الحكومة الأردنية على أعتاب التعديل الوزاري الثالث في شهرها السادس

الخصاونة يكرّس سابقة في سرعة إقالة أي وزير يراكم تجاوزات أو شبهات بالتقصير والإهمال

د. نذير عبيدات
د. نذير عبيدات
TT

الحكومة الأردنية على أعتاب التعديل الوزاري الثالث في شهرها السادس

د. نذير عبيدات
د. نذير عبيدات

تقترب حكومة بشر الخصاونة في الأردن من موعد تعديلها الوزاري الثالث، مطلع الأسبوع الحالي، بعد أزمات مركبة واجهته بفعل تقصير في أداء وزرائه، وتطبيقه لنظام حاسم في إقالة كل من يطاله الرأي العام بنقد مستند لحقائق، أو تقارير أمنية تحدثت عن تجاوزات مرصودة. وكرّس الرئيس الخصاونة سابقة بين الحكومات في سرعة استجابته لإقالة أي وزير راكم في أدائه التجاوزات أو شبهات التقصير والإهمال. واستخدم لغة مباشرة عند خروجه للرأي العام، معدداً أسباب لجوئه في معاقبة الوزراء المخالفين لتقاليد العمل العام في البلاد؛ بأن المسؤولية الأدبية والسياسية تحتم على أي مسؤول تقديم استقالته حتى لو ابتعد مباشرة عن المسؤولية الميدانية لحظة وقوع الخطأ.
ولكن رغم مواجهته الشرسة في البيان والحجة لدى دفاعه عن قراراته في التعديلات الوزارية التي خطط لها على أساس من تقييم الأداء، لم يسلم الرئيس نفسه من المطالبات بتقديم استقالته بوصفه المسؤول التنفيذي الأول الذي يتحمل مسؤولية أي خطأ أو تقصير، وبصفته الوزير الأول الذي يلتف حوله المقصرون.

صمم رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة سابقة في محاسبة الوزراء المقصرين، منذ إقالة وزير الداخلية اللواء توفيق الحلالمة، عشية ظهور نتائج الانتخابات النيابية في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. حصلت الإقالة في أعقاب خروج مواكب الاحتفالات بفوز مرشحين، بعد دخول قرار الحظر الشامل الذي عاشته البلاد لمدة أربعة أيام فور انتهاء عمليات الاقتراع.
وعبر صور وفيديوهات بثها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت تجاوزات كبيرة في إطلاق الأعيرة النارية وسط تجمعات كبيرة، ظهر الخصاونة، وإلى جانبه قائد الجيش يوسف الحنيطي ومدير الأمن العام حسين الحواتمة، ومن ثم أعلن قبول استقالة الحلالمة من منطلق مسؤوليته الأدبية في عدم ضبط انفلات الشارع. ووسط استهجان إقالة الحلالمة، بدلاً من مدير الأمن العام الحواتمة يومها، وهو المسؤول المباشر عن إدارة العمليات في الميدان، فاقم الحواتمة من أزمة الحكومة مع الشارع بعد تصريحاته تلك الليلة. وفيها انتقد نواباً رعوا تجاوزات قواعدهم الانتخابية.
بالنسبة للوزير الحلالمة الذي استقال بعد نحو شهر من أدائه القسم الدستوري، فإنه عاد عضواً في مجلس الأعيان (الغرفة الثانية من مجلس الأمة)، وكأن في الأمر استرضاءً واحتواءً للرجل، الذي سبق أن شغل موقع مدير الدرك إبان تأسيسها العام 2009، وسط حديث عن منافسة بينه وبين الحواتمة الذي خلفه بالموقع، سبق للرجلين أن تزاملا في قيادة العمليات الخاصة بالقوات المسلحة، وخدما تحت قيادة الأمير الأردني وقتها الملك عبد الله الثاني كضباط إلى جانبه.
في تلك الليلة، وإن تحمل الخصاونة مسؤولية تعديله الوزاري الأول في حكومته التي شكَّلَها، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإنه تحمل وزر الصراع للمراكز الأمنية الذي كان يشي بوقوع أزمة تضارب الصلاحيات، وتوزع دماء المسؤولية بين أجهزة لا يملك الخصاونة نفسه قراراً في اختيار قياداتها أو تحكم في طبيعة عملها. وخلال أيام من انتقال الحلالمة لمجلس الأعيان، قضت إرادة ملكية في تعيين سمير المبيضين وزيراً للداخلية، وهو الذي سبق له أن خرج من الوزارة نفسها قبل عام تقريباً.
- معاقبة وزيري الداخلية والعدل
القصة الثانية في تعديلات الخصاونة الوزارية انطوت على طرفة تناقلها الأردنيون. ففي فبراير (شباط) أُعلن الرئيس الخصاونة بشكل مفاجئ إقالة وزير الداخلية سمير المبيضين، ووزير العدل بسام التلهوني، لمخالفتهما أوامر الدفاع التي نصت على عدم الجلوس على طاولات المطاعم لأكثر من ستة أشخاص. والطرفة جاءت في سياق أن من خالف أوامر الدفاع هما المعنيان في تطبيقها، مع تفشي جائحة «كوفيد - 19». ولم تنجح دفاعات الوزيرين عن نفسيهما، بل استدعيا في وقت مبكر من يوم الإقالة لمكتب الرئيس الذي أبلغهما القرار، ومن دون الاستماع لدفوعاتهما، لا بل أنه بدا جازماً في قراره، ومستعداً للتعامل مع البدائل الفورية.
قصة الوزيرين تمثلت في قبولهما لدعوة عشاء في مطعم فاخر بالعاصمة عمّان، وجهها رجل أعمال. وفي التفاصيل فقد كانت الدعوة موجهة لعشرة أشخاص جلسوا على طاولة غير مراعين لشروط التباعد الجسدي، وعدم التزامهم بالعدد المقرر للجلوس على كل طاولة.
في التفاصيل أيضاً، أنه تزامن لحظة موعد العشاء وجود مسؤول أردني آخر حذّر أحد الوزيرين من مخالفة بلاغات الدفاع من جهة عدد الجالسين على الطاولة، لكنه استخف بنصيحة زميله... وفي هذه الأثناء دخلت لجنة تفتيش رسمية، وضبطت مخالفة المدعوين، ووثقتها بالصور، وكأن الأمر مخطط له مسبقاً، وتحدثت أوساط رسمية يومها عن رفع تقارير المخالفة لمرجعيات عليا.
البعض رأى أن الضربة في التشهير الإعلامي لواقعة الوزيرين كانت موجهة للحكومة، غير أن الرئيس استبق التسريبات، وأعلن إقالة الوزيرين لأسباب نثرها على رؤوس الإعلام، ومذكراً بأن التقصير جزاؤه الإقالة. ولم يترك الأمر متروكاً على قياسات الاستهتار بالموقع العام كقدوة في الالتزام أمام الجميع. ومع أن الوزيرين قاما يومها بإصدار بيانات وتصريحات تؤكد عدم مخالفتها لأوامر الدفاع، سرعان ما انقلبت التوضيحات لإدانات لهما، فقبول المسؤول لدعوة في ظروف وبائية صعبة، وعشية ليلة الحظر الشامل ليلة الخميس على الجمعة، والإصرار على الجلوس في مكان عام، كانت أسباباً كافية لإدانة الوزيرين وليس التعاطف معهما، رغم جلوسهما لمدة 45 دقيقة ومغادرتهما العشاء، بحسبهما.
- التعديل الوزاري الثاني
وفي السابع من مارس (آذار) الحالي، أجرى الخصاونة تعديله الوزاري الثاني، الذي خفض فيه عدد الوزراء من 32 وزيراً إلى 28 وزيراً، ودمج حقائب وزارية وألغى أخرى. وجاء هذا التعديل وسط تشوه جغرافي ديموغرافي زاد من تعقيد مشهد تشكيل الحكومات الأردنية، ورفع من حدة النقد الموجه للحكومة التي يراهن كثيرون على أنها لا تعمّر طويلاً. وللعلم، في الأردن بات عرفاً أن التعديلات الوزارية تضعف الحكومات، وتترك ندوباً غائرة في الجسم الحكومي لا يعالجها إلا المزيد من التعديلات الجديدة التي تزيد من ضعف الرئيس ولا تنجيه من النقد الجارح.
ويوم الأحد الذي أعلن فيه الرئيس تعديله الوزاري، غابت حصة محافظات من الوزارات، كما قُلص تمثيل محافظات أخرى، في حين بقيت وزارات الدولة مرتخية بثقلها على أكتاف الرئيس. كذلك بات تقليص حصة تمثيل المرأة في يومها العالمي من ثلاث حقائب إلى حقيبتين، مدخلاً عند مؤسسات المجتمع المدني لانتقاد التعديل.
الخصاونة، مع هذا، تجاوز كل ذلك، ومضى قدماً، معترفاً بحجم التشابك الأمني والسياسي في اختيار الوزراء، وممارسة التضييق في الخيارات التي ستنعكس لاحقاً على الأداء. ووسط ذلك كله تجاوز الخصاونة لغماً وضعه نواب أمامه في مذكرة نيابية تطلب عقد جلسة مناقشة عامة، تحت عنوان أسباب التعديل الوزاري وأهدافه. واستطاع بدبلوماسيته المستندة لخبرته في وزارة الخارجية من سحب التواقيع على المذكرة تباعاً. ولكن، بعد أقل من 24 ساعة من التعديل الوزاري، اصطدم الخصاونة بإعلان وزير العمل معن القطامين استقالته على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن دون أن يقدم أي أسباب.
القطامين، الذي جاء وزيراً في الحكومة محمولاً على أكتاف مواقع التواصل الاجتماعي، بصفته حاصداً لأعلى المشاهدات على الفيديوهات التي ينتجها، ويضمِّنها نقداً للسياسات والقرارات الحكومية، كان من المتوقَّع أن يباغت رئيسه باستقالة صادمة.
وفي حين أصدرت الحكومة بياناً مفصلاً بيّنت فيه تضارب مواقف القطامين، بعدما قبل الاستمرار في الحكومة وزيراً للعمل، في أعقاب إلغاء وزارة الدولة لشؤون الاستثمار، وأدى اليمين الدستوري على هذا الأساس، تفاجأت الحكومة من قراءتها لاستقالة الرجل على مواقع التواصل الاجتماعي.
يومها، قالت الحكومة إن الرئيس الخصاونة عرض على الوزير ثلاثة خيارات، بعدما سارعت في خطوة غير مسبوقة، إلى إصدار توضيح على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام الجديد صخر دودين. وجاء فيه أن استقالة القطامين جاءت رغم عقد اجتماع بينه وبين الخصاونة لمناقشة حيثيات التعديل، وأن رئيس الوزراء أبلغه بأن الجمع بين حقيبتي الاستثمار والعمل ثبت عدم جدواه خلال الأشهر الماضية، وأنه سيصار إلى فصل الحقيبتين. ووضع رئيس الحكومة، وفقاً لبيانها في ذلك اليوم، 3 خيارات أمام الوزير المستقيل، هي: الاستمرار في تولي حقيبة العمل، أو الانتقال إلى رئاسة هيئة تشجيع الاستثمار، أو المضي قدماً في إجراءات استقالته التي طلبت من الطاقم الوزاري قبل التعديل، لافتاً قبوله بالاستمرار بوزارة العمل وأدائه اليمين القانونية.
وبعكس ما كان القطامين يتوقعه، كانت استقالته التي جاءت ليلة أدائه القسم أمام الملك، مدخلاً لنقده على منابره الاجتماعية. وخرج في فيديو موضحاً أن استقالته جاءت في سياق دفاعه عن مشروعه ورؤيته في خطة دعم الاستثمار في بلاده، وتنصُل رئيس الحكومة من دعم أفكاره في هذا المجال، بعد استثنائه من تشكيله اللجان الوزارية المصغرة.
- استقالة وزير الصحة
وقبل أسبوعين، وقعت كارثة مستشفى السلط الحكومي (20 كلم غرب عمّان) التي راح ضحيتها 9 مواطنين مصابين بفيروس «كوفيد - 19»، نتيجة لنقص الأكسجين في الخزانات الرئيسة بالمستشفى.
الكارثة كانت تنذر بإقالة الحكومة كاملة، بعدما أعلن الخصاونة تحمل كامل المسؤولية المترتبة على الحادثة، ووصف التقصير الذي تسبب بوفاة مواطنين بـ«المخجل». ومن ثم، اعتبر أن هذا التقصير «لا يمكن تبريره»، ومشدداً على أن وفاة أردني واحد بسبب التقصير «أمر لا يمكن قبوله على الإطلاق». على أن المسؤولية السياسية انتهت بإقالة وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات، وتوقيف 13 قيادياً من وزارة الصحة ومستشفى السلط الحكومي.
وفي التفاصيل، بعيد إعلان خبر نقص الأكسجين من الخزانات الرئيسة في المستشفى، وصل وزير الصحة إلى المستشفى، وأعلن حصيلة أولية في عدد الوفيات. ثم أعلن أمام شاشات التلفزيونات المحلية وضعه استقالته بين يدي الخصاونة، قبل أن يغادر المستشفى من بوابته الخلفية، خوفاً من مواجهة أهالي الضحايا.
استقالة عبيدات التي وضعها بين يدي رئيسه، صاغها وزير الدولة لشؤون الإعلام صخر دودين في روايتين بمقطعين مختلفين. ففي تصريح مبكر، أعلن دودين أن رئيس الوزراء الخصاونة هو من طلب من عبيدات تقديم استقالته، وبعد وقت قصير عاد دودين ليقول إن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني هو من أمر باستقالة الوزير. غير أن الجميع كانوا قد استمعوا لمبادرة عبيدات في تحمله المسؤولية الأدبية والأخلاقية والسياسية في تقديم استقالته. ثم انتهى اليوم بتسجيل سابقة في الحياة السياسية الأردنية بعد صدور مرسوم ملكي قضى «بإقالة وزير الصحة نذير عبيدات»، وليس كما جرت العادة بكتابة نص «صدرت الإرادة الملكية السامية بقبول استقالة»، وهو ما فتح شهية المحللين للتكهن بمصير الحكومة برمتها، وليس مصير وزير بعينه.
من ناحية ثانية، بينما ظلّت الحكومة يومها تتمسك بروايتها بحصيلة الوفيات الأولية بواقع 6 وفيات، أعلن مدير الطب الشرعي في اليوم نفسه عن وصول 7 جثث لضحايا السلط، ليصدم وزير الداخلية مازن الفراية المكلف بإدارة وزارة الصحة بالإعلان عن 9 وفيات، وذلك في مطلع جلسة نيابية طارئة عقدت بعد يوم من وقوع الكارثة.
غير أن كل تلك التصريحات الرسمية لم تأتِ على ذكر الضحايا الذين تأثروا بنقص الأكسجين لمدة ساعتين في المستشفى، سواء من مرضى الفيروس أو الأطفال الخدّج في المستشفى، وأقفل عداد الضحايا، وتفاقم الإصابات عند رقم مقطوع دون زيادة أو نقصان.
هذا، منذ حادثة المستشفى ما زال شاغراً مقعد وزير الصحة الذي استقال متحملاً مسؤوليته الأدبية، ليخلفه بالوكالة وزير الداخلية العميد الفراية. وللعلم، فالتكليف في مبدأ ملء الشواغر الوزارية تقليد أردني مرتبط بموعد التعديل الوزاري، الذي يجب أن يشمل هذه المرة بالإضافة لوزارة الصحة، مقعد وزير العمل الشاغر بعد استقالة القطامين المفاجئة.
- حكومة الخصاونة تكليف استثنائي في ظروف مركبة وأزمات متراكمة
كُلف رئيس الحكومة الأردني بشر الخصاونة بتشكيل الحكومة يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي بعد انتهاء عمر مجلس النواب الـ18 المقدّر دستورياً بأربع سنوات دستورية، وعشية استقالة حكومة عمر الرزّاز، التي اتخذت قراراً بحل المجلس النيابي.
ويوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أقسم الخصاونة، ومعه فريقه الوزاري المكون من 31 وزيراً، القسم الدستوري أمام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعد أسبوعين من تكليفه، وسط استغراب من طول فترة المشاورات التي قام بها الخصاونة، رغم أن مجلس النواب كان منحلاً.
لقد اعتبرت أولى المهمات التي قام بها الخصاونة إعادة ترتيب القرارات حيال أزمة جائحة «كوفيد - 19»، بعدما أربكت الحكومة السابقة المواطنين بكثرة القرارات المتناقضة، وارتفاع وتيرة النقد الشعبي لإدارة الأزمة الاقتصادية التي رافقت الظروف الصحية في البلاد.
من ناحية أخرى، ذهبت حكومة الخصاونة الجديدة لتسهيل مهمة إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة التي أجرت يوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ودعم جهود الهيئة المستقلة للانتخابات الجهة المخولة بإدارة الانتخابات والإشراف عليها، ما أسفر عن ولادة مجلس نيابي جديد بـ98 نائباً لم يسبق لهم حمل مسؤولية الخدمة في السلطة التشريعية.
وفي أول مواجهة للرئيس الخصاونة، القادم من وظيفة المستشار الأول للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مع مجلس النواب، في مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، حصد ثقة 88 نائباً بعد «ماراثون» مناقشات استمر على مدى 6 أيام متواصلة. ولم يتعرّض رئيس الوزراء الجديد خلال تلك المناقشات لمضايقات نيابية، بمقدار ما سعى لنيل ثقة لا تشكل عليه أعباء إذا تجاوزت سقف الرقم الآمن بالحدود التي حصل عليها.
بعد تلك الجولة المتعبة، وعلى بعد أقل من شهر تقريباً، دخل الخصاونة في مواجهته الثانية مع المجلس على خلفية مناقشة قانوني الموازنة العامة لسنة 2021، وقانون الوحدات الحكومية. وأكمل النواب مناقشاتهم التي غطتها المطالب الخدمية على حساب مناقشتهم للسياسات المالية، وتوسع أرقام العجز وارتفاع المديونية، ليتجاوز الخصاونة امتحانه الثاني بأقل الأضرار. مع أنه، في العادة، تبقى العلاقة بين السلطتين محفوفة بالتوتر والتصعيد، خصوصاً، مع مزاج نيابي جاء متأثراً بمزاج الشارع السلبي والمحتقن نتيجة الظروف الاقتصادية التي جاءت مصاحبة لأزمة الجائحة التي عطلت قطاعات اقتصادية واسعة.
وأمام انزعاج الخصاونة من رقابة مجلس النواب، التي أمطرت وزراءه بالأسئلة والاستجوابات النيابية، فإنه يمضي ممسكاً بتفاصيل إدارته للملفات التي خبرها إبان عمله سفيراً ووزيراً، قبل جلوسه على الكرسي الأقرب من الملك عبد الله الثاني خلال عمله مستشاراً سياسياً.
لكن الخصاونة، الذي يتابع أداء فريقه الوزاري بدقة، لا يزال يعاني من ضعف بعض أجنحته في الوزارات. وهذا الأمر قد يحتم عليه التوسع في تعديله الوزاري الثالث المرتقب. ومعلوم أن الحكومة تواجه هذه الأيام نقداً شعبياً متزايداً نتيجة الظروف الاقتصادية الخانقة التي يعيشها مواطنون بسبب فقدان وظائفهم، في ظل التوسع في إغلاق القطاعات الاقتصادية، وتعذر توفير مظلات حماية اجتماعية.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».