الخريطة السنية في العراق تتأرجح بين مفاهيم الزعامة وحقوق المكوّن

تشكيل تحالف جديد تمهيداً للانتخابات

TT

الخريطة السنية في العراق تتأرجح بين مفاهيم الزعامة وحقوق المكوّن

كل شيء بات جاهزا لإجراء الانتخابات المبكرة في العراق (العاشر من الشهر العاشر من العام الحالي). آخر العقد وأكثرها تعقيداً وهي تعديل قانون المحكمة الاتحادية التي تم حلها بولادة وصفت بالعسيرة. البرلمان العراقي، الذي مرر تعديل القانون بعد فشل الأحزاب الإسلامية في حشد نسبة الثلثين لتشريع قانون جديد يسمح بدخول فقهاء الشريعة في جسم أهم محكمة دستورية في العراق، سجل نقطة لصالحه في سجل حافل بالانتقاد من قبل خصومه. كما خطا البرلمان خطوة أكثر جرأة حين قرر حل نفسه يوم السابع من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل أي قبل ثلاثة أيام من إجراء الانتخابات.
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعلنت من جانبها أن آخر موعد لتسجيل التحالفات هو الأول من مايو (أيار) القادم. وبذلك تكون أغلقت الباب أمام أي إمكانية لتأجيل الانتخابات وترحيلها إلى موعدها الدستوري خلال الشهر الرابع من العام المقبل 2022، وبسبب عدم إمكانية قيام تحالف عابر للأعراق والمذاهب لخوض الانتخابات فإن الخريطة السياسية على صعيد المكونات العرقية والمذهبية الكبيرة (الشيعية والسنية والكردية) تكاد تكون بقيت مثلما هي باستثناء الكتل السنية التي اهتزت خرائطها بين الصراع على زعامة المكون السني وبين البحث عن حقوقه التي تبدو بالنسبة للكثيرين شبه ضائعة، خصوصا على صعيد المشاركة بالقرار السياسي والأمني وقضية المهجرين والنازحين والمغيبين بالسجون والمختطفين.
وبشأن عدم إمكانية تكوين تحالف عابر، يقول فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الإستشاري العراقي، لـ«الشرق الأوسط» إن «زعيم تحالف (عراقيون) عمار الحكيم طرح مؤخرا خلال زيارته إلى محافظة الأنبار موضوع التحالف العابر لكن يبدو أنه ليست هناك استجابة حقيقية لتكوين هذا التحالف، حيث اختلفت مع هذه الرؤية كتل شيعية كبيرة، وذهبت إما للتفرد وحدها مثل الكتلة الصدرية وإما للتحالف الشيعي مثل تحالف الفتح». وأضاف أن «القوى السنية الكبيرة اتجهت نحو عدم الدخول في تحالف مع الكتل الشيعية وقررت الدخول منفردة أو الدخول مع كتل سنية أخرى».
وحول القوى الكردية، يقول علاء الدين إن «القوى الكردية لم تبد حتى الآن رأيها بشأن التحالف مع القوى العراقية الأخرى ربما باستثناء الاتحاد الوطني الكردستاني الذي لم يعارض الدخول في التحالف العابر الذي دعا إليه الحكيم».
المشكلة التي تعانيها الكتل السنية هي تعدد الزعامات لا سيما بعد انتخابات عام 2010 وفشل القائمة العراقية آنذاك بزعامة إياد علاوي في تشكيل الحكومة. فرغم كون زعيم القائمة (علاوي) شيعيا لكن الجسم الرئيسي للقائمة سني تماما ويضم العديد من القيادات البارزة آنذاك في المشهد السني من أمثال رافع العيساوي وصالح المطلك ومحمود المشهداني وإياد السامرائي. وقبل تحالف «العراقية» كان هناك تحالف سني قوي هو جبهة التوافق بزعامة عدنان الدليمي ومعه طارق الهاشمي وحاجم الحسني وقيادات سنية بارزة. فيما بعد تشظت القوى السنية إلى الحد الذي ظهر مصطلح «سنة المالكي» جرى تداوله بعد عام 2012 حين فشلت عملية سحب الثقة عن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في ولايته الثانية.
وقبل انتخابات عام 2014 ظهرت زعامات سنية جديدة كان الأبرز فيها شاب لم يكن من جيل الرواد أو المؤسسين وهو محمد الحلبوسي الرئيس الحالي للبرلمان العراقي. فهذا الشاب (40 سنة) تمكن من الصعود بسرعة في المشهد السياسي بدءا من رئاسته اللجنة المالية في البرلمان لنحو سنة ونصف السنة ومن ثم انتخابه محافظا للأنبار لنحو سنتين. وحيث نجح في وضع محافظة الأنبار على خط البناء والإعمار، فقد لفت الأنظار إليه خلال انتخابات عام 2018 عندما حصل في الأنبار على أعلى الأصوات، وهو ما جعله ينافس على رئاسة البرلمان وبالفعل أصبح رئيسا.
خلال هذا النجاح الذي حققه الحلبوسي صار لا بد من التصدي له من قبل قيادات سنية عديدة بدأت بتشكيل جبهات وتحالفات كان الهدف منها قبل شهور هي إقالته من رئاسة البرلمان (الجبهة العراقية) حيث نجح في تفكيكها ومع اقتراب موعد الانتخابات ظهر أكثر من تحالف يهدف إلى الحد من الصعود الصاروخي للحلبوسي الذي يتزعم حزب «تقدم» ولديه تحالف كبير هو تحالف القوى العراقية.
وتشكل قبل فترة تحالف أطلق على نفسه «الصقور» في محاولة لتغيير الخريطة السياسية في محافظة صلاح الدين بعد تحالف الحلبوسي مع الرجل القوي في هذه المحافظة أحمد الجبوري المعروف بـ«أبو مازن». وقبل يومين تشكل تحالف سني جديد هو تحالف «العزم» برئاسة خميس الخنجر، ويضم عددا من القيادات السنية من أبرزهم سليم الجبوري رئيس البرلمان السابق وجمال الكربولي ومحمد الكربولي ومثنى السامرائي وخالد العبيدي وزير الدفاع الأسبق.
وفي هذا السياق يرى القيادي السني يزن الجبوري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «إنشاء التحالفات داخل المكون السني حالة طبيعة مثله مثل الكتل والتحالفات الأخرى لدى الشيعة والكرد». وأضاف «من غير الممكن اختزال العرب السنة بتحالف واحد مثلما لا يمكن للشيعة أن يجتمعوا في تحالف واحد». وردا على سؤال بشأن مصير تحالف «الصقور» الذي أسسه النائب السابق مشعان الجبوري، والد يزن، يقول الجبوري إن «تحالف الصقور انتهى من الناحية العملية بعد أن ذهب أحد قادته وهو عمار جبر محافظ صلاح الدين مع حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، بينما ذهب القيادي الآخر مثنى السامرائي النائب الحالي في البرلمان مع تحالف العزم الجديد برئاسة خميس الخنجر بينما نحن سوف ندخل وحدنا الانتخابات المقبلة».
في السياق نفسه، يرى الدكتور فاضل حسين البدراني أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية لـ«الشرق الأوسط» أن «الكتل السنية هذه المرة نزلت في وقت مبكر للتحالفات والتجاذبات مع بعضها بعض في سباق على زعامة المكون»، مشيرا إلى تحالف خميس الخنجر (العزم) وحزب تقدم برئاسة الحلبوسي كتلة التنمية والإنقاذ برئاسة أسامة النجيفي. وأضاف البدراني «هناك تحالفات من مستوى الخط الثاني تحاول ألا تغيب عن المشهد السياسي لكنها لا تطمح بالزعامة لكونها لا تمتلك المال لإدامة وجودها أمام التحالفات الحزبية الصاعدة بقوة المال». وأوضح أن «اللافت للنظر أن صراعا يبدو متكافئا بين الحلبوسي والخنجر، وكل منهما يحاول أن يخطف الزعامة السنية للمرحلة المقبلة، ويبدو لي أن هناك متغيرات داخلية تتمثل بطبيعة التحالف مع القوى الشيعية والكردية، فمن يجيد فن الإقناع لهما سيكون هو الأقوى».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.