«القاهرة : كابول»... البدايات القوية تسقط في فخ «الخَطابة»

مؤلف المسلسل: نناقش مفاهيم مغلوطة بلا تعالٍ على الجمهور

بوستر مسلسل «القاهرة: كابول}
بوستر مسلسل «القاهرة: كابول}
TT

«القاهرة : كابول»... البدايات القوية تسقط في فخ «الخَطابة»

بوستر مسلسل «القاهرة: كابول}
بوستر مسلسل «القاهرة: كابول}

يحظى مسلسل «القاهرة : كابول» باهتمام كبير منذ بدء عرضه في موسم دراما رمضان الحالي، فهو من بين الأعمال الرمضانية التي تتناول قضايا التطرف والإرهاب، وأسباب انتشارها خلال العقود الماضية، لكن برؤية مختلفة ومميزة؛ إذ تدور أحداثه بين القاهرة كإحدى العواصم الكبرى التي استهدفها الإرهاب، وكابول عاصمة أفغانستان، التي كان يسيطر عليها بعض التنظيمات المتطرفة، وهو من تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج حسام علي. ورغم البدايات القوية للمسلسل، فإنه وقع في فخ «الخطابة» و«الأسلوب المباشر»، بحسب نقاد ومتابعين مصريين، وهو ما رد عليه مؤلف العمل قائلاً «نحن نناقش مفاهيم مغلوطة بلا تعالٍ على الجمهور».
واختار المؤلف أربع شخصيات رئيسية حدد بدقة ملامح كل منها لتنطلق منها الأحداث، وهم «زعيم التنظيم الإرهابي (الشيخ رمزي) - طارق لطفي (الإعلامي طارق كساب) - فتحي عبد الوهاب، و(عادل رجل الأمن) - خالد الصاوي، و(خالد المخرج السينمائي) - أحمد رزق»، ينجح الإعلامي في جمعهم داخل شقته بعد سنوات طويلة من الفراق، ويستعيد العمل عن طريق الفلاش باك طفولتهم في أوائل ثمانينات القرن الماضي بحي السيدة زينب (وسط القاهرة)، حيث يفترشون سطح أحد البيوت ويلتحفون ببطانية ليشرعوا فيما أطلقوا عليه «قَسم البطانية»، حيث أقسموا على حكم العالم واختار كل منهم أغلى شيء لديه ليقسم عليه، فاختار طارق المال، وأقسم عادل بالحق والعدل، وخالد بالسينما، ورمزي بالمصحف والسيف، لكن سرعان ما تحول اللقاء إلى صدام بين رجل الأمن والإرهابي، ومع مشهد مقتل المخرج السينمائي توالت المفاجآت. يشارك في بطولة المسلسل الفنان الكبير نبيل الحلفاوي، وحنان مطاوع، وشيرين، إلى جانب سميرة الأمير من الأردن، ويسرا المسعودي من تونس، وسارة نخلة من سوريا.
شخصيات حقيقية
ورغم أن مقدمة المسلسل تتصدرها عبارة «هذا العمل من وحي خيال المؤلف وأي تشابه بينه وبين الواقع هو محض الصدفة والخيال»، فقد أثار منذ حلقاته الأولى التكهنات بشأن شخصيات أبطاله الحقيقة، ومنهم طارق لطفي (الشيخ رمزي)، الذي رأى البعض أنه يعبر عن شخصية أسامة بن لادن، بينما رأى آخرون أنه يعبر عن شخصية «رمزي بن الشيبة» القيادي البارز في تنظيم «القاعدة»، كما رأى فريق آخر في شخصية الإعلامي طارق كساب التي يجسدها فتحي عبد الوهاب صورة من الإعلامي يسري فودة، المفارقة أن الفنان فتحي عبد الوهاب نشر على صفحته بـ«فيسبوك» مقطع فيديو من حوار سابق ليسري فودة أجرته معه مذيعة أجنبية، وسألته خلاله عمن يرشحه لتجسيد قصة حياته في عمل فني، فأجاب: فتحي عبد الوهاب؛ لأن ملامحه مصرية جداً، وهو ما تؤكده الناقدة خيرية البشلاوي، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الإعلامي الذي يجسد دوره فتحي عبد الوهاب يعبر بشكل كبير عن شخصية يسري فودة».
في حين ينفي المؤلف عبد الرحيم كمال ذلك، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الربط غير حقيقي؛ لأن بن لادن ليس مصرياً، كما أن شخصية الإعلامي لا تنطبق على أحد بعينه، بل هي خلاصة شخصيات خيالية جمعت فكرة الإعلاميين الذين ظهروا في تلك الفترة، فبداخل الشخصية أكثر من إعلامي مثلما تحوي شخصية (الشيخ رمزي) ملامح عدد من الإرهابيين».
بداية صادمة
البداية الصادمة للمسلسل جاءت مع حادث مقتل الشيخ الذهبي وزير الأوقاف المصري عام 1977 على يد «جماعة التكفير والهجرة»، وانتقلت بالمشاهد إلى وقوع عملية انتحارية بأحد المعسكرات الأميركية بأفغانستان، قام بها أحد أتباع الشيخ رمزي، وتخللت اللقطات الأولى من العمل مشاهد وثائقية لجنازة أم كلثوم، وعن طريق الفلاش باك يستعيد المخرج حوار بين الطفل رمزي وجاره الذي يخبره فيه أن الغناء حرام، وكذلك يأتي مشهد اغتيال الرئيس السادات عام 1981 في الحلقة الثانية ليزرع هذا الجار المتطرف في الطفل بذور التطرف، ويبدأ في السيطرة على عقله.
وسيطرت فكرة العمل على تفكير المؤلف منذ سنوات، على حد تعبيره، مضيفاً «منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 وموضوع الإرهاب يشغلني بحثاً وقراءة، حتى وصلت إلى الشخصيات الأربع، الإعلام والسلطة والإرهاب والفن، فهم من شكلوا مسرح الحياة في مصر في تلك الفترة».
يقدم المسلسل بانوراما اجتماعية وسياسية وفكرية مهمة وفق الناقدة خيرية البشلاوي، مؤكدة أن «المؤلف عبد الرحيم كمال مهموم بالواقع الاجتماعي، وهو كمن يقيم بنية تحتية لملابسات الإرهاب مع وعي تام بالتعامل مع شخصياته فيقدم بناءً فكرياً ونفسياً لكل منها، باحثاً عن أسباب التحول، وكيف نمت جذور الإسلام السياسي في المجتمع».
الأسلوب المباشر
وانتقد متابعون توجه حلقات المسلسل الأخيرة إلى الخطابة والأسلوب المباشر في الحوار، وكذلك شخصية مدرس التاريخ التي يجسدها الفنان نبيل الحلفاوي كونها شخصية خيالية ومثالية جدا، وليست واقعية، وهو ما يرد عليه المؤلف قائلاً «المسلسل يناقش أفكاراً ومفاهيم مغلوطة ترسخت في أذهان الكثيرين ونرد الأشياء إلى أصلها، ولا بد أن نناقشها بهدوء وإقناع ومن دون تعالٍ على الجمهور، كما أن الدراما التلفزيونية لها طرق سرد متعددة، لكن الذين اعتادوا على نمط معين قد لا يستسيغون أسلوباً آخر، والمسلسل يتصدى لقضايا فكرية ذهنية مترسخة في عقول الناس وكنت أمشي في كل جملة وراء أشواك؛ لأننا نتناول ما يخص العقيدة والشريعة، والتكفير والإلحاد، وعلاقة المسلمين والمسيحيين، نخاطب ملايين منهم نسبة كبيرة من الأميين».
وأشار إلى أن «مدرس التاريخ رجل عمره 70 عاماً ولديه رؤية للحياة والعالم يختلف معها البعض، والنجاح الجماهيري والنقدي الذي يلاقيه العمل فاق التوقعات، وأنا لا أهتم بالترند ولا يفرق معي لأنه زائف، وأرى أن الترند الحقيقي هو استمرار المسلسل على مر السنين وتأثيره في الناس». وعكست الرؤية البصرية للمخرج حسام علي قوة الحوار الذي يثير فكر المتفرج طوال الوقت، وبحسب البشلاوي «لجأ المخرج إلى التركيز وعدم الاستعراض من خلال تكثيف الأفكار واللقطات التي تربط المتفرج بالشخصية ثم تصدمه على غرار مثل مشهد مقتل المخرج السينمائي الذي أكد أن الفن والأمن أكبر أعداء التطرف لدورهما الفعّال في زرع الوعي بخطورة الإرهاب.
وتطرح الحلقات المقبلة من المسلسل تطورات عديدة ومفاجآت صادمة، كما تحمل الحلقة الأخيرة نهاية غير متوقعة للجمهور، وكما يؤكد المؤلف «الأحداث كلها تدور خلال السنة التي سبقت ثورة 25 يناير 2011، حيث نستعيد ما جرى في مصر خلال العقود الثلاثة التي سبقتها».



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.