأكيد للرئيس بشار الأسد».
اتخذ الأسد (55 عاماً) عبارة «الأمل بالعمل» شعاراً لحملته الانتخابية، في محاولة لتسليط الضوء على دوره المقبل في مرحلة إعادة الإعمار، بعد عقدين أمضاهما في سدة الرئاسة، نصفهما خلال نزاع مدمر أودى بحياة أكثر من 388 ألف شخص وشرّد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
إلى جانب الأسد، يخوض مرشحان السباق الرئاسي هما وزير الدولة السابق عبد الله سلوم عبد الله (2016 - 2020) وكان نائباً لمرتين والمحامي محمود مرعي، من معارضة الداخل المقبولة من النظام، وسبق أن شارك بين ممثليها في إحدى جولات المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف، التي اتسمت بالفشل.
وارتفعت الأعلام السورية وصور المرشحين الثلاثة في المراكز الانتخابية، لكن صوراً عملاقة للأسد اكتسحت الشوارع والساحات العامة.
قدر وزير الداخلية محمد خالد رحمون، خلال مؤتمر صحافي عقد الثلاثاء، عدد مَن يحق لهم الانتخاب في كامل المناطق السورية وخارجها بأكثر من 18 مليون شخص.
ويبلغ عدد المراكز الانتخابية، وفق الداخلية، أكثر من 12 ألفاً، ستفتح أبوابها حتى السابعة مساء (16.00 ت غ). ويحق للناخب أن يُدلي بصوته في أي مركز، على اعتبار أن «سوريا دائرة انتخابية واحدة»، على أن تصدر النتائج خلال 48 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع.
وتجري الانتخابات في مناطق سيطرة الحكومة المقدرة بأقل من ثلثي مساحة البلاد، ويقطن فيها نحو 11 مليون شخص، فيما تغيب عن مناطق سيطرة الأكراد (شمال شرق) ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل موالية لأنقرة، في شمال وشمال غربي سوريا.
وأعلن مجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية في مناطق سيطرة الأكراد، أنه «غير معني» بالانتخابات. ووصف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والمدعوم من تركيا ومقره إسطنبول، الانتخابات بـ«المسرحية».
وشارك عشرات الآلاف، الخميس، في عملية الاقتراع في سفارات بلادهم وقنصلياتها في اليوم المخصص للمقيمين خارج سوريا، ممن يحملون جوازات سفر سارية وتركوا البلاد بطريقة شرعية، وهو ما لا يسري على ملايين اللاجئين الذين فروا من المعارك والقصف.
واعتبر وزراء خارجية الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، في بيان مشترك، الثلاثاء، أن الانتخابات الرئاسية «لن تكون حرة ولا نزيهة». وحضّوا المجتمع الدولي على أن «يرفض من دون لبس هذه المحاولة من نظام الأسد ليكتسب مجدداً الشرعية من دون أن يوقف انتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان ومن دون أن يشارك في شكل ملحوظ في العملية السياسية التي سهلتها الأمم المتحدة بهدف وضع حد للنزاع».
ورد الأسد، الأربعاء، على الانتقادات. وقال لصحافيين في مدينة دوما: «نحن كدولة لا نقبل أبداً بمثل هذه التصرفات، لكن الأهم مما تقوله الدولة أو تصمت عنه، هو ما يقوله الشعب». وأضاف: «أعتقد أن الحراك الذي رأيناه خلال الأسابيع الماضية كان الرد الكافي والواضح وهو يقول لهم: قيمة آرائكم هي صفر وقيمتكم عشرة أصفار».
وبدا لافتاً اختيار الأسد دوما للإدلاء بصوته والتصريح للصحافيين، إذ شكلت المدينة، التي استعادت قواته السيطرة عليها عام 2018 إثر هجوم واسع بدعم روسي أعقب سنوات من الحصار، أحد أبرز معاقل المعارضة خلال سنوات النزاع. واتهمت دول غربية دمشق باستخدام غاز الكلور خلال الهجوم، ما دفعها إلى شن ضربات جوية، فيما نفت دمشق مسؤوليتها عنه.
ويحل الاستحقاق الانتخابي فيما ترزح سوريا تحت أزمة اقتصادية خانقة خلفتها سنوات الحرب، وفاقمتها العقوبات الغربية. وشهدت الليرة تدهوراً غير مسبوق مقابل الدولار. وبات أكثر من 80 في المائة من السوريين يعيشون، وفق الأمم المتحدة، تحت خط الفقر.
استبق الأسد موعد الانتخابات بإصدار سلسلة قرارات وقوانين في محاولة لتحسين الوضع المعيشي والخدمي، وأصدر عفواً رئاسياً شمل الآلاف من مرتبكي الجرائم المختلفة.
بعدما ضعفت في بداية النزاع وخسرت مناطق كثيرة، استعادت القوات الحكومية بدعم عسكري مباشر من حليفتيها إيران وروسيا مساحات واسعة. ورغم توقف المعارك إلى حد كبير، لا تزال مناطق غنية، تضم سهولاً زراعية وآبار نفط وغاز، خارج سيطرتها.
ويعمل الأسد ومن خلفه حلفاؤه، وفق محللين، على جذب «مانحين محتملين» لتمويل عملية إعادة الإعمار. ويقول دبلوماسي أوروبي متابع للشأن السوري إن الأسد حالياً «يراهن على أن يكون الثابت الوحيد في بلد مدمر».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.