الانعكاسات الفنية للانقلابات العربية في رواية عراقية عن ممثلة مشهورة

«سعاد والعسكر» لنجم والي

الانعكاسات الفنية للانقلابات العربية في رواية عراقية عن ممثلة مشهورة
TT

الانعكاسات الفنية للانقلابات العربية في رواية عراقية عن ممثلة مشهورة

الانعكاسات الفنية للانقلابات العربية في رواية عراقية عن ممثلة مشهورة

يبدو أن فترات الحظر في المنازل هي الأكثر جذباً لقراءة الروايات، فللرواية طقسها الخاص في القراءة، ومناخها. وقراءة الرواية تخضع أيضاً لوعي القارئ، وتطوره، فقد كنتُ، مثلاً، لا أحب الروايات العربية، وذلك لشدة تأثري بروايات «ماركيز». فبعد أن قرأته وضعت رواياته جداراً بيني وبين النتاج العربي والعراقي تحديداً في الرواية، وفي القصة القصيرة، ولكن بمرور الأيام وجدتُ أننا أمة تحكي، بل إنها لا تملك غير الحكي، فهو أحد سبل بقائها وانتشارها، نحن نحكي ونحكي بشكل جيد، ولدينا من المواقف والقضايا ما يشكل سحراً خاصا في السرد.
لهذا فقد ركنتُ إلى السرد العربي والعراقي، فوجدتُ فيه من السحر الكثير، وفيه من الصراخ، وتعرية الجوانب المجتمعية، والسياسية الكثير أيضا.
آخر الأعمال التي ركنتُ لها، وسافرت معها لمدة أسبوع، هو رواية «سعاد والعسكر» للروائي العراقي نجم والي المغترب في ألمانيا.
إنَّ ما يميز أعمال «نجم والي» أن العسكر أخذوا حصة كبيرة في اشتغالاته السردية منذ روايته الأولى «الحرب في حي الطرب» التي أدان فيها مبكرا الحرب العراقية الإيرانية، وصرخ عالياً بوجه الحرب التي استبدل بها حي للغجر يغنون، ويرقصون، ويأكلون، من خلال شخصية أحد الجنود الهاربين. ويعود هذه المرة بروايته الجديدة «سعاد والعسكر»، 2021. دار سطور في بغداد، لجوء العسكر ولكن في منطقة أخرى، تشكل أيضاً إدانة للنظم العسكرية الانقلابية، وكأنَّه في هذه الرواية من خلال شخصية سعاد المظلومة، ومن خلال شخصية «سليم عدلي أو جمال عباس، أو الذي لا يعرفون اسمه» الشخصية المخابراتية العسكرية الظالمة، أراد أنْ يختصر أزمنة مرت على هذه الشعوب، ويدين تجربة الانقلابات التي حدثت في العالم العربي أواسط القرن الماضي، كما أن فيها خيطاً من الحنين للنظم الملكية التي أسقطها العسكر، وشكل فيما بعد حكوماته الجمهورية أو الوطنية. ولكنها جمهوريات بوليسية ضيقت على الناس حرياتها، واستثمرت في ميدان الفن، ولكنه استثمار لجسد الفنانات كما تسرده الرواية، حيث تبنى العسكر فنانة اسمها «سعاد» أواسط القرن الماضي في مصر، ومن ثم أوغلوا في هذا التبني بحيث جعلوا منها مصدرا للابتزاز السياسي مع كبار الرؤساء والزعماء. وكان الهدف من وراء ذلك هدفاً وطنياً كما أبلغوها، وإنها تقدم خدمة لوطنها، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يصورون لها كل سهراتها الخاصة، ويسجلون لها كل أحاديثها مع العشاق المفروضين عليها. والمفارقة التي تعمدها الروائي هو اسم الضابط المسؤول عن سعاد الذي يصور لها مغامراتها الليلية حيث سماه «سليم عدلي أو جمال عباس» وهو في الواقع يقوم بعملية معاكسة لعملية السلامة أو العدالة، وكأن نجم والي يعيدنا إلى فكرة العرب قديما، في أن يسمّوا الأشياء بعكس طبيعتها، فالمريض يسمّونه سليماً، والأعمى بصيرا، وهو من باب التفاؤل كما تروي لنا المدونة السردية العربية. وبهذا فقد وضع اسم «سليم عدلي» لأبخس مهنة يقوم بها، حيث تسلط على رقاب عدد من الفنانات دون عدالة وشكل منهن رابطة باسم «نساء فرقان» حيث الاسم اسم ديني، فيما كانت الواجبات المنوطة على عاتق هؤلاء النسوة من الفنانات هي واجبات للإيقاع بالسياسيين أو الزعماء الكبار من الرؤساء كما تروي الرواية.
اشتمل غلاف الرواية الذي يعد عتبة مهمة على صورة تقترب كثيرا من صورة الفنانة المعروفة «سعاد حسني» فيما مسح المصمم كلمة العسكر بشريط أسود وأبقى كلمة سعاد فقط، وكأن مخرج الكتاب بتوصية من الروائي أراد أن يحذف العسكر من كل حياتنا أو أن هذا الشريط الأسود هو إعلان عن موت العسكر تبشيرا بموتهم مستقبلاً، ولولا أن الصفحة الثانية بعد الغلاف مكتوب عليها سعاد والعسكر لما عرفنا اسم الرواية.
الرواية اشتملت على عوالم سردية متنوعة، وكلما توغل القارئ في صفحاتها اشتبك السرد أعلى فأعلى، وصعد التشويق إلى أعلى مناسيبه، ذلك أن الروائي تلاعب بخيوط الرواية، وأربك القارئ من خلال هذا التلاعب، فالقارئ وقع في حيرة التصنيف الإجناسي للعمل، رغم أنه مكتوبٌ في صفحة الغلاف رواية، إلا إنَّ هذه الرواية بسبب سحر السرد فيها مزجت بين مجموعة أشكال ما بين المذكرات، والسيرة الذاتية، وما بين الراوي العليم أو كلي العلم، وما بين الراوي المساير للأحداث، بحيث تشعر أن الراوي يتفاجأ كما يتفاجأ القارئ. وحتى السيرة الذاتية نفسها تنقسم إلى سيرته الذاتية الخاصة أي سيرة الروائي بلحمه ودمه، حيث يشير بوضوح في صفحات الرواية الأولى إلى أنه (قدم من برلين حيث تسلم دعوة من معهد غوته لعقد ندوة في القاهرة 2008) وفعلاً فالكاتب مقيم في برلين، وقدم محاضرة في القاهرة في هذه الأوقات التي ذكرها، ثم يمر على فنادق ومقاه ومطاعم مررنا جميعا بها، بعد ذلك يلتقي بصديق أميركي له، يسلمه دفاتر خاصة بحبيبته «سعاد» التي انتحرت في لندن، في يوم انتحار الفنانة سعاد حسني نفسه، وفي المكان نفسه، يسلمه الدفاتر بسرية تامة خوفاً من بطش السلطات العسكرية التي تلاحقه، ومن هذه التفصيلة تبدأ مذكرات الفنانة سعاد حسني من أول أغنية لها أمام الملك حتى آخر أغنية، حيث رددت الأغنية الأولى نفسها، وانتحرت بعد ذلك (أنا سعاد أخت القمر... بين العباد حسني انتشر.....طولي شبر ووجهي بدر... صوتي سحر... كلي بشر).
على مدار 370 صفحة من القطع المتوسط تدور أحداث الرواية ساردة تفاصيل حياة هذه الفنانة التي اسمها سعاد، ولكنها على خلاف اسمها أيضا، فهي غير سعيدة كما توضح خيوط السرد، حيث أُجبرت على العمل مع الأجهزة الأمنية كما في الرواية، وبقيت طوال ثلاثين عاما تحت سلطتهم يوجهونها حيث شاءوا هي ومجموعة أخرى من الفنانات، إلى أنْ هربت إلى لندن، وأفل نجمها، وتردت صحتها، وبدت تلك السندريلا الجميلة عبارة عن برميل منفوخ من السمنة، أثَّر على نفسيتها، فاعتزلتْ العالم في شقة في لندن.
رغم إدانته الواضحة للعسكر في العالم العربي وهيمنته على مقدرات عدد من البلدان، وهيمنة أجهزة المخابرات على مفاصل مهمة من مفاصل الدول ومنها الفن، فإنه عمل روائي فني بامتياز، حيث بقيت كل خيوط الرواية بيد الروائي، ولم ينس حدثاً من أحداثها، ففي اللقطة الأولى غنت سعاد أمام الملك وعمرها ستة أعوام، وأعطى الملك أباها ألف جنيه ليدخلها المدرسة ويصرف على تعليمها، ولكنه لم ينفق عليها درهما واحدا. كان هذا في الصفحات الأولى من العمل، بقيت حتى آخر الصفحات تتذكر الملك وكلماته لها، وتتذكر حتى الأكل الذي أكله الملك في تلك الاحتفالية، وتحلم أنْ تأكل ما أكله لتموت بالطريقة نفسها التي مات فيها الملك في مطعم في إيطاليا، حيث يحب أن يأكل وجباته المفضلة من المحار وجراد البحر وشرائح من لحم العجل مع البطاطس المحمرة: «كم بودها أنْ تذهب يوما إلى المطعم ذاته وتجلس لتأكل الوجبة نفسها التي تناولها الملك، أليس هو الذي بدأت مشوار حياتها معه كفنانة، فلماذا لا تنهي حياتها على الطريقة نفسها التي انتهى إليها؟».
إذن رواية تدور حول فنانة بدأت طفلة في حفل أقامه الملك في أواسط القرن العشرين، ومن ثم حدث انقلاب على الملك ليسيطر العسكر على مقاليد الحكم، لتبدأ رحلة جديدة لهذه الفنانة تحت هيمنة العسكر، والأجهزة الاستخباراتية، لتصبح فيما بعد نجمة البلاد الأولى، وحلم كل السياسيين في التقرب منها. بعدها تذوي وتهرب إلى لندن وتموت منتحرة.
بيَّن علاقة الغرب والشرق، وضع الروائي ثلاث شخصيات أجنبية، واحدة عجوز بريطانية «المسز روز» وأخرى أسترالية شابة عشقت صحافيا مصريا فتركها بعد ستة أشهر، وبقيت تندب حظها وتبكي فقط، وآخر سيمون سيروس الذي يصبح قطب الرواية وسبب نشر دفاتر بطلة العمل «سعاد»... هذا الشاب الأميركي سيتزوج سعاد ومن المصادفات أن يحتفل بزواجه في بغداد في فندق المنصور ليلة وصول كادر تصوير فلم «القادسية». الشخوص الأجانب في العمل هذا هم أكثر عطفاً على سعاد من أبناء جلدتها، وحتى من أهلها الذين لا يظهرون في العمل إلا بوصفهم مستهلكين لأموالها، بينما العجوز البريطانية «المسز روز» منحت سعاد شقتها في لندن لتقيم فيها مجاناً، فيما حاول سيروس الأميركي أن يحافظ على سعاد بكل ما استطاع من قوة، ولكن سعاد انتحرت بعد أن سافر سفرة عمل سريعة خارج لندن، فاضطر لأن يعود إلى مصر ليقتل الضابط «سليم عدلي» الذي شكل عقدة سعاد الأزلية.
هل في الرواية من رسائل أراد نجم والي أن يوصلها من خلال رسم الشخصيات التي ظهرت؟ فمعظم الشخصيات المحلية هي شخصيات عدوانية وانتهازية ما عدا الشخصيات الأجنبية كما قلنا؟
هل في الرواية من رسائل تحن إلى الزمن الملكي في البلدان التي تحولت إلى ما يسمى الحكومات الوطنية؟
هل الرواية فقط لسرد سيرة فنانة مشهورة لا أكثر؟ أم أن الروائي اتخذ من هذه الفنانة قناعاً لحركة الفن والثقافة تحت ظل العسكر؟
الرواية أوردت قائمة من الأسماء الصريحة منها صدام حسين وكيف أنه تعلق بسعاد حسني وصرح للصحافيين بأنه يحبها، وكيف جاءت إلى بغداد لتمثل في فيلم القادسية وكانت برفقته لأيام، وكيف أنها أخذت منه معلومات حول حرب الخليج القادمة، معلومات واقعية ولكن السرد يسحبها لمنطقته السحرية فتشتبك الشخصيات الحقيقية بالشخصيات الورقية، وتتداخل الأماكن السردية بالأماكن التي نعيش فيها، فيما يتنازل التاريخ عن حقائقه ووضوحه ليكون طفلاً طيعا بيد الروائي، يأخذه للأماكن وللأحداث التي يريد تسجيلها. فالروائي يُدين العسكر، ولكنه يمرر رسائله من خلال تصرفات الجنرالات الكبار والضباط الثانويين، ويتعرى الواقع العربي ولكن على لسان أبطاله، الذين يضخ على ألسنتهم وجهة نظره التي يريد تمريرها، بحيث يقنع متلقيه بوجهة النظر هذه من دون أن يحشر نفسه بإلقاء المواعظ أو الشكوى، وهذه مهارة فنية في النقد داخل المتن الجمالي.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».