دمشق لا تتجاوب مع طلب لبنان ترسيم الحدود البرية

دمشق لا تتجاوب مع طلب لبنان ترسيم الحدود البرية
TT

دمشق لا تتجاوب مع طلب لبنان ترسيم الحدود البرية

دمشق لا تتجاوب مع طلب لبنان ترسيم الحدود البرية

مع بدء الحديث عن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا الذي تزامن مع تلزيم دمشق لشركة روسية بالتنقيب عن النفط في المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة بين البلدين، تسارعت الأسئلة المشروعة حول مدى استعداد النظام في سوريا للدخول في مفاوضات مع لبنان لفض النزاع في هذه المنطقة في ضوء الاتصال الذي أجراه رئيس الجمهورية ميشال عون بنظيره السوري بشار الأسد، وما إذا كان الأخير سيشترط تعليقها إلى حين توصل لبنان في مفاوضاته غير المباشرة مع إسرائيل إلى اتفاق يتعلق بالمساحات البحرية المتنازع عليها بين بيروت وتل أبيب.
وسبق للرئيس الأسد أن اشترط بدء ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، وذلك في رد مباشر على ما توصلت إليه القيادات السياسية في مؤتمر الحوار الأول الذي عُقد في أبريل (نيسان) 2006، بدعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري حول ضرورة ترسيمها بين البلدين وقبل أن ينقل المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا فردريك هوف عن لسان الأسد تأكيده أن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تابعة لسوريا، من دون أن يبادر إلى نفي ما نُسب إليه في هذا الخصوص.
وتبين في حينه - كما تقول لـ«الشرق الأوسط» قيادات شاركت في مؤتمر الحوار الأول - أن المؤتمرين وافقوا على ضرورة ترسيم الحدود البرية بين البلدين، لكنهم استجابوا لرغبة الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بصرف النظر عن الترسيم واستبدال تحديد الحدود به، بذريعة أن كلمة تحديد تُستخدم بين دولتين شقيقتين بخلاف الترسيم الذي يُستخدم بين دولتين متخاصمتين أو عدوتين.
وتؤكد هذه القيادات أن نصر الله تعهد من جانبه بالاتصال بالقيادة السورية لهذه الغاية، إضافة إلى تواصله مع الفصائل الفلسطينية لحثها على التجاوب مع ما قرره مؤتمر الحوار لجهة تنظيم السلاح الفلسطيني في داخل المخيمات وجمعه في خارجها، لكن موضوع السلاح الفلسطيني بقي عالقاً إلى اليوم، وتعزو السبب إلى أن دمشق اشترطت على لبنان أن يبحث الأمر مع ممثلين عن قوى التحالف الفلسطيني، في محاولة لتصفية حساباتها مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت على خلاف معها.
وبالفعل، فإن دمشق أوكلت مهمة التفاوض إلى الأمين العام للجبهة الشعبية - القيادة العامة - برئاسة أحمد جبريل، الذي يتخذ من دمشق مقراً له، وأوفدته إلى بيروت والتقى في حينها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وزعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري وآخرين، من دون أن يتوصل معهم إلى إبرام ورقة تفاهم لحل مشكلة السلاح الفلسطيني.
لكن دمشق عادت - كما تقول هذه القيادات - إلى إبداء استعدادها للبحث في ترسيم الحدود البرية بين البلدين باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في محاولة للالتفاف على الضغوط التي استهدفتها، مطالبة إياها بإيداع الأمم المتحدة وثيقة موقعة بين البلدين تعترف فيها بلبنانية المزارع.
وشكّل تكليف الحريري برئاسة أول حكومة في أعقاب الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وسوريا مناسبة لإعادة فتح ملف ترسيم الحدود البرية بين البلدين بدءاً من منطقة الشمال، وتقرر حينها تشكيل لجنة لبنانية برئاسة الوزير جان أوغاسابيان، في مقابل استعداد دمشق لتشكيل لجنة مماثلة من سياسيين وعسكريين، إضافة إلى تشكيل لجنتين موازيتين من محافظي البقاع والشمال تتوليان مع محافظي ريف دمشق وحمص إيجاد حل للمناطق المتداخلة بين البلدين.
إلا أن هذه اللجان ظلت حبراً على ورق ولم تعقد أي اجتماع تنفيذي، باستثناء عقد لقاء يتيم خُصص للتعارف، مع أن الجانب اللبناني أعد ملفه بالكامل مدعوماً بخرائط جوية وإحداثيات برية أنجزتها قيادة الجيش اللبناني، وذلك أسوة باللجان الوزارية التي شُكلت تتويجاً لزيارة الرئيس الحريري لدمشق ولقائه الأسد.
وفي هذا السياق، فإن دمشق حالت دون تفعيل اللجان الوزارية المشتركة التي كان يراد منها إعادة النظر في عدد من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية المعقودة بين البلدين من «وحي» معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين رئيسي البلدين في حينها إلياس الهراوي وحافظ الأسد، التي لم يبقَ من آثارها سوى المجلس الأعلى اللبناني - السوري برئاسة نصري خوري الذي مضى على تعيينه أكثر من ربع قرن.
وتردد أن دمشق أبدت تجاوباً بقي في حدود استيعاب النقمة على النظام السوري على خلفية فرض وصايته الأمنية والسياسية على لبنان، من دون أن تتجاوب مع طلبه بترسيم الحدود البرية، إلى أن قررت الانقلاب على الحريري باستقالة حلفائها ومعهم وزراء «التيار الوطني الحر» من الحكومة.
لذلك فإن دمشق لم تبادر حتى الساعة إلى إبداء حسن نية مع وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، الذي لم ينقطع عن التواصل معها عبر وزير الدولة السابق لشؤون الرئاسة بيار رفول الذي يتردد من حين لآخر إلى العاصمة السورية. حتى إن دمشق سرعان ما بادرت إلى تطويق دعوة المجلس الأعلى للدفاع الوطني برئاسة عون إلى ترسيم الحدود البرية بين البلدين لمكافحة التهريب المنظم من لبنان إلى سوريا، خصوصاً أن المواد المهربة من مواد غذائية ومحروقات تلقى دعماً من خزينة الدولة يقدر سنوياً بمليارات الدولارات تذهب بمعظمها إلى سوريا عبر شبكات لها امتداداتها الرسمية في الداخل السوري.
لكن لبنان الرسمي في ظل حكومة تصريف الأعمال نأى بنفسه عن الرد على رفض وزير الخارجية في حينه وليد المعلم الاستجابة لطلب لبنان بذريعة أن الترسيم لم يحن أوانه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تأكيد الأسد سورية المزارع.
وعليه، فإن دمشق تقفل الأبواب في وجه الدعوات اللبنانية لترسيم الحدود في ظل ازدياد عدد المعابر غير الشرعية التي ترعى التهريب «المنظم» إلى سوريا، مع أن لبنان محكوم حتى إشعار آخر من محور «الممانعة» المتحالف مع «التيار الوطني» الذي انقلب على موقفه من النظام السوري بذريعة أن لا مشكلة معه طالما أن قواته العسكرية انسحبت من لبنان تحت ضغط «قوى 14 آذار» في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وتنفيذاً للشق السوري من القرار 1559.



أميركا تخسر أولى مقاتلاتها منذ بدء ضرباتها ضد الحوثيين

حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري إس ترومان» مشاركة في مهمة ضرب القدرات الحوثية (أ.ب)
حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري إس ترومان» مشاركة في مهمة ضرب القدرات الحوثية (أ.ب)
TT

أميركا تخسر أولى مقاتلاتها منذ بدء ضرباتها ضد الحوثيين

حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري إس ترومان» مشاركة في مهمة ضرب القدرات الحوثية (أ.ب)
حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري إس ترومان» مشاركة في مهمة ضرب القدرات الحوثية (أ.ب)

استمراراً للحملة التي يقودها منذ قرابة عام للحد من قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن، أعلن الجيش الأميركي تدمير منشأة للصواريخ ومنشأة أخرى للقيادة والسيطرة في صنعاء، ليل السبت - الأحد، قبل أن يؤكد تحطم أولى مقاتلاته منذ بدء الحملة، بنيران صديقة ونجاة الطيارين.

وتشن الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، إلى جانب الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مساندة الفلسطينيين في غزة، وهي السردية التي تصفها الحكومة اليمنية بالمضللة.

وأفاد سكان صنعاء، حيث العاصمة اليمنية المختطفة، بدوي انفجارات ضخمة جراء الغارات التي ضربت منطقة عطان التي يعتقد أنها لا تزال تضم مستودعات للصواريخ الحوثية، وكذا معسكر الحفا الواقع بالقرب من جبل نقم شرق المدينة.

وأقرت الجماعة الحوثية بتلقي الضربات في صنعاء، وبتلقي غارة أخرى ضربت موقعاً في جبل الجدع التابع لمديرية الحديدة شمال محافظة الحديدة الساحلية، دون الحديث عن آثار هذه الضربات.

ومع وجود تكهنات باستهداف عناصر حوثيين في منشأة السيطرة والتحكم التي قصفتها واشنطن في صنعاء، أفادت القيادة المركزية الأميركية بأن قواتها نفذت غارات جوية وصفتها بـ«الدقيقة» ضد منشأة لتخزين الصواريخ ومنشأة قيادة وسيطرة تديرها جماعة الحوثيين المدعومة من إيران في صنعاء.

وأوضح البيان الأميركي أن القوات نفذت ضرباتها في صنعاء بهدف تعطيل وتقليص عمليات الحوثيين، مثل الهجمات ضد السفن الحربية والسفن التجارية التابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

إسقاط صاروخ ومسيّرات

خلال العملية نفسها، قالت القيادة المركزية الأميركية إن قواتها أسقطت كثيراً من الطائرات الحوثية من دون طيار الهجومية أحادية الاتجاه وصاروخ كروز المضاد للسفن فوق البحر الأحمر، وأشارت إلى أن العملية شاركت فيها قوات جوية وبحرية، بما في ذلك طائرات من طراز «إف 18».

وتعكس الضربة - بحسب البيان - التزام القيادة المركزية الأميركية المستمر بحماية أفراد الولايات المتحدة وقوات التحالف والشركاء الإقليميين والشحن الدولي.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وفي وقت لاحق، قالت القيادة المركزية الأميركية في بيان نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه تم إسقاط إحدى مقاتلاتها من طراز «إف 18» فوق البحر الأحمر، صباح الأحد (بتوقيت اليمن)، عن طريق الخطأ، ما أجبر طياريها على القفز بالمظلة.

في غضون ذلك زعم الحوثيون أنهم أفشلوا الهجوم الأميركي واستهدفوا حاملة الطائرات «يو إس إس هاري إس ترومان» وعدداً من المدمرات التابعة لها باستخدام 8 صواريخ مجنحة و17 طائرة مسيّرة. وبحسب ادعاء المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أسفرت العملية عن إسقاط طائرة «إف 18» أثناء محاولة المدمرات التصدي للمسيّرات والصواريخ، كما زعم المتحدث الحوثي أن حاملة الطائرات «يو إس إس هاري إس ترومان» انسحبت بعد استهدافها من موقعها السابق نحو شمال البحر الأحمر، بعد تعرضها لأكثر من هجوم من قبل القوة الصاروخية والقوات البحرية وسلاح الجو المسيّر التابع للجماعة.

وإذ تعد هذه أولى مقاتلة تخسرها الولايات المتحدة منذ بدء غاراتها على الحوثيين في 12 يناير (كانون الثاني) 2024، أكدت القيادة المركزية أنه تم إنقاذ الطيارين الاثنين، وأصيب أحدهما بجروح طفيفة بعد «حالة إطلاق نيران صديقة على ما يبدو»، ولا يزال ذلك قيد التحقيق.

سفينة مدمرة في موقع ضربته القوات الإسرائيلية بميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون (أ.ف.ب)

وذكر البيان أن الطائرة المقاتلة من طراز «إف إيه 18 هورنت» كانت تحلق فوق حاملة الطائرات «هاري إس ترومان»، وأن إحدى السفن المرافقة لحاملة الطائرات، وهي الطراد الصاروخي جيتيسبيرغ، أطلقت النار عن طريق الخطأ على الطائرة وأصابتها.

وكانت واشنطن أنشأت ما سمته تحالف «حارس الازدهار» في ديسمبر (كانون الأول) 2023 للتصدي لهجمات الحوثيين البحرية، وإضعاف قدراتهم على مهاجمة السفن، لكن ذلك لم يحل دون إيقاف هذه الهجمات التي ظلت في التصاعد، وأدت إلى إصابة عشرات السفن وغرق اثنتين وقرصنة ثالثة، إلى جانب مقتل 3 بحارة.

ومع تصاعد الهجمات الحوثية باتجاه إسرائيل، وكان آخرها صاروخ انفجر في تل أبيب، وأدى إلى إصابة 23 شخصاً، يتخوف اليمنيون من ردود انتقامية أكثر قسوة من الضربات السابقة التي كانت استهدفت مواني الحديدة ثلاث مرات، وفي المرة الثالثة (الخميس الماضي) استهدفت إلى جانب المواني محطتي كهرباء في صنعاء.

وفي أحدث خطبه، الخميس الماضي، قال زعيم الحوثيين إن جماعته منذ بدء تصعيدها أطلقت 1147 صاروخاً باليستياً ومجنَّحاً وطائرة مسيَّرة، فضلاً عن الزوارق المسيّرة المفخخة.

كما تبنى الحوثي مهاجمة 211 سفينة مرتبطة بمن وصفهم بـ«الأعداء»، وقال إن عمليات جماعته أدّت إلى منع الملاحة البحرية لإسرائيل في البحر الأحمر، وباب المندب، والبحر العربي، وعطّلت ميناء إيلات.