الطريق إلى «داعش».. رحلة مبايعة الموت

ترصد: مقاتلون أجانب «فرزوا» من اليوم الأول إلى «المقابر».. وأبو البراء أول قتلى التنظيم بمضافة المهاجرين

الطريق إلى «داعش».. رحلة مبايعة الموت
TT

الطريق إلى «داعش».. رحلة مبايعة الموت

الطريق إلى «داعش».. رحلة مبايعة الموت

بدأ الشاب اليمني «أبو همام» في ربيع 2014 رحلته إلى «داعش» من اليمن، وصولا إلى العراق.. تعرف خلالها على خبايا وأسرار الجماعات المتطرفة ما بين سماسرة ووسطاء ومضافات تجمع وعبور، حتى انتهى الأمر بفرزه مع رفاق مشتتين بين صفوف تنظيم داعش والجماعات المتطرفة الأخرى.
وقال أبو همام، وهو أحد الفاعلين على منصة «مؤسسة البتار الإعلامية» خلال رحلة النفير ومبايعة أبو بكر البغدادي بعد عملية الانشقاق لعدد من نشطاء المؤسسة الإعلاميين عن تنظيم القاعدة: «استقبلتنا سيارتا وانيت بيضاوان غمارتين، وكان السائق ومساعده مسلحين وشرهين في التدخين بطريقة ضايقتنا، لكن كان مطلوبا منا عدم الحديث أو الكلام حتى نصل للمضافة».

جاء هذا الحديث ضمن تسجيلات «حملة السكينة»؛ في إطار محاولاتها لإقناع وتوعية المستهدفين عبر المواقع الإلكترونية، في إحدى حملاتها العلمية والفكرية، وخصت «الشرق الأوسط» بنقل تفاصيل «رحلة مبايعة الموت».
ووفقا لما جاء في التسجيلات، أضاف «أبو همام» اليمني: «وقف السائق على جانب الطريق وتداول الكلام مع شخص كان بانتظاره، ثم أتى الشخص واختار من السيارة التي خلفنا اثنين وأخذهما»، متابعا: «حاولت الاتصال بالإنترنت لكن لا توجد شبكة إنترنت ولا شبكة جوال، كانت أطول ساعات مرت في حياتي حتى إنهم لم يسمحوا لنا بالوقوف لصلاة الظهر».
وكانت «مؤسسة البتار» الإعلامية، قد تعرضت لعملية «إغواء وإغراء» عبر «وسطاء» للانتقال إلى تنظيم «داعش» ومبايعة البغدادي، حتى بدأت عملية النقل والانتقال المعلوماتي التقني والمعرفي، وكذلك البشرى بنفير 3 من مؤسسي «البتار» والفاعلين فيها، قبل أن تتم تصفية مؤسسي «البتار» على يد «داعش» بعد امتلاكهم لأرشيفها المتطرف الضخم الذي قام على جمعه همام الحميدي (يمني الجنسية)، ومعاوية القحطاني ومجموعة أخرى، هم: «جراح وخبيب القرشي وحازم ومفيد».
وفي بداية 2014 قرر الحميدي (النفير) والمشاركة في مواطن القتال في العراق وسوريا؛ ووصل بصحبة مجموعة من المقاتلين من اليمن منهم أبو بلال الحربي، وأبو أسيد الخويطر، وبايع البغدادي استعدادا للانضمام إلى صفوف «داعش» بصفته أحد العناصر المخصصة لـ«سرايا الإنترنت»، مسلما ما لديه كافة للفريق الجديد، حيث تدار الأعمال وسط خلايا «داعش» بطريقة مختلفة.
وسرعان ما اختفى الحميدي في ظروف غامضة بعد مشاحنات وتبادل الاتهامات مع عناصر «داعش»، وتسلم دفة العمل الإعلامي للمؤسسة «محمد المصري».
وفي رحلة نفير الشاب اليمني بصحبة رفاقه، التي ترسم خارطة ما قد يسمى «الطريق إلى الموت»، بدأت الفصول بعملية التفاوض مع «وسيط» متخصص لاستقطاب الأفراد والجماعات المنتمين لتنظيمات وجماعات أخرى مثل «القاعدة» و«أنصار السنة» و«أجناد مصر»، مقابل إغراءات مالية وأخرى معنوية بمنح «ولاية» أو «إمارة» عبر دعوات إلكترونية للتواصل المباشر مع وسيط آخر على الأرض في حال تحقيق نوع من التجاوب.
وحسب ما يقوله المقاتل الجديد في صفوف «داعش»، فإنه لا يشترط انتماء الوسيط لتنظيم «داعش»، وقد تخالف عقيدته في أحوال أخرى عقيدة المستهدف، مضيفا: «معظمهم مجهولون».
وتتلخص وظيفة وسطاء تجنيد المقاتلين الأجانب، كما أفاد أبو همام اليمني، في عملية جذب أفراد من خارج الجماعات المسلحة، قائلا: «لدى الوسطاء منصات إلكترونية وعادة ما يكثفون التحريض والدعوة والنشر»، مؤكدا أن أكثر المنصات نجاحا تعود إلى الأوروبيين، حيث إن نحو 90 في المائة من الأوروبيين المنتمين للجماعات المتطرفة جاءوا من خلال وسطاء إلكترونيين، حسب قوله.
بعد انتهاء عملية «التفاوض»، يعبر المجندون الأجانب 3 «مراكز» تسمى «المضافات» تبدأ أولا بـ«مضافة استقبال» ثم «مضافة العبور» وتكون عادة بالقرب من مواقع حدودية أو بعد تجاوز الحدود السورية والعراقية.. وأخير، وهي الأهم، «الفرز».. ويواصل أبو همام اليمني حديثه: «بعض القادمين يمرون بمضافة أخرى، وهي مضافة (التجمع) للمقاتلين استعدادا للانطلاق إلى مناطق الصراع، ويبدأ منها مباشرة النشر والتواصل عبر الإنترنت بصورة عشوائية».
مضافات «التجمع» غالبا ما تنتمي إلى «داعش»، إلا أنها لا تقتصر عليهم، فالبعض الآخر منها لإمداد «القاعدة» و«أنصار الشريعة» وتنظيمات أخرى، بالمقاتلين الأجانب، إلا أنه، بحسبه، «تمت السيطرة عليها أو تحويلها في ظروف غامضة من هذه التنظيمات إلى تنظيم (داعش)»، مضيفا: «تبدأ من هنا عملية الانطلاق المكثفة لنشر الأخبار والمعلومات بصورة تتسم بالعشوائية والحماس».
تأتي هنا مرحلة «الاستقبال» التي هي أشبه ما تكون بمكاتب «استقبال العمالة الأجنبية» من حيث اختلاط الجنسيات واللغات، باعتبارها مركزا لتسجيل البيانات والمعلومات، وبين أبو همام اليمني أن «(بيت الاستقبال) خليط بشري وتسجيل للمعلومات، ولا يظهر عليهم مطلقا الالتزام الديني كما هي الحال في (بيت العبور)، خلافا لمضافة التجمع والفرز، ولا يسمح فيهما باستقبال أو إرسال أي مشاركة عبر الإنترنت أو بأي اتصال هاتفي، وفي بعض الأحوال يجري التسلم والتسليم للمجندين بمبالغ مالية».
وكانت فكرة إطلاق مؤسسة إعلامية تناصر الجماعات المتطرفة، قد نشأت في يونيو (حزيران) 2013، لدى الحميدي والقحطاني، على غرار مؤسسات المتطرفين الإعلامية الأخرى، بعد توفر أرشيف ضخم من الإصدارات، وبدأ الحميدي حسابا باسم «مأسدة الإعلام» إشارة إلى «مأسدة الأنصار»، وهو أول مركز أنشأه أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الخاص باستقبال واستضافة وتدريب المقاتلين، حتى تطور العمل إلى «سرية البتار الإعلامية» المخصصة لـ«تويتر»، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2013 أعلن عن إنشاء «مؤسسة البتار الإعلامية».
وفي مطلع 2014 قرر الحميدي «النفير» للمشاركة في مواطن القتال بالعراق وسوريا؛ بصحبة مجموعة من المقاتلين في اليمن منهم من بايع حينها البغدادي منضما إلى صفوف «داعش» كأحد العناصر المخصصة لـ«سرايا الإنترنت»، ومباشرة سلم جميع ما لديه للفريق الجديد، حيث تدار الأعمال وسط خلايا «داعش» بطريقة مختلفة، قبل عملية اختفائه.
كان من بين ما لفت «أبو همام» في بيئة «داعش» الجديدة تلذذهم بإذلال الخليجيين، خاصة السعوديين واليمنيين، وسحب الثقة منهم، بمن في ذلك الأردنيون، قائلا: «أبو البراء المكي لما قال لهم إنه سعودي شتموه وشتموا أباه وأمه، وأحدهم قال له (يلعن دين أهلك)، فأنكر عليهم، وقال إن لعن الدين كفر، وما دخل أمي وأبي لتلعنوهما، ودخل معهم في نقاش ساخن، وكان هو أول من قتل في مضافة المهاجرين».
ويصف عبد المنعم المشوح مسؤول «حملة السكينة»، المحطة الأخيرة لمقاتلي الجماعات المتطرفة «مضافة الفرز» بالمحطة الأكثر غرابة وضبابية، والتي يبرز منها كثير من علامات الاستفهام، والتي أنشأت فكرتها على يد الزرقاوي؛ الزعيم السابق لتنظيم داعش، ثم تطورت في عهد البغدادي، قائلا: «يجري فيها رصد ومناقشة المستهدف، ثم فرزه إما إلى سرايا ومنصات الإنترنت، وهي ذات أولوية لديهم، أو إلى الجبهات أو الحراسة، أو إلى القتل والإعدام»، مضيفا: «في كل بيت مقبرة جماعية، حيث تجري محاكمة بعض المهاجرين وإعدامهم».
وبحسب ما أفاد به «المشوح»، فقد جرى إعدام بعض مسؤولي المنصات الإلكترونية التابعة لـ«القاعدة» بعد مبايعتهم للبغدادي وتسليم أرشيفهم لتنظيم داعش، فأعدموا في مكانهم الذي بايعوا فيه.
استطاعت «حملة السكينة» التي انطلقت في 2003، التواصل الفكري مع أفراد هذه الجماعات عبر الإنترنت، ونفذت عدة حملات توعية إلكترونية في شبكات التواصل استهدفت المنتمين فعليا للتنظيمات المتطرفة. ويؤكد المشوح أن المعلومات التي يجري رصدها تخدمهم في بناء تصور صحيح للخارطة الفكرية لتلك التنظيمات، مما يساعد في تصميم برامج توعية ومواجهة مؤثرة.
مضافات «الفرز» لا تقتصر خدماتها على تنظيم داعش، وإنما تتكفل بتوزيع جموع المقاتلين الأجانب الوافدين إلى مختلف الجماعات المقاتلة في العراق وسوريا، وقال لـ«الشرق الأوسط» مسؤول «حملة السكينة»: «الغريب أنه وعبر هذه المضافة يجري الفرز أيضا إلى جبهات (القاعدة) أو (خراسان)، وبعض المفارز لا ترسل إلا إلى تنظيم داعش، وهي الأكثر وفقا لمداولاتهم عبر الإنترنت».
مقاتل «داعش» أبو همام اليمني، يلقي المزيد من الضوء على مضافات تنظيم داعش، التي أكد إحاطتها بالكاميرات من داخلها وخارجها، قائلا: «زميلنا أسد المهاجر سبق له الجلوس في (بيت الأنصار) التابع لابن لادن، ويذكر لنا الفرق الكبير بين هذه المضافة وتلك.. هذه كأنها قاعدة استخباراتية».
وأكد وجود «سجن» خاص في عدد من المضافات، واحتواء أخرى على غرف فاخرة، مشيرا إلى وجود أغلب المنصات الإلكترونية في هذه المضافات، قائلا: «يجري أخذ مجموعات من المهاجرين وتصويرهم في منطقة قريبة من المضافة، من باب التحريض والتجنيد». وأضاف: «حدثت مشكلة بين مهاجر هندي ومدير المضافة، وكان يريد قتل الهندي، والسبب أن مدير المضافة العراقي تسلط على الهنود الثلاثة وجعل مهمتهم التنظيف والكنس».
كذلك كان للنساء نصيب من مضافات «الفرز» و«التجمع»، وبحسب أبو همام، تبدأ آلية فرزهم بالزواج، ودوريات الحسبة، والنشر الإلكتروني، والتمريض، والتعليم، ومن بين المفارز النسائية، واحدة تديرها سيدة عراقية متزوجة من أحد المقاتلين العراقيين، وهو مسؤول بدوره أيضا عن مضافة الرجال. وقال: «إسراء هي التي أتواصل معها في بيت المهاجرات، وهي إحدى مشرفات (تويتر)».
«مضافات داعش» تأتي نسخا مقلدة لمضافات العرب إبان الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي، التي بدأت بـ«مكتب خدمات المجاهدين» في بيشاور عام 1984 على يد عبد الله عزام كمحطة استقبال أولية للمقاتلين القادمين من الخليج والأردن وشمال أفريقيا، استقل بعدها أسامة بن لادن بمعسكر تدريب آخر في 1988 في منطقة جاجي في أفغانستان بالقرب من الحدود الباكستانية، وأطلق عليه «مأسدة الأنصار العرب»، وتحولت بعدها إلى ما يسمى «قاعدة الأنصار العرب».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.