سيتمكن زوار المعرض الدولي السابع عشر للعمارة - بينالي البندقية، من مشاهدة المشروع الجميل الذي يحمل اسم «سقف للصمت» للفنانة المعمارية العالمية هلا ورده، في الجناح اللبناني، بدءاً من 18 مايو (أيار) المقبل وحتّى 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.
ورده ولدت في لبنان عام 1965، وتخرّجت في المدرسة الخاصّة للهندسة بباريس (ESA)، حيث تتلمذت على يد بول فيريلو من ثمّ برنارد تشومي وجان نوفيل الّذي تعاونت معه لأكثر من 20 سنة. وأسّست مكتبها HW Architecture في عام 2008، كما أنجزت مع نوفل العديد من المشاريع المهمة في العالم، من بينها متحف اللوفر أبوظبي.
وقد اختير مشروع ورده «سقف للصمت»، لتمثيل لبنان في بينالي البندقية الذي ينعقد كل سنتين مرة، من بين 37 مشروعاً مرشحاً، قُدّمت إلى وزارة الثقافة اللبنانية. ورغم الصعاب الكثيرة التي بدأت بثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، وتلتها «كورونا»، ومن ثمّ انفجار مرفأ بيروت، بقي التصميم قائماً على الاشتراك في البينالي؛ لما له من أهمية كونه يجتذب كبار الفنانين والمعنيين بالهندسة المعمارية في العالم.
يطرح المشروع قضية التخطيط العمراني على ضوء التعايش المشترك في لبنان، واستند إلى رمزين لهذا التعايش، أحدهما شجر الزيتون الذي عمره مئات السنين، وإخراجه من معناه الأول إلى أبعاد عمرانية وثقافية حديثة.
وفي مؤتمر صحافي عقد عبر تطبيق «زووم» من باريس، حيث مقر شركتها، شرحت ورده فكرة مشروعها التي بلورتها بالاتكاء على رؤية الفيلسوف بول فريليو، الذي كان له أكبر التأثير على نظرتها المعمارية، واهتمامها بالفراغ بصفته البعد العميق للزمن.
وتحدثت ورده، عن الشرارة التي انطلقت منها فكرة المشروع، وهي 16 شجرة زيتون معمرة في لبنان، تعود في تاريخها إلى أكثر من ألفي سنة. وهذه الشجرات بجذورها الضاربة في الأرض وجذوعها الضخمة المجوفة التي تتحول إلى أماكن للجلسات والسمر، وفروعها المتشابكة صُوّرت بعدسة فؤاد الخوري، ونزلت عليها زخّات الثلج لتصبح منطلقاً للوحي الفني عند ورده، بألوان ورقها اللماعة واستدارتها وخصوبتها ولجوء الأهالي إلى ظلها وباطنها.
وشرحت ورده خلال المؤتمر، أنّ الزائر سيرى في البندقية، مشروعاً معمارياً مبنياً على حسابات دقيقة، ومركباً من عناصر عدة، يستوحي ليس فقط أشجار الزيتون المعمر ذات القامة الأسطورية، بل أيضاً انفجار بيروت وما خلفه من خراب وأطنان الزجاج المتناثر في كل مكان. ففي المدينة المدمرة، ثمة عودة لفكرة الفراغ أيضاً ومعناه في البنيان.
عملياً، سيرى الداخل إلى الجناح اللبناني في بينالي البندقية عملاً مشغولاً بحرفية رياضية، ينتقل فيه ضمن أربع مراحل. يبدأ بزخرف، كما يكتشف فضاءً مشغولاً بصور الأشجار التي صُوّرت بالأسود والأبيض بكاميرا الفنان فؤاد الخوري.
وعلى الأرض، يشاهد الزائر خطاً من الزجاج المحطم. يتناثر بما يشبه البصمات أو آثار مجزأة بأشكال مختلفة. إنّها آثار انفجار بيروت (4 أغسطس/آب 2020)، وشكلٌ من أشكال الفراغ الشبيهة ببصمات الرسومات البيانيّة على نطاقٍ واسع في جوف الأشجار.
تتبّع الزائر لهذه الأشكال، يقوده إلى عرض ثلاثي الأبعاد لـ16 شجرة زيتون قديمة، صوّرت ليلاً من قبل المخرج السينمائي والمصوّر والفنان آلان فلايشر، هي تجربة حسيّة لفكرة الفراغ والضوء، مصحوبة بمعزوفة موسيقية من فناني الصوت في مجموعة «سوند ووك كولكتيف».
يصل الزائر في النهاية، إلى الغرفة المركزيّة، وهي مساحة ذات 8 أضلاع ظاهرياً، لكنّها في الداخل على هيئة أسطوانة، تُظهر 16 لوحة رسمتها الفنانة التشكيلية الكبيرة والشاعرة إيتل عدنان تحمل اسم «أوليفيا: إجلال لإلهة شجرة الزيتون»، تجسد من خلالها المهابة الاستثنائية لهذه الشجرات المعمرة، التي شهدت على حضارات تلت حضارات على شاطئ المتوسط. وتُوجت هذه المساحة بسقف كروي محاط بضوء، هو «سقف الصمت».
عمل فني معماري يستوحي لبنان تاريخاً وحاضراً، مجداً عابراً للقرون عبر الطبيعة وشجرها، وقراءة لمأساة الحاضر في زجاج انفجار مرفأ بيروت، حيث يعانق الرسم والشعر الموسيقى التي تصدح في المكان، والصور الفوتوغرافية التي أعطت التوليفة مهابتها.
عناصر تتضافر جميعها، في نموذج لمعمار لبناني، يذهب إلى إيطاليا، ليمثل بلداً هو في أمس الحاجة إلى إعادة بناء.
«سقف للصمت» يعرض للمرة الأولى في البندقية، ويتابع جولته في مدن مختلفة عدة، يبدأها في «متحف بيروت الوطني» بمناسبة افتتاح جناحه الجديد. وفي محطات أخرى سيعرض في طوكيو، لندن وباريس.
وتُنظّم على هامش العرض، مبادرات وحملات توعية في إطار البينالي من أجل رفع مستوى الوعي والاهتمام لدى الرأي العام والخبراء والمهندسين المعماريين العالميين والمحليين، بما يتعلق بإعادة تأهيل التراث المعماري والثقافي المتضرر في مدينة بيروت.
فازت هلا ورده في عام 2016 بمسابقة تهدف إلى منح العاصمة بيروت متحفاً جديداً للفنّ الحديث والمعاصر (BeMA)، أي متحف بيروت الفنّي. واختيرت في عام 2018 لتصميم برج ميرابو، وهو بناء رائد سيشكّل جزءاً من الواجهة البحريّة الجديدة في مدينة مرسيليا.