أين يهبط رواد المستقبل على المريخ؟

دراسة أميركية وضعت خريطة للأماكن المتوقعة

رسم توضيحي لرواد فضاء ينقبون في باطن سطح المريخ (ناسا)
رسم توضيحي لرواد فضاء ينقبون في باطن سطح المريخ (ناسا)
TT

أين يهبط رواد المستقبل على المريخ؟

رسم توضيحي لرواد فضاء ينقبون في باطن سطح المريخ (ناسا)
رسم توضيحي لرواد فضاء ينقبون في باطن سطح المريخ (ناسا)

إذا كنت تريد بناء قاعدة على كوكب المريخ، فمن أين تكون البداية؟ ومثل أي مستوطنة بشرية، سيكون أفضل موقع بالقرب من المياه، والتي لن تكون ضرورية فقط لإمدادات دعم الحياة، بل سيتم استخدامها في كل شيء، بدءاً من الزراعة، وحتى إمداد رواد الفضاء بالوقود الصاروخي الذي سيحتاجون إليه للعودة للأرض.
موارد المياه
وليس من المستساغ نقل كميات المياه اللازمة لذلك إلى المريخ، حيث سيكون الأمر مكلفاً ومحفوفاً بالمخاطر؛ لهذا السبب أشركت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) العلماء والمهندسين منذ عام 2015 لتحديد رواسب الجليد المائي على كوكب المريخ التي يمكن أن تكون في متناول رواد الفضاء على سطح الكوكب، كما أن الماء ستكون له قيمة علمية كبيرة أيضاً، فإذا كان من الممكن العثور على الحياة الميكروبية في الوقت الحاضر على المريخ، فمن المحتمل أن يكون ذلك بالقرب من مصادر المياه أيضاً.
وتتضمن دراسة جديدة ظهرت في 8 فبراير (شباط) الماضي بدورية «نيتشر أسترونومي»، خريطة شاملة توضح بالتفصيل الأماكن التي يتواجد فيها الجليد المائي والأقل احتمالية لتواجده في نصف الكرة الشمالي للكوكب، من خلال توظيف 20 عاماً من البيانات التي جمعتها المركبات الفضائية الأميركية «مارس أوديسي» و«مارس ريكونيسانس أوروبيتر»، و«الماسح الشامل للمريخ».
وفي تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأميركية بالتزامن مع الدراسة، يقول ريتشارد ديفيس، الذي يقود جهود «ناسا» للعثور على موارد المريخ استعداداً لإرسال البشر إلى الكوكب الأحمر «الحدود التالية للمريخ هي أن ينزل المستكشفون البشريون تحت السطح ويبحثون عن علامات الحياة الميكروبية، ونحن ندرك أننا في حاجة إلى عمل خرائط جديدة للجليد الجوفي لتحسين معرفتنا بمكان هذا الجليد من أجل الاكتشاف العلمي والموارد المحلية التي يمكن لرواد الفضاء الاعتماد عليها».
وفي المستقبل القريب، تخطط «ناسا» لعقد ورشة عمل لخبراء متعددي التخصصات لتقييم مواقع الهبوط البشري المحتملة على المريخ بناءً على هذا البحث ومعايير علمية وهندسية أخرى. ووفقاً للخريطة التي وضعتها الدراسة، فإن أفضل أماكن وجود الجليد تحت السطحي، هو المنطقة الواقعة تحت المنطقة القطبية للمريخ.
وعلى الأرض، فإن هذه المنطقة هي المكان الذي تجد فيه كندا وأوروبا، وعلى المريخ، تشمل الوديان المليئة بالأنهار الجليدية في «ديترونليس منساي»، الواقعة في نصف الكرة الشمالي من المريخ، وسهول «أركاديا بلانيتيا». وتمثل هذه المناطق أرضاً وسطاً بين مكان العثور على معظم جليد الماء (القطبين) ومكان العثور على معظم ضوء الشمس والدفء (خط الاستواء).
وتوفر خطوط العرض الوسطى الشمالية أيضاً ارتفاعات ملائمة للهبوط، فكلما انخفض الارتفاع، زادت فرصة إبطاء المركبة الفضائية باستخدام الاحتكاك من الغلاف الجوي للمريخ أثناء هبوطها إلى السطح، وهذا مهم بشكل خاص لمركبات الهبوط الثقيلة من الفئة البشرية، حيث إن كثافة الغلاف الجوي للمريخ تبلغ 1 في المائة فقط مثل كثافة الغلاف الجوي للأرض، وبالتالي فهي توفر مقاومة أقل للمركبات الفضائية القادمة. وبينما يقوم خبراء المريخ بدراسة هذه الخرائط الجديدة للجليد تحت السطح، تفكر «ناسا» بالفعل في الخطوات التالية، عن طريق إرسال مهمة رادار جديدة إلى المريخ يمكن أن تستقر في المناطق ذات الأهمية الأكبر لمخططي المهام البشرية: الجليد المائي في الطبقات العليا من باطن الأرض.
خرائط المريخ
ويمكن أن تخبر مهمة مستقبلية تركز على الرادار وتستهدف السطح القريب العلماء المزيد عن مزيج المواد الموجودة في طبقة الصخور والغبار والمواد الأخرى الموجودة على سطح الجليد، وستتطلب المواد المختلفة أدوات وأساليب متخصصة للحفر والوصول إلى رواسب المياه الجليدية، لا سيما في بيئة المريخ القاسية.
يقول سيدني دو، رئيس مشروع رسم خرائط مياه المريخ في مختبر الدفع النفاث «يمكن أن تساعد جهود رسم الخرائط في عام 2020 في جعل البعثات البشرية إلى المريخ ممكنة في وقت مبكر من عام 2030». وعن أسباب الاهتمام بالمريخ كمكان لاستضافة البشر، يعزو الدكتور محمد بهي الدين عرجون، أستاذ ديناميكا المركبات الفضائية والطيران بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ومدير برنامج الفضاء المصري السابق، ذلك إلى أن كوكب المريخ هو الأقرب إلى ظروف الأرض؛ بسبب اكتشاف علامات للحياة، مثل المياه والأشكال البدائية مثل الحياة الميكروبية.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «الميزة التي قدمتها هذه الدراسة تتعلق بتحديد مكان وجود المياه، لكن يجب التأكيد على أن هذا ليس الشرط الوحيد للحياة، ويجب أيضاً معرفة خصائص مناخ المريخ، وهي المهمة التي يسعى لها مسبار الأمل الإماراتي».
ويسعى المسبار لمعرفة أسباب فقدان غازي الأكسجين والهيدروجين من الغلاف الجوي لكوكب المريخ، وستساعد الإجابة عن هذا السؤال في التخطيط لإنشاء المستعمرات البشرية، كما يؤكد عرجون.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً