دعت الأمم المتحدة الأسرة الدولية إلى الإسراع في مدّ يد العون إلى الهند التي تواجه وضعاً صحياً كارثيّاً بعد أن خرج الوباء كليّاً عن السيطرة، وبات يشكّل خطراً داهماً على السكان، وحدها المساعدة الخارجية قادرة على التخفيف منه، كما قالت ناطقة بلسان منظمة الصحة العالمية أمس (الخميس).
ويأتي هذا النداء في الوقت الذي باشرت دول عدة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، بإرسال الدفعات الأولى من المساعدات، في حين ترتفع الأصوات المندّدة بإدارة الحكومة الشعبوية التي يرأسها نارندا مودي لهذه الأزمة، ومسؤوليتها المباشرة بتشجيعها على تنظيم مهرجانات سياسية ودينية لأغراض انتخابية خلال الشهرين الماضيين. ويذكر أن عدد الإصابات اليومية المؤكدة يتجاوز ٣٥٠ ألفا منذ أواخر الأسبوع الفائت، بعد أن كان دون العشرة آلاف أواسط شهر فبراير (شباط).
ويقول خبراء منظمة الصحة إن هذه الأرقام، مقارنة بعدد السكان، لا يفترض أن تكون مدعاة للهلع كما في بعض البلدان الأخرى التي سجّلت معدلات أعلى بكثير، لكن الأرقام الرسمية في الهند بعيدة جداً عن الواقع بسبب من ضعف قدرة المنظومة الصحية على رصد الإصابات الفعلية، فضلاً عن أن غالبية ضحايا الوباء يموتون في منازلهم ولا يحتسبون ضمن الإحصاءات الرسمية.
وتفيد منظمة «أطباء بلا حدود» بأن أعداداً كبيرة من المصابين بالوباء يقضون من غير الحصول على أي مساعدة طبية لعدم توفّر الأكسجين وأجهزة التنفس والأدوية والأسرة في المستشفيات، إلى درجة أن المحارق الجماعية لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من الجثث.
وبعد أن كانت النتائج الأوليّة للتحاليل المخبرية على الطفرة الجديدة التي يعتقد أنها سبب هذه الموجة الوبائية في الهند قد دلّت أنها تحمل قدرة أسرع على السريان، وربما كانت أكثر مقاومة لمضادات الأجسام، قال خبراء منظمة الصحة العالمية أمس الخميس إن هذه الطفرة باتت متفشيّة بنسبة تزيد على 50 في المائة في بعض الولايات، وإنه ما زال من السابق لأوانه تحديد مواصفاتها بشكل نهائي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطفرة كانت قد رصدت للمرة الأولى في خريف العام الماضي، بالتزامن تقريباً مع ظهور الطفرة البريطانية التي تبيّن أنها أسرع سرياناً بنسبة 90 في المائة من الطفرة الأساسية وأشدّ فتكاً منها بنسبة 58 في المائة وفقاً لآخر البيانات العلمية الصادرة عن المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها.
ويقول الخبراء إن ما يدعو إلى القلق من الطفرة الهندية، هي ثلاثة تحوّرات في سلسلتها الوراثية المؤلفة من 30 ألف حرف، حيث إن تغييراً واحداً فقط من شأنه أن يجعل الفيروس أكثر قدرة على اقتحام أعضاء الجسم والإفلات من نظام المناعة المكلّف القضاء عليه. أما التحوّر الذي يثير أكبر قدر من القلق لدى العلماء في هذه الطفرة، فهو L452R الذي يظهر أن الفيروس تطوّر ليستبدل مادة الليوسين بواسطة مادة الأرجينين عند النقطة 452 في مادته البروتينية، وهي بالتحديد الموقع الذي يدخل منه الفيروس إلى الخلايا البشرية. وتجدر الإشارة إلى أن علماء أميركيين كانوا رصدوا هذا التحوّر في الطفرة التي ظهرت في ولاية كاليفورنيا، وتبيّن أنها أسرع سرياناً بنسبة 20 في المائة، وقادرة على الإفلات من بعض المضادات التي تتولّد لدى المصابين، فضلاً عن أنها أسرع تكاثراً.
لكن الطفرة الهندية تحمل تحوّراً آخر مثيراً للقلق عند النقطة E484Q لم يتمكّن الخبراء بعد من تحديد مواصفاته وقدراته، إضافة إلى تحوّر ثالث كشفته التحاليل الأخيرة عند النقطة P681R يخشى أنه يسهّل عملية اقتحام الفيروس للخلايا ويزيد من قدرته على اجتياح الأنسجة.
وترى الأوساط العلمية أن المشكلة الكبرى التي تواجه الهند، فضلاً عن العجز الكبير في مستلزمات العلاج وعدد الأسرة في المستشفيات، هي ضعف قدرتها على إجراء التسلسل الوراثي لتحديد طبيعة الإصابات ومواصفاتها، والتي لا تتجاوز واحدا في المائة من الحالات، ما يعني أنها تكاد تجهل تماماً معدلات انتشار الطفرات بين السكان الذين يزيد عددهم على 1.3 مليار نسمة. وتجدر الإشارة مثلاً إلى أن بريطانيا تجري تحاليل التسلسل الوراثي لما يزيد على 10 في المائة من الإصابات.
الموقف الرسمي لمنظمة الصحة العالمية ما زال يتسّم بالحذر بشأن تحديد مستوى الخطر الذي تشكّله الطفرة الهندية، في انتظار تقدم التحاليل وتوفّر المزيد من المعلومات عنها، وما زالت تصنّفها ضمن «الطفرات المثيرة للاهتمام» وليس ضمن «الطفرات المقلقة» التي تندرج فيها طفرات بريطانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وكاليفورنيا التي توفّرت أدلة كافية على سريانها وفتكها وقدرتها على مقاومة بعض اللقاحات. لكن خبراء المنظمة لا يخفون قلقهم من هذه الطفرة الهندية في ضوء النتائج الأولية للتحاليل المخبرية التي أجريت عليها.
المعهد الوطني للعلوم الفيروسية في الهند أفاد من جهته أمس (الخميس)، بأن الدراسة الأولى التي أجراها حول هذه الطفرة بيّنت أن المضادات التي تتولّد بفعل الإصابة بالفيروس قادرة على منع الإصابة بها، وأن لقاح «كوفاكسين» الذي تطوره الهند فعّال أيضا في مواجهتها.
وفيما تركّز التجارب والتحاليل التي تجريها الهند ودول أخرى حالياً على تحديد مواصفات التحوّرات الثلاثة لهذه الطفرة عبر الدراسات المخبرية ومتابعة تطور الموجة الوبائية، ينبّه خبراء منظمة الصحة من المبالغة في تأثير الطفرة الجديدة على هذه الموجة الوبائية الاستثنائية التي تشهدها الهند، ويذكّرون بأن الطفرات الجديدة ليست هي التي تتسبب في الموجات الوبائية، بل هي الموجات وسرعة سريان الفيروس نتيجة عوامل عدة هي التي تساعد على ظهور الطفرات الجديدة.
وتقول مديرة قسم العلوم الفيروسية في جامعة جنيف ناتالي بوتيكير: «الحرب العالمية ضد كوفيد دخلت مرحلة حاسمة، واللقاحات هي السلاح الفعّال الوحيد لمحاصرة الفيروس ومنعه من مواصلة التحوّر للبقاء على قيد الحياة. وبقدر ما تتأخر حملات التلقيح، بقدر ما تزداد احتمالات ظهور طفرات جديدة تمدّ الفيروس بعناصر التفوّق في هذه الحرب».
قلق علمي من التحورات الثلاثة للطفرة الهندية
الحرب العالمية ضد «كوفيد ـ 19» دخلت «مرحلة حاسمة»
قلق علمي من التحورات الثلاثة للطفرة الهندية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة