سفيرة أميركا للمسؤولين اللبنانيين: تخلوا عن الشروط وتحلوا بالشجاعة

TT

سفيرة أميركا للمسؤولين اللبنانيين: تخلوا عن الشروط وتحلوا بالشجاعة

استمرت اللقاءات الدبلوماسية مع المسؤولين اللبنانيين للبحث في أزمة تشكيل الحكومة، وبرزت أمس جولة السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ودعوتها المسؤولين اللبنانيين إلى «وضع خلافاتهم جانباً والتخلّي عن الشروط والذهاب إلى تسوية لتشكيل الحكومة»، في وقت التقت فيه السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث تركز البحث أيضاً حول ملف الحكومة، كما التقى الحريري نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان والمنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية نجاة رشدي.
وشددت شيا بعد لقائها عون «على الأهمية - لا بل الحاجة الملحة - إلى تشكيل حكومة ملتزمة بالإصلاحات وقادرة على تنفيذها». وقالت «لقد أعادت الولايات المتحدة باستمرار تأكيد التزامها الوقوف إلى جانب الشعب ودعمه. والآن هناك حاجة إلى قادة شجعان، لديهم الاستعداد لوضع خلافاتهم الحزبية جانباً والعمل معاً لإنقاذ البلاد من الأزمات المتعددة والجروح التي أحدثتها بنفسها والتي تواجهها. إنني على ثقة بأنه بإمكانكم القيام بذلك».
ولفتت إلى أنها تواصلت «مع عدد من الناشطين السياسيين الشباب من مختلف الأطياف، وكان من الواضح أنهم يريدون حكومة تتحمل مسؤولية بلدهم ويريدون قضاء مستقلاً وسيادة القانون. إنهم يريدون اجتثاث الفساد المستشري الذي يسلب البلد وشعبه من الموارد الثمينة التي يحتاج إليها بشدة. كما قالوا إنهم يريدون أن تجرى الانتخابات المقررة في العام المقبل في موعدها».
وأضافت شيا «لكن دعونا نركز على ما يحدث هنا الآن. إنني أعلم أن قادتكم يحاولون تشكيل حكومة. وسألت (بعد مرور ثمانية أشهر تقريباً من دون حكومة بسلطات كاملة، ألم يحن الوقت للتخلي عن تلك الشروط والبدء بالتسوية؟)»، مؤكدة «المهم التركيز على تأليف الحكومة وليس عرقلتها».
وفي حين رفضت مصادر الحريري إعطاء أي تفاصيل حول اللقاء مع شيا باستثناء البيان المقتضب الذي صدر عن مكتبه معلناً عن الاجتماع الذي حصل بحضور الوزير السابق غطاس خوري وتناول عرض آخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، وصفت مصادر مطلعة في «التيار الوطني الحر» لقاء عون – شيا بـ«جلسة استطلاع مفيدة»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، «إن اللقاء أتى ضمن الاتصالات الدبلوماسية التي يقوم بها عون، وشرح لها العراقيل والصعوبات التي واجهته لتشكيل الحكومة وتخللها استيضاح بعض الأمور وطرح بعض الأسئلة، في حين أكد عون أنه حريص على تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن».
كذلك، أعلنت السفارة البريطانية عبر «تويتر»، أن سفيرها لدى لبنان مارتن لنغدن تحدث مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل حول القلق العميق على لبنان، وقال لنغدن «يرقص القادة السياسيون على حافة الهاوية، وعلى جميع الأطراف تحمّل المسؤولية والتحرك»، مؤكداً أن «البديل الوحيد لذلك هو كارثة لا يستطيع أصدقاء لبنان منعها، هذا هو الخيار».
وكان موضوع الحكومة محور بحث بين الحريري والبطريرك الماروني بشارة الراعي، وجدد الراعي استنكاره لما آلت إليه الأمور مما وصفه بـ«الانحطاط والتقهقر». وقال في عظة أمس في الذكرى السنوية العاشرة لتوليه مهام البطريركية «ما كنا نتصور يوماً أن يبلغ لبنان، منارة الشرق، ولقاء الحضارات، هذا الدرك من الانحطاط والتقهقر. ما كنا نتصور يوماً أن تتنازل الشرعية عن قرارها وحقها وصلاحياتها وتصبح رهينة لعبة المحاور الإقليمية. ما كنا نتصور أن تفشل الدولة بعد مائة سنة على وجودها الديمقراطي في تأليف حكومة». وأضاف «إننا بحكم مسؤولية هذا الصرح الوطنية والتاريخية، مصممون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان واللبنانيين، كل اللبنانيين، ولن نيأس.
لهذا السبب طالبنا بتحرير الشرعية والدولة، ووجهنا نداءً إلى أشقاء لبنان وأصدقائه في بلاد العرب والعالم لمساعدة لبنان. ولهذا السبب اقترحنا اعتماد الحياد الناشط ليستعيد لبنان توازنه واستقراره. ولهذا السبب دعونا الأمم المتحدة إلى رعاية مؤتمر دولي خاص بلبنان. ولهذا السبب نجدد دعوتنا إلى النهوض من كبوة تأليف الحكومة فيضع الرئيس المكلف تشكيلة حكومية ممتازة ويقدمها إلى رئيس الجمهورية ويتشاوران فيما بينهما بروح صافية ووطنية إلى أن يتفقا على الأسماء الجديدة وتوزيع الحقائب في إطار المساواة وعلى أسس الدستور والميثاق».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.