تغيير اسم «إخوان ليبيا»... مناورة انتخابية أم متغيرات إقليمية؟

TT

تغيير اسم «إخوان ليبيا»... مناورة انتخابية أم متغيرات إقليمية؟

فجّر إعلان جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا تغيير اسم «إخوان ليبيا»، إلى جمعية تحمل اسم «الإحياء والتجديد» عاصفة من الاتهامات، واعتبر قطاع كبير من الليبيين الخطوة «مجرد مناورة جديدة» أقدمت عليها الجماعة، تمهيداً لخوض سباق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمعة نهاية العام الجاري.
ووفق بيان الجماعة، الصادر مساء أول من أمس، فإن «الجمعية ستعمل على إحياء الدعوة والتمسك بمنهج الإسلام الوسطي وتعاليمه، كما ستؤدي رسالتها في المجتمع الليبي من خلال عملها في المجالات العامة».
ونقلت وكالة «الأناضول» التركية عن عضو سابق بالجماعة، قوله إن «عملها سيكون فقط داخل ليبيا»، وإنها «أصبحت لا تتبع أي أحد بالخارج، ومنها جماعة الإخوان العالمية».
وجاءت أقوى الاتهامات التي وجهت للحركة، وامتزجت بقدر من السخرية على لسان رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد عمر بعيو، الذي علق في تدوينة متهكماً: «أيها الإخوان بدلوا تنظيمكم كما شئتم من جماعة إلى جمعية، ومن حزب إلى نادٍ، لكن اتركوا لأمة الإسلام 20 رمضان، يوم الفتح الأكبر، كفاكم تمسّحاً بالدين الذي تُشادّونه فيغلبكم، وتستخدمونه للإمساك بمصاريع الدنيا فيصرعكم».
من جانبه، وصف عضو مجلس النواب الليبي، جبريل أوحيدة، الخطوة بكونها «خدعة جديدة - لكنها لم تعد خافية على أحد، خصوصاً أصحاب البصيرة»، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التبدل بالمواقف سمة من الإخوان، خصوصاً عندما يصب ذلك في صالحهم، لذا من الصعب أن نصدق أنهم عادوا للعمل الدعوي والعام كما يقولون، بعد أن ألفوا السلطة وما يصاحبها من مكاسب... الانتخابات في صلب تلك الخطوة، فمن مجموع النواب، هناك عشرة كشفت مداخلتهم ومواقفهم وما يطرحونه من مشاريع تحت القبة عن هويتهم الإخوانية، لكن لا يصرح بتلك الهوية علناً سوى اثنين منهم».
أما المحلل السياسي الليبي خالد الترجمان، رئيس مجموعة العمل الوطني، فقد حصر أسباب الخطوة بكونها «أتت للاستعداد لحصد أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، عبر الدفع بوجوه جديدة وغير معروفة، خصوصاً من تيار الشباب أو جيل الوسط، تحديداً بمدن الشرق الليبي كطبرق والبيضاء، نظراً لمعرفتهم بوجود تيار غير مؤيد لجماعتهم هناك»، مبرزاً في السياق «كيف فوجئ الجميع بإعلان بعض الشخصيات، التي فازت بعضوية للمجلس الانتقالي، بكونها إخوانية الهوى، دون أن تعلن عن ذلك خلال الترشح، رغم أن المجتمع الليبي كان بعد الثورة يميل للتيار الديني... والأمر نفسه تكرر في انتخابات البرلمان 2014، وإن كان بحرص أكبر خصوصاً بعد أن ابتعد الشارع عنهم».
ولم يستبعد المحلل السياسي أن تكون الخطوة تمت بالتنسيق مع تركيا، الراعي الرئيسي لتنظيم الإخوان الدولي، وذلك «في إطار سعيها للتقارب مع القاهرة وباقي دول المنطقة، التي تصنف الإخوان جماعة إرهابية، وما يصاحب ذلك من تضييق سياسي وإعلامي عليهم».
أما الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية، فيروز النعاس، فقد اعتبرت أن «التشكيك بموقف الجماعة وأهدافها كان متوقعاً، وذلك لمعرفة الجميع بأنه من الصعب جداً على الإخوان الابتعاد عن المشهد السياسي».
وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «ربما أرادوا الظهور بحلة جديدة. فرغم أن لهم قاعدة شعبية مهمة، وتعامل بعض أعضاء البعثة الأممية معهم أحياناً باعتبارهم ممثلين لتيار ثورة فبراير (شباط)، فإن قطاعاً كبيراً من الشارع الليبي لم ينسَ بعد أن قام الإخوان خلال الحوار السياسي ومجريات انتخاب سلطة انتقالية بدعم قائمة وزير الداخلية السابق فتحي باشا أغا، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، بالرغم من الدور المعروف للأخير في تأييد الهجوم على العاصمة، وهذا يجعل الجميع يشكك في مواقفهم».
وأضافت النعاس موضحة أنه «رغم خلو حكومة الوحدة الوطنية من أعضاء الجماعة، فإن الأخيرة تحاول فرض وجودها على المجريات... ولا أستبعد أن تكون هناك نصائح قد وجهت للجماعة بالتراجع للخلف قليلاً في إطار التقارب بين مصر وليبيا، خصوصاً في ظل ما يردد عن رفض القاهرة أن يكون الإخوان في مقدمة المشهد».
لكن المحلل السياسي الليبي، صلاح البكوش، يختلف مع الآراء السابقة، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» استمرار عمل الذراع السياسية للجماعة، أي حزب العدالة والبناء، وعدم حله أو تغيير تسميته، «وهو ما يعني أن خطوة تحول الجماعة، أو تغيير اسمها، لا تستهدف بأي شكل الانتخابات، ولا علاقة لها أيضاً بأي تقارب محتمل على مستوى العلاقات بين الدول في المنطقة».
ورأى البكوش أن «السبب الحقيقي لهذا التغيير يكمن في التركيز المحلي والإقليمي والدولي على جماعة الإخوان، أي محاولة من الجماعة للخروج من دائرة استهداف خصومها السياسيين عبر تغيير التسمية... لكن هذا سيكون له أثر كبير على الأرض».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.