برناردينو ليون آمال على الرمال الليبية

فرص مبعوث الأمم المتحدة في إنجاح الحوار الليبي تبدو ضيقة

برناردينو ليون آمال على الرمال الليبية
TT

برناردينو ليون آمال على الرمال الليبية

برناردينو ليون آمال على الرمال الليبية

انطلق قطار الحوار الليبي الذي يشرف عليه برناردينو ليون، ممثل ورئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، واجتاز محطتين خلال نحو خمسة أشهر، لكن ما زالت تقف أمامه عقبات كثيرة. ومنذ بدأ عمله في هذا البلد المضطرب في أغسطس (آب) الماضي، بدا أن ليون يتمتع بشخصية رجل «مرن وصلب» في آنٍ واحد. مرن في الاستماع والنقاش، وصلب في تنفيذ كل ما يجري الاتفاق عليه. وجرى تعيين الرجل لمهمة رأى المراقبون، من البداية، أنها في غاية الصعوبة في هذه الدولة التي تعاني من الفوضى والاقتتال منذ مصرع العقيد معمر القذافي في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. لكنه تمكن بالفعل من جمع الخصوم حول طاولة الحوار مرتين، لكن الطريق ما زال طويلا لإنجاز المهمة ذات العراقيل الكثيرة والتي سبق وتعثر فيها سلفه، طارق متري.
بوصول ليون لطرابلس لأول مرة كانت الأرضية السياسية والعسكرية متصلبة. كل طرف يرفع شعارات متشددة ومتشنجة ضد الطرف الآخر، ولم يكن أحد يصدق أن أيا من هؤلاء يمكن أن يجلس قبالة الآخر. ففي الجبهة الغربية توجد مجموعة مصراتة وبعض البلدات المجاورة للعاصمة التي يهيمن عليها بعض قادة جماعة الإخوان المتطرفين، من خلال رئاسة منتسبين للجماعة لقوة «فجر ليبيا» وإحيائها للبرلمان السابق وتشكيلها لما يسمى حكومة إنقاذ برئاسة عمر الحاسي.
ويرفض أصحاب هذا الفريق التعامل مع الواقع الجديد بعد خسارتهم الانتخابات البرلمانية، كما قرر من فاز منهم في الانتخابات مقاطعة أعمال البرلمان الجديد. أما في الشرق فهناك البرلمان الذي اضطر لعقد جلساته في طبرق بعد أن انتخبه الليبيون الصيف الماضي، في عملية وصفها المراقبون بالنزيهة، وهناك حكومته المنبثقة عنه برئاسة عبد الله الثني والتي تدير أعمالها من مدينة البيضاء، ومعهما الجيش الوطني، الذي ينسق عملياته الحربية انطلاقا من مدينة المرج. وكل من هؤلاء يرفض التعامل مع قوات المتطرفين.
وفي هذا المناخ الملبد بالغيوم، بدأ ليون عمله، وقرر وضع قواعد ينبغي على الجميع الالتزام بها، ومنها الاعتراف بمجلس النواب المنتخب (البرلمان الجديد)، ووضع مبادئ ثورة 17 فبراير (شباط) التي أطاحت بحكم القذافي، كأساس للتباحث بشأن الحوار بين الخصوم، وأن يتسع مجلس النواب للجميع واتخاذ إجراءات فورية لمعالجة مخاوف البرلمانيين المقاطعين لجلساته.
لكن المعضلة أمام ليون حتى الآن تتمثل في الزعماء المحسوبين على نظام القذافي. وهؤلاء يمثلون قوة لا يستهان بها للمساعدة في بسط الاستقرار في ليبيا، ولديهم شروطهم أيضا قبل المشاركة في أي حوار.
والتقى ليون مع كل من عقيلة صالح رئيس البرلمان الجديد، ونوري أبو سهمين، رئيس البرلمان المنتهية ولايته. وأجرى اتصالات مع قادة من توجهات مختلفة. وتمكن من خرق السواتر المعتمة التي كانت تحجب الرؤية بين طرفي النزاع، حين أقدم على عقد لقاء في مدينة غدامس الليبية (جنوب) في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي ضم نوابا من مصراتة من المقاطعين للبرلمان الجديد، ونوابا من البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق. كان هذا أول لقاء يقف ليون على رأسه لوضع بداية الخط لطريق طويل على أمل الوصول بالقطار إلى محطة السلام. وبعد أن انتهى لقاء غدامس ظن الكثير من المراقبين أنه فشل. ولم يحقق اللقاء النتائج المرجوة بالفعل، بل إن كل طرف من الطرفين قلل من شأنه. كما أن المتطرفين في طرابلس ومصراتة هددوا من شاركوا فيه، ووصموا اللقاء بأنه «خيانة للثورة».
لكن كان يبدو أن ليون يعرف ماذا يفعل لحلحلة الأمور. فقد كان انعقاد لقاء غدامس في حد ذاته بمثابة العاصفة التي أثارت الجدل في البلاد، خاصة بعد أن شارك فيه نحو 30 نائبا من «النواب الخصوم»، وأدى إلى نقاش مجتمعي وسياسي عن جدوى الاقتتال وعن الفائدة من الصراع المسلح الذي تسبب في وقف معظم صادرت النفط وأكل الأخضر واليابس.
ومما جعل للقاء حوار غدامس قيمة، أنه أعطى اهتماما لقضايا إنسانية ملحة مثل العمل على معالجة الحاجات المعيشية الأساسية وحسم الأمور المتعلقة بعلاج الجرحى عند كل الأطراف، وتسهيل استئناف العمل العادي في جميع المطارات الرئيسة في البلاد بمساعدة الأمم المتحدة.
وبدا أن الرجل يعرف أن ما يحتاجه ملايين الليبيين من حاجات يومية ملحة سيؤدي إلى ضغط من الشارع على الأطراف المتحاربة للجلوس على الطاولة دون شروط مسبقة. ومن هنا بدأت المرحلة الثانية، وهي نقل الحوار إلى مدينة «حنيف»، في سويسرا، ودعوة مزيد من الشخصيات، سواء بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر من خلال دعوة ممثلين يمكن أن يعبروا عن القوى المقاطعة للحوار والموجودة في الداخل.. وهو ما حدث بالفعل الشهر الماضي، ما تسبب في زيادة درجة المرونة والقابلية للنقاش والتفكير في «حكومة وحدة وطنية».
وولد ليون في بلدة تقع على البحر المتوسط في 20 أكتوبر عام 1964، هي بلدة «ملقة» في إسبانيا، وكأنه، بأسرته الصغيرة المكونة من زوجة وثلاثة أطفال، كان على موعد مع شؤون الدول التي تطل على هذا البحر المطل على أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وارتبط عمل ليون، خريج جامعة «كينجز كوليدج لندن»، والبالغ من العمر نحو 50 عاما، بأجواء البحر المتوسط وبرياح التوجهات الاشتراكية، وكذا بالمشكلات التي تمر بها بلده إسبانيا وجيرانها، إضافة إلى عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، حيث شغل مواقع حزبية وتنفيذية كثيرة، قبل أن يتحول إلى العمل الأممي. ومنذ وقت مبكر التحق السيد ليون بالسلك الدبلوماسي الإسباني منذ عام 1989، حيث عمل في ليبيريا والجزائر واليونان.
وتلقى الرجل تعليمه في البداية، أي قبل الجامعة، في كل من «ملقة» و«برشلونة» بإسبانيا. ويوجد الكثير من الكتابات التي أنجزها حول العالم العربي وعلاقته مع الغرب.. كما قدم محاضرات حول هذه القضية في جامعات مختلفة حول العالم. وتعد محاضراته من المراجع التي يعتد بها فيما يخص الشؤون العربية وقضايا البحر المتوسط التي تهم الباحثين والمراقبين.
وتبعد المدينة التي ولد فيها وتعلم فيها في صباه أيضا، نحو 100 كيلومترا شرق مضيق جبل طارق. وتأسست المدينة منذ نحو ألف عام قبل الميلاد على يد الفينيقيين، حيث كانت تسمى في ذلك العهد باسم «مالاكة» التي تعني «الملح»، قبل أن يحول العرب اسمها، أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا، إلى «مالاجا». وهي نفس المدينة التي ولد فيها الرسام الإسباني الشهير، بابلو بيكاسو. وهي تتشابه في طبيعتها مع مناخ البحر المتوسط اللطيف، حيث تجتذب، بأجوائها وشواطئها وموانيها وعبق التاريخ الموجود فيها، الكثير من السياح، وتلتقي فيها الكثير من التيارات الثقافية الوافدة من دول العالم. وربما كان هذا أحد أسباب انخراط ليون في بداية شبابه في صفوف حزب العمال الاشتراكي الإسباني. ويوصف التيار الاشتراكي الأوروبي عموما بأنه أكثر انفتاحا واستيعابا لحركة الزمن والتطور في السياسية والاقتصاد من التيارات الاشتراكية العتيقة التي كانت مشهورة في آسيا ووصل كثير منها إلى طريق مسدود بعد أن تجاوزته المعطيات الجديدة.
وعضدت المواقع التي مر عليها ليون، بعد ذلك، من قدرته على إدارة ملفات معقدة كما هو الحال في ليبيا حاليا، حيث تمكن أخيرا من إقناع كثير من الأطراف الليبية للجلوس على مائدة الحوار. ومن المناصب التي شغلها وعززت من خبرته الدولية موقع المستشار الشخصي للممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط في الفترة من عام 1998 إلى عام 2001.
وفي الفترة من عام 2004 إلى عام 2011 خاض تجارب مختلفة مع المناصب في الحكومة الإسبانية، بما في ذلك السكرتير العام في مكتب رئيس الوزراء، ومن قبلها وزير الدولة للشؤون الخارجية، إلى أن أصبح مستشارا خاصا لمجموعة الـ20 في عام 2009.
ورغم تفاني السيد متري، اللبناني، في عمله كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، وقيادته للبعثة الأممية في هذا البلد المضطرب، فإن الظروف على الأرض كانت تبدو شديدة التعقيد، وتحتاج إلى نوع من التغيير في قواعد التعامل مع الواقع الليبي. ومن هنا جرى اختيار برناردينو ليون لاستكمال المهمة.
ويحمل ليون خبرة سنوات كثيرة من العمل السياسي والدبلوماسي سواء مع حكومة بلاده، أو مع الاتحاد الأوروبي، حيث كان قد جرى من قبل تعيينه في موقع الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في ليبيا.. أي أنه عمل مع الممثلة السامية للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، كما شغل موقع الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لدول جنوب البحر المتوسط، وذلك في الفترة من عام 2011 إلى عام 2014.
وكان أيضا من المبعوثين الأوروبيين الذين تعاملوا كذلك مع الاضطرابات السياسية التي مرت بها مصر عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وكان من رأيه في هذا الشأن «ضرورة تفادي المواجهات بين التيارات المتنازعة».
وفور الإعلان عن اسم ليون كممثل أممي إلى ليبيا، سارعت الكثير من دول العالم للترحيب بهذه الخطوة التي جاءت، بينما كانت الحرب مستعرة بين الأطراف الليبية حول مطار طرابلس الدولي للسيطرة على العاصمة بين ميليشيات مصراتة وميليشيات الزنتان. كما كانت الحرب قد تفجرت في بنغازي بين تحالف ميليشيات «أنصار الشريعة» و«الدروع» وقوات الجيش الوطني الذي كان اللواء خليفة حفتر ينظم صفوفه لطرد المتطرفين من المدينة.
وقال الاتحاد الأوروبي عن تعيين ابن مدينة «ملقة» كمبعوث خاص للأمم المتحدة في ليبيا، إنه يهنئ ليون بحرارة، وإن هذا القرار «يساهم بشكل أساسي في الدعم الذي نقدمه للأمم المتحدة التي تقوم بتنسيق الجهود الدولية لإنجاح العملية الانتقالية في ليبيا»، لكنه أكد أيضا على أهمية أن يكون في ليبيا حوار سياسي شامل، ودعا الليبيين للتعاون مع البعثة الأممية وممثلها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإعادة بعث العملية السياسية.
وحين بدأ عمله في ليبيا مع أواخر أغسطس الماضي، وجد ليون في ليبيا، وفقا لوصفه «عملية سياسية مترنحة قربت البلاد من حافة نزاع مطول وصراع أهلي». وبدأ على الفور في إجراء لقاءات مع أطراف النزاع والاستماع إلى وجهات نظر القادة الميدانيين والسياسيين، في صبر ومرونة وطول بال.. فزار طرابلس ومصراتة والزنتان وطبرق وغيرها والتقى الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية.
ويقول ليون عقب كل تلك الزيارات والجولات بين المدن الليبية، إن جميع الزعماء الليبيين اعترفوا بالخلافات السياسية العميقة، وانعدام الثقة، وأنهم أكدوا ضرورة التغلب على هذه الخلافات وإنهاء الاقتتال واستئناف العملية السياسية. وشدد، في لغة حاسمة وموقف صلب، على محاسبة كل من يعطل العملية السياسية ويثبت مسؤوليته عن استمرار الصراع المسلح أو انتهاك حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وخلال هذه الأيام بدأ التوافق على العودة لعقد جلسات الحوار في ليبيا من جديد. ويشرف ليون، بالتنسيق ما بين الخصوم، على مباحثات لإتمام التحضيرات اللوجيستية والأمنية، وتحديد مكان وزمان الحوار للاستمرار فيه إلى النهاية، بقدر الإمكان.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».