الغلاء يرهق أهالي الجنوب السوري

الرواتب الشهرية للموظفين لا تكفيهم سوى لأيام

TT

الغلاء يرهق أهالي الجنوب السوري

تبدو مؤشرات استقبال الأهالي في درعا، جنوب سوريا، شهر رمضان في تراجع كبير، لا سيما أن عموم المناطق في سوريا تمر بأصعب الظروف من نوعبها المعيشي والاقتصادي منذ بدء الحرب في سوريا، بعدما شهدت الأسواق وكل المواد تحليقاً متسارعاً في الأسعار جراء تدهور الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.
ويقول أبو أيهم، أحد سكان ريف درعا، لـ«الشرق الأوسط»، إن معظم العائلات محدودة الدخل التي تمثل الفئة الأكبر في سوريا، تعيش أوضاعاً صعبة خلال الأشهر العادية و«كيف ستكون الحال وشهر رمضان على الأبواب، لا سيما أن الغلاء الكبير في أسعار جميع المواد وخاصة الغذائية، وانتشار الفقر، وانخفاض أجور اليد العاملة أدى إلى غياب فرحة استقبال شهر رمضان». ويضيف، أن معظم الناس سوف تستقبل شهر رمضان من دون مخزونات غذائية، كالأرز والطحين والزيت، وغيرها من المواد الأساسية كما كانوا يفعلون سابقاً.
ويرى شخص آخر، أن «الغلاء حرم معظم العائلات من فرحة قدوم شهر رمضان والتحضير لقدومه، فكانت كل العائلة تجتمع على مائدة واحدة في رمضان، اليوم ستكون هذه الطقوس حكراً على الأغنياء، فالطبقات الأخرى ستكون عاجزة عن أداء الولائم، ناهيك أن كل عائلة في سوريا ستكون فرحتها ناقصة، وأن تجتمع الأسرة كاملة على مائدة الإفطار سيكون مستحيلاً، كما كانت سابقاً؛ إذ لا تخلو عائلة من قتيل أو معتقلٍ أو لاجئ».
أبو زايد يبلغ من العمر 65 عاماً، وعضو في إحدى الجمعيات الخيرية في درعا، يقول «رغم أننا حُرمنا من طقوس رمضان المادية، فإن طقوسه المعنوية حاضرة، والفرحة بقدوم الشهر الفضيل حاضرة بالعبادة وأداء الفرائض، وأن المجتمع الحوراني كريم ولديه عادات كريمة، فالكثير من أبناء محافظة درعا التي تشتهر بغربة أبنائها في دول الخليج العربي، يقدمون الزكاة قبيل كل رمضان، ويجمعون الأموال للعائلات الفقيرة، ومساندة إخوتهم المحتاجين في هذا الشهر الكريم، حيث جمع المغتربون من أبناء بلدة الكرك الشرقي في ريف درعا مبلغ 200 مليون ليرة سورية وخصصوها لمساعدة أهالي البلدة في شهر رمضان ومثلها في قرى صيدا، والجيزة، وطفس، وداعل، والنعيمة وغيرها، وتخصص هذه الأموال لمساعدة الأهالي في معظم قرى درعا».
أحد تجار المواد الغذائية في درعا يشكو أيضاً ضعف الحركة الشرائية للناس قبيل شهر رمضان، ومحدودية البضاعة في أسواق الجملة، خاصة بعد أن تضاعفت الأسعار لأكثر من أربع مرات عما كانت عليه قبل أشهر عدة منذ بدء تدهور الليرة أمام الدولار، خصوصاً أن الغلاء الجديد شمل كل المستلزمات الأساسية للعائلة، حيث وصل سعر صرف الدولار الأميركي الواحد إلى 3500 ليرة سورية، وبات سعر اللتر الواحد من الزيت النباتي 11 ألف ليرة سورية بعد أن كان 4 آلاف قبل أشهر، كما وصل سعر كيلوغرام من الأرز إلى 7 آلاف ليرة بعد أن كان ألفي ليرة، وسعر كيلو السكر 3 آلاف ليرة وكان 800 ليرة قبل أشهر، واللحم البقري يباع الكيلوغرام بـ20 ألف ليرة سورية، بينما لحم العواس (الغنم) وصل سعر الكيلوغرام إلى 24 ألف ليرة، بعد أن كان سعره 11 ألفاً قبل أشهر، بينما بلغ سعر كيلوغرام البندورة 800 ليرة، وهي أرخص مادة خضراوية وباقي الخضراوات تتراوح أسعارها للكيلو الواحد بين 800 ليرة سورية و2500 ليرة كالبازلاء، وكل أصناف الفاكهة ارتفعت أسعارها أيضاً فأصبحت أسعار الفاكهة للكيلوغرام الواحد تبدأ من 1500 ليرة سورية إلى 5000 ليرة.
الأسعار غير مستقرة وقابلة للارتفاع أيضاً مع زيادة سعر وسائل نقل البضاعة حسب ارتفاع سعر المحروقات في السوق السوداء، بعد أن وصل سعر اللتر الواحد من مادة البنزين إلى 2700 ليرة سورية، وسعر اللتر الواحد من الديزل (المازوت) 2500 ليرة سورية، وتأرجح سعر صرف الدولار مقابل الليرة وعدم استقرار سعر الصرف، سنتوقع زيادة الأسعار في أي وقت وأي يوم، بات شراء المواد الغذائية حكراً على العائلات الغنية والعائلات التي لديها مغتربون خارج سوريا.
أحد موظفي القطاع العام في درعا، يتساءل عن حال الناس بعد أن تستلم مرتباتها الشهرية التي تصل إلى 60 ألف ليرة سورية لمعظم الموظفين في سوريا رغم الزيادة الأخيرة التي شملت أجور الموظفين والعسكريين في سوريا. ويضيف «لن تكون كافية إلا أياماً قليلة مع استمرار هذا الغلاء وتضاعف الأسعار المستمر».
وتابع رغم الإجراءات التي تحاول الحكومة بها مساعدة الناس من خلال توفيرها المواد الغذائية الأساسية المدعومة في المؤسسة التجارية التي تسمح بشراء المواد التموينية الأساسية (السكر والرز والزيت)، بأسعار منخفضة، كما عملت على تفعيل (البطاقة الذكية) التي أصدرتها الحكومة للعائلات للحصول على مخصصاتها من السكر والأرز والزيت والمحروقات، وفق أسعار محددة وجداول دورية، حيث يستطيع المواطن شراء هذه المواد وفقاً لعدد أفراد الأسرة وكل 40 يوماً فقط. ويرى معظم السوريين، أن هذه الإجراءات لمواجهة الغلاء ومكافحته غير كافية لمساعدة المواطن، مع استمرار أزمة المحروقات في البلاد، والازدحام الشديد عند مراكز المؤسسة السورية للتجارة للحصول على المواد التموينية المدعومة، ولا تزال الأسعار ترتفع بشكل يومي دون رقيب.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».