شيءٌ من صناعة التفاهة!

شيءٌ من صناعة التفاهة!
TT

شيءٌ من صناعة التفاهة!

شيءٌ من صناعة التفاهة!

الروائي الألماني، باتريك زوسكيند، الذي ألف واحدة من أشهر وأجمل الروايات في العالم، وهي رواية «العطر: قصة قاتل» (1985)، هو نفسه كتب مجموعة قصص بعنوان «هوس العمق»، تحتوي على ثلاث قصص قصيرة والرابعة رائعته «الحمامة».
في القصة الأولى، يتعرض لشريحة من المثقفين السطحيين الذين ينبرون لإصدار الأحكام المتسرعة والمتعسفة أحياناَ على الأعمال الإبداعية، وعلى الناس عموماً، هؤلاء ليسوا نقاداً، بالمعنى العلمي، بل متسلقون كسالى أدمنوا إصدار الأحكام المعلبة دون عناء... لكنهم يساهمون في تسطيح الوعي الثقافي وإشاعة أجواء التفاهة!
تسرد القصة حكاية فنانة شابة تحترف الرسم، وتقيم معرضها الأول، لكن أحد هؤلاء، ويسمي نفسه ناقداً، يكتب عن معرضها في إحدى الصحف واصفاً الرسامة الشابة بكونها فنانة موهوبة «ينقصها بعض العمق»، كُتابٌ آخرون التقطوا هذه العبارة: فنانة موهوبة «ينقصها بعض العمق»، وصاروا يستخدمونها في كتاباتهم عن ذلك المعرض، ويكررونها دون أن يتوقف أحدهم لزيارة المعرض أو تحليل الأعمال الفنية التي فيه، وانتشرت العبارة المعلبة في الصحف والمجلات، حتى أصيبت هذه الفنانة الشابة بالاكتئاب الذي انتهى بها إلى الانتحار، لتنشر الصحف في اليوم التالي عن «انتحار فنانة واعدة كان ينقصها بعض العمق».
تستعرض الدكتورة مشاعل الهاجري، في ترجمتها المتميزة لكتاب «نظام التفاهة» للكندي د. آلان دونو (صدر عن «دار سؤال»، بيروت – 2020)، هذه القصة، لتقول: «هكذا، صارت العبارة التافهة الصادرة عن کاتب تافه أداة قاتلة قضت على شابة في بداية حياتها»، ولتعد هذا النوع من التصنيف السطحي مظهراً من عالم التفاهة.
يتناول كتاب «نظام التفاهة» سيطرة التافهين على الفضاء العام، وأسوأ ما يعملون أنهم يصنعون «النموذج» التي ينبغي أن نحذو حذوه... هم متهمون بصناعة قواعد الرداءة والمعايير الهابطة، والسلوك المبتذل وتغييب الجودة والأداء الرفيع، والتعامل القائم على الذوق والتهذيب... وكانت النتيجة أن «تسيدت شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية»، ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورها في انتشار هذا الوباء المدمر للسلوك والقيم الرفيعة.
عشرات التجارب الأدبية والفكرية والفنية داستها أقدام المعلقين السطحيين الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء دراستها أو حتى قراءتها، والاطلاع عليها، أصبحت نهباً لأقلام وتعليقات متسرعة ومبتسرة ومتعسفة، تستقي أحياناً عبارات معلبة وجاهزة من وسائل التواصل الاجتماعي ومن شبكة الإنترنت، يصبح الكاتب فيها كحاطب ليل يجمع عبارات منقوشة من زمن سحيق ليصيغ منها جملاً وعبارات ترسم مصير تجربة إبداعية واعدة لشاب أو شابة يملكون الموهبة والحماس، قبل أن تقتل طموحهم تلك العبارات الباردة.
ألا يستحق المبدع أن يحصل على تقييم موضوعي يتسم بالوعي الجمالي؟ ألا يستحق المبدعون أن يتم التعريف بهم ومنحهم المساحة الكافية لكي يعرفوا بأنفسهم وبإبداعاتهم سواء عبر وسائل الإعلام أو في المؤسسات الثقافية والصالونات الأدبية وفي كل منتدى، دون أن يأتي أحدهم ليئد تجاربهم الطموحة بعبارات سوقية مبتذلة لا تعكس سوى ضحالة وتفاهة المعيار الذي يجري استخدامه للتسلق فوق تلك المواهب بدعوى تقديمها للجمهور...؟!
يقول الفيلسوف الألماني نيتشه: «ليس سهلاً أن يفهم المرء دماً غريباً؛ إنني أكره القراء التافهين».



نسرين الراضي: «الجميع يحب تودا» حقق أحلامي

نسرين الراضي تغني وترقص في فيلم «الجميع يحب تودا»  (حسابها على إنستغرام)
نسرين الراضي تغني وترقص في فيلم «الجميع يحب تودا» (حسابها على إنستغرام)
TT

نسرين الراضي: «الجميع يحب تودا» حقق أحلامي

نسرين الراضي تغني وترقص في فيلم «الجميع يحب تودا»  (حسابها على إنستغرام)
نسرين الراضي تغني وترقص في فيلم «الجميع يحب تودا» (حسابها على إنستغرام)

قالت الفنانة المغربية نسرين الراضي إنها كانت تتطلع لتقديم شخصية «الشيخة» التي أدتها في فيلم «الجميع يحب تودا» منذ أن كانت طالبة تدرس الفنون، وأنها قرأت كثيراً عن «فن العيطة» وجذبتها تفاصيل هذا العالم.

وأكدت نسرين الراضي، في حوار لـ«الشرق الأوسط»، أن على الفنان أن يخطط لمسيرته ولا يتركها للصدف، مشيدة باستقبال الجمهور للفيلم في مهرجان الجونة السينمائي، حيث شارك بمسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ومن الجونة إلى القاهرة، حيث تشارك نسرين الراضي في لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي، مؤكدة سعادتها بهذه المشاركة ضمن لجنة تحكيم مسابقة «أسبوع النقاد».

تؤدي نسرين بالفيلم شخصية «تودا» المغنية الشابة التي تعيش في إحدى القرى بالمغرب وتحلم بأداء «فن العيطة» وهو فن شعبي مغربي قديم يمتزج فيه الشعر بالموسيقى والغناء والرقص، وتتمنى أن تصبح «شيخة» أي مطربة شعبية، لذا تقرر السفر لمدينة «الدار البيضاء» لتشق طريقها بوصفها مطربة بعيداً عن الإهانات التي تتعرض لها في حانات قريتها وحتى تبحث عن علاج لطفلها الأصم والأبكم.

خلال حضورها مهرجان الجونة (حسابها على إنستغرام)

وفي رحلتها لتحقيق حلمها تواجه التحرش والإحباط لكنها تواجه ذلك بالإصرار، وقد أتاح الفيلم الذي كتبه المخرج نبيل عيوش وزوجته المخرجة مريم توزاني لنسرين انطلاقة جديدة لها بوصفها ممثلة تمتلك موهبة لافتة.

تكشف الممثلة الشابة كيف واتتها الفرصة لأداء هذا الدور الذي فجر طاقات تمثيلية جديدة لديها، وقدمته بأداء مميز، قائلة: «كنت أحلم بهذا الدور منذ سنوات، فقد كان يغريني منذ أن كنت طالبة بالمعهد وقد قرأت كثيراً عن فن العيطة، وقد كتب المخرج نبيل عيوش الفيلم لأجلي، وقال لي قبلها إنه سيكتب فيلماً عن (شيخة) وأنني سأكون بطلته، فهو يعرفني منذ 15 عاماً حين كنت أدرس التمثيل بالمعهد في السنة الأولى؛ حيث كنت أصور مسلسلاً ثم شاركت في عمل كان منتجاً له».

وعن استعدادها للدور وخضوعها لتدريبات طويلة على الغناء والرقص تقول: «كان لدي الوقت الكافي لأفعل ذلك، ولم يكن الأمر سهلاً بالطبع لأنني أغني لأول مرة ولم أكن أعرف بالضبط كيف هي حياة الشيخات، وهو دور جريء نعم لكن الحياة تستلزم الجرأة».

مع المخرج نبيل عيوش والطفل الذي يشاركها الفيلم خلال عرضه بمهرجان «كان» (حسابها على إنستغرام)

منذ العرض الأول للفيلم في مهرجان «كان» السينمائي، وهو يلاقي نجاحاً وتحصد نسرين إعجاباً من النقاد والجمهور وتكرر الأمر في الولايات المتحدة وفي «الجونة السينمائي» وتعلق على ذلك قائلة: «ردود الفعل بدأت من مهرجان (كان) ثم أميركا التي عدت منها مؤخراً بعد مشاركتي في مهرجان سان فرنسيسكو، كانت ردة فعل الجمهور رائعة، والعجيب أن كل الجنسيات تحس بـ(تودا) وتتعاطف معها».

وتفسر أسباب تعاطف الجمهور مع «تودا»: «لأنها تمثل جميع النساء، كل امرأة ترى نفسها في تودا، وهناك نماذج تماثلها في كل العالم، لذا فالفيلم يُعد انتصاراً للمرأة».

وتعترف نسرين بأن كل دور تؤديه يحمل جانباً من شخصيتها، وترى أن رحلة «تودا» تتلامس مع رحلتها لا سيما في معاناتها الداخلية بوصفها فنانة حتى تحقق ذاتها، لافتة إلى أن «تودا» تحوّلت لصديقة فقد بقيت معها وقتاً طويلاً فقد ظللنا نصور على مدى عام، كنا نتوقف ثم نعود لاستكمال التصوير.

ورشح المغرب فيلم «الجميع يحب تودا» ليمثله في منافسات الأوسكار لعام 2025، وعن ذلك تقول نسرين الراضي: «سعيدة جداً لهذا الترشيح وأتمنى أن يجد الفيلم طريقه للفوز بها، وهذه ليست المرة الأولى التي يُرشح فيها أحد أفلامي، فقبل سنوات تم ترشيح فيلم (آدم) للمسابقة نفسها».

جانب من الفيلم (حسابها على إنستغرام)

لا تعترف نسرين بالصدف رغم أنها تؤكد أنها محظوظة بعملها مع مخرجين كبار، مؤكدة: «أستفيد وأتعلم من كل مخرج عملت معه، فلكل منهم طريقة وأسلوب مختلف. وأنا لا أعترف بالصدف بل أهتم بانتقاء الشخصيات التي أؤديها، وكل شخصية تأخذني من مكانة لأخرى لأنني مؤمنة بأهمية أن يخطط الفنان لمسيرته ولا يتركها للصدف».

كانت نسرين الراضي قد تُوجت قبل 5 سنوات في مهرجان الجونة بجائزة الفنان المصري العالمي مينا مسعود للمواهب الشابة عن دورها في فيلم «مريم» الذي أدت فيه دور امرأة تواجه مجتمعها بطفل غير شرعي، وقد أشاد مسعود بأدائها للشخصية التي تقول عنها: «كان لهذه الجائزة وقعها عليّ فقد شجعتني كثيراً».

وتعترف نسرين الراضي بحبها للشخصيات الصعبة، مؤكدة أنها تتعب فيها لكنها تشعر بحلاوة التمثيل وتجد فيه تحدياً لها بوصفها ممثلة، وتضيف: «الهدف عندي أن أؤدي شخصيات أشعر بالفخر بها».

وأحبت نسرين السينما من خلال الأفلام المصرية مثلما تؤكد: «كنت أشاهد الأفلام المصرية (الأبيض وأسود) منذ طفولتي مع والدتي، وقد تأثرت بها، لكنني أحب بشكل خاص سينما المخرج يوسف شاهين».

وعن السينما المغربية تقول: «أشعر بالفخر لما تحققه السينما المغربية، لكن ما زال الطريق طويلاً، فالإنتاج يظل قليلاً حتى الآن».